التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة


فئة :  مقالات

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة

التوحيد من النزاعات المذهبيَّة إلى نشأة الحاكميَّة([1])


نحاول من خلال هذا البحث دراسة التحوّلات التاريخيّة التي شهدها مفهوم التوحيد انطلاقاً من الجهود النظريّة التي قام بها كتّاب الفرق، ثمّ باستدعاء هذا المفهوم في ظلّ عصر النهضة وما طرحه على بعض المفكرين من أسئلة التراث والمعاصرة وشروط مواجهة الاستعمار، وأخيراً ندرس تحوُّل مفهوم التّوحيد إلى الحاكميّة.

وليست مقاصد هذه الدراسة مجرَّد إظهار ما طرأ على مفهوم التّوحيد من تطوّر، وإنَّما محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء تلك التطوّرات. فقد ارتبط مفهوم افتراق الفرق والنزاع على الحقيقة الدينيّة بتبنّي تصوّرات مختلفة حول الذات الإلهيّة جعل غاية كلّ فرقة الإقناع بأنَّها صاحبة الحقّ المطلق وأنَّ سائر الفرق من الهالكين. ثمَّ أضحى مفهوم التّوحيد في عصر النهضة وسيلة لمواجهة المشاكل التي فرضها الواقع الاستعماريّ وما كان يهدّد الهويّة من أخطار خارجيّة. أمَّا مفهوم الحاكميّة، فهو نتيجة منافسة رمزيّة بين أنظمة مختلفة، خلفيَّات أصحابها سياسيّة بالأساس. وقد سوّق له دعاته في إطار مشروع الإسلام السياسيّ الذي أوّل الدّين تأويلاً سلطويَّاً، فجعل من أهم أولويّاته الوصول إلى السلطة باعتبارها الوسيلة الأقوى لنشر الإسلام وتطبيق الشريعة. ولكنَّ تلك الدعوة لم تكن تخلو من إهدار لأبعاد أنطولوجيّة للدّين، وصراع صداميّ مع المختلفين سياسيّاً باعتماد التّكفير والعنف.

1- التوحيد وافتراق الفرق:

كان النّزوع إلى الاختلاف هاجس كلّ فرقة إسلاميّة، وإن تقاطعت بعض الآراء وتشابهت. فالاختلاف كان مقصداً في حدّ ذاته يضمن للفرق التمايز بين بعضها بعضاً. وكانت الغايات السّلطويّة جليّة. فقد حاول كلّ فريق فرض تأويله على سائر الفرق من خلال محاولة الإقناع بأنَّه يمتلك الحقيقة المطلقة والنهائيّة. إذْ اعتبر الأشعريّ (ت 330هـ) مثلاً أنَّ الفرقة النّاجية هي التي تقول إنَّ الله على عرشه ولا تجسّمه، وأنْ لا يقال إنَّ أسماء الله غير الله، وأن تثبت مشيئة الله، وأن لا يشرك في قدرته وخلقه بأحد، وهو صاحب القضاء والقدر، والإقرار بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق، وأنَّ المؤمنين دون غيرهم يرون الله يوم القيامة بالأبصار، ولا يكفّرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه، ويقرّون بشفاعة النبي وبعذاب القبر والحوض والصراط والبعث والمحاسبة والوقوف بين يدي الله، ويقرّون بأنَّ الإيمان قول وعمل، وأنَّ الله ينزل الناس حيث شاء ثواباً وعقاباً، وينكرون الجدل والمراء في الدّين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل، ويتبعون الثقات من العلماء، ويقرّون بفضل جميع الصحابة دون الخوض فيما شجر بينهم، ويصدّقون ما رُوي عن النبيّ من أحاديث وبفضل الأئمة، ولا يخرجون عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة، ويؤمنون بتفاصيل البعث كما تصوّرها السنّة، ويكفّرون السحرة ومسائل أخرى...[2].

وانطلاقاً من هذا المبدأ حاول علماء الكلام الإقناع بأنَّ من شروط التّوحيد اتّباع نهج الفرقة الناجية في تصوّرها للذات الإلهيّة. ورغم أنَّ كلّ الفرق تتّفق في وحدانيّة الإله، فإنَّها تفترق حول تصوّره تشبيهاً أو تجسيداً أو تجريداً أو تنزيهاً، وتتجادل حول صفاته[3]. ولذلك فقد كان الوجه الآخر للتوحيد تكفير المخالفين واعتبارهم مارقين وهالكين، من ذلك مثلاً أنَّ الغزالي (ت 505هـ) شمل الفلاسفة بالتكفير سواء الدهريّون والطبيعيّون والإلهيّون على أساس إخلالهم بشروط التوحيد. واعتبر أنَّ أصل الإيمان هو الإيمان بالله واليوم الآخر. وهؤلاء جحدوا اليوم الآخر، وإن آمنوا بالله وصفاته. فوجب تكفيرهم وتكفير شيعتهم من المتفلسفة الإسلاميّين كابن سينا (ت 427 هـ) والفارابي (ت 339هـ) وأمثالهما[4]. وقد ظلّت ثنائيّة التّوحيد والتّكفير أو النّجاة والهلاك تحكم علم الكلام على اختلاف المذاهب فيه اعتزاليّة أو أشعريّة أو شيعيّة إسماعيليّة أو صوفيّة. وقد اعتبر الغزالي مثلاً أنَّ "الصوفيّة هم السّالكون لطريق الله تعالى خاصّة، وأنَّ سيرتهم أحسن السير، وطريقهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيّروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلاً، فإنَّ جميع حركاتهم وسكناتهم في ظاهرهم وباطنهم مقتبسة من نور مشكاة النبوَّة، وليس وراء نور النبوَّة على وجه الأرض نور يستضاء به"[5].

لقد أسّس التّوحيد بفعل الجدل الكلامي بين الفرق للاختلاف والتكفير أكثر ممَّا أسّس للائتلاف واتّحاد المؤمنين. وهو مفهوم تاريخيّ تأثّر بالتيّارات الفكريّة التي انفتح عليها العقل الإسلاميّ مثل الفلسفة اليونانيّة والإرث اليهوديّ والمسيحيّ. وكان للنزاعات السياسيّة أثر في التوحيد. فقد قضت الفتن السياسيّة بنظريّات متباينة يتصوّر فيها كلّ فريق نفسه صاحب السلطة التأويليّة على النصّ القرآني والحامل للصّورة المثاليّة للإله. وإنَّ الطابع الجدليّ الذي انتهجه علماء الكلام كان يؤدّي وظيفتين: الأولى دفاعيّة في علاقة العقائد الإسلاميّة بالدّيانات التي مثّلت تهديداً للتوحيد مثل العقيدة الثنويّة والتثليث، والثانية البحث عن اكتساب شرعيّة الدّفاع عن الإسلام واكتساب لقب الفرقة الناجية. فقد كان من آثار الانتصار الرمزيّ على التصوّرات الأخرى فرض السلطتين العلميّة والسياسيّة للفرقة الناجية، إذ لم تكن المكاسب الرمزيّة تنفصل عن المكاسب الماديّة. والمقولات الكلاميّة في مسألة التوحيد، وإن نزعت إلى التجريد والاقتراب من تخوم التفكير الفلسفيّ في مستوى الآليّات، فقد كانت في جدل مستمرّ مع الواقع. وليس أدلّ على ذلك من أنَّ من عدّوا من الفرق الهالكة على حدّ عبارة الإسفرائيني (ت 471هـ) هم المعارضون لحكم أهل السنَّة والجماعة. إلّا أنَّ ارتباط الخلاف حول مفهوم التّوحيد بقضايا الواقع لا يعني أنَّه كان انعكاساً آليّاً له، فقد مثّل الصراع حول صورة الإله وجهاً من وجوه الصراع الوجوديّ للإنسان ضدّ قوى القهر والعدم، وكان آليّة فعّالة لتحقيق الحرّيَّة الفكريّة. فالله في نهاية الأمر هو مرجع القيم التي تتصارع حولها الفرق، إذ أنَّ وراء تصوّراتها اختلافات في فهم المنزلة الإنسانيّة وعلاقة البشر بالإله. ولئن تفاوتت تلك الأبعاد الوجوديّة لمفهوم التوحيد بين فرقة وأخرى، إذ طغى الطابع السياسي على رؤية الخوارج، فإنَّه قد صار يمثّل وسيلة لمنح مفهوم الإمامة في الفكر الشيعيّ قوّة رمزيّة مستمدّة من قوّة الإله، ويمثّل الإمام الشيعي ذروة قداستها الناسوتيّة المقترنة بالجانب اللّاهوتيّ. أمَّا التوحيد في الفهم الاعتزاليّ، "فهو وحده الذي قام من أجل تحقيق معرفة موضوعيّة بالعالم في حدود الأطر المعرفيّة المتاحة قديماً، وتمثّل أخلاقيّ إنسانويّ للرسالة الدينيّة التي وجد المعتزلة أنفسهم يعيشون في كنفها، أي الإسلام"[6]. ولذلك فقد كانت الحريّة الإنسانيّة وتعالي الصورة الإلهيّة من أهمّ المقوّمات الفكريّة لرؤية اعتزاليّة مثّلت الجانب العقلي للدّين الذي قد لا يجد صداه عند العامّة، ولكنّه أقدر على الصمود أمام المقاربات النقديّة العالمة.

2- التوحيد من منظور ابن تيميّة:

شهد التوحيد مرحلة من الركود التي شملت العلوم بأسرها. فدخل الفكر الإسلاميّ عصور الشروح والتعليقات وضعف حظّ الإبداع، ولم تعرف بعد القرن السادس الهجري محاولات رائدة في تجديد مفهوم التوحيد أو نظريّات جديدة من شأنها أن تكون منافساً رمزيَّاً للتيَّارات والفرق الكبرى التي ظهرت منذ القرن الأوّل وتواصل إشعاعها في القرون الهجريّة اللّاحقة، لتولّد جدلاً فكريّاً مثّل ميراث علم الكلام وخلاصة المواقف الإسلاميّة من التوحيد. ولكن ظهرت رغم ذلك بعض النظريّات التي كان لها تأثير في التيّارات السلفيّة التي وظّفت التوحيد لصياغة مفاهيم جديدة ذات طابع سلطويّ، تتّصل بالجهاد ومواجهة التهديدات الخارجيّة والاستعمار. ونتناول في هذا السياق موقف ابن تيميّة (ت 728هـ) من التوحيد. والحقّ أنَّ ابن تيميّة لا يضيف جديداً في تأويل مفهوم التوحيد. فكلامه استعادة لمواقف أهل السنَّة. وقائمة الكفّار هي ذاتها التي أجمع عليها علماء تلك الفرقة[7]، مثل الباطنيّة الذين اعتبرهم من الملاحدة لتأويلهم الصلوات الخمس بأنَّها الاطلاع على أسرارهم وتأويلها، والصيام بأنَّه كتمان أسرارهم، والحجّ بأنَّه السفر إلى شيوخهم[8]. وقد أقرّ ابن تيميّة مبدأ التفويض بديلاً عن التأويل في المسائل التي اعتبرها مستعصية على الفهم البشري، وعدّها من الجوانب الغيبيّة التي يكتفي فيها المؤمن بترديد ما وصف به الله دون السؤال عن الكيفيّة. "ولهذا لا يوجد لنفاة بعض الصفات دون بعض ـالذين يوجبون فيما نفوه، إمَّا التّفويض وإمَّا التأويل المخالف لمقتضى اللفظ - قانون مستقيم"[9]. وإنَّ شرط استقامة الإيمان والتوحيد أن يصدّق المؤمن بما جاء في الكتاب والسنَّة، "وإن لم يفهم معناه، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمّة وأئمّتها، مع أنَّ هذا الباب يوجد عامّته منصوصاً في الكتاب والسنّة، وهو متّفق عليه بين سلف الأمّة. وما تنازع فيه المتأخّرون نفياً وإثباتاً، فليس على أحد، بل ولا له أن يوافق أحداً على إثبات لفظه أو نفيه، حتّى يعرف مراده. فإذا أراد حقّاً قبل، وإذا أراد باطلاً ردّ، وإن اشتمل كلامه على حقّ وباطل، لم يقبل مطلقاً، ولم يرد جميع معناه، بل يوقف اللفظ ويفسّر المعنى"[10]. وتبدو خطورة هذا الموقف في كونه يعتبر الحقيقة الدينيّة مكتملة، وأنَّ على المؤمن أن يؤمن بميراث السلف بكلّ علله وتناقضاته، وأن يستقيل عقله، فالإجماع كفيل بالإجابة عن كلّ أسئلته، وأنَّ كثيراً من الأسئلة لا بدَّ أن تتوارى أمام اللفظ. فما وصف الله به نفسه هو ما يجب أن يؤمن به المسلم سواء عليه أفهم أم لم يفهم المقصود. ولذلك فلا غرابة أن يؤدّي هذا التصوُّر إلى دخول العقل الإسلاميّ عصور الانحطاط وجمود مفهوم التوحيد عند فعل محاكاة لفظيّة لأقوال أئمّة السنَّة تسليماً وإهداراً للبُعد النقدي والعقليّ، وأن يكون ميراث التوحيد مجرَّد عداء لسائر التأويلات التي لم توافق إجماع علماء الفرقة النّاجية. أمَّا عن الإسلام، فهو الدين الذي لا يقبل الله ديناً غيره، لا من الأوّلين ولا من الآخرين. والدين هو الطاعة والعبادة[11]. وخلاصة تصوُّر "ابن تيميّة" للتوحيد أن يقوم على أصل أوَّل وهو توحيد الإلهيّة القائم على العبادة والتوكّل والخوف والتقوى، والإيمان بالقدر والصبر على المقدور. أمَّا الأصل الثاني، فالتوحيد في العبادات المتضمّن للإيمان بالشرع والقدر جميعاً. وبذلك فلا بدَّ في عبادة الله من أصلين: "أحدهما إخلاص الدين، والثاني موافقة أمره الذي بعث به رسله"[12].

لقد مثّل "ابن تيميّة" تتويجاً سلطويَّاً لانتصار العقائد السنيَّة التي اعتبرها أصحابها شرط النجاة والحقيقة الدينيّة المطلقة والنهائيَّة. ولذلك فقد اكتملت معه آخر شروط الأرثوذوكسيَّة السنيَّة التي جعلت من التوحيد مفهوماً سلطويَّاً يعني طاعة الله ورسوله، وهي في الحقيقة طاعة عمياء لمن اعتبروا علماء شرعيّين وإقرار دغمائيّ بتأويلاتهم للذات الإلهيَّة وتصوُّراتهم الفكريَّة، وبالمقابل هي تأبيد لفكر صداميّ لا يعترف بحقّ الآخر في تأويل التوحيد، وإنَّما يعتبره ضالّاً وكافراً، ولذلك فلا غرابة أن ترتبط مفاهيم التوحيد بالتكفير وتشريع العنف المادّي والرمزيّ ضدّ من عُدّوا من الهالكين.

3- التوحيد في عصر النّهضة:

لعلّ من أهمّ الأسئلة التي يطرحها علينا اشتغال الفكر الإسلاميّ المعاصر بالتوحيد هو البحث عن علّة النظر في المسألة ومقاصده. فالفكر الإسلاميّ الحديث أعاد صياغة تصوُّره للتوحيد وسط تنوّع كلاميّ وإرث خلافيّ يحتاج إمَّا للاصطفاف ضمن خانة من الخانات الطّائفيّة التي تؤمن بأنَّ تأويل الفرقة النّاجية للتوحيد هو التأويل المثاليّ للحقيقة الدّينيّة المؤدّي إلى الفوز في الدنيا والآخرة، أو هو صياغة لرؤية حداثيّة تسعى إلى التوفيق بين الرؤى المتنازعة على الحقيقة الدينيّة، أو إبداع مفاهيم جديدة قد تمثّل وجهاً من وجوه التجديد في الخطاب الدّيني.

لقد ساهم محمَّد عبده (ت 1905 م) من خلال تعريبه لرسالة السيّد جمال الدين الأفغاني (ت 1897 م) في الردّ على الدهريّين. وهي رسالة تعكس اهتمام المفكّرين المسلمين منذ أواخر القرن التاسع عشر بأثر انتشار المذاهب الطبيعيّة الملحدة الواردة من الغرب في تقويض الإيمان التقليديّ، وكانت غايتها إثبات قيمة الدّين وضرورته للإنسان وأثره في رقيّه وأثر الإلحاد في انحطاطه[13]. وقد حاول الأفغاني في هذه الرسالة إثبات أنَّ الإنسان أشرف المخلوقات، ويرسّخ يقين المؤمن بأنَّ أمّته أشرف الأمم، ويعتقد أنَّ حياة الإنسان رحلة نحو عالم أرفع ودار أوسع[14].

وجد جمال الدين الأفغاني منافسات رمزيَّة للتوحيد الإسلاميّ من النظريّة الداروينيّة والاتجاهات المادّيَّة، وأنَّ التهديد الأكبر يمكن أن يصيب الأخلاق العربيّة الإسلاميّة. ولذلك كان استدعاء مفهوم التوحيد لمواجهة أخطار تهدّد الإسلام باعتباره منظومة أخلاقيّة ترتكز على مفهوم التوحيد.

وقد حاول محمّد إقبال (ت 1938م) تجديد الفكر الديني وصياغة تصوُّر حداثيّ للتوحيد، فاعتبر أنَّ الذات الإلهيّة لا نهائيّة في الكيف لا في الكمّ، في القوّة لا في الامتداد... والأركان المهمّة الأخرى في تصوير القرآن للذات الإلهيّة من الوجهة العقليّة البحتة هي: الخلق، والعلم، والقدرة، والقدم. وقد بيّن أنَّه لا يوجد خلق بمعنى حادث. فالعالم لا يمكن أن يعدّ حقيقة مستقلّة الوجود مقابل الذات الإلهيّة، لأنَّ ذلك يؤدّي إلى القول بانفصال الكون عن الذات الإلهيّة. ودعا إقبال علماء الإسلام إلى "أن يعيدوا بناء النظريّة العقليّة البحتة، وأن يحكموا الصلات بينها وبين العلم الحديث الذي يظهر لنا أنَّه متّجه في الاتّجاه نفسه"[15].

لقد كان هدف محمَّد إقبال من وراء تجديد مفهوم التوحيد إزالة الفهم الانفصالي بين الذات الإنسانيّة والإله. "فالذات الأولى لا يصدر عنها إلّا ذوات، ونشاطها الخالق وفيه العلم هو عين العلم يفعل كوحدات ذوات. فالعالم بكافّة جزئيّاته من الحركة الإلهيّة في ما نسمّيه ذرّة من المادّة إلى حركة الفكر الإنسانيّ الطليق من كلّ قيد، ما هو إلّا تجلّي الآنيّة العظمى أو العلى الأعلى. وكلّ ذرّة من ذرّات القوّة الإلهيّة، هي روح أو ذات مهما ضؤلت في ميزان الوجود، على أنَّ هناك درجات في تجلّي الرّوحيّة أو الذاتيّة وتجلّي هذه الرّوحيّة يرتقي في سلّم الوجود درجة درجة إلى أن يبلغ كماله في الإنسان، وهذا السرّ في تصريح القرآن أنَّ الله أو الذات القصوى أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد ونحن كاللؤلؤ نحيا ونكتسب الوجود في فيض الوجود الإلهيّ الدائم"[16].

لقد استلهم محمَّد إقبال من المتصوّفة كثيراً من تصوُّراتهم، ولكنَّه وظّفها من أجل تجديد الفكر الديني وتجاوز هنات الفصل بين الذات البشريّة والإله. فكلُّ الكائنات والأعمال هي ذرّات في الكون الإلهيّ، وإن اختلفت درجات التمايز بينها. وإنَّ فاعليّة الإنسان في الوجود وتجديد آليّاته العقليّة ركن من أركان الذات الإلهيّة.

كانت أهداف محمَّد عبده مختلفة عن مقاصد محمَّد إقبال، فقد كانت رسالة التوحيد ذات وظائف تعليميّة، وقد عرّف محمّد عبده التوحيد بأنَّه "اعتقاد أنَّ الله واحد لا شريك له. وسمّي هذا العلم به تسمية له بأهمّ أجزائه، وهو إثبات الوحدة له في الذات والفعل وفي خلقه الأكوان، وأنَّه وحده مرجع كلّ كون ومنتهى كلّ قصد"[17]. وقد كان الاعتقاد بالله في تصوُّره بلا غلوّ في التجريد ولا دنوّ في التحديد، فقد كان يرى أنَّ علم الكلام عامّة والتوحيد خاصّة "قد عبثت به أيدي المفرّقين حتّى خرجوا به عن قصده، وبعدوا به عن حدّه، والذي علينا اعتقاده أنَّ الدين الإسلاميّ دين توحيد في العقائد لا دين تفريق في القواعد، العقل من أشدّ أعوانه، والنقل من أقوى أركانه، وما وراء ذلك فنزاعات شياطين أو شهوات سلاطين، والقرآن شاهد على كلّ بعمله، قاضٍ عليه في صوابه وخطئه"[18].

لقد حاول محمَّد عبده في رسالته إعادة التوحيد إلى نقائه وتجريده من الخلافات المذهبيّة والخلفيّات السلطويّة، وغايته أن يتحرّر العقل الإسلاميّ من عقليّة التخاصم ويحوّل التوحيد إلى عامل تجديد[19]. وبذلك فقد حاول مفكّرو الإصلاح استعادة قوَّة التّوحيد، وتجاوز الخلافات التي أدّت إلى توظيفه في الصراعين المذهبيّ والسياسيّ بين الفرق الإسلاميّة المختلفة أو بين أصحاب السلطة ومعارضيهم. وقد اختلفت مقاصد عبده عن الأفغاني أو محمّد إقبال وتباينت تصوُّراتهم للتوحيد. فقد كان الوعي قائماً بأهمّيَّة إعادة النظر في مفهوم التوحيد من أجل مواجهة ما يهدّد المسلمين من مخاطر وما يطمحون إليه من مشاريع النهضة، ولكنّ سبل تحقيق تلك الأهداف كانت مختلفة. ويبدو أنَّ الخلفيّات المذهبيّة كان لها أثرها، وإن توارت وراء خطاب دينيّ وعقليّ سعى إلى تجاوزها.

4- تصوّر التّوحيد في الإسلام السياسيّ:

ظهر التوظيف السياسيّ لمفهوم التوحيد بشكل صريح وجليّ في الحركات الإسلاميّة المعاصرة مع فكر المودودي (ت 1979 م) الذي ميّز بين حكم البشر للبشر. "وهي أصل جميع ما مني به البشر اليوم من البؤس والشقاء، وهذا هو الداء الذي أفسد أخلاق البشر وروحانيّتهم وقواهم العلميّة والفكريّة... فليس لهذا الدّاء من دواء إلّا أن يقوم الإنسان فيكفر بالطواغيت جميعاً، ويؤمن بالله العزيز الذي لا إله إلّا هو، ويخصّه تقدّست أسماؤه بالألوهيّة والربوبيّة. فهذه هي الطريق الوحيدة لنجاة البشر من براثن ذئاب الإنسانيّة وقطّاع سبيل البشريّة. فإنَّه لن يتخلّص كثير من أولئك الطواغيت والآلهة الباطلة إلّا بالإيمان بالله العزيز الحميد، وإن ادّعى الإلحاد وتشدّق بالدهريّة"[20]. فقد ارتبط مفهوم التوحيد بتطبيق شريعة الله والإعراض عن حكم البشر. ومعنى ذلك أنَّ تطبيق القوانين "الإلهيّة" في السياسة يعني تحويل الطاعة إلى الله. وأوّل خاصّية للدولة الإسلاميّة التي دعا إليها المودوديّ أنَّه "ليس لفرد أو أسرة أو طبقة أو حزب أو لسائر القاطنين في الدّولة نصيب من الحاكميّة، فإنَّ الحاكم الحقيقيّ هو الله والسّلطة الحقيقيّة مختصّة بذاته تعالى وحده، والذين من دونه في هذه المعمورة إنَّما هم رعايا في سلطانه العظيم"[21]. والقانون الذي يحتكم إليه البشر في إطار هذه الدولة هو قانون سماويّ مقدَّس يستوجب الطاعة وتنفيذ أمر الله في أرضه.

وإنَّ تطبيق شرع الله يعني مخالفة الحكم الديمقراطي القائم على سلطة الشعب. فالديمقراطيَّة في نظره ليست من الإسلام في شيء، فضلاً عن كونه يعتبر أنَّ تطبيق حكم الله لا يعني سلب الناس حريّتهم، لأنَّ الله أعطى الناس في شريعته حريتهم الفطريّة، وأنَّ الحكم إذا قام على رأي العامّة غلبت عليه الميول والعواطف والشهوات وضاعت حدود الله. وقد صار التوحيد بذلك مرتبطاً بالحاكميّة. وهي لا يمكن أن تقوم إلّا بتطبيق حدود الله التي تشمل جميع المجالات السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، ويكون الحاكم الأعلى فيها هو خليفة الله في أرضه، ولذلك فحاكميّة الله تعني الإقرار بدولة الخلافة. وهو يعتقد أنَّ تطبيق تلك الحدود يحقّق العدالة الاجتماعيّة، وهو ما تعجز الأنظمة الشيوعيّة حسب زعمه عن تحقيقه.

يبدو مفهوم الحاكميّة توظيفاً سياسيّاً للتوحيد. فجملة صفات الحاكميّة مثلما تصوّرها "المودودي" وسلطاتها مجتمعة في يد الله، وليس في الكون أحد يحمل هذه الصفات أو ينال هذه السلطات. فهو قاهر كلّ شيء، مسيطر على كلّ شيء، بيده كلّ السلطات، حكمه نافذ ولا قدرة لمخلوق على ردّه أو تأخيره. ولذلك فحقّ الحاكميّة في الأمور البشريّة له وحده، وليس لأيّة قوّة سواه - بشريّة أم غير بشريّة - أن تحكم بذاتها أو تقضي بنفسها. ويقرّر القرآن الكريم أنَّ الطاعة لا بدّ أن تكون خالصة لله، وأنَّه لا بدّ من اتّباع قانونه وحده، وحرام على المرء أن يترك هذا القانون ويتبع قوانين أخرى أو شرعة ذاته ونزوات نفسه. فتلك أحكام جاهليّة كافرة[22].

وقد كان لهذا الاتّجاه الذي اقترن فيه مفهوم التوحيد بمقاصد سياسيّة[23]تفصل بين حكم بشريّ مدنّس وحكم إلهيّ مقدّس، امتداد في تيّار الإسلام السياسيّ. إذ تجلّت معالمه أيضاً مع سيّد قطب (ت 1966 م) الذي حوّل التوحيد إلى منهج حياة. فالسّمة المميزة لطبيعة المجتمع المسلم حسب رأيه هي أنَّ هذا المجتمع قائم على العبودية لله وحده، ولا تتمثل هذه العبوديّة في التصوُّر الاعتقاديّ والشّعائر التعبديّة فحسب، بل تتمثّل أيضاً في الشرائع القانونيّة. فتنظيم حياة المسلم يكون على أساس العبوديّة الخالصة لله، وليس من أحد غيره، وفي ذلك استعادة لأسس قيام الجماعة المسلمة زمن النبوَّة. واعتماداً على هذا القياس فإنَّ المسلم المعاصر يعيش جاهليّة[24]يدين فيها الناس إلى غير الله اعتقاداً وسياسةً. ولتقويم هذا الواقع لا بدَّ من إقامة مجتمع مسلم على أنقاض تلك الجاهليّة، أساسه العبوديَّة لله وحده. وتضمّ قائمة الأنظمة الجاهليّة كلّ الأنظمة التي لا تطبّق الشريعة الإسلاميّة، بما في ذلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنَّها مسلمة، لأنَّها لا تدين بالعبوديّة لله وحده في نظام حياتها. فهي، وإن لم تعتقد بألوهيّة أحد إلّا الله، فهي تعطي أخصّ خصائص الألوهيّة لغير الله. فتدين بحاكميّة غير الله، وتتلقى من هذه الحاكميّة نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها وكلّ مقوّمات حياتها تقريباً[25].

قد يبدو ارتباط مفهوم التّوحيد بالمقاصد السلطويّة التي تتمثّل في إقامة دولة الإسلام على أنقاض الأنظمة الجاهليّة الكافرة أمراً مرتبطاً بواقع ذاتيّ عاشه "سيّد قطب" وبظروف تاريخيّة جعلته يتبنّى موقفاً صداميّاً ضدّ الأنظمة الأخرى. ولكنَّه في الحقيقة يمتدّ إلى أصول قريبة تتمثّل في فكر "أبي الأعلى المودودي"، وأصول قديمة وظّف فيها مفهوم التوحيد للردّ على الفرق الأخرى التي لم تكن مجرَّد فرق افترقت في تأويلها للذات الإلهيّة عمَّن اعتبروا أنفسهم أصحاب الفرقة الناجية والتأويل الصحيح، وإنَّما جماعات سياسيّة مثّلت منافساً للسلطة القائمة وحركات ثوريَّة هدّدت الكيان السلطويّ. ومثلما كانت القائمة إلى حدود ما ألّفه "ابن تيميّة" مرتبطة بالباطنيّة والمشبّهة والمجسّمة، فقد تحوّلت مسمّيات الفرق بتحوّل المنافسين الرمزيين على الحقيقة الدينيّة. ولكنَّ المقصد العدائيّ في فكرة التوحيد ظلَّ ثابتاً. فقد صار كفّار العصر من الشيوعيّين والعلمانيّين فضلاً عن الوثنيين واليهود والنصارى أو الأنظمة التي تخرج الدّين من نظامها الاجتماعيّ. فلا خلاص من الجاهليّة إلّا بتطبيق شريعة الله التي قرّرها في نصّه ولا اجتهاد مع النصّ. فإن لم يكن هناك نصّ، جاء دور الاجتهاد عبر قنواته الرسميّة المسيّجة بالإجماع، وهي مقرّرة سلفاً. "فليس لأحد أن يقول لشرع يشرّعه: هذا شرع الله إلّا أن تكون الحاكميّة العليا لله معلنة، وأن يكون مصدر السلطات هو الله سبحانه لا الشعب ولا الحزب ولا أيّ من البشر، وأن يرجع إلى كتاب الله وسنَّة رسوله لمعرفة ما يريده الله"[26]. وقد كانت تلك النظريَّات التي غذّت عقول كثير من شباب المسلمين في حاجة إلى قادح لتحقّق أهدافها وتحقّق حلمها بنشر الدعوة الإسلاميّة ومقاومة الغزاة الكافرين. وقد وجدت تلك الدعوات استجابة ممَّن اعتقدوا في قداستها وآمنوا بمنهجها في تغيير الواقع. فتجسّدت جماعات مقاتلة في الحرب الأفغانيّة ضدّ السوفيات. ثمَّ تحوّلت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر إلى جماعات تعتبر الغرب كافراً وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكيّة. فنفّذت هجمات الحادي عشر من سبتمبر. ثمَّ استقرّت في أفغانستان وأرض العراق والشام لتعلن من بعد "جهادها" الغزاة الأمريكيين حرباً مقدَّسة ضدّ من اعتبرتهم بغاة من الشيعة والحكّام الطواغيت. وكلّ تلك الحروب كانت، فضلاً عن أسبابها المادّيَّة، نتيجة تأويل لمفهوم التوحيد، كما كانت توظيفاً سياسيّاً جعل من الحاكميّة سلاحاً ضدّ من عُدّوا كفّاراً صليبيين، أو بغاة وطواغيت.

وليس هذا العرض السريع والمختزل لفصول العنف التي خاضتها الحركات الجهاديَّة سوى تأكيد على أنَّ تلك الأفكار التي وضع أسسها منظّرو الحركات الجهاديَّة قد كانت محرّكاً لحروب جعل فيها المجاهدون التّوحيد وقوداً لحربهم ومبرّراً شرعيَّاً لمقاومتهم الأعداء الخارجيين والأعداء الدّاخليين. وقد تنوَّعت أشكال ذلك الجهاد؛ فهي أحياناً حروب جماعيَّة تخوضها مجموعات مسلّحة ضدَّ عدوّ معلن في ديار المسلمين، وهي أحياناً أخرى مجرَّد عمليَّات تفجيريَّة (يطلق عليها أصحابها عمليَّات استشهاديَّة)، أو هي سيَّارات مفخَّخة تستهدف مؤسَّسات وأطرافاً محدَّدة يمثّلون بالنسبة إلى الجماعات المقاتلة أعداء من الكفار. وتجد تلك الأعمال طبعاً مسوّغات دينيَّة تضمن لأصحابها شرعيَّة قدسيَّة، فوراء كلّ حرب شيخ يفتي ويسوّغ بالدّفاع عن التَّوحيد دعوته إلى قتل الآخرين، وفتية ينفّذون أمره طائعين موحّدين، مؤمنين بأنَّ جزاءهم جنَّات عدن تجري من تحتها الأنهار هم فيها خالدون.

 

قائمة المصادر والمراجع:

ـ ابن تيميَّة (تقي الدّين)، الرسالة التدمريَّة، ط1، مصر، مكتبة السنّة المحمَّديَّة، (د ت).

ـ الأشعري (أبو الحسن)، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ط1، مصر، مكتبة النهضة المصريَّة، 1950.

- الأفغاني (جمال)، الأعمال الكاملة، ط2، طهران، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة/ مركز البحوث الإسلاميّة، 1221هـ.

ـ إقبال (محمَّد)، تجديد الفكر الديني في الإسلام، ط2، مصر، دار الهلال، 2000.

ـ البغدادي (عبد القاهر)، الفَرق بين الفِرق وبيان االفرقة الناجية منهم، ط1، مصر، مكتبة ابن سينا، (د ت).

ـ بوهلال (محمَّد)، إسلام المتكلّمين، ط1، بيروت، دار الطليعة، رابطة العقلانيين العرب، 2006، ص 231.

ـ الشرفي (عبد المجيد)، الإسلام والحداثة، ط1، تونس، الدار التونسيَّة لنشر، 1990.

ـ عبده (محمَّد)، الأعمال الكاملة (تحقيق محمَّد عمارة)، ط1، مصر، دار الشروق، 1993، أبو الأعلى المودودي، نظريَّة الإسلام السياسيَّة، ط1، بيروت، دار الفكر، 1967.

ـ الغزالي (أبو حامد)، المنقذ من الضلال (تحقيق عبد الكريم المرّاق)، ط2، تونس، الدار التونسيَّة للنشر، 1989.

ـ قطب (سيّد)، معالم في الطريق، ط6، مصر، دار الشروق، 1979.

ـ المودودي (أبو الأعلى)، الخلافة والملك، (تعريب أحمد إدريس)، ط1، الكويت، دار القلم، 1978.

ـ المودودي (أبو الأعلى)، المصطلحات الأربعة في القرآن، (تعريب محمَّد كاظم سباق)، ط5، الكويت، دار القلم، 1971.


[1]- نشر في الملف البحثي "التوحيـد بين الأصل الإسلامي والتأويل الجهادي: الأعلام والنُّصوص" بتاريخ 22 فبراير 2018، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، إشراف بسام الجمل، تقديم أنس الطريقي.

[2]ـ راجع: الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، ط1، مصر، مكتبة النهضة المصرية، 1950، ج1، ص ص 320- 325.

[3]ـ انظر مثلاً: البغدادي، الفرق بين الفرق وبيان االفرقة الناجية منهم، ط1،مصر، مكتبة ابن سينا، (د ت)، ص ص 40، 270.

[4]ـ الغزالي، المنقذ من الضلال (تحقيق عبد الكريم المرّاق)، ط2، تونس، الدار التونسيّة للنشر، 1989، ص ص 44- 47.

[5]ـ الغزالي، المصدر نفسه، ص 87.

[6]ـ محمّد بوهلال، إسلام المتكلّمين، ط1، بيروت، دار الطليعة، رابطة العقلانيين العرب، 2006، ص 231.

[7]ـ يقول ابن تيميّة: "وأمَّا من زاغ عن سبيلهم من الكفّار والمشركين والذين أوتوا الكتاب ومن دخل في هؤلاء من الصابئة والمتفلسفة والجهميّة والقرامطة الباطنيّة ونحوهم، فإنّهم ضدّ ذلك، يصفونه بالصفات السلبيّة على وجه التفضيل. ولا يثبتون إلّا وجوداً مطلقاً لا حقيقة له عند التحصيل"الرسالة التدمريّة، ط1، مصر، مكتبة السنّة المحمّديّة، (د ت)، ص 5.

[8]ـ المصدر نفسه، ص 16.

[9]ـ المصدر نفسه، ص 16.

[10]ـ المصدر نفسه، ص 24.

[11]ـ المصدر نفسه، ص ص 53، 54.

[12]ـ المصدر نفسه، ص 77.

[13]ـ عبد المجيد الشرفي، الإسلام والحداثة، ط1، تونس، الدار التونسيّة للنشر، 1990، ص ص 42، 43.

[14]ـ انظر: جمال الأفغاني، الأعمال الكاملة، ط2، طهران، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلاميّة، مركز البحوث الإسلاميّة، 1221 هـ، ص 150.

[15]ـ محمّد إقبال، تجديد الفكر الديني في الإسلام، ط2، مصر، دار الهلال، 2000، ص 87.

[16]ـ المصدر نفسه، ص ص 88، 89.

[17]ـ محمّد عبده، الأعمال الكاملة (تحقيق محمَّد عمارة)، ط1، مصر، دار الشروق، 1993، ج3، ص 373.

[18]ـ المصدر نفسه، ج3، ص 383.

[19]ـ يقول محمّد عبده: "الغاية من هذا العلم: القيام بفرض مجمع عليه، وهو معرفة الله تعالى بصفاته، الواجب ثبوتها له، مع تنزيهه عمّا يستحيل اتّصافه به، والتصديق برسله على وجه اليقين الذي تطمئنّ به النفس اعتماداً على الدليل، لا استرسالاً مع التقليد، حسبما أرشدنا إليه الكتاب، فقد أمر بالنظر واستعمال العقل فيما بين أيدينا من ظواهر الكون، وما يمكن النفوذ إليه من دقائقه، تحصيلاً لليقين بما هدانا إليه، ونهانا عن التقليد بما حكى عن أحوال الأمم في الأخذ بما عليه آباؤهم وتبشيع ما كانوا عليه من ذلك واستتباعهم لهدم معتقادتهم وامّحاء وجودهم المليّ، وحقّ ما قال، فإنَّ التقليد كما يكون في الحقّ يكون في الباطل، وكما يكون في النّافع يحصل في الضّار، فهو مضلّة يعذر فيها الحيوان ولا تجمل بحال الإنسان". المصدر نفسه، ج3، ص ص 383، 384.

[20]ـ أبو الأعلى المودودي، نظريّة الإسلام السياسيّة، ط1، بيروت، دار الفكر، 1967، ص 23.

[21]ـ المصدر نفسه، ص 29.

[22]ـ انظر: أبو الأعلى المودودي، الخلافة والملك، (تعريب أحمد إدريس)، ط1، الكويت، دار القلم، 1978، ص ص 9- 17.

[23]ـ يقول أبو الأعلى المودودي: "فخلاصة القول: إنَّ أصل الألوهيّة وجوهرها هو السلطة سواء أكان يعتقدها الناس من حيث إنّ حكمها على هذا العالم حكم مهيمن على قوانين الطبيعة، أو من حيث إنَّ الإنسان في حياته مطيع لأمرها وتابع لإرشادها، وإنَّ أمرها في حدّ ذاته واجب الطاعة والإذعان". المصطلحات الأربعة في القرآن، (تعريب محمَّد كاظم سباق)، ط5، الكويت، دار القلم، 1971، ص 23.

[24]ـ يعرّف سيّد قطب المجتمع الجاهليّ بأنَّه كلّ مجتمع غير المجتمع المسلم، وهو كلّ مجتمع لا يخلص عبوديّته لله وحده متمثّلة هذه العبوديّة في التصوّر الاعتقادي وفي الشعائر التعبّديَّة وفي الشرائع القانونيّة. وبهذا التعريف الموضوعي تدخل في إطار المجتمع الجاهليّ جميع المجتمعات القائمة في الأرض فعلاً. انظر: معالم في الطريق، ط6، مصر، دار الشروق، 1979، ص ص 88، 89.

[25]ـ المرجع نفسه، ص ص 91، 92.

[26]ـ المرجع نفسه، ص 95.