الدولة الحسينيّة والعنف الجبائي أواسط القرن التاسع عشر: قبيلة بني زيد وضريبة الإعانة نموذجا 1856- 1862


فئة :  مقالات

الدولة الحسينيّة والعنف الجبائي أواسط القرن التاسع عشر:  قبيلة بني زيد وضريبة الإعانة نموذجا 1856- 1862

الدولة الحسينيّة والعنف الجبائي أواسط القرن التاسع عشر:

قبيلة بني زيد وضريبة الإعانة نموذجا

1856- 1862

تــــــقديـــــــــــم:

لا تزال دراسة ظاهرة العنف الشرعي، ولا سيما الجبائي منه والمسلّط من طرف الدّولة الحسينيّة على المجتمع الأهلي التونسيّ قبيل انتصاب الاحتلال الفرنسي – وتحديدا أواسط القرن التاسع عشر – تسيل حبر العديد من الباحثين والمهتمّين بالتاريخ المجهري[1] و«المحلّي»[2] لما تكتسيه من أهميّة معرفيّة ومنهجيّة على حدّ سواء. وحريّ بنا أنّ نشير هنا إلى أنّ دراسة هذه الظاهرة تمكنّنا ليس فقط من التعرّف على السلوك السياسي لجهة ما، سواء أكانت فردا (حاكما) أم مجموعة (الدولة وأجهزتها) وردود فعل قوى بشريّة معيّنة (أشخاص/قبائل) تجاه ذلك السّلوك[3]، بل تتعدّاه/تتجاوزه إلى معرفة مختلف أسبابها ودوافعها (سواء كانت اقتصاديّة أو اجتماعيّة أو حتى ثقافيّة)، وتكشف لنا طبيعة العلاقة المتوتّرة التي كانت تجمع ما بين الدّولة وأطرافها.

ولا يكاد يخلو تاريخ البايليك الحسيني أواسط القرن التاسع عشر من مظاهر العنف المسلّط من طرف أجهزة الدّولة على القبائل، إمّا بدافع إخماد تمرّد وعصيان، وإما لاستخلاص ضرائب قديمة أو لفرض جباية جديدة، وهو ما يعكس لنا عمق الأزمة التي كانت تعيشها الدّولة آنذاك، وهو ما فسرّه لنا بوضوح كلّ من المؤرّخ أحمد بن أبي الضياف[4] والعديد من الباحثين التونسيّين الذين قاموا بدراسات أقلّ ما يقال عنها قيّمة[5]. وفي هذا الإطار، تتنزّل هذه الدراسة التي ستعنى بظاهرة «العنف الجبائي» المسلّط من قِبَلِ الدولة الحسينيّة وأجهزتها على قبيلة بني زيد أواسط القرن التاسع عشر من خلال تسليط الضوء على ضريبة المجبى الجديد أو الإعانة والظرفيّة التاريخيّة التي جاءت فيها، والدور الذي لعبته في إثقال كاهل القبائل التونسيّة بصفة عامّة وقبيلة بني زيد بصفة خاصّة، ومساهمتها في توتّر العلاقات بين المجتمع القبلي والمخزن الحسينيّ.

1 - في مفهوم العنف والعنف الجبائي:

لا مناص لنا قبل الدخول في صلب الموضوع من تحديد بعض المفاهيم وتفكيكها، ولا سيما مفهوم العنف والعنف الجبائي؛ وذلك لعدّة اعتبارات أهمّها الاعتبار المنهجيّ؛ فالعنف ظاهرة قديمة قِدَم المجتمعات الإنسانيّة، ولا تكاد صفحات التاريخ تخلو من مثل هذه الممارسات، سواء في الفترات القديمة والوسيطة[6] أو الحديثة والمعاصرة.

أ- مفهوم العنف:

العنف - في لسان العرب لابن منظور- كلمة جذرها «عَنَفَ»، و«عَنَفَ عُنْفًا وعَنافَة به وعليه» أي لم يرفق به،  و«العُنْفُ» هو الشدّة والقسوة، وهو ضدّ الرّفق واللّين. و«عَنُفَ» به وعليه «عُنْفًا وعَنَافةً» أي أخذه بشدّة وقساوة، و«أَعْنَفَهٌ» أي عَنُفَ به وعليه. واعْتَنَفَ الأمر أي أخذه بعنف وأتاه ولم يكن له علم به، ويقال «عَنَّفَ فلان فلانا»؛ أي لامه ووبّخه بالتقريع أو بالضّرب ولم يرفق به، فهو بذلك عنيف[7].

وأمّا اصطلاحا، فمفهوم العنف يعني كل فعل يمارس من طرف جماعة أو فرد ضد أفراد آخرين عن طريق التعنيف قولاً أو فعلاً، وهو تجسيد للقوة المادية أو المعنوية[8]. كما يمكن تعريف العنف على أنه سلوك أو فعل يتّسم بالعدوانيّة، ويصدر عن طرف (قد يكون فرداً أو جماعة أو طبقة اجتماعية أو دولة) بهدف استغلال وإخضاع طرف آخر في إطار علاقة قوّة غير متكافئة اقتصاديا وسياسياً واجتماعيّا مما يتسبب في إحداث أضرار ماديّة أو معنويّة أو نفسيّة.

ب- العنف الجبائي:

يدخل العنف الجبائي تحت غطاء «العنف الشرعي أو القانوني»، والذي هو كلّ فعل تستأثر به الدّولة وأجهزتها ضدّ الأشخاص أو الجماعات بغاية تحقيق العدالة والأمن والحفاظ على السّلم الأهلي، فلا يمكن تخيّل السلطة كسلطة دون عنف. وفي هذا الشأن، كتبت «حنّا آردنت»: «إن كانت السّلطة لا تحتاج إلى تبرير، فإنّ العنف هو ما يبرّرها ويجعلها مسيطرة...»8، فلا يمكن تصوّر سلطة دون استحضار لعتادها العسكريّ والأمني، والذي تطبّق به عنفها المشروع.

2- الدولة الحسينيّة والعنف الجبائي:

حرص البايليك الحسينيّ على بسط نفوذه وسلطته على المجتمع الأهلي بصفة عامة، وعلى القبائل بصفة خاصة باستعمال القّوة والعنف[9]، ممّا كرّس العلاقة «القهريّة» بين المجتمع والسّلطة [10]. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا الميزة القبليّة للمجتمع التونسي[11] وبالأخصّ سكّان الأعراض أواسط القرن التاسع عشر لتمكنّا من تبرير العنف المسلّط عليهم من طرف الدولة وأجهزتها، حيث لطالما حظيت تلك المنطقة بنوع من «الاستقلاليّة» تجاه السلطة المركزيّة مستغلّة في ذلك بعدها عن المركز ووجودها الطرفي المتاخم لإيالة طرابلس. ولقد وظّفت عروش ذلك المجال هامش «استقلالها» للتهرّب من أداء واجباتها الضريبيّة تجاه البايليك الذي لطالما كان يقوم بتفقير الأرياف، ونهب خيراتها وإثقال كاهلها بالضرائب كحلّ للخروج من أزمته الماليّة والاقتصاديّة لسوء تصرّفه المالي وفساده الإداري وانتهاجه لسياسة التّداين من المرابين الأوروبيّين.

أ- أزمة الدولة أواسط القرن التاسع عشر: أزمة هيكليّة شاملة

شهدت الدولة الحسينيّة أوائل القرن التاسع عشر أزمة هيكليّة حادّة مسّت جميع المستويات الاقتصادية والسياسيّة والاجتماعيّة، لتبلغ ذروتها في منتصف القرن بالتزامن مع انتشار المجاعات والأوبئة وتتالي سنوات القحط والجدب[12]، حيث دخلت الإيالة التونسيّة بعد فترة الازدهار التي عاشتها مع حمّودة باشا الحسيني (1782- 1814) في حالة من الركود التجاري والمالي، ولاسيما بعد إلغاء نشاطي القرصنة وتجارة الرقيق[13]- وبالتالي فقد البايليك لأهمّ مورد من موارده الماليّة- فتفاقمت صعوبات الدولة داخليّا وخارجيّا، وهو ما مكّن رأس المال التجاري الأوروبي من إحكام قبضته على السوق التونسيّة وفرضه لنظام تجاريّ يخدم مصالحه ومصالح رعاياه، فكان أن قام في البداية بالتّرفيع في قيمة الأداءات والرسومات الجمركيّة المفروضة على الصادرات التونسيّة نحو البلدان الأوروبيّة. وفي المقابل نجح في خفّض قيمة الأداءات على الواردات[14] نحو الإيالة، وهو ما جعل من البلاد التونسيّة سوقا مفتوحا في وجه كلّ السلع الأوروبيّة والفرنسيّة، وفتحت تبعا لذلك البلاد على مصراعيها لغزو رأس المال الأوروبيّ لتشكّل هذه الوضعيّة الجديدة نقلة نوعيّة في طبيعة العلاقات الاقتصادية والسياسيّة بين دول الشمال والجنوب (أي شمال البحر الأبيض المتوسّط وجنوبه). وما احتلال فرنسا للجزائر في سنة 1830 ومنعها من إبرام العقود التجاريّة مع الإيالة التونسيّة ابتداء من سنة 1843 إلّا دليل على حدّة طبيعة العلاقات الجديدة، كما استغّلت الدوائر الرأسماليّة الأوروبيّة أزمة الدولة الحسينيّة وزادت في تعميقها لتمكّن تجّارها وقناصلها المقيمين بتونس من التحكّم في النشاط التجاري من خلال إبرام فرنسا مثلا لمعاهدة 18 يوليوز 1830[15] مع الباي، والتي نصّ أحد بنودها على تمكين التجّار الفرنسيّين من تجاوز حكومة الباي في إبرام العقود التجاريّة، ولا سيما الصادرات بعد أن كان التصدير قبل ذلك التاريخ حكرا على الدّولة ومن صميم اختصاصاتها[16].

وأمّا على الصعيد السياسي والإداري، فلقد كانت الإيالة التونسيّة تعيش أزمة خانقة بسبب «جور الحكّام»[17] وسوء تصرّفّهم المالي، حيث يخبرنا صاحب الإتحاف ابن أبي الضياف مثلا أن «أحمد باي توسّع في المصاريف على نفسه توسّعا كبيرا»[18] وأنّه «كان يعتبر مال الإيالة ماله الخاص يتصرّف فيه كما يشاء»[19]، فكان «يغدق على أتباعه من أعيان دولته»[20]. كما كان من طبع هذا الباي «حبّ كبير للكرم ومن أيّامه ابتدأ التأنّق والصّرف على الكراريس(العربات) والأبنية الضخمة ممّا كان يدعوه بترف الحضارة»[21]. وكما اتّصفت الدّولة الحسينيّة أواسط القرن التاسع عشر بفساد أعوانها وعمّالها، حيث كانوا يعمدون بكلّ الأساليب للحصول على «الرشاوى» من الأهالي «فامتدّت أيادي اللزّامة والعمّال امتدادا لم يعهد له مثيل في قطر من الأقطار»[22]، وما قيام القابض العام للدولة الحسينيّة محمود بن عيّاد (1847-1852) بالتلاعب بلزامات الدوّلة - حيث كان يقبض من الأهالي عشرين ريالا عوضا عن عشرة ريالات وكان لا يدفع للخزينة سوى ستّة أو سبعة ريالات - إلا أحسن مثال للفساد الإداري المستشري آنذاك [23].

وعكست الأزمة الاقتصاديّة والسياسيّة بظلالها على الصّعيد الاجتماعي، حيث تضّرر الأهالي (تجّار – حرفيون – فلاّحون...) وانتشرت الخصاصة والبؤس في صفوف الأوساط الشعبيّة، وتفاقمت ديون صغار التجّار والكسبة والعملة الفلاحيين (خمّاسة – مغارسيّة...) والرّعاة وعجزوا عن دفع الضرائب «فاعتذرت المشائخ لضعف حال أهل البلاد»[24]. كما ساهمت العوامل الطبيعيّة في مزيد تعميق أزمة «البلاد والعباد»، حيث شهدت الإيالة التونسيّة انتشار الأوبئة والأمراض، كوباء الكوليرا خلال سنتي 1849 و1850، والذي أدّى حسب بعض الدراسات إلى «هلاك ربع سكّان البلاد»[25] وأدّت سنوات الجفاف وقلّة الأمطار وبعض الآفات إلى انتشار المجاعات ونفوق الأغنام والدّواب وتقلّص مساحات المراعي والأراضي الفلاحيّة، وفي هذا الشّأن يقدّم لنا ابن أبي الضّياف وصفا دقيقا بقوله: «وازداد نقصان الفلاحة حتى كادت تنقطع وبقيت الهناشير(الضيعات) مبيت الوحوش، وتفاقم الأمر وعيل الصبر وضعفت طاقة الفلاّحين وظهرت الفاقة وصارت أزمة الأعشار تأتي من البلدان... وأكثر الهناشير مكتوب عليها اسم الفلاّح مرقونا مع لفظ أبيض كناية عن عدم البذر»[26]. ولقد ساهمت هذه الوضعيّة في تفاقم ظاهرتي الفقر والجوع وما انجرّ عنهما من استشراء للعنف والفوضى صلب المجتمع الأهلي التونسي، حيث كثرت «الفتن والقتال وقلّت المكاسب»[27]، وزادت حاجة البايليك للمال في تعميق الهوّة بين الدولة والمجتمع ومن هنا تحوّل العجز عن دفع الجباية إلى عامل أساسي يقود الأهالي إلى التصادم مع السّلطة وأعوانها، حيث أقدمت مثلا بعض قبائل الأعراض تحت «إمرة بني زيد ومن معهم من الفسايديّة من أهل الأعراض والعيايشة وأولاد بوسعيد»[28] على مهاجمة الدولة من خلال مواجهة مؤسّسة المحلّة وما تمثّله من رمزيّة ليتمكّنوا من «السطّو على بيت القابض في قابس واختلاس اثني عشر ألف وأربع مائة ريال من أموال المجابي»[29]. كما استشرت أيضا في صفوف المجتمع المحلّي ظواهر السّرقة والإغارة بين السكّان وبين القبائل فيما بينها، وهو ما تؤكّده لنا المصادر الأرشيفيّة، ولا سيما مراسلات عمّال الأعراض أثناء حديثها عن حالة «الفوضى التي عمّت البلاد»[30]، وما ارتفاع أعداد المساجين في سجن برج قابس وممارسة العنف الشرعي من طرف الدّولة لردع الأهالي إلّا أحسن دليل على توصيف أزمة البايليك الذي وجد في سياسة «القهر» أنجع السّبل لضبط الأمن في مجاله الحضري، ولاسيما الرّيفي منه[31].

ب- ضريبة الإعانة وتكريس العنف الجبائي للدّولة:

لم تجد الدّولة الحسينيّة وعلى رأسها محمّد باي (1855-1859) أيّة وسيلة للخروج من أزمتها الخانقة سوى التوجّه نحو دواخل البلاد «من أهل الخيام والمداشر والقرى»[32] لتعويض عجز الميزانيّة؛ وذلك عبر فرض سياسة جبائيّة جديدة تتلاءم مع طبيعة المرحلة، والتي كان من أبرز ملامحها سنّ ضريبة المجبى الجديد أو الإعانة، والتي وعد الباي بالاستغناء عنها «متى تحسّنّ حال البلاد» وفق المنشور الذي أصدره في شهر جوان 1856[33].

ومن نافلة القول، قبل التطرّق إلى هذا الأداء الجديد، التذكير بأنّ هذه الضريبة (المجبى) كانت قد فرضت على الأهالي قبل هذا التاريخ، حيث تعود جذورها إلى العهد العثماني الأوّل، وشكّلت آنذاك أكبر قسط من مداخيل الدوّلة المتأّتية من «المجابي / الضرائب القارّة «[34] وشملت السكّان البالغين من الرعايا المستقرّين والبدو الرحّل وشبه الرحّل وممتلكاتهم وأنشطتهم المتنوّعة.

ومع صعود المراديّين للسلطة تدعّم هذا الأداء منذ أواخر القرن السّابع عشر، ليشكّل عبئا ثقيلا على القبائل التونسيّة بصفة عامّة وعلى قبائل الأعراض وبني زيد بوجه خاص، حيث كانت هذه القبائل أواخر القرن المذكور وتحديدا خلال سنة 1699 تدفع لوحدها ما قيمته 29236 ريال[35] وهو مبلغ ضخم مقارنة بالظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة التي كانت تعيشها هذه المجموعات البشريّة. ويمكن تفسير هذا العنف الجبائي المسلّط على هذه القبائل بسعي البايات المراديّين لكسر شوكتها لا سيما «المتمرّدة» منها ورفض جميع أشكال خروجها عن طاعة المخزن من خلال إثقال كاهلها بالجباية، ليتواصل العمل بهذا النظام الضريبي مع الدّولة الحسينيّة إلى عهد محمّد باي الذي قام عند تولّيه زمام السّلطة بتحويره حيث أقدم على إلغاء عدد هام من الضّرائب والمعاليم المفروضة على الرعايا وما كان «يٌفْرَضٌ على الرؤوس من تباعات المحصولات والدخّان والملح والجلد «[36]، كما ألغى ضريبة «المغنيين» وأسقط ثلاثة أرباع الجباية المترتّبة على بيع الأغنام والدّواب[37] وأبطل العمل بضريبة «المجبى القديمة» و«غير ذلك من سائر ما أُعْتِيدَ فَرْضُهُ وتوزيعه» [38] على الأهالي. هذا الانفراج الضريبي ألظرفي سرعان ما سيقع تداركه من خلال تعويض النظام الجبائي القديم بآخر جديد يتكوّن أساسا من نوعين مهمّين من الإضاءات؛ هما الضرائب «المحتكرة» والعاديّة»[39].

وتندرج ضريبة الإعانة موضوع دراستنا في خانة الضرائب العاديّة والمباشرة والموظّفة على الأشخاص البالغين من الذّكور، ويدفعها - حسب الأمر العَلِيّ المنظّم لها والصّادر في يونيو من سنة 1856 - كلّ الأفراد والمجموعات المحليّة سنويّا وبانتظام بما قدره «ثلاثة ريالات في كلّ شهر»[40] أي 36 ريالا سنويّا. وتختلف ضريبة الإعانة عن المجبى القديم من حيث القيمة الماليّة والأطراف المعنييّن بها، حيث اُسْتثنيَ من أدائها سكّان مدن «تونس والقيروان وسوسة والمنستير وصفاقس»[41] لما لها من «أحكام تخصّها»[42] بالإضافة للأطفال والنساء والقضاة والمفتيّين وأعوان الدّولة والعساكر[43]. وتجب الإشارة هنا إلى نقطة غاية في الأهميّة، فلئن صمت منشور جوان 1856 وتغافل عن ذكر أداء الطوائف غير المسلمة لهذه الضريبة وغيرها من الضرائب الأخرى من عدمه - والذين نعني بهم بالأساس اليهود، ولاسيما من ذوي الأصول الأوروبيّة، والذين كان يطلق عليهم اسم «القرانة»[44] - فإنّنا نؤكّد بأنّهم كانوا معفيّين من أداء هذا المجبى لتميّزهم عن سائر رعايا الباي، حيث كانوا أشدّ الارتباط والاحتماء بالقناصل الأجانب وبرأس المال الأوروبيّ.

هذه الوضعيّة «المتميّزة» - والتي جاءت في ظرفيّة اتّسمت بضعف الدّولة وخضوعها للضغوط الأوروبيّة وإجبارها على مسايرة التعديلات السياسيّة والاجتماعيّة التي فرضها التفوّق الرأسمالي - مكّنت من إعفاء طائفة القرانة اليهوديّة من هذا الأداء الضريبي، بل حتى من أداء ما كان يعرف بالضرائب الشرعيّة «كالجزية»، ليتحمّل سكّان البلاد من المسلمين والبعض من اليهود التوانسة[45] وخاصة سكّان الأرياف والقرى عبء أداء الإعانة الجديدة[46]، وهو ما يعكس لنا سياسة التمييز التي كان يتبّعها المخزن الحسينيّ تجاه رعاياه (مسلمون/يهود، بلديّة/عربان) ومجال نفوذه (مدن/أرياف).

ولحسن سير جباية الإعانة أصدر محمّد باي أوامره لعمّاله ومشايخه يحثّهم فيها على إحصاء أعداد الذّكور البالغين، وفي هذا الإطار تفيدنا المصادر الأرشيفيّة لسجّلات دفاتر الإعانة الخاصة بقبيلة بني زيد أنّ الأطراف المعنيّة بهذا الأداء قد بلغت أعدادها مثلا سنة 1861 الــ 3496 نفرًا[47]، وحريّ بنا هنا أن نبيّن أنّ هذه الأعداد قد تأرجحت ما بين الارتفاع حينا والانخفاض أحيانا[48]، ويعود ذلك بالأساس إلى عدّة أسباب يمكن حصرها في العوامل الصحيّة والطبيعيّة كعودة بعض الأوبئة (وباء الكوليرا خلال سنة 1856) التي تفشّت في الإيالة التونسيّة، وما انجرّ عنها من هلاك أعداد كبيرة من الأهالي، خاصة وأنّها تزامنت مع الظروف المناخيّة (جفاف – مجاعة...) السيّئة التي أصابت المدن والأرياف على حدّ سواء[49]. هذا وقد حدّد منشور الإعانة كل تفاصيل وحيثيّات الأداء الجديد وطريقة تطبيقه وتوزيعه على «القويّ والضعيف والمشروف والشّريف من الأهالي»[50] وبحضور مشايخهم وأعيانهم[51]، ليشمل حتى فئات المهمّشين ممّن كانوا يقبعون في أسفل السلّم الاجتماعي والذين نعني بهم العبيد والعبيد المعتوقين، والذين دأبت المصادر على تسميتهم بــ «الشُوَاشِينْ»، حيث قامت الدولة الحسينيّة بدمجهم في دفاتر الجباية ولم تراع وضعّياتهم الاجتماعية ولا الماديّة المتدهورة[52]. ولقد قدّرت أعداد هذه الشريحة الاجتماعيّة خلال السنة الجبائيّة 1855/1856 بــ 32 «عبدا وشوشانا» من جملة 2554[53] نفرا من عرش بني زيد المطالبين بأداء الإعانة أي بنسبة مئويّة تقدّر بــ 1.25 % لتصل إلى 57 نفرا من جملة 3317[54] خلال سنة 1860/1861 أي بنسبة 1.71 %.

وكما اهتمّ أعوان الدّولة كذلك، ولا سيما المشايخ بجرد وإحصاء ممّن عرفوا بـ«المزيودين» أي الفئات التي بلغت سنّ الرّشد أو أولئك الذين تخلّفوا عن تسجيل أسمائهم في سجّلات دفاتر الإعانة، حيث تطلعنا السجّلات على زيادة في أعداد الأهالي المطالبين بهذه الضريبة في قبيلة بني زيد خلال السنوات الفاصلة بين 1860 و1862 بــ 168 نفرا[55]. كما قاموا بإحصاء الأهالي «الطِيّاش»[56]؛ أي أولئك الذين دفعتهم الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة القاسية إلى الهجرة من موطنهم الأصلي والاستقرار في مناطق أخرى من البلاد، ولم يشفع لهم استقراهم في بعض المدن المعفيّة من أداء الإعانة كالسّاحل والحاضرة تونس، بل كانوا مطالبين بدفع هذه الضريبة شأنهم في ذلك شأن بقيّة إخوتهم من قبيلتهم أو بلدتهم من العربان[57]، حيث تمّ إدراج أسمائهم في قائمات إضافيّة أو خاصة من سجّلات دفاتر بني زيد لتقدّر أعدادهم بـ 2561 نفرا خلال السنة الجبائيّة 1855/ 1856[58] و2588 خلال سنة 1856-1857[59].

ولئن نصّ أمر يونيو 1856على إسقاط الفقراء والمعدمين والعجزة والمكفوفين من دائرة المجبى، فإنّه أعاد البعض من هذه الشرائح الاجتماعيّة الفقيرة والمهمّشة إلى مربّع الجباية من جديد، وهو ما لمسناه بوضوح من خلال تراجع أعداد «المسقطين» في قبيلة بني زيد فبعد أن كانت أعداهم تقدّر بـ 273 نفرا خلال السنة الجبائيّة 1858/ 1859[60] تراجعت إلى 116 نفرا خلال ستة 1861/1862[61]، وهو ما يعكس لنا حاجة البايليك الحسيني للأموال ونكثه لوعوده من خلال إجباره للبعض من المسقطين من هذا الأداء على دفع ما تخلّد بذمّتهم.

وخلال الفترة الفاصلة بين سنوات 1856 و1862، وهي الفترة التاريخيّة التي تهمّ هذه الدّراسة كان نصيب قبيلة بني زيد من أداء ضريبة المجبى الجديد تقدّر بــ 672324 ريالا[62]، وهو مبلغ ضخم قياسا بحجم هذا العرش مقارنة مع عروش وطن الأعراض (الحزم والحمارنة ونفّات و«كنفيدراليّة» ورغمّة) والتي أدّت مجتمعة على سبيل الذكر لا الحصر خلال السنة الجبائيّة 1859/1860ما قيمته الــ 789768 ريالا[63].

وأّمّا عن كيفيّة طرائق وأساليب جباية ضريبة الإعانة من قبيلة بني زيد، فإنّ المصادر قد أجمعت على أنّ سياسة القهر والإكراه كانت أنجع سبل البايليك، هنا وحب التذكير بالدّور الذي لعبه الجهاز الإداري المحلّي من قيّاد وخلفاوات - ليس فقط في استخلاص الضرائب- بل في استغلال المجتمع المحلّي وتطويعه لخدمة الدّولة من جهة ولتكريس ثرائهم على حساب الأهالي من جهة ثانية. وإذا ما وضعنا في اعتبارنا طبيعة المهام الأمنيّة والجبائيّة الموكلة له بالأساس، والتي كانت تضعهم في اتّصال مباشر مع السكّان لاتّضحت لنا صورة تفقير الأرياف والدّواخل، حيث استغلّ أعوان الدولة على اختلاف رتبهم سلطاتهم شبه المطلقة، فانكبّوا على ابتزاز فوائض الإنتاج وأخذ الأموال من السكّان «جبرا» وافتكاك أرزاقهم «قهرا»، وما قيام خليفة عرش الشعل لبني زيد صولة بن سعيد الشعيلي (تولّى مشيخة الشعل بين 1849-1868) من تجاوزات تجاه الأهالي إلّا أحسن مثال نسوقه للقارئ، حيث نورد هنا نصّ شكوى بعث بها أهالي بني زيد للباي فحواها: «أخبرناه (أي عامل الأعراض علي بن خليفة النفّاتي) بما فعل فينا الشيخ صولة بن سعيد الشعيلي من الفعل الذي لا يرضاه المسلم لأخيه المسلم من أخذ أموالنا جبرا وفكّ أملاكنا قهرا وما فعل معنا من الضرر الفاحش من الضيافات والبشارات، فلم يسمع سي علي بن خليفة ذلك... وأدخلوا بني زيد في الفساد ورغّبوهم في الغارات»[64].

كما يجب التذكير أيضا بفساد أجهزة الدّولة، ولا سيما المشايخ السّاهرين على تطبيق مرسوم الباي المتعلّق بإحصاء من شملهم منشور الإعانة من خلال تعمّدهم إلى عدم الإفصاح عن الأعداد الحقيقيّة لبعض العروش والتغاضي عنهم وعدم إدراج أسمائهم في الدفاتر مقابل قبض الرشاوى[65]، وبما أنّ الحكومة كانت لا تدفع أجور أعوانها الإداريين، بل عطّلت حتى القرار الذي أصدرته والذي بموجبه يُسَدَّدُ للمشايخ 4% من قيمة المبلغ المقبوض من الإعانة، وهو ما كان يعرف بـ«خدمة المشايخ»، فإن هؤلاء وكلّ أعوان الدّولة سيحاولون تعويض «خسائرهم» باقتطاع أكبر قسط من الأموال من الأهالي لذلك عمدوا على تدليس الأعداد الحقيقيّة لدافعي المجبى، وهو ما تكشفه لنا دفاتر الإعانة لعرش بني زيد، إذ لاحظنا عدم تطّور في أعداد دافعي الضرائب من سنة لأخرى رغم ارتفاع أعداد «المزيودين والشّواشين والطيّاش» ومردّ ذلك تعمّد المشايخ عدم الإفصاح عن الأرقام الصحيحة لأهالي عروشهم، حتى يتسنّى لهم اقتطاع أكبر قسط من هذا الأداء لأنفسهم[66]. وكما عمدوا على الرّفع من قيمة الضريبة ومقدارها الحقيقي فكانوا يطالبون الذكر البالغ على سبيل المثال بدفع 40 ريالا عوضا عن 36 ريالا، كما كانوا يستخلصون الضرائب من دون إعطاء وصولات للأفراد ثمّ يطالبونهم بالدّفع مرّة ثانية. [67]

كما استغلّ الخلفاوات والقيّاد بعض القوانين والأوامر العليّة، التي تبيح للسّلط المحليّة جميع الطرق والأساليب لجباية أداء الإعانة، كقانون سنة 1861 والذي حدّد ترتيبات عمليّة استخلاص الضرائب وسَمحَ للجهاز الإداري بسجن وتخطية وحتى بيع أملاك كلّ من يرفض دفع ضريبة المجبى، ومن هنا كانوا يغصبون النّاس على دفع الأموال ويقومون بسجن من لا كسب له من غير رقيب[68] ويقومون بتخطية المتلكّأ بمبالغ تصل في بعض الأحيان إلى ضعف قيمة الإعانة، وهو ما أكّدته لنا بعض المصادر من «أنّ كلّ نفر من أنفار الحامّة دفع مائة وأربعة عشرون ريالا ونصف كخطيّة فرضها عليهم الخليفة صولة بن سعيد الشّعيلي»[69]. كما التجأ القيّاد أحيانا إلى «حرابة» رعيّتهم وبيع أملاكهم لخلاص مجابيهم، وهو ما تبيّناه من خلال مراسلة كاهية وجق الأعراض وخليفتها إلى الوزير الأكبر جاء فيها: «... نحن في انتظار أمر مولانا وسيدنا لنبدأ في بيع تلك الأملاك (أي أملاك بني زيد وباقي عروش الأعراض)...»[70]. كما كانوا يجبرون البعض من أفراد الأسرة الواحدة على أداء الإعانة مكان من استثناهم المنشور من باب المسؤوليّة الجماعيّة للأهالي، حيث كان اللزّامة لا يعترفون بالعجز الناجم عن كبر السنّ أو المرض أو الفقر، بل كانوا يجبرون «الأخ على الدّفع مكان أخيه والآباء مكان أبنائهم»[71]، وهو ما كرّس في أذهاننا صورة القهر والإكراه المتّبعة من قبل البايليك الحسيني تجاه المجتمع المحلّي بصفة عامّة وبني زيد بصفة خاصة، ليتواصل هذا المنهج وبأساليب أكثر حدّة تجاه هذا العرش بالتحديد وهو ما سيولّد العنف والعنف المضاد والذي سيترجم على أرض الواقع بإعلان التمرّد والعصيان.

ج- العنف الشرعي أداة البايليك لفرض الاستنزاف الجبائي:

يبدو أنّ السّلطة السياسيّة في الحاضرة لم تأخذ بعين الاعتبار عدم قدرة الأهالي على دفع ضريبة الإعانة، وهو ما اقتفينا أثره في عريضة وجّهها سكّان الحامّة للباي في يوليوز 1857 مفادها: «لنا مّدة ثلاث سنوات جارت علينا العمّال بشيء لم نظنّه من حضرتكم العليّة... وقصر بنا المعاش وضاقت خلوق العامّة والضعفاء والمساكين»[72]. وأمام تعنّت البايليك وتجاوزات الجهاز الإداري لم يجد بنو زيد أيّ وسيلة للتعبير عن رفضهم لسياسة الاستنزاف الجبائي سوى إعلان العصيان والتمرّد والذي عبّر عن نفسه بالتفاف الأهالي حول «غومة» ذلك الثائر «المحمودي» الذي التجأ بعد فشل ثورته[73] ضدّ السلطة العثمانيّة في الجبل الغربي من إيالة طرابلس (فبراير 1856) إلى البلاد التونسيّة وتحديدا نحو الجنوب التونسي. ولقد استمدّت هذه الحركة «مشروعيّتها» من مطالب سياسيّة واقتصاديّة مستندة في نفس الوقت على طبقة اجتماعيّة «سحقتها» تجاوزات العمّال وأعوان الجهاز الإداري. ولم يكن موقف بني زيد من «الشيخ غومة» ينبع من عصبيّة قبليّة وصفوفيّة فقط كما ذهب إلى ذلك بعض الباحثين، بل اعتبروه مناصرا ومدافعا عنهم من جور الحكّام لذلك التفّوا حوله واعترفوا بأنّهم في «صفّ هذا الثائر لأنهم لم يروا فيه ما ينافي الطّاعة»[74].

ولقد دامت هذه الانتفاضة[75] أكثر من سنتين (فبراير 1856 إلى مارس 1858)، ومن دون الدخول في حيثيّاتها وأطوارها، وبعد نجاح السّلطة في قمع هذا التمرّد توجّهت أنظار الباي إلى وطن قبيلة بني زيد وغيرها من القبائل الثائرة لمعاقبتها والنيّل منها، فأصدر أوامره لمحلّة الأعراض بقيادة «محمّد خزندار» للنيل من المخالفين وكما أمر بهتك حرمة بني زيد[76] وسجن بعض الأعيان المساندين «للعصيان» وقدرّت أعدادهم بـ 23 نفرا وكما فرضت عليهم الغرامات والخطايا، وهو ما ورد بوضوح في مراسلة كاهية الأعراض إلى مصطفى خزندار جاء فيها: «...وأّنّنا لمّا نزلنا بالمحلّة المحميّة بالحامة على بني زيد تمكّنا على كبرياهم (أكابرهم) وسجنّاهم وشدّدنا عليهم الطّلب في جميع ما هو لازم لهم...»[77]، كما تمّ إلزام بني زيد بدفع ما تخلّد في ذمّتهم من المجبى ودفع خطيّة ماليّة و1200من البعير[78].

كما تجلّى العنف الشرعي للدّولة لاستنزاف مقدّرات القبائل من خلال إطلاق يد المحلّة وما تحمله من تجسيد لسطوة الدّولة وقهرها للجماعات المحليّة وخاصّة الطرفيّة منها ودورها في تفقير الّدواخل، وهو ما دفع ببني زيد إلى مقاومتها ومقاومة المجبى من ورائها لوعيهم الضّمني بتناقض مصالحهم مع مصالح الطبقة الحاكمة. ولقد تمظهرت هذه المقاومة في شكلين:

الأول صدامي عنيف، وهو ما عبّر عنه خليفة الأعراض بلقاسم بن سعيد في رسالة بعث بها إلى وزير الماليّة محمّد بوعتّور يبرّر فيها أسباب تعطّل عودة محلّة الأعراض بقوله: «بني زيد ومن معهم من الفسايديّة من أهل الأعراض...جاؤوا لمحاربة المحلّة المحميّة...»[79].

والثاني سلمي وسلبي يتمثّل في الفرار أثناء قدوم هذا الجهاز الجبائي والرّدعي للتهرّب من أداء المجبى، إمّا إلى دواخل البلاد أو حتّى إلى المجالات المجاورة، سواء الشرقيّة والتي نعني بها أساسا مجال إيالة طرابلس أو العربيّة، والتي نعني بها مجال الجزائر وتحديدا نحو منطقة «سوف وعنّابة»[80]، أو اتّباع سياسة المماطلة. ونذكر في هذا السّياق ما ورد في مراسلة لأمير المحلّة محمّد أمير الأمراء إلى وزير الماليّة مصطفى خزندار بتاريخ 1857: «...كاتبنا ميعاد بني زيد في القدوم للمحلّة فأجابوا أنّهم متخوّفون...فعرفناهم بأن يقدموا وينزلوا بمكان عينّاه لهم ليطمئنّوا...ولكنّهم لازالوا يماطلون في ذلك... وإن أبوا (رفضوا) فيلزم (يجب) حينئذ أن نركب إليهم...»[81].

ولمجابهة ضغط العنف الجبائي للدوّلة، لم تجد عروش بني زيد أيّة وسيلة لدفع مستحّقات السلّطة سوى ممارسة العنف من خلال السّطو والنّهب على العروش المجاورة، ولا سيما المخزنيّة منها وهو ما اصطلح على تسميته بــ «الإغارة». هنا يجب أن نبيّن للقارئ بأنّ طبيعة العلاقات السّائدة بين القبائل التونسيّة بصفة عامة وعروش منطقة الأعراض قد تميّزت بالعداء وبالتصادم المستمرّ، وتنسب أغلب المصادر أسباب ذلك التوتّر إلى نزاعات الصفوف الشهيرة التي شقّت قبائل الإيالة التونسيّة و«مدنها» منذ القرن الثامن عشر ما بين باشيّة وحسينيّة [82]، فكانت عروش الأعراض الشماليّة، والتي نعني بها أساسا الحزم وبني زيد والعلايا والحمارنة تنتمي إلى صفّ شدّاد، في حين كانت عروش الأعراض الجنوبيّة (ورغمّة) تدين بالولاء إلى الصفّ الحسيني. هذا الانتماء إلى أحد الصفين كان يعني بالضرورة معاداة الصفّ الآخر[83]. ومن هنا يمكن القول بأنّ ظاهرة الإغارة بين العروش هي ظاهرة يمكن تعميمها على كلّ المجتمع القبلي التونسي خلال القرن التاسع عشر، وحتى قبله، الأمر الذي لفت انتباه الباحثين التونسيين والفرنسييّن على حدّ سواء، وقد تباينت تعليلاتهم لها فإذ أعادها «بيلــيسيـي» إلى التفاوت في مستوى الثروة بين المجموعات القبيليّة[84]، فإنّ «ديفيري» قد فسّرها بالطبيعة الرعويّـة لتلك المجموعات[85]. أمّا «أحمد ابن أبي الضياف» فقد فسّر تلك الظاهرة كردّة فعل طبيعيّة من قبل المجتمع القبلي على تردّي أوضاعه الاقتصاديّة آنذاك[86]. لكن ورغم تعدّد الرؤى التي حاولت جادة تفسير هذه الظاهرة المنتشرة بين القبائل التونسيّة عامة وبين عروش الجنوب الشرقي بصفة خاصة أواسط القرن التاسع عشر، لا بدّ لنا من الأخذ بعين الاعتبار طبيعة القيم القبليّة السائدة آنذاك إذ لا يمكن فهم هذه الظاهرة إلاّ باعتبارها إفرازا طبيعيا له منطقه وقيمه الخاصة، فـ«الغورة» و«الزغبة» بالمنطق القبلي هي قيم محبذة تعبّر عن الإقدام والشجاعة.

ومن هنا كثرت إغارات بني زيد على العروش المجاورة لتلبيةّ أساسيّات الحياة من جهة ولدفع المجبى من جهة ثانية، ولم تكن مراسلات «القيّاد» للسلطة السياسيّة تمرّ من دون التعريج على «نوازل» الجرحى والقتلى و«نوازل» السّلب والنّهب، وهو ما تبيّناه على سبيل الذكر لا الحصر من خلال مراسلة لقايد الأعراض علي بن خليفة النفّاتي إلى وزير العمالة مصطفى خزندار بتاريخ 1861 جاء فيها: «نخاطب بني زيد ليرجعوا ما أخذوه من قافلة لورغمّة فيها 2 بعاير و50 ريال دبش(ملابس) و140 درهما وغيرها...»[87].

خاتـــــمة:

إنّ دراسة ظاهرة العنف الجبائي للدولة الحسينيّة ضدّ المجتمع الأهلي، ولاسيما الطرفيّ منه، كشفت لنا عن حدّة التناقضات الطبقيّة - بمفهومها الاقتصادي- والاجتماعية بين مكوّنات المجتمع التونسيّ (دولة/ رعايا وأغنياء/ فقراء وبلديّة/ عربان)، والتي كانت بمثابة الإفراز الطبيعيّ لأزمة سياسيّة واقتصادية وإداريّة خانقة عاشها البايليك منذ أواسط القرن التاسع عشر. ونفهم من هنا طبيعة العلاقة الجدليّة والعضويّة بين العنف الجبائي كأداة للدولة لممارسة فعل القهر السياسي والاقتصادي ضدّ طبقة كانت ضحيّة لأزمة الاقتصاد التقليدي المحلّي المتميّز بتخلّف نمط ووسائل إنتاجه، ليتحوّل العنف الشرعي بمفهومه المعاصر والآني من وسيلة لتحقيق العدالة والأمن والحفاظ على السّلم الأهلي إلى مجرّد أداة للمركز لتكريس القهر وتعميم الظلم والفقر على الأطراف التي لم تجد أيّة وسيلة للتعبير عن رفضها سوى «التمرّد والعصيان» والذي سيترجم على أرض الواقع باندلاع ثورة علي بن غذاهم في سنة 1864 أو ما سيطلق عليها «ثورة العربان»[88].

 

 

 

 

 

 

[1] Lepetit (B): « De l’échelle en histoire », in Jeux d’échelles la micro-analyse et l’expérience, Gallimard Le Seuil 1996, p 70

[2] ليسير (فتحي): «المحلّي موضوعا للدراسات التاريخيّة»، ضمن الجنوب الشرقي: حاضر وتاريخ، أعمال الندوة العلميّة المنعقدة بقابس ومدنين أيّام 3 و4 و5 أفريل 2008، منشورات جامعة منّوبة، المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنيّة، المطبعة الرسميّة 2009، ص ص 13

[3] الحنّاشي (عبد اللطيف): «العنف والسلطة في التاريخ الإسلامي: الدولة الأمويّة أنموذجا»، مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث، الرباط المملكة المغربيّة 2017، ص ص 1-2

[4] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان، تحقيق لجنة من كتّابة الدولة للشؤون الثقافيّة والأخبار، نشر كتّابة الدولة للشؤون الثقافيّة والأخبار، تونس 1963، الجزء الخامس، ص130

5 من بين الدراسات التي اهتمّت بالعنف والعنف المضاد بين السلطة والمجتمع أواسط وأواخر القرن التاسع عشر، نذكر:

- الجدي (أحمد): «المجتمع والسّلطة في تونس القرن التاسع عشر (1861-1881)»، المجلّة التاريخيّة المغاربيّة، عدد 71-72، 1993، ص 357-424

- بوزيد (الأمجد): «السجن والمساجين بجهة الأعراض بين 1868 و1881 من خلال وثائق الأرشيف الوطني»، المجلّة التاريخيّة المغاربيّة، عدد 77-78، 1995، ص 11-35

- بوزيد (الأمجد): «مدخل لدراسة ظاهرة العنف القبلي في قيادة الأعراض قبيل انتصاب الاستعمار الفرنسي 1869-1873»، ضمن الجنوب الشرقي: حاضر وتاريخ، الندوة العلميّة التي انتظمت بقابس ومدنين أيّام 3و4و5 أبريل 2008، ص 145-154

- التايب (منصف): «المجال والسلطة في البلاد التونسيّة خلال العهد العثماني»، روافد، عدد04، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنيّة، 1998

[6] من بين الدراسات التاريخيّة القيّمة التي تناولت ظاهرة العنف في الفترة الوسيطة وصدر الإسلام، نذكر مثلا:

- الحنّاشي (عبد اللطبف): «العنف والسلطة في التاريخ الإسلامي...»مرجع سابق، ص 1-16

[7] ابن منظور: لسان العرب، نشر دار صادر بيروت لبنان ط3، 1993 المجلّد التاسع، ص252-253-254-255

[8] Boudon (R), Bensard (Ph): Dictionnaire Sociologie, édition du Club France Loisirs, Paris 2001, p245-255.

[9] راجع مثلا:

- بن سليمان (فاطمة): إيالة تونس بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر: نشأة المجال، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ (مخطوطة)، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس، السنة الجامعيّة 2004/2005، ص 144-152

10 بوزيد (الأمجد): «السجن والمساجين...»، مرجع ذكر سابقا، ص 11

[11] قسّم الباحثون المجتمع التونسي أواسط القرن التاسع عشر إلى قسمين: قسم أول وهم السكّان المستقرّون (الحاضرة-الوطن القبلي- القرى الساحليّة-القيروان-صفاقس-بعض سكّان الشمال التونسي- سكّان الواحات)، وقسم ثان هم البدو(القبائل). ولقد اختلف الباحثون في أعدادهم، فلئن قدّر «قانياج» أعداد الحضر بـ600 ألف، فإنّ «فالنسي» قدّرت أعداد البدو والحضر بـ 50%، وأمّا الباحث الفرنسي «نوشي» فيذهب إلى أنّ أعداد القبائل تمثّل 80% من أعداد السكّان. للمزيد من الاطّلاع، راحع مثلا:

- Valensi (L): Fellah tunisien: l’économie rurale et la vie des campagnes XVIIIème et XIXème Siècle, Paris, Mouton 1997

- لبيض (سالم): مجتمع القبيلة: البناء الاجتماعي وتحوّلاته في تونس دراسة في قبيلة عكّارة، المطبعة المغاربيّة للطباعة والنشر، ط 1، فبراير 2006، ص71.

[12] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص 83

[13] تمّ إلغاء نشاط القرصنة وتجارة الرقيق في مؤتمر فيينا (سبتمبر 1814- يونيو 1815)، وجاء هذا المؤتمر لتسوية العديد من المسائل والقضايا لعلّ أبرزها حروب نابليون بونابارت. وأسفر على إعادة رسم الخريطة الجغرا-السياسيّة لأوروبا.

[14] كانت المنتوجات التونسيّة تواجه تقلّبات أسعار السّوق الدوليّة، حيث خضعت بعض السّلع على غرار الشاشيّة إلى أداء على صادراتها بنسبة 8% وهي نسبة تفوق تلك الموظّفة على الواردات وهي 3 % بالنسبة لكلّ المنتوجات الأوروبيّة.

[15] فان كريكن (ج.س): خير الدّين والبلاد التونسيّة 1850- 1881، ترجمة البشير بن سلامة، دار سحنون، تونس 1988، ص 51

[16] نفس المرجع، ص 52

[17] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54586

[18] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص 227

[19] نفس المصدر، ج 4، ص 227

[20] نفس المصدر، ص152

[21] نفس المصدر، ص 163- 186

[22] نفس المصدر، ص 201

[23] فان كريكن (ج.س): خير الدّين...مصدر مذكور سابقا، 48

[24] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54584

[25] بلقاسم (ابراهيم بن جمعة): الاقتصاد والمجتمع في الإيالة التونسيّة منذ 1861-1864 من خلال محاضر محاكم الجنايات والأحكام العرفيّة، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس (مخطوطة)، ص 139

[26] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص 162

[27] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54589

[28] نفس المصدر، وثيقة عدد 54595

[29] نفس المصدر، وثيقة عدد 54671

[30] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54762

[31] راجع مثلا:

- بوزيد (الأمجد): «السجن والمساجين...»، مرجع ذكر سابقا، ص 18- 35

[32] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص 230

[33] نفس المصدر، ص 230

[34] السعداوي (ابراهيم): «الضرائب العاديّة بقيادة الأعراض خلال العهد العثماني الأوّل»، في الجنوب الشرقي: حاضر وتاريخ، أعمال الندوة العلميّة أيّام 3 و4 و5 أبريل 2008 بقابس ومدنين، نشر المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنيّة 2009، ص 115.كان الأهالي يدفعون «للدولة» ضرائب متعدّدة منها القار كضريبة المجبى، ومنها الموسمي الذي كان يفرض على الفلاحين والتجّار كضريبة «القانون»  و«الضيافة»  و«اللّزمة»  و«العيديّة»، للمزيد من الاطّلاع راجع نفس المرجع، ص 115-143

[35] نفس المرجع، ص116

[36] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص 229

[37] نفس المصدر، ص228

[38] نفس المصدر، ص229

[39] لمزيد من الاطلاع على النظام الجبائي الجديد الذي أرساه محمّد باي، راجع مثلا:

- العرنوني (أحمد): وطن الأعراض بالجنوب الشرقي للبلاد التونسيّة في العصر الحديث، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ (مخطوطة)، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس، السنة الجامعيّة 2001/2002، ص 234-238

[40] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر مذكور أعلاه، ج4، ص 230

[41] نفس المصدر، ص229

[42] نفس المصدر، ص229

[43] نفس المصدر، ص229

[44] دأبت المصادر على تقسيم الطائفة اليهوديّة بتونس إلى صنفين: صنف أوّل وكان يطلق عليهم اسم «التوانسة» أي ذوي الأصول العربيّة وكانوا يمثّلون الأغلبيّة، وصنف ثان «اليهود القرانة» ذوي الأصول الأوروبيّة وتحديدا الإيطاليّة وينسبون إلى مدينة ليفورنو وكانوا أقليّة. لمزيد من الاطلاع على التواجد اليهودي بتونس خلال القرنين الثامن والتاسع عشر، راجع:

- Sebag (Paul): « Les juifs de Tunisie au XIX éme Siècle d’après J.J. Benjamin », in C.T, N® 28, 1959.

- Sebag (Paul): Histoire des Juifs en Tunisie des origines à nos jours, publication le Harmattan, Paris 1991

- Sebag (Paul): « La Hara de Tunis: L’évolution d’un Ghetto Nord-Africain », in Mémoire du centre d’étude de science humaines, Volume V, publication de l’institut des Haute études de Tunis 1959

[45] قدّرت أعداد اليهود التوانسة من أهالي بني زيد والذين ساهموا في دفع الإعانة بــ 20 نفرا خلال سنة 1856، و10 أنفار خلال سنة 1861. للمزيد راحع:

أ.و.ت: دفتر 633، ص 333/ دفتر 659، ص 85 – 86. / دفتر 725، ص 81

[46] العرنوني (أحمد): وطن الأعراض بالجنوب الشرقي...مرجع سبق ذكره، ص 242

[47] أ.وت: دفتر 725، ص81

[48] قدّرت أعدادهم مثلا سنة 1856 بــ 2743، في حين بلغت الـ 3000 سنة 1860 لتصل إلى 3496 خلال سنة 1861. للمزيد راجع:

- نفس المصدر، دفتر 633 ص 332-337 / دفتر 725 ص 81-82 / دفتر 880 ص 57

[49] بن طاهر (جمال): «الاقتصاد والمجتمع في القرن التاسع عشر»، في تونس عبر التاريخ، مطبعة سنباكت 4 أجزاء، تونس، ج2، ص ص 266-267

[50] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر سبق ذكره، ج4، ص ص 229-230

[51] نفس المصدر، ص ص 230-231

[52] بوطالب (محمد نجيب): «الأوضاع الاجتماعيّة للعبيد السّود بالبلاد التونسيّة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر»، في المغيّبون في تاريخ تونس الاجتماعي، إشراف الهادي التيمومي، قرطاج بيت الحكمة، ط1 1999، ص 375-405.

[53] نفس المصدر، دفتر 633، ص 333

[54] نفس المصدر، دفتر 725، ص81

[55] نفس المصدر، دفتر 891، ص1-10

[56] وهم الذين استقرّوا في أماكن غير موطنهم الأصلي، أي الغرباء مقارنة بالمجموعات أصيلة المكان.

[57] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل الزمان...مصدر مذكور أعلاه، ج4، ص 231

[58] أ.وت، دفتر 631، ص 18، دفتر 633، ص ص 332-333

[59] نفس المصدر، ص ص 332-333

[60] نفس المصدر، دفتر 675، ص 6-13.

[61] نفس المصدر، دفتر 824، ص 8-12

[62] للتوصّل إلى هذا الرقم، قمنا بعمليّة جرد لعروش وفروع قبيلة بني زيد بما فيهم المعنيّون بصفة مباشرة من الأهالي والطيّاش والمزيودين والمسقطين، انظر: ا.و.ت: دفاتر 631-633-659-675-686-694-708-725-761-800-819-824-828-864-872-880-891

[63] العرنوني (أحمد): وطن الأعراض...مرجع مذكور سابقا، ص 244

[64] نفس المصدر، ملف 476، صندوق 42، وثيقة 54475

[65] العرنوني (أحمد): وطن الأعراض...مرجع مذكر أعلاه.

[66] بن طاهر (جمال): «الاقتصاد والمجتمع...»، مرجع مذكور سابقا، ص 168

[67] نفس المرجع، ص ص 167-168

[68] قضومي (سليم): قياد البلاد التونسيّة 1860-1937، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في التاريخ (مخطوطة)، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعيّة بتونس، السنة الجامعيّة 1999/2000، ص 63

[69] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 476، صندوق 42، وثيقة عدد 54676

[70] نفس المصدر، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54610

[71] بلقاسم (ابراهيم بن جمعة): الاقتصاد والمجتمع في الإيالة التونسيّة منذ 1861-1864 من خلال محاكم الجنايات والأحكام العرفيّة، كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس، 2002، ص 291

[72] أوردها:

- كريّم (عبد المجيد): «غومة المحمودي بين العصبيّة والتبعيّة 1856-1858»، ضمن أعمال الندوة الدوليّة السابعة المقاومة المسلّحة في تونس القرنين التاسع عشر والعشرين، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنيّة، تونس 1995، ص28

[73] للاطلاع على ثورة غومة المحمودي وقبيلة المحاميد في إيالة طرابلس، راجع مثلا:

- المصراطي (علي): غومة فارس الصحراء، مكتبة الفرجاني طرابلس 1960

- الطوير (محمّد): مقاومة الشيخ غومة المحمودي للحكم العثماني في إيالة طرابلس الغرب، مركز دراسة جهاد الليبيّين ضدّ الغزو الإيطالي، طرابلس 1988

[74] بنبلغيث (الشيباني): بحوث ودراسات في تاريخ تونس الحديث والمعاصر، الأطلسية للنشر ط1، 2001، ص190-191

[75] للمزيد من الإطّلاع على ثورة غومة في الجنوب التونسي، راجع مثلا:

- كريّم (عبد المجيد): «غومة المحمودي بين العصبيّة والتبعيّة...» مرجع مذكور أعلاه، ص 17- 42

[76] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل ... مرجع مذكور سابقا، الجزء الرابع، ص 243

[77] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 1022، صندوق 184، وثيقة عدد 57

[78] نفس المصدر.

[79] نفس المصدر: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 477، صندوق 42، وثيقة عدد 54595

[80] نفس المصدر: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 474، صندوق 42، وثيقة عدد 627

[81] نفس المصدر: السلسلة التاريخيّة، ملفّ 1022، صندوق 184، وثيقة عدد 6

[82] للمزيد من الاطّلاع على نزعة «الصفوفيّة» لدى القبائل التونسيّة عامة وقبائل الجنوب الشرقي التونسي خاصة، راجع مثلا:

- Chater (Khalifa): Dépendance et mutations précoloniales: La Régence de Tunis 1815 à 1857, Publications de l’université de Tunis, 1984, pp 117-119

[83] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، مراسلات عمّال الأعراض، صندوق 42، ملف 477، وثيقة عدد 53714.

[84] Pélissier (E): Description de la Régence de Tunis, édition Bouslama, Tunis 1980, p 124

[85] Duveyrier (H): La Tunisie, Hachette, Paris 1881, p 14

[86] ابن أبي الضياف (أحمد): إتحاف أهل ... مرجع مذكور سابقا، الجزء الخامس، ص130

[87] أ.و.ت: السلسلة التاريخيّة، مراسلات عمّال الأعراض، صندوق 42، ملف 475، وثيقة عدد 4

[88] البشروش (توفيق): ربيع العربان: أضواء عن أسباب ثورة علي بن غذاهم سنة 1864، بيت الحكمة، 1991