التجربة الصوفيَّة بين الحب والعنف


فئة :  أبحاث محكمة

التجربة الصوفيَّة بين الحب والعنف

التجربة الصوفيَّة بين الحب والعنف([1])


الملخّص:

إنَّ المتأمّل في تاريخ الإنسانيّة، وبالضبط في تاريخ أديانها منذ نشأتها الأولى، يكاد يجزم بأنَّه تاريخ عنف واقتتال وحروب. فإذا كان الاختلاف معطى طبيعيّاً ووجوديّاً لا يمكن الشكّ فيه، فكذلك الدين هو مجال للصراعات والنزاعات، خصوصاً أنَّ أساسه يكمن في تلك الثنائيّات والتقابلات العديدة، من قبيل: حلال وحرام، خير وشر، ثواب وعقاب، جنة ونار... إلخ. ومن ثمّ كانت التجارب الدينيّة، على تنوّعها واختلافها، مرتعاً خصباً للعديد من السجالات والنقاشات والجدالات الفكريّة والعقديّة.

لكن، وبالرغم من كلّ هذه الصراعات التي قد تصير تناقضات في كثير من الأحايين، فإنّنا نؤكد أنَّ المشكل، أو لنقل الإشكال، يكمن في الأديان والمتدينين وليس في "الإله". ومن خلال هذا الطرح ننفي، من جهة، مقولة الإلحاد، على غرار ما أكّده سبنسر، ومن جهة أخرى نقدّم تصوّراً آخر للعلاقة القائمة بين المتديّن والإله.

انطلاقاً من هذه العلاقة التي يقيمها الإنسان مع فكرة الإله، وبناء على تصوّره للدين والاعتقاد، سنضع الأساس الذي سيرتكز عليه بحثنا هذا، ويكمن في التمييز بين نوعين من التجربة الدينيّة: التجربة الأولى التي نقول عنها إنَّها ساذجة، وتتعاطى مع الدين بعقليّة مُغرضة ونفعيّة، وبمنطق الغاية تبرّر الوسيلة. حيث نجد أنَّ المتديّن، بهذا المعنى، يمارس جملة من العبادات والطقوس، إمّا بدافع الخوف من العذاب، في هذا العالم وفي العالم الآخر، أو بدافع الطمع في نيل الأجر والثواب ودخول الجنّة، وفي الغالب هما معاً. والمشكل في هذا التصوّر الغائي للدين يكمن في كون صاحبه يكون متعصّباً لنمط تديّنه الخاص، ويعمل على تصديره وفرضه على الآخرين، ومن ثمّ يكون كلّ مخالف في الدين بمثابة عدو (كافر) ينبغي ثنيه عمّا هو فيه، وإرشاده إلى "الطريق المستقيم" الذي يعتبره هذا المتدين السبيل الوحيد والأوحد المؤدّي إلى الإله، فهو، في نظره، الأصح والأحق بأن يُتبع. وهنا نلمس التعصّب والغطرسة والانغلاق، وكلّ النزعات التي قد تتحوّل إلى تطرّف وعنف وإرهاب.

على نقيض ذلك، هناك التجربة الدينيّة القائمة على الحب، وهي التجربة الصوفيّة، بلغة وليام جيمس. ففي التصوّف ـفي جميع الأديان- هناك حضور قوي للمحبّة، بل إنَّه دين الحب كما أكد ذلك الشيخ الأكبر ابن عربي، ودين العشق أيضاً بلغة مولانا جلال الدين الرومي. وهو الدين الإنساني حسب تعبير إريك فروم. ويشترك كلّ من برتراند راسل ووليام جيمس في اعتبار التصوّف تجربة مرنة تنبني على التفاؤل ومحبّة الحياة؛ وهي بذلك تناهض كلّ أشكال العنف والقتل والحرب.

بناء على ما سبق، نؤكد أنَّ كلّ دين يرى أصحابه أنَّه يدعو إلى القتل والعنف والعدوانيّة، هو دين مشكوك في صحته وأحقيته بأن يُتَّبع. فمهما تعدّدت الأديان واختلفت الملل والعقائد، فإنَّ الإله واحد. ومن حيث هو إله فإنّه رمز للمحبّة والود والرحمة والتسامح. وكلّ من يحارب ويقتل ويُعَنّف باسم الإله فإنَّه، من دون شك، يبتغي وجهاً آخر غير وجه الإله الذي يهلل به. وكما أكّد جون لوك، لو أراد الإله أن يفرض ديناً من الأديان، بالقوّة والعنف، لسخّر لذلك جنود السماء عوض جنود الأرض. ومن هنا نلمس كيف أنَّ الإله، خصوصاً كما تتمثله التجارب الصوفيّة، هو إله المحبّة والرحمة والود والتسامح، وليس إله العنف والإرهاب والتطرّف.

لكلّ ذلك، سنركّز في هذا البحث على دراسة جملة من التجارب الصوفيّة (جلال الدين الرومي، ورابعة العدوية، وابن عربي، والحلاج، والقدّيسة تريزا) لنكشف عمّا تزخر به هذه التجارب من تصوّرات مختلفة للدين أكثر مرونة وليونة وتسامحاً. إضافة إلى دعوة مثل هذه التجارب إلى مناهضة العنف والتطرّف والإرهاب، لنخلص، في الأخير، إلى كون التجربة الصوفيّة هي تجربة حبّ وعشق وتسامح على الرغم من الاختلاف في العقائد والأديان.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا


[1] نشر هذا البحث في ملف "التصوف والعنف" تحت إشراف صابر سويسي، مؤمنون بلا حدود.