الجنسانية والسلطة (محاضرة في اليابان)
فئة : ترجمات
الجنسانية والسلطة
(محاضرة في اليابان)(١)
ميشيل فوكو(٢)
ترجمة: حسام جاسم(٣)
أودّ بدايةً أن أشكر القائمين على جامعة طوكيو على إتاحة الفرصة لي للحضور إلى هنا، وعقد هذا الاجتماع معكم. كنتُ أتمنى لو كانت هناك ندوةٌ نتحاور فيها جميعًا، ونطرح الأسئلة ونحاول الإجابة عنها؛ ولكن في أغلب الأحيان، نطرح الأسئلة بدلًا من الإجابة عنها. وأودّ أن أشكر بشكلٍ خاص السيد واتانابي (Watanabe). فعلى مرّ السنين، يقابلني بلطفٍ في كلّ زيارةٍ له إلى فرنسا، ورعاني رعايةً أبويةً ونفسيةً خلال وجودي في اليابان، ولا أعرف كيف أعبّر عن امتناني لما قدمه وما يقدمه حتى الآن.
بعد ظهر هذا اليوم، فكّرتُ أن تُتاح لنا فرصةٌ للنقاش، في مجموعةٍ صغيرة، حول طاولةٍ نُسمّيها "طاولةً مستديرة"، حتى وإن كانت أحيانًا مُربعة؛ أعني حول طاولةٍ تُتيح تبادلًا مُتكافئًا ومستمرًّا للآراء. إن العدد الكبير من المشاركين، الذي أُقدّره، يُجبرني بالطبع على تقبّل هذا الموقف القيادي المسيطر، هذا الموقف المُنعزل، ويُجبرني أيضًا على التحدث بطريقة مُتواصلة بعض الشيء، حتى وإن حاولتُ جعلها بعيدة عن التعصب قدر الإمكان. على أي حال، لا أرغب في نقل نظرية أو مبدأ، ولا حتى نتيجة بحث؛ لأنه كما ذكر السيد واتانابي، أتيحت لي الفرصة لرؤية أن معظم كتبي ومقالاتي مُترجمة إلى اليابانية. سيكون من غير اللائق ومن الوقاحة من جانبي أن أُعيد النظر فيها وأُفرضها كعقيدة. أفضل أن أشرح وضعي الحالي ونوع الإشكاليات التي أواجهها، وأن أُقدم لكم بعض الفرضيات التي تُشكل أساس عملي الحالي. بالطبع، سأكون سعيدًا جدًّا إذا استطعنا بعد هذه المحاضرة، التي آمل أن تستمر نصف ساعة أو 45 دقيقة، إجراء نقاش، وربما حينها، سيكون الجو، إن صح التعبير، أكثر استرخاءً، وسيكون من الأسهل تبادل الأسئلة والأجوبة. ومن البديهي أن بإمكانكم طرح أسئلتكم باللغة اليابانية، فأنا لن أفهمها، ولكن سيتم ترجمتها لي؛ كما يمكنكم طرح أسئلتكم باللغة الإنجليزية. سأجيبكم بنوع من التهكم، وسنجد حلاً. سأحاول، بما أنكم تكرمتم بحضور محاضرة بالفرنسية، أن أتحدث بوضوح قدر الإمكان. أعلم، بفضل أساتذتكم، أنني لستُ مضطرًّا للقلق بشأن قدرتكم اللغوية، ولكن مع ذلك، فإن آداب الحديث تقتضي مني أن أحاول توضيح ما أقوله. لذا، إذا واجهتم أي مشاكل أو صعوبات، أو إذا لم تفهموا، أو حتى إذا خطر ببالكم سؤال، فقاطعوا حديثي واطرحوا أسئلتكم. نحن هنا من أجل التفاعل والمناقشة وكسر نمط المحاضرات المعتاد قدر الإمكان.
أود اليوم أن أقدم حالة، ليست في الواقع من عملي، بل من فرضياته. أُركز حاليًّا على تاريخ الجنسانية، والذي كنتُ أفترض أنه سيُنشر في ستة مجلدات. آمل ألا أصل إلى النهاية، لكنني أعتقد أن هناك عددًا من الأسئلة التي لا تزال تُحيط بمشكلة تاريخ الجنسانية، والتي قد تكون مهمة إذا ما عولجت بالطريقة الصحيحة. لستُ متأكدًا من أنني سأتعامل معها بشكل مناسب، ولكن ربما يكون طرحها مفيدًا رغم ذلك.
لماذا نخوض في تاريخ الجنسانية؟ بالنسبة لي، يعني ذلك ما يلي: لقد لفت انتباهي أمرٌ ما، وهو أن فرويد والتحليل النفسي اتخذا من نقطة انطلاقهما التاريخية، فينومينون (phenomenon) كانت في نهاية القرن التاسع عشر بالغة الأهمية للطب النفسي، بل وللمجتمع بشكل عام، بل وللثقافة الغربية. هذه الفينومينون الفريدة التي كانت شبه هامشية - أذهلت الأطباء، وأثارت اهتمام الباحثين بشكل عام، كما يمكن للمرء أن يقول؛ أولئك الذين اهتموا، بطريقة أو بأخرى، بشؤون علم النفس المتعددة. كانت هذه الفينومينون هي الهستيريا (hysteria). دعونا نترك جانبًا مشكلة الهستيريا الطبية البحتة؛ فالهستيريا، التي تتميز أساسًا بظاهرة النسيان، وسوء فهم جسيم للذات من جانب الشخص، قد تُصبح، مع تفاقم متلازمة الهستيريا، غافلة عن جزء كامل من ماضيها أو عن جزء كامل من جسدها. بيّن فرويد أن هذه كانت نقطة ارتكاز التحليل النفسي، وأنها في الواقع سوء فهم من جانب الذات، ليس عن ذاتها بشكل عام، بل عن رغبتها، أو عن جنسانيتها، باستخدام كلمة ربما ليست دقيقة تمامًا. إذن، سوء فهم الذات لرغبتها، منذ البداية. وهذه هي نقطة انطلاق التحليل النفسي، ومن ثم، حدد فرويد سوء فهم الذات لرغباتها واستخدمه كأداة عامة للتحليل النظري والبحث العملي لهذه الأمراض.
ماذا عن سوء فهم المرء لرغباته؟ هذا هو السؤال الذي طرحه فرويد باستمرار. ومع ذلك، ورغم ثراء هذه الإشكالية وثراء نتائجها، يبدو لي أن هناك فينومينون أخرى، تكاد تكون نقيضها، فينومينون لفتت انتباهي، ويمكن تسميتها، وهنا أطلب من الأساتذة الفرنسيين أن يصغوا إليها، كما لو كانوا سيطردونني من جامعتهم، ويطلبون مني ألا أطأ قدمي هنا أبدًا، كما سأستخدم كلمة غير موجودة، فينومينون المعرفة المفرطة، أعني معرفة مفرطة، أي متضاعفة، معرفة مكثفة ومفرطة في آن واحد فيما يتعلق بالجنسانية، ليس على المستوى الفردي، بل على المستوى الثقافي والاجتماعي، في أشكال نظرية أو مبسطة. بدا لي أن الثقافة الغربية تأثرت بنوع من التطور، تطور مفرط في الخطاب حول الجنسانية، ونظرية الجنسانية، وعلم الجنسانية، ومعرفة الجنسانية.
ربما يمكننا قول ذلك في المجتمعات الغربية، في نهاية القرن التاسع عشر. كانت هناك فينومينون مزدوجة بالغة الأهمية: من جهة، فينومينون عامة لا تُدرك إلا على المستوى الفردي، وهي سوء فهم الذات لرغباتها، والتي تتجلى بشكل خاص في الهستيريا، ومن جهة أخرى، فينومينون الإفراط الثقافي والاجتماعي والنظري في المعرفة الجنسانية. هاتان الفينومينون - سوء فهم الذات للجنسانية، والمعرفة المفرطة بها في المجتمع - ليستا متناقضتين، بل إنهما تتعايشان في الغرب، وإحدى المشكلات تكمن في فهم كيف يمكن، في مجتمع كمجتمعنا، أن يكون هناك، من جهة، هذا الإنتاج النظري، هذا الإنتاج التأملي والتحليلي المحيط بالجنسانية على المستوى الثقافي، وفي الوقت نفسه، سوء فهم الذات لجنسانيتها.
كما تعلمون، لم يُجب التحليل النفسي عن هذا السؤال مباشرةً. ولا أعتقد أنه يُمكننا القول بحق إنه لم يتطرق اليه، ولكنه لم يتجاهله تمامًا أيضًا. كان اتجاه التحليل النفسي هو القول إن هذا الإنتاج، هذا الإنتاج النظري والخطابي المُفرط فيما يتعلق بالجنسانية في المجتمعات الغربية، لم يكن في الواقع سوى نتاجٍ ونتيجةٍ لمفهومٍ خاطئٍ عن الجنسانية يحدث على المستوى الفردي وفي الذات نفسها، بل أعتقد أن التحليل النفسي سيقول: إن السبب في جهل الذوات بجنسانيتهم ورغباتهم هو وجود هذا الإنتاج الاجتماعي الكامل لخطاباتٍ حول الجنسانية، وهي أيضًا خطاباتٌ خاطئة، وخطاباتٌ غير عقلانية، وخطاباتٌ عاطفية وأسطورية. لنفترض أن التحليل النفسي لم يتناول معرفة الجنسانية إلا بطريقتين: إما من خلال اتخاذ النظريات الشهيرة التي لدى الأطفال حول ولادتهم كنقطة انطلاق، كمثال، وكنوع من مصفوفة معرفة الحياة الجنسانية، حول ما إذا كان لديهم عضو ذكري أم لا، وحول الفرق بين الصبي والفتاة. حاول فرويد التفكير في معرفة الجنسانية من خلال هذا الإنتاج الوهمي الموجود لدى الأطفال، أو مقاربته من خلال الأساطير الدينية الغربية الكبرى. لكنني أعتقد أن المحللين النفسيين لم يأخذوا إشكالية إنتاج النظريات حول الجنسانية في المجتمعات الغربية على محمل الجد.
ومع ذلك، يجب أن نأخذ هذا الإنتاج الضخم، الذي يعود تاريخه إلى زمن بعيد، على الأقل منذ القديس أوغسطينوس والقرون المسيحية الأولى، على محمل الجد، ولا يمكننا ببساطة اختزاله في النماذج التي تقدمها أسطورة أو خرافة، أو حتى نظرية وهميّة. لذا، فإن مشروعي في تاريخ الجنسانية يقلب هذا المنظور رأسًا على عقب، لا للقول إن التحليل النفسي خاطئ، ولا لنفي وجود سوء فهم في مجتمعاتنا من جانب الذات لرغبتها، بل للقول، من جهة، إنه ينبغي لنا أن نسعى لدراسة هذا الإنتاج المفرط للمعرفة الاجتماعية والثقافية حول الجنسانية لذاتها، في أصولها وأشكالها، ومن جهة أخرى، لنحاول معرفة إلى أي مدى يُحتمل أن يُشارك التحليل النفسي ذاته، والذي يعتبر ذاته الأساس العقلاني للمعرفة المحيطة بالرغبة، في هذا الاقتصاد الكبير في الإنتاج المفرط للمعرفة النقدية المتعلقة بالجنسانية. هذا هو محور العمل الذي أريد إنجازه؛ إنه ليس عملًا مضادًا للتحليل النفسي إطلاقًا، بل يهدف إلى إعادة النظر في إشكالية الجنسانية، أو بالأحرى المعرفة المتعلقة بها، انطلاقًا لا من سوء فهم الذات لرغبتها، بل من الإنتاج المفرط للمعرفة الاجتماعية والثقافية، أي المعرفة الجمعية بالجنسانية.
إذا أردنا دراسة هذا الافراط في انتاج المعرفة النظرية المتعلقة بالجنسانية، يبدو أن أول ما نصادفه، وأول ما يلفت انتباهنا في هذه الخطابات التي تبنتها الثقافة الغربية حول الجنسانية، هو أن هذا الخطاب سرعان ما اتخذ شكلاً يُمكننا وصفه بالعلمي. لا أقصد بذلك القول إن هذا الخطاب كان دائمًا عقلانيًا، ولا أقصد القول إنه اتبع دائمًا معايير ما نُسميه الآن الحقيقة العلمية. قبل التحليل النفسي بوقت طويل، في الطب النفسي في القرن التاسع عشر، ولكن أيضًا فيما يُمكننا تسميته بعلم النفس في القرن الثامن عشر، بل والأهم من ذلك، في اللاهوت الأخلاقي في القرن السابع عشر وحتى العصور الوسطى، يُمكننا أن نجد تكهناتٍ شاملة حول ماهية الجنسانية، والرغبة، وما كان يُسمى آنذاك بالشهوة، خطابًا كاملًا ادّعى أنه عقلاني وعلمي، وهنا، كما يبدو لي، يُمكننا أن نُميز فرقًا جوهريًا بين المجتمعات الغربية وعددٍ مُعينٍ من المجتمعات الشرقية على الأقل.
أشير هنا إلى تحليلٍ وضعتُه في مجلدٍ أوليٍّ من "تاريخ الجنسانية"، والذي تكرم السيد واتانابي بترجمته وتعليقه عليه، على ما أعتقد، في إحدى المجلات. إنه التناقض بين المجتمعات التي تسعى إلى الحفاظ على خطابٍ علميٍّ حول الجنسانية كما نفعل في الغرب، والمجتمعات التي يُعد فيها الخطاب حول الجنسانية خطابًا شاملًا، خطابًا متناميًا، خطابًا تضاعف مراتٍ عديدة، ولكنه لا يسعى إلى تأسيس علم، بل يسعى، على العكس، إلى تعريف فنٍّ - فنٌّ يُراد به إنتاج نوعٍ من اللذة، من خلال الجماع أو بالأعضاء التناسلية، يُسعى إلى جعله شديدًا أو قويًا قدر الإمكان أو طويل الأمد قدر الإمكان. ففي العديد من المجتمعات الشرقية، وكذلك في اليونان القديمة وروما، نجد سلسلةً كاملةً من الخطابات حول هذه الإمكانية، حول البحث، في جميع الأحوال، عن أساليب لتكثيف اللذة الجنسية. والخطاب الذي نجده في الغرب، على الأقل منذ العصور الوسطى، يختلف تمامًا عن ذلك.
في الغرب، لا يوجد فنٌّ إيروتيكيّ؛ بمعنى آخر، لا نتعلم ممارسة الحب، ولا نتعلم منح أنفسنا المتعة، ولا نتعلم إنتاج المتعة لدى الآخرين، ولا نتعلم تعظيم متعتنا أو تكثيفها من خلال متعة الآخرين. كل هذا لا يُدرّس في الغرب، وليس لدينا خطابٌ أو تلقينٌ سوى تفاعلٍ سريٍّ بين الأفراد في هذا الفنّ الإيروتيكيّ. من ناحيةٍ أخرى، لدينا، أو نحاول أن نمتلك، علمًا جنسيًّا - أو "scientia sexualis"- يُركّز على الجنسانية لدى الناس، لا على متعتهم، وهو علمٌ لا يُركّز على كيفية جعل المتعة أشدّ ما يمكن، بل على حقيقة هذا الشيء الذي يُمثّل، في الفرد، جنسه أو جنسيته: حقيقة الجنس لا شدة المتعة.
أعتقد أن لدينا نوعين من التحليل، ونوعين من البحث، ونوعين من الخطابات مختلفين تمامًا عن بعضهما البعض، ونجدهما في نوعين من المجتمعات، مختلفين تمامًا أيضًا. سأفتح مجددًا قوسًا صغيرًا: من الواضح أن هذا أمرٌ أودّ مناقشته مع أشخاصٍ تختلف خلفيتهم الثقافية والتاريخية عن خلفيتي، وأودّ تحديدًا، نظرًا لقلة المعلومات عنه في الغرب، أن أفهم ما ينطوي عليه الفن الإيروتيكي في مجتمعاتٍ مثل مجتمعكم، أي في المجتمع الصيني، وكيف تطوّر، وعلى أي أساسٍ من المعرفة. حيث أعتقد أنه سيكون من المثير للاهتمام على أي حال إجراء دراسةٍ مقارنةٍ للفن الإيروتيكي في المجتمعات الشرقية ونشأة العلوم الجنسية في الغرب.
لنعد، إن جاز لنا، إلى الغرب نفسه. ما أودُّ فعله في هذا العمل عن تاريخ الجنسانية هو تحديدًا تاريخ هذا العلم الجنسي، أو ما يُعرف بـ "scientia sexualis"، ليس بهدف تحديد مفاهيمه المختلفة بدقة، أو نظرياته المختلفة، أو ادعاءاته المختلفة التي قد تُشكِّل موسوعةً كاملة. لكن ما يثير فضولي هو لماذا كانت المجتمعات الغربية، ولنقل المجتمعات الأوروبية، في أمسِّ الحاجة إلى علم جنسي، أو على أي حال، لماذا حاولنا، لقرونٍ عديدة وحتى الآن، تأسيس علمٍ للجنسانية؛ بعبارةٍ أخرى، لماذا رغبنا، نحن الأوروبيون، لآلاف السنين، في معرفة حقيقة الجنس بدلًا من بلوغ ذروة المتعة؟ للإجابة عن هذا السؤال، من البديهي أن نواجه مخططًا شائعًا، ألا وهو الفرضية التي تتبادر إلى الذهن فورًا، وتتمثل في القول: هنا في الغرب، وبفضل فرويد بالطبع، وبعد سلسلة من الحركات السياسية والاجتماعية والثقافية المختلفة، نبدأ تدريجيًا في تحرير الجنسانية من قيودها، ونسمح لها بالتحدث، بعد أن كانت مُكبوتة لقرون طويلة. نحن نُحرر الجنسانية نفسها، ونكشف عن شرط ضروري للاعتراف بها، بينما في القرون السابقة، منعنا ثقل الأخلاق البرجوازية، من جهة، والأخلاق المسيحية، من جهة أخرى، حيث حلت الأولى محل الثانية واستمرت معها، ومنعت الغرب من التساؤل جديًا عن الجنسانية. بعبارة أخرى، يتطور المخطط التاريخي الذي يُشار إليه كثيرًا على ثلاث مراحل، ثلاث فترات.
أولاً: في العصور القديمة اليونانية والرومانية، حيث كانت الجنسانية حرة، عبّرت عن نفسها دون صعوبة، بل وطوّرت، أو على الأقل، قدّمت خطابًا في شكل فنّ إيروتيكيّ. وكانت المسيحية قد تدخلت حينها، تلك المسيحية التي حرّمت الجنسانية بشدة، ولأول مرة في تاريخ الغرب، رافضةً اللذة وحتى الجنس. كان هذا الرفض، هذا التحريم، سيؤدي إلى صمتٍ حول الجنسانية، صمتٌ قائمٌ أساسًا على محظوراتٍ أخلاقية. لكن البرجوازية، بدءًا من القرن السادس عشر، وجدت نفسها في وضعٍ من الهيمنة الاقتصادية والهيمنة الثقافية، فتبنّت هذا الزهد المسيحي، هذا الرفض المسيحي للجنسانية، وطبّقته بصرامةٍ أكبر وبوسائل أكثر صرامة، ممّا أطال أمده حتى القرن التاسع عشر، عندما بدأ الستار يُرفع أخيرًا في السنوات الأخيرة بفضل فرويد.
هذا هو المخطط التاريخي المُستخدم عمومًا لتاريخ الجنسانية في الغرب؛ أي إننا نُركز أولًا على آليات القمع والمنع، وما يرفض وما يُقصي وما يُمنع، ثم نُحمّل المسيحية مسؤولية هذا الرفض الغربي الكبير للجنسانية. حيث ستكون المسيحية، إذن، هي التي رفضت الجنسانية.
أعتقد أن هذا المخطط التاريخي المُتعارف عليه غير دقيق، ولا يُمكن التمسك به لعدة أسباب. في الكتاب الذي ترجم فيه السيد واتانابي فصلًا، تساءلتُ بشكل رئيسي عن إشكاليات المنهج، وهذا التركيز على المنع والرفض المُنسب إلى تاريخ الجنسانية. وحاولتُ أن أُبيّن أنه من الأفضل والأكثر فائدةً دراسة تاريخ الجنسانية وفقًا لما حفّزها وأثارها، لا ما منعها. على أي حال، لنترك هذا للزمن. وأعتقد أنه يمكننا الاعتراض بطريقة أخرى على المخطط التقليدي الذي تحدثت عنه للتو، وهذا ما أودّ التحدث عنه معكم: اعتراضٌ ليس على المنهج بل على الواقع. لستُ أنا من صاغ هذا الاعتراض الواقعي؛ بل قام بذلك مؤرخٌ للعصور القديمة يُدعى بول فين (Paul Veyne)، وهو يعمل حاليًا على عدد من الدراسات حول الجنسانية في العالم الروماني قبل المسيحية. وقد اكتشف عددًا من الأمور المهمة التي يجب أن نضعها في اعتبارنا.
كما تعلمون، بشكل عام، عندما نريد توصيف الأخلاق المسيحية فيما يتعلق بالجنسانية، وعندما نريد مقارنتها بالأخلاق الوثنية، أو بالأخلاق اليونانية أو الرومانية، نستخدم الحجج التالية: أولًا، المسيحية هي التي فرضت على المجتمعات القديمة قاعدة الزواج الأحادي (monogamy)؛ ثانيًا، المسيحية هي التي جعلت من الإنجاب وظيفة الجنسانية، ليس فقط كوظيفة مميزة أو رئيسة، بل كوظيفة حصرية ووحيدة، وهي ممارسة الجنس لإنجاب الأطفال. وأخيرًا، ثالثًا، كان بإمكاني البدء من هنا، باستبعاد عام للمتعة الجنسية. حيث المتعة الجنسية خطيئة يجب تجنبها، وبالتالي يجب التقليل من شأنها قدر الإمكان. امنح المتعة الجنسية دورًا صغيرًا قدر الإمكان، واستخدمها فقط رغمًا عنك لإنجاب الأطفال، وإنجابهم، يعني ممارسة العلاقات الجنسية، وإيجاد المتعة فيها، فقط في إطار الزواج الشرعي الأحادي. يُقال إن هذه السمات الثلاث تُعرّف المسيحية.
ومع ذلك، يُظهر عمل بول فين أن هذه المبادئ الثلاثة الرئيسة للأخلاق الجنسية كانت موجودة في العالم الروماني قبل ظهور المسيحية، وأنها نظام أخلاقي متكامل، مستمد إلى حد كبير من الرواقية، مدعوم بالبنيات الاجتماعية والأيديولوجية للإمبراطورية الرومانية التي بدأت، قبل المسيحية بوقت طويل، في غرس هذه المبادئ في سكان العالم الروماني، أي سكان العالم الوحيدين من منظور أوروبي: في ذلك الوقت، كان الزواج والاحتفاظ بالزوجة، وممارسة الحب معها لإنجاب الأطفال، والتحرر قدر الإمكان من طغيان الرغبة الجنسية، شيئًا تعلمه المواطنون، سكان الإمبراطورية الرومانية قبل ظهور المسيحية. لذلك، فإن المسيحية ليست مسؤولة، كما يُقال غالبًا، عن هذه المجموعة الكاملة من المحظورات، والاستبعادات، ومحددات الجنسانية. إن التعدد في الزوجات، والمتعة خارج إطار الزواج، وتقدير المتعة، واللامبالاة تجاه الأطفال، كانت قد اختفت بالفعل من العالم الروماني قبل المسيحية، ولم يتبق سوى نخبة صغيرة، طبقة اجتماعية صغيرة للغاية من الأغنياء المتميزين، وبالتالي الفاسدين، الذين لم يمارسوا هذه المبادئ، ولكن في الغالب، كانت متأصله بالفعل.
هل نقول إذن إن المسيحية لم تلعب أي دور في تاريخ الجنسانية؟ في الواقع، أعتقد أن المسيحية لعبت دورًا، لكن دورها لم يكن إدخال أفكار أخلاقية جديدة، ولم يكن الأمر يتعلق بإدخال أو مساهمة أو فرض محظورات جديدة. يبدو أن ما أدخلته المسيحية إلى تاريخ الأخلاق الجنسية كان تقنيات جديدة. تقنيات جديدة لفرض هذه الأخلاق، أو بالأحرى، مجموعة من آليات السلطة الجديدة لغرس هذه الضرورات الأخلاقية الجديدة، أو بالأحرى هذه الضرورات الأخلاقية التي لم تعد جديدة عندما اخترقت المسيحية الإمبراطورية الرومانية وأصبحت، بسرعة كبيرة، دين الدولة. إذن، ينبغي أن نتناول تاريخ الجنسانية في العالم الغربي منذ المسيحية من منظور آليات السلطة هذه أكثر بكثير من منظور الأفكار الأخلاقية والمحظورات الإتيقية.
السؤال إذن: ما هي إذن آليات السلطة الجديدة التي أدخلتها المسيحية إلى العالم الروماني، مُثمّنةً تلك المحظورات التي كانت معروفة ومقبولة؟
هذه السلطة هي ما أسميه، أو بالأحرى، ما يُسمى بالرعوية؛ أي وجود فئة من الأفراد المميزين والمتفردين داخل المجتمع، لا يُحددون بدقة مكانتهم الاجتماعية ولا مهنتهم ولا مؤهلاتهم الأخلاقية أو الفكرية الفردية، بل أفرادٌ يلعبون، في المجتمع المسيحي، دور الراعي تجاه أفراد آخرين يشبهونهم في التبعية والهيمنة. أعتقد أن ظهور هذا النوع من السلطة، هذا النوع من التبعية، هذا النوع من الهيمنة داخل المجتمع الروماني أو القديم فينومينون بالغة الأهمية.
أول ما يجب ملاحظته في هذا الموضوع هو أنه لم يخطر ببال أحد قط في العصور القديمة اليونانية أو الرومانية أن أفرادًا معينين يمكنهم لعب دور الراعي تجاه الآخرين، مرشدين إياهم طوال حياتهم، من الولادة إلى الممات. لم تُعرّف الشخصيات السياسية في الأدب اليوناني أو الروماني قط بأنها رعوية أو رعاة.
فعندما يتساءل أفلاطون (Plato) في كتابه "رجل الدولة" عن ماهية الملك، وما هو الأرستقراطي، وما هو حاكم المدينة، فإنه لا يتحدث عن راعٍ، بل عن حائك يجمع أفراد المجتمع كخيوطٍ ينسجها في نسيجٍ بديع. فكرة القطيع غير موجودة، ولا فكرة الراعي كذلك.
من ناحية أخرى، نجد فكرة أن القائد، تجاه من يحكمهم، كالراعي على قطيعه، ليس في العالم الروماني، بل في عالم شرق البحر الأبيض المتوسط. حيث نجدها في مصر، وكذلك في بلاد ما بين النهرين وآشور. ونجدها بشكل خاص في المجتمعات العبرية حيث يُعتبر موضوع القطيع والراعي موضوعًا أساسيًا للغاية، موضوعًا دينيًا وأخلاقيًّا واجتماعيًّا. فالإله يهوه راعي شعبه. وشعب يهوه في الواقع قطيع. تسلّم داود، أول ملوك إسرائيل، من يد يهوه مهمة رعاية شعب سيصبح قطيعه، فيُمنح خلاص الشعب اليهودي، ويُضمن يوم عودة القطيع إلى حضن يهوه. لذا، يكتسب هذا الموضوع الرعوي أهمية كبيرة في عدد كبير من مجتمعات شرق البحر الأبيض المتوسط، بينما لا وجود له لا لدى اليونانيين ولا لدى الرومان.
هذه السلطة الرعوية التي نجدها بهذا الشكل المتطور في مصر وآشور والشعب العبري، ما هي مكوناتها وكيف تُعرّف نفسها؟ يمكننا وصفها بسرعة بالقول إن السلطة الرعوية تتناقض مع السلطة السياسية التقليدية المعتادة، من حيث أنها لا تركز أساسًا على إقليم، بل تحكم عددًا كبيرًا من الأفراد. تحكم الأغنام، والماشية، والحيوانات. تحكم قطيعًا وقطيعًا في حالة حركة. حيث إن حكم عدد كبير من القطيع المتحرك هو ما يميز الراعي. هذه السلطة هي التي ستكون السمة المميزة للسلطة الرعوية. وظيفتها الرئيسية ليست ضمان النصر بقدر ما هي عدم المطالبة بأراضٍ. هدفها الأساسي ليس الغزو، أو حتى كمية الثروات أو العبيد التي يمكن استعادتها من الحرب. بعبارة أخرى، الهدف الرئيس للسلطة الرعوية ليس إيذاء أعدائها، بل فعل الخير لمن هم تحت رعايتها. افعل الخير بالمعنى المادي للكلمة: بإطعامهم، وتوفير قوت يومهم، وتوفير المرعى لهم، وإرشادهم إلى الينابيع، وسقيهم، وإيجاد مراعي خصبة لهم. فالسلطة الرعوية إذن سلطة تضمن رزق الأفراد والجماعة في آن واحد، على عكس السلطة التقليدية التي تتجلى أساسًا في الانتصار على من يخضعون لها. إنها ليست سلطة منتصرة، بل سلطة خيرية.
أما السمة الثالثة لهذه السلطة الرعوية، فتتجلى في الحضارات التي تحدثت عنها: فبما أن هدفها الرئيس هو ضمان رزق القطيع، فهي في جوهرها مسؤولية، ومن سماتها الأخلاقية التفاني التام، والتضحية بالنفس عند الحاجة من أجل خرافها. وهذا ما نجده في عدد من النصوص التوراتية الشهيرة التي كثيرًا ما يستشهد بها المفسرون: الكاهن الصالح، الراعي الصالح، هو من يقبل التضحية بحياته من أجل خرافه. في السلطة التقليدية، تُقلب هذه الآلية رأسًا على عقب: ما يُكوّن المواطن الصالح هو القدرة على التضحية بنفسه بأمر الحاكم أو الاستعداد للموت من أجل ملكه. أما هنا، فالأمر عكس ذلك: الملك، الراعي، هو من يقبل الموت من أجل التضحية بنفسه.
وأخيرًا، ولعل هذه هي السمة الأهم، فالسلطة الرعوية فردية، أي أن الوظيفة الأساسية للملك أو الحاكم هي إنقاذ الدولة بأكملها، والإقليم، والمدينة، والمواطنين جمعيًا، بينما الكاهن الصالح، الراعي الصالح، قادر على رعاية كل فرد على حدة، فردًا فردًا. إنها ليست سلطة شاملة. بالطبع، على الراعي ضمان خلاص القطيع، ولكن عليه أيضًا ضمان خلاص جميع الأفراد. ونجد بسهولة هذا المفهوم للراعي في النصوص العبرية وفي عدد من النصوص الآشورية أو المصرية. إذن، إنها سلطة تتعلق بتعددية - تعدد أفراد في حركة دائمة، ينتقلون من مرحلة إلى أخرى - سلطة نكران الذات، مضحية، فردية.
يبدو لي أن المسيحية، منذ أن أصبحت، داخل الإمبراطورية الرومانية، قوة تنظيمية سياسية واجتماعية، سمحت لهذا النوع من السلطة بالدخول إلى عالم كان يجهلها تمامًا حتى ذلك الحين. سأتجاوز هنا كيفية حدوث الأمور على أرض الواقع، وكيف تطورت المسيحية ككنيسة، وكيف تولى الكهنة، داخل الكنيسة، منصبًا ومكانة معينة، وكيف أُجبروا بعد ذلك على تحمل عدد من المسؤوليات، وكيف أصبحوا فعليًا رعاة الجماعة المسيحية. أعتقد أنه من خلال تنظيم الرعوية في المجتمع المسيحي، بدءًا من القرن الرابع، وحتى القرن الثالث بعد الميلاد، تطورت آلية للسلطة ستكون بالغة الأهمية لتاريخ المسيحية في الغرب، وبشكل خاص، للجنسانية أيضًا.
بشكل عام، ماذا يعني أن يعيش الأشخاص الغربيون في مجتمع يسود فيه هذا النوع من السلطة الرعوية؟
أولاً: وجود راعٍ يعني أن على كل فرد السعي للخلاص. بمعنى آخر، بالنسبة إلى الغرب المسيحي، الخلاص مسألة فردية، على كل فرد أن يسعى للخلاص، وليس مسألة اختيار. لم تمنح المجتمعات المسيحية الأفراد حرية القول: "في الواقع، لا أريد الخلاص". كان مطلوبًا من كل فرد السعي للخلاص: "ستُخلص، أو بالأحرى، ستبذل كل ما في وسعك للخلاص، وسنبدأ بمعاقبتك وأنت في هذا العالم إن لم تبذل كل ما في وسعك للخلاص". تكمن سلطة الراعي تحديدًا في سلطته على إجبار الناس على بذل كل ما في وسعهم للخلاص: خلاص إلزامي.
ثانيًا: هذا الخلاص الإلزامي لا يُنجز منفردًا. نحن نفعله لأنفسنا بالطبع، ولكن لا يمكننا تحقيقه إلا إذا قبلنا سلطة الآخرين. بقبول سلطة غيرنا، يجب أن يكون كل عمل من أعمالنا معروفًا، أو على الأقل يمكن أن يكون معروفًا، من قِبل الراعي/القس الذي يملك السلطة على الفرد أو على العديد من الأفراد، والذي يمكنه بالتالي أن يقول نعم أو لا: هكذا ينبغي أن تتم الأمور، ونحن نعلم أنه لا يمكن القيام بها بطريقة أخرى. وهذا يعني أنه إلى جانب البنيات القضائية القديمة التي عرفتها جميع المجتمعات منذ زمن طويل، هناك عدد من القوانين المقبولة التي تُعاقَب على مخالفاتها - يُضاف نوع آخر من التحليل السلوكي، وهو شكل آخر من أشكال اللوم والإدانة، وهو أدق وأشد وأكثر رسوخًا: ذلك الذي يضمنه الراعي/القس. حيث يمكن للراعي أن يُجبر الناس على فعل كل ما هو ضروري لخلاصهم، وهو في وضع يسمح له بالإشراف، وبالتأكيد الحفاظ على رقابة وتحكم مستمرين على الآخرين.
ثالثًا: في المجتمع المسيحي، الراعي/القس هو شخص يمكنه طلب الطاعة المطلقة من الآخرين، وهي ظاهرة بالغة الأهمية وجديدة. بالطبع، عرفت المجتمعات الغالية-رومانية (Gallo-Roman) قوانين وقضاة، وسلطة إمبراطورية استبدادية تمامًا. لكن لم يكن ليخطر ببال أحد، في العصور القديمة اليونانية والرومانية، أن يطلب من شخص طاعة كاملة ومطلقة وغير مشروطة لشخص آخر. ومع ذلك، هذا ما حدث بالضبط مع ظهور الراعي ووظيفة الراعي في المجتمع المسيحي. يستطيع الراعي أن يفرض إرادته على الآخرين، وفقًا لقراره الخاص، دون وجود قواعد أو قوانين عامة؛ لأن، وهذا هو المهم في المسيحية: لا يطيعون للوصول إلى نتيجة معينة، ولا يطيعون، مثلًا، لمجرد اكتساب عادة أو موهبة أو حتى فضيلة. في المسيحية، أقصى درجات الفضيلة هي بالتحديد الطاعة. يجب أن تؤدي الطاعة إلى حالة من الطاعة. والبقاء على الطاعة شرط أساسي لجميع الفضائل الأخرى. طاعة لمن؟ طاعة للراعي. إنه نظام طاعة شاملة، والتواضع المسيحي الشهير ليس إلا شكلاً داخليًّا من هذه الطاعة. أنا متواضع؛ أي إنني أقبل الأوامر ممن يُصدرها إليّ، وأنا قادر على إدراك أن هذه الإرادة الأخرى هي إرادة الرب ذاتها.
أخيرًا، وهذا أمرٌ أعتقد أنه سيعيدنا إلى إشكاليتنا الأولى، ألا وهي تاريخ الجنسانية، فقد جلبت الرعوية سلسلةً كاملةً من التقنيات والإجراءات التي تُعنى بالحقيقة وإنتاجها. يُعلّم الراعي/القس المسيحي، وهو في ذلك يتبع، بالطبع، تقاليد أساتذة الحكمة أو أساتذة الحقيقة، كالفلاسفة والمربين القدماء. يُعلّم الحقيقة، ويُعلّم الكتابة، ويُعلّم الأخلاق، ويُعلّم وصايا الرب ووصايا الكنيسة. وبهذا يكون مُعلّمًا، لكن الراعي المسيحي هو أيضًا مُعلّم الحقيقة بمعنىً آخر. لكي يُؤدي واجبه، يجب على الراعي المسيحي أن يعرف كل ما يفعله رعيته، وكل ما يفعله القطيع، وما يفعله كل فرد فيه في كل لحظة، كما يجب عليه أن يعرف من الداخل كل ما يحدث في النفس والقلب، وأعمق أسرار كل فرد. هذه المعرفة بباطن الأفراد ضروريةٌ للغاية لممارسة الرعوية المسيحية.
ماذا يعني معرفة باطن الأفراد؟ يعني ذلك أن الراعي سيمتلك وسائل التحليل والتأمل واستشراف ما يجري، ولكنه سيُلزم أيضًا المسيحي بإخبار راعيه بكل ما يدور في أعماق نفسه؛ وبالأخص، سيضطر إلى اللجوء إلى هذه الممارسة التي أعتقد أنها خاصة بالمسيحية: الاعتراف المستمر والمُعمّق. ويجب على المسيحي أن يعترف باستمرار لمن يُرشد ضميره، وهذا الاعتراف المُعمّق سيُنتج حقيقةً لم تكن معروفةً للراعي، ولا للفرد أيضًا؛ هذه الحقيقة، المُكتسبة من خلال فحص الضمير، من خلال الاعتراف، هذا الإنتاج للحقيقة الذي يتطور جنبًا إلى جنب مع توجيه الضمير، وتوجيه النفوس، سيُشكل نوعًا من الرابط الدائم بين الراعي وقطيعه وكل فرد من قطيعه. إن الحقيقة، إنتاج الحقيقة الباطنية، إنتاج الحقيقة الذاتية، عنصرٌ أساسيٌ في ممارسة الراعي.
لقد وصلنا الآن إلى إشكالية الجنسانية. ما الذي كان على المسيحية التعامل معه في تطورها، بدءًا من القرنين الثاني والثالث؟ كان عليها التعامل مع مجتمع روماني كان قد تقبّل، في معظمه، أخلاقياته، أخلاقيات الزواج الأحادي، والجنسانية، والتكاثر التي كنت أحدثكم عنها. كذلك، كان أمام المسيحية، أو بالأحرى بجوارها، أو خلفها، نموذجٌ للحياة الدينية المكثفة، وهو الرهبنة الهندوسية والبوذية، وقد تبنّى الرهبان المسيحيون الذين انتشروا في شرق البحر الأبيض المتوسط بدءًا من القرن الثالث، إلى حدٍّ كبير، ممارساتٍ زهدية. ولطالما وجدت المسيحية نفسها عالقةً بين مجتمعٍ مدنيٍّ تقبّل عددًا من الضرورات الأخلاقية وبين هذا المثل الأعلى للزهد المطلق؛ فقد سعت، من جهة، إلى إتقان هذا النموذج من الزهد البوذي، واستيعابه مع السيطرة عليه، ومن جهةٍ أخرى، إلى الاستيلاء عليه لتتمكن من قيادة هذا المجتمع المدني للإمبراطورية الرومانية من الداخل.
بأي وسيلةٍ كان سيتسنى لها ذلك؟ أعتقد أن مفهوم الجسد، بالغ الصعوبة والغموض، هو الذي مكّن من إرساء هذا النوع من التوازن بين الزهد المنعزل عن العالم والمجتمع المدني الدنيوي. أعتقد أن المسيحية وجدت سبيلاً لإرساء نوعٍ من السلطة التي تتحكم بالأفراد من خلال جنسانيتهم، والتي تُعد أمراً يجب الحذر منه، أمراً يُدخل الأفراد دائماً في فخ الإغراء والسقوط. ولكن في الوقت نفسه، لم يكن من الممكن إطلاقاً أن يقع المرء في زهدٍ راديكالي حول رفض كل ما يمكن أن يأتي من الجسد باعتباره ضاراً وشراً. كان لا بد من السماح للجسد بملذاته، وجنسانيته، بأن يعمل ضمن مجتمعٍ له احتياجاته ومتطلباته، وله تنظيمه الأسري وحاجته للتكاثر. كان هذا المفهوم آنذاك، في الواقع، معتدلاً نسبياً فيما يتعلق بالجنسانية، لدرجة أن الجسد المسيحي لم يُنظر إليه قط على أنه شر مطلق يجب القضاء عليه، بل كمصدر دائم، داخل الذاتية، داخل الفردانية، لإغراء قد يقود الفرد إلى ما وراء الحدود التي تفرضها الأخلاق المشتركة؛ أي الزواج، والزواج الأحادي، وجنسانية التكاثر، وتقييد المتعة واستبعادها.
لذا، كانت أخلاقاً معتدلةً بين الزهد والمجتمع المدني التي أسستها المسيحية وطبقتها من خلال جهاز الرعوية هذا، لكن مكوناتها الرئيسة استندت إلى هذه المعرفة الخارجية والداخلية، معرفةٌ دقيقةٌ ومفصلةٌ للأفراد من خلال أنفسهم ومن خلال الآخرين. بعبارةٍ أخرى، من خلال تكوين ذاتية، ووعيٍ بالذات منسجمٍ باستمرار مع نقاط ضعف المرء، وإغراءاته، وجسده؛ من خلال تكوين هذه الذاتية، نجحت المسيحية في جعل هذه الأخلاق العادية نسبيًا وغير المثيرة للاهتمام تعمل بين الزهد والمجتمع المدني. يبدو لي أن هذه التقنية الاستبطانية، هذه التقنية المتمثلة في الوعي الذاتي بنقاط ضعف المرء، وجسده، وجنسانيته، وبدنه، كانت الإسهام الرئيس للمسيحية في تاريخ الحياة الجنسانية. حيث البدن هو ذاتية الجسد؛ والبدن المسيحي هو الجنسانية المأخوذة من داخل هذه الذاتية، هذا الخضوع للفرد لذاته، والذي كان النتيجة الرئيسة لإدخال السلطة الرعوية في المجتمع الروماني. ويبدو لي أنه بهذه الطريقة يمكننا فهم كل هذا على أنه سلسلة من الفرضيات، وبالطبع الدور الحقيقي الذي لعبته المسيحية في تاريخ الجنسانية. ليس، إذن، المنع والرفض، بل إرساء آلية للسلطة والسيطرة كانت في الوقت نفسه آلية للمعرفة، لمعرفة الأفراد، ولكن أيضًا معرفة الأفراد لذواتهم وفيما يتعلق بها. كل هذا يُشكّل البصمة الخاصة للمسيحية، ولذلك أعتقد أنه يُمكن دراسة تاريخ الجنسانية في المجتمعات الغربية انطلاقًا من آليات السلطة.
هذا إذن، وبصورة مُبسطة للغاية، هو إطار ما قمتُ به. إنه ببساطة إطار، لا شيء مؤكد، إنها مجرد فرضيات يُمكنكم طرحها عليّ كاستفسارات. وبالطبع، إذا كانت لديكم أي اعتراضات أو اقتراحات أو انتقادات أو تأكيدات، فسيسعدني سماعها.
مناظرة:
شيغيهيكو هاسومي (٤):
إن طرح أسئلة على السيد فوكو ليس بالأمر الهيّن، ولكن ليس بسبب جهلي أو خجلي. تكمن الصعوبة تحديدًا في وضوح عرضه. لقد اعتدنا جميعًا على هذا الوضوح بفضل كتاباته. في جميع كتبه، يُعلن في كل مرة وبشكل دقيق عن الإشكالية التي سيتناولها والوسائل التي سيحللها من خلالها، محاولًا تحديد الشروط والظروف التي تجعل عمله ضروريًا، وما سمعناه للتو يؤكد هذا الوضوح وهذه الدقة. هنا، مرة أخرى، حرص على الإجابة على جميع الأسئلة مسبقًا والرد مسبقًا على أي اعتراضات قد تُثار. لذلك، ليس لديّ ما أطلبه منه تقريبًا، ولكن لبدء النقاش، أود ببساطة أن أسأله ما يلي:
في فصلك الافتتاحي في الكوليج دو فرانس، أتذكر أنك تناولت الجنسانية من زاوية القمع والإقصاء: كان الخطاب حول الجنسانية عرضة للحظر والتضييق. لكن، بدءًا من كتاب "إرادة المعرفة"، لم تعد تُعامل الجنسانية كموضوع للقمع، بل كشيء ينتشر في المجال العلمي. وفي هذا الصدد، كثيرًا ما يتحدث الناس عن تغيير في ميشيل فوكو، وقد كان البعض سعيدًا جدًا بهذا التغيير....
ميشيل فوكو:
... وآخرون غير سعيدين على الإطلاق.
شيغيهيكو هاسومي:
لا أعتقد شخصيًّا أن هذا هو الحال. لم تتغير، ولم تتخلَّ عن فرضية القمع، لكنك شككت فيها لصياغة إشكالية السلطة بطريقة مختلفة.
ميشيل فوكو:
أشكرك على هذا السؤال المهم، الذي يستحق الطرح. لقد صغته، في رأيي، بأفضل طريقة ممكنة.
صحيح أنني حتى في النصوص الحديثة، أشرت بشكل رئيس إلى مفهوم السلطة وآلياتها، وهو مفهوم قانوني إلى حد ما. إن التحليلات التي أحاول إجراؤها، ولست الوحيد الذي يحاول القيام بذلك، جزئية ومجزأة بشكل واضح. لا يتعلق الأمر إطلاقًا ببناء نظرية عامة للسلطة، ولا بتحديد ماهيتها ومصدرها. لقد طرحنا هذا السؤال لقرون، بل لآلاف السنين في الغرب، ولم تكن الإجابات مُرضية على الإطلاق. ما أحاول فعله، على المستوى الإمبيريقية، هو تناول الأمور من منظور وسطي، إن صح التعبير. ليس: "من أين تأتي السلطة؟ إلى أين تذهب؟"، بل: "كيف تنتشر وكيف تعمل؟ ما هي علاقات السلطة؟ كيف يمكننا وصف بعض علاقات السلطة الرئيسة الفاعلة في مجتمعنا؟"
لذلك، لا أتصور السلطة بمعنى الحكومة أو الدولة. ما أقوله هو: بين مختلف الناس، في الأسرة، في الجامعة، في الثكنة، في المستشفى، في الاستشارة الطبية، هناك علاقات سلطة مؤثرة. ما هي هذه القوى، وإلى ماذا تؤدي، وكيف تربط الأفراد ببعضهم البعض، ولماذا تُقبل، ولماذا لا تُقبل في حالات أخرى؟ لنُجرِ هذا التحليل، إن شئتم، من الوسط وبشكل إمبيريقي. هذا هو الأمر الأول.
أما الأمر الثاني، فأنا لستُ أول من حاول ذلك، بل على العكس تمامًا. فقد تساءل المحللون النفسيون، فرويد، وكثيرون من خلفائه، ولا سيما ماركوز ورايش، وغيرهم، ليس عن أصل السلطة أو أساسها، أو شرعيتها، أو أشكالها العالمية، بل عن كيفية عملها في نفسية الفرد، أو في لا وعيه، أو في اقتصاد الرغبة، وكيف تتجلى في علاقات السلطة. ما علاقة الأب، مثلاً، برغبة الفرد؟ أو كيف يُنقش منع الاستمناء، أو حتى علاقات الأب والأم، وتوزيع الأدوار، وما إلى ذلك، في نفسية الأطفال. وبالتالي، فقد كانوا هم أيضًا، بطبيعة الحال، يقومون بتحليل آليات السلطة، وعلاقات السلطة، من الوسط وبشكل إمبيريقي.
لكن ما أدهشني هو أن هذه التحليلات اعتبرت دائمًا أن وظيفة السلطة ودورها هو الرفض، والمنع، والردع، ووضع حد، وبالتالي، كان تأثيرها الرئيس جميع الفينومينا (phenomena) الإقصاء، والهسترة، والطمس، والإخفاء، والنسيان، أو، إن صح التعبير، تكوين اللاوعي. حيث يتشكل اللاوعي بلا شك - سيقول المحللون النفسيون إنني أتسرع - على أساس علاقة سلطة. أعتقد أن هذا المفهوم أو الفكرة القائلة بأن آليات السلطة هي دائمًا آليات منع كانت شائعة. كانت فكرةً لها، كما يمكن القول، ميزة سياسية، ميزة فورية، وبالتالي كانت تكاد تكون خطيرة لأنها تسمح للمرء بالقول: "دعونا نتخلص من المحظورات، وعندها فقط، ستختفي السلطة، وسنكون أحرارًا يوم نتخلص من القيود". لكن ربما يكون هذا تسرعًا مفرطًا...
على أي حال، لقد تغيرت كثيرًا في هذا الصدد. لقد تغيرت بعد أن أجريت دراسة مفصلة، ودقيقة قدر الإمكان، عن السجون وأنظمة المراقبة والعقاب في المجتمعات الغربية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وخاصة نهاية القرن الثامن عشر. بدا لي أننا في المجتمعات الغربية شهدنا تطورًا، في نفس الوقت الذي تطورت فيه الرأسمالية في الواقع، لسلسلة كاملة من الإجراءات، وسلسلة كاملة من التقنيات للسيطرة على سلوك الأفراد، ومراقبتهم، والتحكم في تصرفاتهم، وطرق عملهم، وأماكن معيشتهم، وقدراتهم، ولكن الوظيفة الرئيسية لهذه الآليات لم تكن المنع.
بالطبع لقد حظروا وعاقبوا، ولكن الهدف الرئيسي من هذه الأنواع من السلطة وما جعلها فعالة وقوية هو السماح للأفراد، وإجبارهم على مضاعفة فعاليتهم وقواهم وقدراتهم، وباختصار، كل ما جعل من الممكن استخدامهم في جهاز الإنتاج في المجتمع: تدريبهم، ووضعهم حيث يكونون أكثر فائدة، وتكوينهم بحيث يكون لديهم قدرة أو أخرى؛ هذا ما حاول الجيش فعله، بدءًا من القرن السابع عشر، عندما فُرضت الانضباطات الكبرى، وهو أمر لم يكن معروفًا من قبل. لم تكن الجيوش الغربية منضبطة في السابق، بل أصبحت منضبطة، وكان يُطلب من الجنود ممارسة الرياضة، والسير في صفوف، وإطلاق النار بالبنادق، والتعامل مع البنادق بطريقة معينة من أجل تعظيم فائدة الجيش. وبالمثل، كان هناك تدريب كامل للطبقة العاملة، أو بالأحرى لما لم يكن بعد طبقة عاملة، بل لعمال قادرين على العمل في ورش كبيرة، أو حتى في عائلات صغيرة أو حرفية، والذين تم تعليمهم الاعتياد على العيش في مكان معين، وإدارة أسرهم. وبالتالي، كان هناك إنتاج للأفراد، وإنتاج لقدراتهم، وإنتاجية الأفراد؛ كل ذلك تم الحصول عليه من خلال آليات السلطة التي توجد فيها محظورات، ولكنها موجودة فقط كأدوات. في الغالب، لم يكن هذا التأديب للأفراد سلبيًا.
يمكنك أن تقول وتصدق أن هذا كان كارثيًا، ويمكنك إضافة كل ما تشاء من الصفات الأخلاقية والسياسية السلبية، لكن ما أقصده هو أن الآلية لم تكن في جوهرها منعًا، بل إنتاجًا، وتكثيفًا، وانتشارًا. عندها قلت لنفسي: في مجتمعاتنا، هل للسلطة حقًا، كشكل وهدف، المنع والرفض؟ أليست آليات السلطة راسخة في مجتمعاتنا أكثر من ذلك، أليست هي القادرة على إنتاج شيء ما، أليست هي القادرة على الانتشار والتكثيف؟ وهذه هي الفرضية التي أحاول الآن تطبيقها على الجنسانية: يبدو أن الجنسانية هي في الواقع أكثر ما يمكن تخيله محرمًا؛ فنحن نمنع الأطفال باستمرار من الاستمناء، والمراهقين من ممارسة الحب قبل الزواج، والبالغين من ممارسة الحب بطريقة معينة مع شخص معين. عالم الجنسانية عالم مليء بالمحظورات.
لكن بدا لي أن هذه المحظورات في المجتمعات الغربية كانت مصحوبة بنتاج خطابي مكثف وواسع النطاق - خطابات علمية ومؤسسية - وفي الوقت نفسه قلق، وهوس حقيقي بالجنسانية يمكن رؤيته بوضوح تام في الأخلاق المسيحية في القرنين السادس عشر والسابع عشر، وخلال الإصلاح الديني والإصلاح المضاد، وهوس لم ينتهِ حتى الآن.
لطالما اعتبر الإنسان الغربي - لا أدري إن كان هذا هو الحال في مجتمعكم - أن أهم شيء في حياته هو جنسانيته. وتزايد هذا الاعتقاد. ففي القرن السادس عشر، كانت الخطيئة الكبرى هي خطيئة الجسد. فإذا كانت الجنسانية قد أُلغيت ببساطة، وحُرمت، ونُسيت، ورُفضت، ونُفيت، فلماذا هذا الانتشار الواسع للخطاب، وهذا الخوف من الجنسانية؟ الفرضية التي تنطلق منها تحليلاتي - والتي قد لا أتابعها تمامًا؛ لأنها قد لا تكون الفرضية الصحيحة - هي أن الغرب لا ينفي الجنسانية في الواقع - ولا يستبعدها - بل أدخلها وشكّل على أساسها منظومةً متكاملةً تتضمن تكوين الفردانية، والذاتية، وباختصار، كيفية تصرفنا ووعينا بأنفسنا.
بعبارة أخرى، في الغرب، يُفرد الناس من خلال عدد معين من الإجراءات، وأعتقد أن الجنسانية، بدلًا من أن تكون مجرد عنصر فردي يمكن محوه منهم، هي جزء من هذه الصلة التي تُلزم الناس بالارتباط بهوياتهم في شكل ذاتية.
ربما يكون هذا هو الوضوح الذي تحدث عنه السيد هاسومي، وأود أن أقول إن ثمن الرغبة في الوضوح هو ثمنها. أكره التعتيم لأنني أعتبره شكلًا من أشكال الاستبداد؛ على المرء أن يكون منفتحًا على ارتكاب الأخطاء والتعثر قليلًا، وأخشى أن أكون قد تعثرت. وإذا كنت قد أعطيتك هذا الانطباع، فذلك بالتأكيد لأنني فعلت ذلك!
هوامش المترجم:
١. المصدر الأصلي للترجمة:
Michel Foucault. 2024. The Japan Lectures A Transnational Critical Encounter. Routledge, New York. pp. 79-96.
٢. ألقى ميشيل فوكو محاضرة (الجنسانية والسلطة) في مؤتمر في طوكيو في 20 أبريل 1978.
٣. حسام جاسم/ كاتب مستقل من العراق.
٤. شيغيهيكو هاسومي/ ناقد أدبي ياباني، وناقد سينمائي، وباحث في الأدب الفرنسي، وروائي. كان أستاذًا في جامعة طوكيو قسم الدراسات الثقافية، أو "دراسة الثقافة والتمثيل"، وعميدًا لكلية الآداب والعلوم، والرئيس السادس والعشرون لها (1997-2001). بدأ مسيرته الأكاديمية كباحثٍ في أعمال غوستاف فلوبير، ولكنه لعب أيضًا دورًا محوريًا في التعريف المبكر بالفلسفة الفرنسية المعاصرة، مثل جيل دولوز وميشيل فوكو، في اليابان في سبعينيات القرن العشرين. وهو معروف أيضًا بأنه أحد أكثر النقاد اليابانيين إنتاجًا في الأدب والسينما الحديثة.






