الأمـــــل نعمة أم نقمة؟
فئة : ترجمات
الأمـــــل
نعمة أم نقمة؟[1]
يُحتفى بالأمل كثيرًا بوصفه من أعظم فضائل الإنسان - قوة تساندنا في وجه الشدائد وتغذّي أحلامنا بمستقبل أفضل. إنه يُمجّد في الأدب، وعلم النفس، والفلسفة، باعتباره منارةً للصمود والتفاؤل. ومع ذلك، أجدني أتساءل: هل الأمل مفيد على الدوام كما يُصوَّر لنا؟ أليس من الممكن أن يحمل الأمل، الذي يُنظر إليه غالبًا كنعمة، عواقب سلبية نغضّ الطرف عنها؟ وهل يمكن أن يكون الأمل في بعض الأحيان عائقًا لا معينًا على ازدهار الإنسان؟
فكر في هذا أولًا: لكي يوجد الأمل، لا بد أن يوجد معه الشك. الأمل لا يزدهر في ظل اليقين، بل لا تكون له حاجة أصلاً إذا ما كانت الأمور محسومة. هو يتغذى على عدم التيقن، على احتمال أن تتحقق رغباتنا أو لا تتحقق. وعليه، فإن الشك ليس فقط رفيقًا للأمل، بل هو الأساس الذي يقوم عليه. فهل يعني ذلك أن تعلقنا بالأمل يجبرنا على التعايش مع الشك، وربما حتى تقبّله كجزء لا مفر منه من الحياة؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقول هذا الاعتماد على الأمل - ومعه الشك - عن قدرتنا أو استعدادنا لتحمّل مسؤولية تكوين مستقبلنا؟ أليس من الغريب أن يفضل البعض التمسك بالشك، فقط ليستمر لديهم شعور بالأمل؟ وهل يمكن أن يكون التعلق بالأمل سببًا في استمرارنا في حالة من عدم اليقين، حتى حين يكون من الأفضل لنا أن نتخلى عن الأمل ونواجه الواقع كما هو؟ إذا كان الشك هو الوجه الآخر للأمل، فهل من الأنفع أن نواجه الشك مواجهة مباشرة بدلًا من الاحتماء وراء دفء الأمل؟
في هذا المقال، سأعمل على تفكيك هذه الأسئلة وغيرها، لأقدّم رؤيتي التي ترى أن ارتباط الأمل بالشك يقلل من قيمته. ولا أهدف هنا إلى إلغاء الأمل أو التقليل من شأنه، بل إلى دفعنا نحو تأمل أعمق وأكثر تروّيًا لدوره في حياتنا. من خلال استكشاف هذا الوجه المزدوج للأمل – كيف يمكن له أن يحفّزنا على العمل، وفي الوقت نفسه أن يبرّر لنا التهرب منه – أرغب في تسليط الضوء على سؤال جوهري: هل يخدمنا الأمل دائمًا، أم أنه في بعض الأحيان مجرّد إلهاء عن الحضور الكامل في لحظتنا الراهنة؟ بل، أليس من المحتمل أن يكون الأمل، أحيانًا، لعنة متنكرة في هيئة نعمة؟
مشكلات جوهرية في الأمل
من الناحية الاشتقاقية، ترتبط كلمة "أمل" بجذور لغوية تدل على الحركة والتطلع – مثل "القفز" أو "التوثب". وهذا يوحي بأن الأمل يتخذ موقفًا يتجه نحو المستقبل، متجاوزًا الحاضر بطبيعته. قد يبدو هذا لأول وهلة أمرًا غير ضار، بل وربما باعثًا على الإلهام. لكن ماذا يحدث عندما يتحوّل الأمل إلى وسيلة للهروب من اللحظة الراهنة؟ أن تأمل هو، في كثير من الأحيان، أن تعيش على التوقع، أن تقفز بعيدًا عن "الآن" مدفوعًا بإيمانٍ بأن المستقبل سيمنحك ما تفتقده في الحاضر. وهذا التوجه نحو الأمام قد يمنعنا من الانخراط الحقيقي مع الحاضر، أو من اتخاذ خطوات عملية تؤثر في الواقع الذي نعيشه.
عندما نواجه الشدائد، يمكننا إما أن نتحرك لتغيير الواقع، أو أن نأمل ببساطة أن يتغير. والأخيرة، رغم أنها تبعث شيئًا من الراحة، فإنها تشجع على السكون: توفر شبكة أمان عاطفية، تسمح لنا بإرجاء المسؤولية وإلقائها على الزمن، أو القدر، أو قوى خارجة عن إرادتنا. بهذه الطريقة، يمكن أن يصبح الأمل آلية للتجنب، نتحصن بها من مواجهة عدم الراحة في الحاضر، أو من تحمل مسؤولية صياغة المستقبل.
تأمل شخصًا يواجه تحدّيًا شخصيًّا كبيرًا، ويقول: "أتمنى أن تتحسن الأمور". قد تبدو هذه العبارة متفائلة، لكنها في العمق تنقل عبء التغيير إلى ما هو خارج الذات. أما الفعل، فيتطلب مسؤولية، واحتكاكًا مباشرًا بالواقع، واستعدادًا لاحتمال الفشل - وهي أمور أكثر صعوبة، لكنها في النهاية أكثر تمكينًا.
الأمل، الاتكالية، والإيمان
بالنسبة إلى أولئك الذين يضعون إيمانهم في قوة أعلى، غالبًا ما يرتبط الأمل بالثقة في التدخل الإلهي. ومع ذلك، قد يصبح الأمل مشكلة لأولئك الذين يدّعون رفضهم للأطر الخارقة للطبيعة ومع ذلك لا يزالون يعتمدون على الأمل. في مثل هذه الحالات، يمكن أن يصبح الأمل وسيلة لإخفاء نوع من عدم الأمانة الخفية – رغبة في التمتع بثمار التغيير الجيدة دون المشاركة في العمل الفعلي لتحقيقه. عندما نأمل في عالم أفضل، غالبًا ما نعتمد بشكل غير مباشر على الآخرين للقيام بالعمل اللازم لخلق هذا العالم.
في "الأعمال والأيام" للشاعر اليوناني القديم هسيود[2] (حوالي 700 ق.م)، تفتح أول امرأة خلقتها الآلهة، باندورا، جرة (غالبًا ما تُترجم إلى "صندوق")، تكون سببا في انتشار العديد من الشرور في العالم – من بينها المرض والشقاء والموت. ومع ذلك، يبقى شيء واحد داخل الجرة: "إلبس"، والتي تُترجم عادةً إلى "الأمل". التفسير التقليدي هو أن الأمل كان محفوظًا كتعزية للبشرية، شعاع من النور وسط ظلام كل الشرور التي أطلقتها باندورا على العالم. لكن ماذا لو كان هذا التفسير خاطئًا؟ ماذا لو كان الأمل نفسه يُقصد أن يُرى كأحد الشرور، مُحتفظًا به ليس كنعمة، بل كعذاب أخير خبيث؟
فبعد كل شيء، يمكن أن يكون الأمل هو أكثر الأمور قسوة عندما يتم التمسك به بأشد الحاجة، ثم يفشل في النهاية. قد يكون من الأفضل ألّا نأمل من الأساس. أيضًا، فكر في هذا: من خلال ترك الأمل في الجرة، ضمنت الآلهة أن البشرية ستتجنب مواجهة الشرور بشكل مباشر، مما يضمن أن الأمل في تدخل الآلهة الإلهي سيكون حاضرًا إلى الأبد. من هذه الزاوية، لا يُمكّن الأمل، بل يُهدئ. فهو يقنعنا بالانتظار الساكن من أجل مستقبل أفضل يقدمه شخص آخر، بدلاً من أن نتحرك لمواجهة التحديات بأنفسنا. يدعم هذا التفسير الفكرة القائلة بأن الأمل يشتت الانتباه عن الفعل، ويشجع بدلاً من ذلك على نوع من التفويض العاطفي والأخلاقي.
هل كان هسيود قد أدخل هذه الانتقادات في أسطورته، مع ذلك تركها غامضة عمدًا؟
في اليونان القديمة، كانت الأساطير لا تعمل فقط كمصدر للتسلية، بل كانت أيضًا وسيلة للتأملات الأخلاقية والفلسفية. وكان عالم هسيود عالمًا يتسم بالسلطة الإلهية. فقد يكون من المبالغ فيه، وربما الخطير في زمانه، أن يتساءل علنًا عن هبة الآلهة من الأمل-أو أن يقترح بصراحة أنها كانت لعنة. علاوة على ذلك، من خلال ترك طبيعة الأمل غامضة كما فعل، خلق هسيود مساحة للتأمل الأعمق، داعيًا الأجيال القادمة للتعامل مع ازدواجية الأمل. ولن يكون هذا الأسلوب دقيقًا فقط بالنسبة لهسيود، بل إن الأساطير عادة ما تترجم الأفكار التحدّية ضمن الرمزية، مما يسمح لها بنقد القيم السائدة دون تحديها بشكل علني. لذلك، قد تكون أسطورة باندورا بمثابة تحذير مستتر ضد الاعتماد على الأمل كحل شامل. وإذا كان الأمر كذلك، فإنها رسالة تظل صدى عبر العصور.
حجج لصالح الأمل
على الرغم من هذه الانتقادات، فإن للأمل مدافعين يرون أنه أمر أساسي لازدهار الإنسان. فقد سلط الفلاسفة وعلماء النفس وعلماء اللاهوت الضوء على دور الأمل كمحفز وكأداة للمرونة، ووسيلة لتحمل الصعاب. على سبيل المثال، تؤكد "نظرية الأمل" لـ تشارلز سنايدر[3] (من كتاب "نظرية الأمل: قوس قزح في العقل"، مسائل سيكولوجية، 13(4)، 2002) على الدور النشط للأمل في تعزيز الفاعلية (من خلال السماح بالتفاؤل، وبالتالي تحفيز العزيمة لتحقيق الأهداف)، وفي خلق المسارات (مما يلهم إيجاد طرق لتحقيق الأهداف). في هذا الإطار، لا يُعدّ الأمل مجرد حالة سلبية، بل هو قوة دافعة تجبر الأفراد على تحديد الأهداف واتخاذ الإجراءات: بعيدًا عن تجنب المسؤولية، يكون الأفراد المتفائلون غالبًا منخرطين بعمق في تشكيل مستقبلهم. وبالفعل، أظهرت الأبحاث أن الأمل يعزز المرونة ويساعد الأفراد على التكيف مع المصاعب والحفاظ على الصحة النفسية. تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص المتفائلين أكثر عرضة للاستمرار في مواجهة الصعوبات والتعافي من النكسات. وهذا يجعل الأمل عاملاً مفيدًا في التنقل عبر عدم يقين الحياة. تاريخيًا، كان الأمل الجماعي قد أسهم في تأجيج الحركات الاجتماعية والسياسية، مما ألهم الناس للعمل معًا من أجل التغيير. في مثل هذه السياقات، لا يُعدّ الأمل هروبًا، بل هو صرخة حشد من أجل العمل. علاوة على ذلك، فقد جادل بعض الفلاسفة، مثل غابرييل مارسيل، بأن الأمل نفسه هو فعل شجاع - التزام بإمكانية التجديد حتى في وجه اليأس.
غموض الأمل
إن الطبيعة الثنائية للأمل - قدرته على إلهام العمل، ولكنه أيضًا يتيح الهروب - تجعله قوة معقدة وذات طابع متناقض. إذن السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان الأمل جيدًا أم سيئًا بطبعه، بل كيف يُستخدم. عندما يكمل الأمل العمل، يمكن أن يكون محركًا قويًّا، ويعد نعمة. ومع ذلك، عندما يحل محل المسؤولية، فإنه يهدد بأن يصبح لعنة، مما يؤدي إلى استمرار السلبية والاعتماد. إن غموض أسطورة "صندوق باندورا" يدعونا للتعامل مع هذه الثنائية. ومن خلال تساؤلنا عن دور الأمل في حياتنا، نفتح الباب أمام حقيقة أعمق وأكثر تمكينًا: أن ازدهار الإنسان لا يكمن في الانتظار من أجل مستقبل أفضل، بل في التفاعل بشكل هادف مع الحاضر. لكي نعيش بصدق، يجب أن نواجه تحديات الحياة مباشرة، وأن نتحمل المسؤولية عما هو في متناول يدنا، وأن نعمل بنشاط لتشكيل العالم الذي نرغب في رؤيته.
ربما هذه هي الرسالة العميقة المخفية في أسطورة هسيود: الأمل، رغم جاذبيته، ليس حلًّا. إنه مجرد أداة، والأدوات فعّالة فقط بقدر فعالية الأيادي التي تستخدمها. لكي نصل إلى الازدهار الحقيقي، يجب أن نغرس أنفسنا في الحاضر، ونأخذ مسؤولية الخيارات والأفعال التي تشكل حياتنا. إذًا، يمكن أن يلهمنا الأمل، ولكن يجب ألا يحل محل المسؤولية الشخصية. عندما يُستخدم بعناية، يمكن أن يعزز جهودنا؛ وعندما يُعتمد عليه بشكل مفرط، يمكن أن يغرس فينا حالة من الركود. ربما لا نحتاج إلى الأمل بقدر ما نعتقد، إذ ما نحتاج إليه حقًا هو الشجاعة لمواجهة الحياة كما هي، والإصرار على أن نصبح أفضل نسخ من أنفسنا الآن، وليس في يوم من الأيام في المستقبل المأمول.
[1] https://philosophynow.org/issues/167/Hope_Blessing_or_Curse
[2] شاعر ومؤلف يوناني قديم، عاش في القرن الثامن قبل الميلاد. يُعتبر من بين أعظم شعراء اليونان القديمة، وله أعمال مهمة مثل "أعمال وأيام" و"الآلهة". في "أعمال وأيام".
[3] عالم نفس أمريكي معروف بنظريته حول "الأمل" وأثره على الصحة النفسية والرفاهية. طوَّر سنايدرز ما يُعرف بـ "نظرية الأمل" التي تركز على كيفية تأثير الأمل على تحقيق الأهداف وتحفيز الأفراد. وفقًا لنظريته، الأمل ليس مجرد شعور إيجابي، بل هو عملية نشطة تتضمن تحديد الأهداف، وضع خطط لتحقيقها، والبقاء متفائلًا بشأن القدرة على تحقيق تلك الأهداف.