أقلام وقنابل.. !


فئة :  مقالات

أقلام وقنابل.. !

أقلام وقنابل.. !

أحمد الحمومي

"ما حصلت عليه بالعنف، ستفقده بعنف أسوء" غاندي

الإسلام مستهدف من الغرب...! كلّما سمعت هذه العبارة وشبيهاتها، استحضرت المظاهرات الصاخبة في بانغلاديش وإيران وأندونيسيا وباكستان ومصر وتركيا... أتذكر البيانات الغاضبة المختومة بأختام المؤسسات الدينية والسياسية الرسمية وغير الرسمية، وعبارات الاستنكار والوعيد التي ملأت الفضاء الافتراضي والحقيقي ضد رسومات مستفزة..!

ومقابل كل هذه الوجوه المتجهمة والقلوب الحانقة ... أخال الابتسامات الساخرة واليائسة حد الجنون المرتسمة على محيّا أرواح القتلى والثكالى والمشوهة أجسادهم والمنهمرة دموعهم من أبناء وبنات اليمن السعيد وليبيا وأفغانستان وباكستان وسوريا والعراق والصومال والسودان ونيجيريا ومالي وغيرها ... أرواح بريئة عذبت واغتصبت وقتلت على أيدي المنتسبين إلى الإسلام، وصدفة يتفق المسلمون باختلاف طوائفهم ومذاهبهم على تجاهلها، فلا تحظى بمظاهرات غاضبة ولا بيانات منددة ولا تدوينات ساخطة... ولا حتى بعبارات الترحم أو التضامن إلا لماما. إنه صمت أقرب إلى المشاركة في الجريمة. وأنى لهم أن يشيروا لقتلة الحاضر المنتسبين إلى "الأمة"، وهم مهوسون بأشباح الاستعمار الذي رحل عن الأرض قبل عقود، لكنه ترك قيود الخوف والهوس تكبل العقول، وتحيل الأجيال الحاضرة والقادمة إلى مجرد "ضحايا" في لعبة سيكولوجية معقدة.

لا أحد بإمكانه إنكار جرائم بوش والجيش الأمريكي في العراق، أو انتهاكات الجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، ولا حتى جرائم فرنسا قبل ستين أو سبعين سنة في الجزائر... هي جرائم الإمبريالية ضد الإنسانية دافعها المال والأرض؛ جرائم الغرب ضد الحضارات والشعوب الأضعف موثقة ومخلدة بسطور من دماء...لكن الدول والجماعات الإسلامية لم تكن أقل بطشًا بشعوب إفريقيا وآسيا.. ولا أكثر رحمة حتى بالشعوب المسلمة المختلفة لغة أو مذهبا...

اليوم، وتجنبا للخسائر ولمشاعر الغضب داخليا وخارجيا .. استبدل الغرب في غالب الأحيان الرصاص بوسائل أخرى للهيمنة، أقل عنفًا وربما أكثر مردودية للرأسمال ... فيما أغلب المسلمين لايزالون متمسكين بالسيف شعارًا لهم .. يساندون بالقول أو الفعل أو الصمت قتل أو اضطهاد المخالفين في المذهب والخارجين من الإسلام أو المنتقدين للسلف "الصالح".. بل منهم الكثير ممن ينتظر جرائم القتل ضد صحفي أو أستاذ أو راهب غربي أو مشرقي "مارق" ليدبج على الفضاء الافتراضي عبارات المباركة والمساندة لـ"الجهاد في سبيل الله ضد أعداء الله والدين"..

اليوم نحن أمام حقيقة لا غبار عليها. الإرهاب الإسلاموي والعنف الطائفي، هما السبب الأول لخراب البلدان الإسلامية والعامل الحقيقي وراء تشوه صورة الإسلام والمسلمين.

على سبيل المثال، العنف الطائفي في العراق تفجر بعد عام 2003، حيث جاء الاحتلال الأمريكي ليصبح بمثابة الفرصة التي اقتنصتها الجماعات الدينية، لتصل إلى السلطة والثروة على جماجم وأشلاء مئات الآلاف من الأبرياء، ثم عرف منحى هذا العنف قفزة خطيرة بداية 2006، حيث جاءت تفجيرات سامراء، بتاريخ 22/2/2006، في وقت وصل فيه الاحتقان الطائفي إلى درجات غير مسبوقة، تجسدت في الكشف عن وجود فرق موت داخل وزارة الداخلية تستهدف أبناء الطائفة السُنية، حيث بلغ عدد الهجمات الأسبوعية إلى ما يزيد عن 1000 هجوم خلال عام 2006، وارتفع المعدل اليومي للضحايا إلى ما يزيد على 140 قتيلاً.

في اليمن، تسببت الحرب متعددة الأوجه التي تدار بالوكالة بين الإخوة الأعداء، في مقتل أكثر من 100 ألف شخص منذ عام 2015.

في أفغانستان وباكستان، وعلى مدار عقود، تظل الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان إلى يومنا هذا، من أكثر المجموعات الإرهابية حصدًا للأرواح في العالم، حيث قتلت مئات الآلاف من الأبرياء من أجل الوصول إلى السلطة وبناء "إمارة" إسلامية تطبق الشريعة حسب زعم قادتها.

الإرهاب الإسلاموي تزداد رقعة انتشاره كل يوم، رغم المساعي لحصره. فحسب الدراسة المتعلقة بمؤشر الإرهاب الصادرة قبل أيام عن "معهد الاقتصاد والسلام" المتواجد مقره في سيدني، سجلت 13826 قتيل بفعل الجماعات الإرهابية المتبنية للأيديولوجية الإسلاموية، والتي تتكاثر وتغزو مناطق جديدة كل سنة. فتنظيم داعش ظلّ محافظًا على قدراته الإرهابية، رغم انهيار نواة دولته في سوريا والعراق. إذ أن عدد الدول التي سجلت جرائم مرتبطة بداعش ارتفع من اثنين في سنة 2013 إلى 27 دولة في عام 2019.

منطقة الساحل بدورها غزتها مجموعات متطرفة مسلحة متشعبة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة لتصير من أكثر المناطق عرضة للإرهاب. كذلك إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى كانت الأكثر تضررا، حيث وقع في هذه المنطقة 41 بالمئة من القتلى الذين سقطوا في هجمات منسوبة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العام الماضي. خلال نفس السنة سجلت أكبر زيادة في الوفيات الناجمة عن الإرهاب في بوركينا فاسو، حيث ارتفع عدد القتلى من 86 إلى 593، وذلك على يد ثلاث مجموعات إسلامية: تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وفرع أنصار الإسلام في بوركينا فاسو.

إنها مقتطفات سوريالية من واقع بلدان وشعوب تعيش على هذا الكوكب الرائع، حيث الكائنات البشرية الحالمة والمجنونة تخال نفسها أرقى الكائنات، وتقتل بعضها بعضا من أجل فكرة أو معتقد أو رسم أو براميل النفط... تتعدد المبررات والجريمة واحدة..

وسط هذه المشاهد تختلط مشاعر الحنق تجاه كل السياسيين ورجال الدين من الغرب والشرق الذين يبنون مجدهم فوق جماجم الأبرياء والسذج، مستهلين جرائمهم بعبارات التمجيد لله والوطن والشعب ... مع مشاعر السخرية والشفقة والغضب تجاه شعوب شبه أمية أو غير آبهة تساق إلى الحرب من قبل جماعات وتنظيمات سياسية- دينية تتاجر بالدين والأخلاق، وهي مجردة من كل دين أو خلق...

سيستمر الرسامون في سخريتهم المستفزة، وسيواصل القتلة جرائمهم ضد الأبرياء والعزل. فعلى ماذا سيثور المسلمون في المرة القادمة، على الأقلام أم على القنابل؟