الفلسفة العصبيّة لبرنارد أندريو


فئة :  قراءات في كتب

الفلسفة العصبيّة لبرنارد أندريو

 قراءة في كتاب الفلسفة العصبيّة لبرنارد أندريو([1])


يشتمل الكتاب - من حيث نظمه - على خمسة فصول: يستهلّ المؤلِّف الفصل الأوّل بالوقوف على ماهيّة الفلسفة العصبيّة والسّياق التّاريخيّ الّذي ظهرت فيه، وأهمّ المراحل الّتي مرَّ منها هذا الفرع العلميّ، أمّا الفصل الثّاني؛ فقد خصّصه الباحث للحديث عن النّزعات الإقصائيّة (éliminativisme)، والاختزاليّة (réductionisme)، والوحدويّة؛ الّتي تنفي وجود الحالات الذّهنيّة، وتنقد فكرة الثّنائيّات: كالعقل والجسد، والتّركيز على الدّماغ بعدِّه الموضوع الرّئيس للعلوم العصبيّة، وأنّ كلّ الوظائف ترجع إليه.

وفي الفصل الثّالث: عالج الباحث إشكاليّة الحلم والنّوم، باستعراض أطروحات التّحليل النّفسيّ، والبيولوجيا، والأليكترو - عصبيّة، إضافة إلى الفلسفة العصبيّة، وتناول الكاتب في الفصل الرّابع من المؤلَّف: النّزعة الاقترانيّة، والنّزعة العصبيّة الحاسوبيّة؛ إذ توقف فيه الكاتب عند الشّبكات العصبيّة بنوعيها؛ الصّوريّة والحقيقيّة، إضافة إلى الشّبكات ذات الطّبقة، ومتعدّدة الطّبقات، وختم كتابه بفصل خامس؛ حيث طرح فيه إمكانيّة تأسيس فلسفة جسديّة دماغيّة، وأنهى مؤلَّفه بخلاصة، وسنخصّص - في هذه القراءة - لكلّ قسم من الأقسام الثّلاثة حيّزًا نعرض فيه مضامينه الكبرى، وقضاياه الأساسيّة.

يقول برنارد أندريو (Bernard Andrieu) في تعريفه بموضوع الكتاب: "يهدف هذا الكتاب/ الدّراسة إلى المساهمة في تهيئة الشّروط المناسبة لقيام حوار هادف بين الفلسفة والعلوم العصبيّة، انطلاقًا من دراسة نقديّة لمفهوم الفلسفة العصبيّة "([2])، لعلّ الفكرة العامّة الّتي يحرص المؤلّف على دعمها في مقدّمة هذا الكتاب: هي أنّ الفلسفة العصبيّة ليست علمًا عصبيًّا محضًا، وليست فلسفة خالصة، إنّها ذلك الكلّ الّذي يحاول تأليف العلوم الحقّة ودمجها بالعلوم الإنسانيّة في إطار وحدة العلم([3]).

أمر ثانٍ يستوجب التّنويه؛ هو ذاك الّذي يتعلّق بالسّؤال الّذي يحاول المؤلِّف أن يجيب عنه في فصول الكتاب: هل يمكن عدّ وحدة العلم وهمًا مزيّفًا غير قابل للتّحقّق؟ وكيف يمكن للمادّة الحيّة أن تنتج إنسانًا؟

أمر ثالث مهمّ يسترعي الانتباه، ويستدعي التّنويه، هو المجاهرة بوجوب مراجعة العديد من الأحكام العامّة والمفاهيم المتداولة في تاريخ الفلسفة.

يعدّ هذا الكتاب من الأعمال الأولى الّتي حاولت اختراق الحدود بين العلوم العصبيّة والفلسفة، وذلك بتجاوز تلك التّقسيمات الكلاسيكيّة لمباحث الفلسفة (الوجود - المعرفة - القيم)، ويمكن تحديد الفلسفة العصبيّة بكونها العلم الموحد بين العقل والدّماغ.

وظهر هذا المفهوم لأوّل مرّة في عام 1980م على يد باتريكا شيرشلاند (P,Churchland)، وهو دليل على تطوّر النّزعة المادّيّة الّتي تروم معرفة ما، إذا كان التّفكير وظيفة من وظائف الدّماغ فقط.

لقد حاول المؤلّف بيان العلاقة بين الفلسفة والعلوم العصبيّة وتحليلها، وتسليط الضّوء على الفلسفة العصبيّة الأمريكيّة، والنّزعة المادّيّة للدّماغ اعتمادًا على المدرسة الفرنسيّة (أطروحة العالم البيولوجيّ شونجو)، والمدرسة الأمريكيّة (أطروحة الفيلسوفة الكنديّة باتريكا شيرشلاند).

أمّا من حيث التّناول المنهجيّ؛ فقد أكّد الكاتب أنّه غالبًا ما يُفصل - في هذا المجال من الدّراسة - بين طريقتَين منهجيّتين:

- المنهجيّة الأولى: تحاول حلّ المشاكل المتعلّقة بفلسفة الذّهن، انطلاقًا من المعطيات التّجريبيّة الإمبريقيّة الّتي توصّلت إليها العلوم العصبيّة.

- المنهجيّة الثّانية: تسعى إلى تفسير النّتائج الّتي توصّلت إليها الأبحاث في العلوم العصبيّة، وتحليلها، ونقدها عن طريق تطبيق الصّرامة النّظريّة، ومناهج فلسفة العلوم.

نشر أوّل مقال بالفرنسيّة سنة 1990م، في جامعة لييج، بحث فيه عنوان الفلسفة العصبيّة للحلم لعالم فيزيولوجيّ الأعصاب، ميشال جوفيه (Michel Jouvet)([4])، وفي سنة 1983م؛ نشرت أوّل دراسة بعنوان "إنسان الخلايا العصبيّة" من قبل العالم البيولوجيّ الفرنسيّ شونجو (Changeux)، وحقّقت هذه الدّراسة نجاحًا باهرًا وانتشارًا واسعًا بين الأوساط العلميّة الّتي تهتمّ بالموضوع.

وبيّن الباحث برنارد أنّ العلوم العصبيّة سعت إلى القيام بتجديد النّماذج والمفاهيم والنّظريّات، الّتي نشرت بين 1850م - 1950م في العلوم الإنسانيّة من قبيل الوعي بالذّات، واللّاوعي، والحلم، والإدراك، واللّغة، والمشاعر، والعواطف، والرّغبة العدوانيّة، والذّكاء، والتّعلم، والذّاكرة، والاضطرابات النّفسيّة والعقليّة.

إضافةً إلى أزمة النّظريّة البنيويّة الّتي تجلّت بالخصوص في عدم قدرتها على الانفتاح على علوم الحياة، وتطوّر التّحليل النّفسيّ، والفلسفة، والأنتروبولوجيّة، والعلوم المعرفيّة الّتي عرفت تطوّرًا ملحوظًا في العقود الأخيرة، ولتجاوز هذه الأزمة، أجمع علماء الأعصاب على ضرورة عمل دراسات متعدّدة ومقاربات مختلفة لدراسة الإنسان؛ إذ لا يمكن اختزال الإنسان في دماغه، وإقصاء أهميّة الدّراسات والأبحاث الّتي تدارستها العلوم الإنسانيّة، وللإجابة عن الإشكاليّة السّابقة؛ اعتمد المؤلّف على الأبحاث والدّراسات العلميّة الّتي أنجزت في فرنسا بقيادة العالم البيولوجيّ شونجو، وفي أمريكا بزاعمة الفيلسوفة تشيرشلاند (P,Churchland).

لقد حاول الكاتب - في الفصل الأوّل من هذا المؤلّف - البرهنة على أطروحة النّزعة المادّيّة الإقصائيّة أو الحذفيّة، بزعامة الفيلسوفة الكنديّة باتريركا تشيرشلاند وزوجها؛ المدافعان عن فكرة مفادها "لا وجود للحالات الذّهنيّة؛ إنّما توجد فقط الحالات البيوعصبيّة؛ إذ لا يمكن فهم أو تفسير الفكر أو العقل أو النّفس، إلّا عن طريق العلوم العصبيّة بعدّها وظائف خاصّة بالدّماغ"، كما لا يخفي هذا التّصوّر المادّيّ، أنّ الفهم الحقيقيّ للعلوم العصبيّة لا يمكن أن يتأتّى إلّا إذا بحثنا في الكيفيّة الّتي نعتقد بها، ونفكّر، ونقرّر.

ومن أجل التّعرف إلى السّياق التّاريخيّ الّذي ساهم في ظهور الفلسفة العصبيّة، اعتمد الباحث على المقاربة الكرونولوجيّة، حين بيّن أنّ هناك ثلاث مراحل تحدّد أبعاد أطروحته "الفلسفة العصبيّة":

- من 1980 إلى 1983م: قامت الباحثة تشرشلاند بجرد مشاكل البيولوجيّة العصبيّة؛ حيث اتّخذت بشكل نسقيّ وضعيّة المعارض لأطروحات مجموعة من الباحثين، أمثال: فودور واكلس، وبوبر وليبيت([5]).

- من 1983 إلى 1985م: كتبت حول فلسفة العلوم العصبيّة "دراسة - نُشرت سنة 1986م - في سلسلة النّماذج الحاسوبيّة للمعرفة والإدراك"، كما طوّرت تصوّرًا نقديًّا حول وضعيّة الوعي في مقال "الوعي امتداد المفهوم"، باعتماد منظور العلوم العصبيّة الحاسوبيّة.

- منذ عام 1988م: نشر مجموعة من الباحثين مجموعة من المقالات العلميّة حول الدّماغ والحاسوب، مثل: دراسة طبيعة العقل وبنية العلم([6]).

- وفي أواخر سنة 1998م: دراسة مشكلات الوعي، ومعرفة الذّات، والإرادة، والتّعلم.

واستنتج الكاتب أنّ الفلسفة العصبيّة تبحث في الأسس الطّبيعيّة؛ أي التّعرف إلى حقائق العالم الحيّ، الّتي تنشد تفسير السّلوك، وكيفيّة اتّخاذ القرار، وقد واجهت الباحثة صعوبات عدّة في صياغة نظريّة حول علم لا زال في طور البناء والتّشكّل، إضافة إلى أنّ نتائجه لم تحسم بشكل قطعيّ، ومن أهمّها، وفق ما أورد الكاتب:

- صعوبة الانتقال من فهم السّلوك الفرديّ للعصب، إلى صياغة نظريّة كونيّة للحالات البيولوجيّة العصبيّة، ترتبط هذه الصّعوبة بطبيعة الفلسفة العصبيّة ذاتها، الّتي يرتبط موضوعها بنشاطها؛ أي قدرتها على وصف الشّبكات أثناء إنتاج المهمّة المعرفيّة العصبيّة وإنجازها.

- الرّغبة في بلوغ إجماع علماء الأعصاب حول نظريّة فلسفيّة عصبيّة، بيد أنّه لم يحن الوقت بعد لصياغة نظريّات في هذا المجال العلميّ الجيّد، لانعدام التّحليل المفصّل لبنية الدّماغ([7]).

ولإبراز الاختلاف بين الفلسفة والعلوم العصبيّة، بيّن المؤلّف أن هناك ثلاثة مبررات أو حجج، تستند إليها الفلسفة العصبيّة الأمريكيّة: هي الإقصاء - الاختزال - التّوحيد، فالإقصاء - في نظر الكاتب - هو: إبعاد المفاهيم الفلسفيّة التّقليديّة؛ كالوعي والإرادة، وكذلك علم النّفس التّقليديّ؛ لأنّ التّطوّرات المنهجيّة والتّقنيّة للعلوم العصبيّة، شرعنت هذا الإقصاء إلى الحدّ الّذي لم تعد فيه فلسفة الملكات صالحة لوصف وظائف الدّماغ وتفسيرها([8]).

يعرف الإقصاء - قبل كلّ شيء - بأنّه إرادة قويّة لرفض كلّ مرجعيّة أو خلفيّة فلسفيّة للعقل؛ لأنّها تسمح بوجود الحالات الذّهنيّة وقبولها، بعدّها مجالًا متخصّصًا في الفلسفة(8).

أدّى استبدال مفهوم الملكات بمفهوم الوظائف إلى تشكيل الفلسفة العصبيّة، وإعادة تأويلها باستلهام نتائج الدّراسات والأبحاث الّتي قامت بها العلوم العصبيّة، وإعادة النّظر في الظّواهر التّقليديّة للعقل؛ أي أنّ "الحالات العقليّة لا توجد على الإطلاق، إنها أوهام فقط"([9]).

- الاختزاليّة: هي عمليّة التّخلّص من الزّوائد والشّروحات، وإزالة الوصف غير الدّقيق للنّظريّات، وصياغة نوع آخر من الوصف للنّظريّات العلميّة أكثر رسوخًا وعمقًا([10]).

- أمّا الاختزال التّقليديّ المرفوض من قبل الفلسفة العصبيّة، المتمثّل في أطروحة الاختزاليّين القائمة على أنّ الموجودات العقليّة غير موجودة، ولكن يمكن اختزالها إلى حوادث مادّيّة.

يروم الاختزال إبعاد أطروحات علم النفس الكلاسيكيّ، وتعويضها بالأدلّة المحصّلة من نتائج العلوم العصبيّة، واختزال النّظريّات يستند - في الفلسفة العصبيّة - إلى انتقاء أعمال العلوم العصبيّة، الّتي تمكّن من تحديد الشّروط النّورو بيولوجيّة للوعي والإدراك والقصد، وينتقي هذا النّموذج من التّحليل - انتقاء صارمًا - الأبحاث من تاريخ العلوم العصبيّة، منذ القرن 19، ببراديغماتها الثّلاثة (إليكترو فيزيزلوجي، والكيمياء العصبيّة، والبيولوجيا العصبيّة للنّمو).

- التّوحيد: هو مشروع يهدف إلى تشكيل أو بناء علم موحّد، لا يوجد فيه أيّ اختلاف بين الفلسفة والعلو م العصبيّة، سواء من حيث المجال أو الموضوع؛ فمشروع الفلسفة العصبيّة - إذن - هو العودة إلى تحقيق حلمها المتمثّل في العلم الموحّد؛ (أي توحيد العلوم الإنسانيّة والعلوم العصبيّة)، ولتوضيح هذا المفهوم أكثر، يمكن القول: إنّ الوحدويّة هي نظريّة قدّمها دونالد ديفس، ودافع عنها بالخطوات الآتية:

- الخطوة الأولى: توجد علاقات سببيّة بين الظّواهر العقليّة والظواهر المادّيّة.

- الخطوة الثّانية: أينما توجد حوادث مترابطة، كسبب ونتيجة، يجب أن تندرج تحت قوانين سببيّة دقيقة وجبريّة.

- الخطوة الثّالثة: لا توجد قوانين سببيّة دقيقة ومجبرة تربط ما هو عقليّ مع ما هو مادّيّ؛ أي لا توجد قوانين نفسيّة- مادّيّة([11]).

- الخطوة الرّابعة: إنّ جميع ما يسمّى حوادث عقليّة؛ هي حوادث مادّيّة، ويجب أن تكون حوادث مادّيّة كي تفرز قوانين مادّيّة.

و يمكن اختصار الأطروحات الثلاث للفلسفة العصبيّة، حسب المؤلّف، في ما يأتي:

- الأطروحة الأولى: تحليل الحالات البيولوجيّة العصبيّة (حجّة علميّة).

- الأطروحة الثّانية: اختزال علم النّفس في علم النّفس العصبيّ (حجة إبيستيمولوجيّة).

- الأطروحة الثّالثة: العلم الموحد الّذي يجمع العقل والدّماغ، أو يؤلّف بينها (حجّة إيديولوجيّة).

غير أنّ الأمر الّذي أغفله المؤلّف؛ هو عدم الإشارة إلى أوجه الاختلاف والتّشابه بين الأطروحات الثلاث؛ إذ يقول الاختزاليّون: إنّه لا يوجد أيّ شيء سوى حالات دماغيّة قابلة للوصف مادّيًّا، ويقول الحذفيّون: إنّ الفرق بينهما هو فرق لغويّ فقط، وتوصّلوا إلى نفس النّتيجة([12]).

ومن أجل الدّفاع عن أطروحة إبعاد مفهوم الوعي من التّناول الفلسفيّ، توقّف الكاتب عند نموذج الفلسفة العصبيّة الفرنسيّة الّتي يمثلّها العالم البيولوجيّ شونجو، وتندرج أبحاثه ضمن الاختزال المنهجي المطبّق في كيمياء الدّماغ؛ حيث استعمل المنهج المستخدَم في الأليكتروفيزيزلوجيّة سنة 1970م، لملاحظة التّواصل الّذي يجري داخل القناة الأيونيّة، وارتكزت أعماله على النّاقلات العصبيّة، واقترح شونجو الاستنتاج التّركيبيّ المعروف في كتابه "الإنسان العصبيّ (l’homme neuronal)".

بالنسبّة إلى الأطروحة البيولوجيّة للوعي، ذات المرجعيّة العلميّة السّلوكيّة والتّجريبيّة الوضعيّة، الّتي تتموضع ضمنها مقاربة شونجو، هذا الأخير، ينطلق في تعريفه للوعي من خلفيّة أنّ للإنسان بعد واحد هو جسده، وهذا ما يمكن ملاحظته بالتّجربة، وأنّ للجسد وظائف عدّة، من بينها؛ أنّ الوعي مجرّد إفراز دماغيّ تنتجه خلايا عصبيّة، ومن هذه الخلفيّة يعرّف شونجو الوعي؛ أنّه "نشاط عصبيّ مشروط فيزيولوجيًّا، لتأخذ "الصّور العقليّة" طابعًا مادّيًّا"، لكنّ هذه الفرضيّة لا تؤمن بوجود النّفس أو الرّوح في الجسد باستقلال عن النّشاط الفيزيولوجيّ للدّماغ، بالتّالي، لا تعترف - كما يفعل الفلاسفة - بوجود ثنائيّة العقل والجسد، وقد حدّد شونجو الوعي بأنّه؛ وظيفة دماغيّة - إذن - نحن أمام مقاربة علميّة وضعيّة تنفي وجود الوعي في شكله الرّوحانيّ واللّاماديّ، وتختزله في مجرّد كونه إفرازًا دماغيًّا، وإجابة عن السّؤال: هل يكمن تحديد الوعي تحديدًا دقيقًا؟ يجيب شونجو: نعم، لأنّه حسم الموقف برصد الوعي في تيار كهربائيّ ينقل إشارة - تتضمن رسالة - من خليّة عصبيّة إلى أخرى.

إذن، لا توجد إشكاليّة للوعي لدى هذه المقاربة (وهناك من يسمّيها بـ (المقاربة المنكرة للوعي)، مثل إنكارها وجود الشّبح في الآلة الميكانيكيّة)، فليس هناك - إذن - ما يمكن تفسيره بخصوص الوعي، ووصف شونجو فلاسفة الوعي بأصحاب الخطابات الأدبيّة حول موضوع الوعي، لكن ما لم يستطع شونجو الإجابة عنه بشكل مُقنع، هو الآتي: كيف نفسّر كيفيّة الانتقال من مجموعة من السّيالات العصبيّة المُطلِقة للإشارات العصبيّة إلى الإدراك بالذّات ثمّ الوعي بهذه الذّات؟

واستفاض الكاتب - في الفصل الثّاني من الكتاب - في سرد الأطروحات العلميّة الّتي تنقد الفلسفة الدّيكارتيّة، ونفي إمكانيّة وجود الحالات الذهنيّة، إذا كان الدّماغ حقًّا نظامًا فيزيائيًّا؛ فإنّ مسألة الوعي لا يجب أن تطرح في أبسط أشكالها، يؤمن هذا الموقف بأنّه ليست هناك إشكاليّة وعي نهائيًّا، وأنّه متى فهمنا مهمّة الخلايا العصبيّة، فإنّه لن يتبقى شيء آخر للتّفسير، ويصف الفيلسوف دانييل دينيت - في هذا السّياق - في كتابه تفسير الوعي([13])، القائلين بوجود شيء خاصّ حول الوعي خارج أفعال الدّماغ بالرومانسيين.

إنّ السّؤال المركزيّ في الفلسفة في بداية القرن 21، هو: كيف نفسّر وجود الإنسان الواعي والمسؤول والحرّ والعاقل والنّاطق والاجتماعيّ والسّياسيّ، في عالم مكوّن وفق العلم من جسيمات مادّيّة؟

تعدّ مسألة الثّنائيّة من أشهر مبادئ الفلسفة الدّيكارتيّة؛ إذ يقول: إنّ العالم ينقسم إلى نوعين من الجواهر أو الموجودات، وهي جواهر عقليّة، وجواهر ماديّة، ويطلق عليها ثنائيّة الجوهر، ويعتقد ديكارت أنّ من الضّروريّ أن يكون للجوهر ماهيّة، إنّ إشكاليّة ماهيّة العقل؛ هي الوعي "التّفكير"، وماهيّة الجسد؛ هي الامتداد في المكان([14])، كيف يمكن للعمليّات الدّماغيّة أن تنتج ظواهر على الإطلاق؟ كيف يمكن للأدمغة ان تنتج عقولًا؟ كيف يمكن للجوهر العقليّ أن ينبثق من البيولوجيا العصبيّة؟ كيف يمكن لمحتويات عقليّة - كالشعور بالألم - أن تنشأ من تأثير جرح في الجسد؟

تقرّ باتريشيا تشيرشلاند "أنّ العمليّات العقليّة؛ هي عمليّات دماغيّة، وأنّه من الثّابت بالفعل، أنّ بعض المفاهيم السّيكولوجيّة الفولكلوريّة المستقرّة في أذهاننا، مثل: الذّاكرة والتّعلم والوعي، إمّا أنّها مفاهيم متشظّية، أو سوف تُستبدل بأنواع أخرى من المفاهيم العصبيّة العلميّة تكون أكثر ملاءمة([15])؛ إذ إنّ أصحاب النّزعة المادّيّة الإقصائيّة يرون أنّ المفاهيم - من قبيل البديهة والفطرة والاعتقاد والرّغبة والأمل والقصد - ليست سوى بقايا مخلّفات ميتافيزيقيّة ولغويّة قديمة، من ميراثنا الدّيكارتيّ العتيق.

تروم النّزعة الثّنائيّة تقسيم الذّات إلى روحين - وذاتين وشخصين - ومركزين للوعي - ومركزين للضّبط - وإرادتين، ويعدّ ديكارت من أنصار هذه النّزعة الّتي تدافع عن فكرة "أنّ الرّوح مادّة ليست من طبيعة جسديّة"([16])، فالمشكلة - كما تذكر تشارشْلاند ـ هي؛ أنّنا - جميعًا - نتّسم في أعماقنا بالثّنائيّة، فعقولنا الواعية تعيش في عالم من الأفكار، وأدمغتنا تعيش في عالم الكائنات المادِّيّ، وخلص الكاتب إلى أنّ النّزعة الثّنائيّة ليست الإجابة الصّحيحة عن إشكاليّة الوعي وعلاقته بالدّماغ، ويمكن تقسيم وظائف الدّماغ - الأيمن والأيسر - في نظر الكاتب حسب الجدول الآتي([17]):

الدّماغ الأيمن

الدّماغ الأيسر

موسيقيّ

بصريّ

الخيال والإحساس

مكانيّ

تركيبيّ

لغويّ

عمليّ

تحليليّ

عقلانيّ ومنطقيّ

 

إن القياسات الكهربائيّة للدّماغ تعطي مؤشّرات على درجة يقظة الدّماغ في الظّروف المختلفة، في كونها مؤشّرًا على درجة النّشاط الكهربائيّ للدّماغ، وفي كلّ من النّصفين الكرويّين فيه أثناء أداء المهام العقليّة المختلفة.

وقد أوضحت دراسة مبكّرة - قام بها غالين واورنستين - أنّ موجات ألفا، الّتي تشير إلى الاسترخاء وعدم النّشاط، عند أداء مهامّ عقليّة ذات طبيعة لفظيّة، كانت أكبر في النّصف الدّماغيّ الأيمن منها في النّصف الدّماغيّ الأيسر - عند أداء مهامّ عقليّة ذات طبيعة لفظيّة، ما يشير إلى عدم مشاركة النّصف الدّماغيّ الأيمن في معالجة الموادّ اللّفظيّة بشكل كبير.

ويختلف الأمر - فيما يتعلّق بالقسم الرّئيسيّ من الدّماغ المؤلَّف من نصفَي الكرة الدّماغيّة، هذا لأنّ نصفَي الكرة الدّماغيّة يرتبطان بوعي الإنسان ارتباطًا قويًّا، والحقّ أنّ 95% من النّاس يمتلكون نصف كرة دماغيّة أيسر - غالبًا - هو نصف الكرة الرّابط باللّغة، وإنّ استئصاله يؤدّي إلى أضرار نهائيّة في الشّخصيّة دون أن يلغيها بالكامل.

لقد ادّعى المفكّر أكلز (Eccle) وجود عالمين؛ كلّ منهما مستقلّ - تمامًا - عن الآخر: العالم الأوّل عالم الأشياء والحالات المادّيّة، والعالم الثّاني: عالم الحالات الواعية، كلّ من هذين العالمَين مستقلّ ومميّز عن الآخر، ويتفاعل مع الآخر([18]).

وبهذا الصّدد يعالج جون إكلز في كتابه "النّفس الإنسانيّة" الأبحاث التّجريبيّة الّتي تشير إلى وحدة الذّات، وينتج الإثبات الأكثر أهميّة، المتّصل بوحدة الوعي، من تجربة سبِرِّي وزملائه على المرضى الّذين خضعوا لشقّ الملتقى بين نصفَي المخ (commisurotomie)، أمّا السّؤال الّذي يطرح؛ فهو معرفة ما إذا كان نصف الكرة الأيمن، يتداخل مع إدراك الذّات، ممّا يعني أنّه يسمح بمعرفة الشّخصيّة، والحقّ أنّ سبِري وزملاءه استطاعوا - في بحوثهم المعمّقة - أن يحدّدوا قدرة المريض على التّعرف إلى صورة معروضة أمام النّصف الأيمن من وجهه، وقد أظهرت التّجربة مهارة المريض في التّعرف على الصّور، على الرّغم من تثبيط قدرته على التّعبير الكلاميّ، وأُجريت الفحوص المخصّصة، للتّأكيد على وجود وعي ذاتيّ بسيط، على مستوى صوريّ وعاطفيّ، ويمكننا أن نشكّ في أنّ النّصف الأيمن الّذي يُظهِر درجة من الوعي، يتّمتع بوعي كامل للذّات نتساءل هنا: هل يتمتّع بقدرة على التّخطيط؟ هل يمتلك فاعليّة التّطلُّع إلى المستقبل؟ وهل تستند أحكامه وقراراته إلى نسق من القيم؟

بعد تقسيم الدّماغ إلى نصفين، يبدو النّصف الأيمن - الّذي يحوز وعيًا شبيهًا بوعي طفل صغير - كأنّه يلعب دور الوسيط، وتشبه صورة الدّماغ الأيمن بوجود مركز صغير يشير إلى المستوى الأوّليّ للذّات.

يمكن القول: إنّ الكائن البشريّ لا ينفصل إلى اثنين بقطع الدّماغ إلى نصفَين؛ بل يحتفظ بشخصيّة واحدة تظلّ على اتّصال بالنّصف الأيسر (الكلام)، ومع ذلك، يحتمل أن يوجد وعي متدنٍ يرتبط بالنّصف الثّانويّ، ما يؤدّي إلى تشكيل وعيَين على علاقة بدماغ منقسم إلى اثنين، غير أنّ الفلسفة العصبيّة ترفض هذه الثّنائيّات، وتدافع عن فكرة وحدة الوعي([19])، أو وحدة الذّات الّتي ترجع إلى التّكامل بين الدّماغَين، الأيسر والأيمن، وقد رفضت الباحثة تشيرشلاند([20]) ازدواجيّة الدّماغ.

وتؤكّد الفلسفة العصبيّة أنّه لا يمكن أن تتحقّق وحدة الوعي إلّا بتكامل الجانبين من الدّماغ، على الرّغم من أنّ كلّ جانب قادر على إنجازات فرديّة معيّنة، وكلّ جانب لديه درجة من الوعي ترتبط بإمكاناته المعرفيّة العصبيّة، وذهب بعض الباحثون بعيدًا في فرضيّة ازدواجيّة الوعي، إلى القول: إنّ الأمر لا يتعلّق الأمر بوعي يؤدّي نفس النّشاط داخل جانبين من الدّماغ، لكنّ الفصّ الأيمن غير قادر على الرّبط بين الصّور، وتمييز الماضي انطلاقًا من الحاضر، أو تمييز الذّات عن الموضوع.

وتناول الكاتب - بالدّرس والفحص - إشكاليّة الحلم والنّوم، في الفصل الثّالث من هذا المؤلَّف، وقد احتلّ مفهوم اللّاوعي منزلة عالية في تفسير السّلوك الإنسانيّ، وهناك تيّاران سيكولوجيّان في هذا الإطار؛ مدرسة التّحليل النّفسيّ بزعامة سيكموند فرويد (S, Freud)، الّذي يدافع عن الوظيفة السّيكولوجيّة للحلم، في دراسته حول عودة المكبوت وحضوره في الحياة النّفسيّة للفرد، وتيّار إدوارد كلاباريد (E,Claparéde)، الّذي تأثّر بتصوّرات النّظريّة التّطوريّة الّتي تدافع عن الوظيفة البيولوجيّة، والشّروط السّيكوفيزيولوجيّة للحلم([21]).

وحسب تعريف عالم النّفس سيغموند فرويد: (الحلم هو حارس النّوم)؛ أي لولا الأحلام ما أستطاع الإنسان الاستمرار في النّوم، والنّفس الإنسانيّة مقسّمة إلى قسمين: الوعي واللّاوعي، ووعي الإنسان جزئيّ، وهو لا يعرف إلّا القليل عن واقعه النّفسيّ وأبعاده، ومنطقة اللّاوعي (العقل الباطنيّ) يمكن الدّخول إليها عبر أربعة مداخل: المدخل الأوّل الأساس: هو الأحلام فقط، وهي الطّريق الملكيّ للّاوعي، إضافةً إلى الاضطراب النّفسيّ: كرهاب الأشياء، ثمّ هفوات اللّسان الفاضحة لمكنون الشّخص، ويشير المؤلِّف إلى أن للحلم وظيفة فيزيولوجيّة تتمثّل في توازن الأعصاب.

وفي الفصل السّادس من كتابه "النّوم والحلم/le sommeil et le rêve "؛ انتقد ميشيل جوفيي التّصوّر السّيكولوجيّ للحلم الّذي استبعد ارتباط النّوم بالحلم؛ لأنّه جانب فيزيولوجيّ([22])؛ حيث تصوّر فرويد الخلايا العصبيّة خزّانات سلبيّة للطّاقة القابلة لتلقّي كميّات من الطّاقة، على العكس من ذلك يرجع التصور الجديد للخلايا العصبية مصدرها الخاص من الطاقة الأيضية للحفاظ على درجة عالية من الكفاءة الكهربائية بين داخل وخارج غشاء الخلية، كما أنشأ فرويد نظامَا للتّبادل الكمّيّ بين داخل وخارج الحياة النّفسيّة، دون مراعاة مبادئ نظريّة اليكتروفيزيولوجيّة (électrophysiologique)([23]).

ويؤكّد ميشال جوفيت، في كتابه "مفارقة النّوم/le paradoxe du semmeil "، أنّ وظيفة الحلم: هي إعادة برمجة عصبيّة متكرّرة، للحفاظ على الخصائص الوراثيّة النّفسيّة للفرد في قاعدة شخصيّته.

وفي سنة 1905م أعاد للحلم وظيفته البيولوجيّة بفضل النّتائج العلميّة، التّي استُنتجت بالتّخطيط الكهربائيّ للدّماغ: وهو أداة أو جهاز لتسجيل الإشارات الكهربائيّة الصّادرة عن الدّماغ في صورة موجات، يمكن التّعرّف عن طريقها إلى الحالة العامّة للدّماغ، كالحلم أو الصّرع مثلًا.

واكتشف ألموند كلو مراحل النّوم العميق - عند القط - المصحوب بنشاط كهربائيّ، واكتشف الباحث ألموند أوهلميير وجود حلقة انتصاب دوريّة - عند الإنسان - أثناء النّوم، هذه الدّورة تبدأ بعد تسعون دقيقة من النّوم، معدّل مدّة الانتصاب هو 25 دقيقة، لكنّ الانتصاب لا صلة له بالحلم - كما يزعم فرويد - وتعدّ دراسة الأسس البيوعصبيّة للحلم من الرّهانات الرّئيسة للعلوم العصبيّة، لأنّ الحلم هو مستوىً من الوعي الّذي يرتبط بنماذج من التّخطيط الكهربائيّ.

ومن النّاحية الأبيستيمولوجيّة؛ يجب الرّجوع إلى مدرسة شيكاغو لتأكيد اختلاف مستوى نظام الوظائف العليا للدّماغ؛ حيث نجد اتّفاق الباحثين في شيكاغو مع التّقليد الفلسفيّ للحلم في عدِّه نومًا خفيفًا ويندرج ضمنه التّصوّر الفرويديّ؛ الّذي يعدّ الحلم تحقيق رغبة مكبوتة، وحارس النّوم([24])، ما يفيد راهنيّة الموقف الفرويدي رغم الانتقادات الموجّهة إليه.

تتضمّن المجالات الحديثة الأخرى للبحث العلميّ في العلوم العصبيّة الخاصّة بالنّوم: تطوّر النّوم، والنّوم أثناء النّمو والشّيخوخة، ونوم الحيوانات، وآليّات آثار الأدوية في النّوم، والأحلام، والكوابيس، ومراحل التّيقّظ (ما بين النّوم والاستيقاظ).

ومن الأسئلة الرّئيسة في الدّراسة العلميّة العصبيّة للنّوم:

- ما العوامل المرتبطة بالنّوم؟ أي؛ ما أقلّ مجموعة من الأحداث الّتي يمكن أن تؤكّد أنّ الكائن الحيّ نائم؟ كيف يستثير الدّماغ والجهاز العصبي النّوم وينظمانه؟ ما الّذي يحدث للدّماغ أثناء النّوم؟ كيف يمكن أن نفهم وظائف النّوم على أساس التّغيّرات الفيزيولوجيّة للدّماغ؟ ما السبب في اضطرابات النّوم المختلفة وكيف يمكن علاجها؟

كرّس عالم بيولوجيا الأعصاب - الفرنسيّ ميشال جوفيت - حياته المهنيّة الطّويلة لدراسة النّوم والأحلام، في عام 1959، فاكتشف ما وصفه بــ (حالة سكون جديدة)، ودعا ه بـ (REM) من النّوم (حركة العين السّريعة)، وتتميّز هذه المرحلة الأخيرة من دورة النّوم.

ينقسم النّوم - عند الثّديّيات والطّيور - إلى نوعين، هما: حركة العين السّريعة (REM)، وحركة العين غير السّريعة (NRE)، وينقسم النّوم - كذلك - بحركة العين غير السّريعة إلى عدّة مراحل، وهي: N1 - N2 - N3، يمرّ النّوم بدورات من حركة العين السّريعة وحركة العين غير السّريعة، ومدّة هذه المرحلة النّهائيّة أكثر من 20٪ من إجمالي وقت النّوم، وعلاوة على ذلك؛ فإنّه أثناء النّوم (REM) تحصل على حصّة كبيرة من الأحلام، خاصة، تلك الّتي تذكر بعد الاستيقاظ، ونحن ننفق حوالي ثلث حياتنا في النّوم. ميشال (Jouvet) يضع آليّات ظهور الحلم:

أجرى ميشال (Jouvet) وفريقه التّجارب على القطّ، وذلك لدراسة سلوكه، واكتشفوا أنّ القط مثل الإنسان؛ فالقطّ حيوان ليليّ يمكن ملاحظته بسهولة عند النّوم، ويتميّز بانتظام جسده أثناء نومه، فعضلاته تسترخي تمامًا، ولديه حركات صغيرة في أذنيه، وشعيرات وارتعاش في العضلات، وعيناه تتحركان، وتنفّسه غير منتظم، هو لا يتأثّر بالمؤثّرات الخارجيّة، وقد اكتشف الفريق أنّ القطّ النّائم يفتح عينيه ليستكشف البيئة، ثمّ يغفو.

أجرى العلماء تجاربهم - في دراسة النّوم - على بعض النّائمين، وحسبوا تردّدات موجات أدمغتهم، فوجدوا أنّ تردّدات هذه الموجات تختلف من حين إلى آخر، وفق صور الأفكار والمشاعر والأحاسيس والانعكاسات الطّارئة على الدّماغ، وقد برهنت هذه الدّراسة الاختباريّة وجود موجات - سريعة وبطيئة ومتوسطة - تتغيّر مع حالة الحلم، وأدرك هؤلاء المجرّبون - بعد دراستهم لهذه الموجات - الأوقات الّتي يحدث فيها الحلم، فقد عمدوا إلى إيقاظ النّائم الحالم في مثل هذه الفترات، لمعرفة أنواع الموجات وعلاقتها بصور الأفكار؛ أي الأحلام، واستطاعوا أن يخلصوا، نوعًا ما، إلى نتائج ستكون دعائم ومقوّمات لدراسة من هذا النّوع في المستقبل.

إنّ القضيّة المركزيّة الّتي حاول المؤلّف معالجتها في الفصل الرّابع، تدور حول إمكانيّة تشبيه الدّماغ بالكومبيوتر، ويمكن مناقشة هذه القضيّة في الأسئلة الآتية: هل يشبه الدّماغ الكومبيوتر من حيث البنية؟ هل يستطيع الكومبيوتر أن يعمل مثل الدّماغ؟ إذا كان الدّماغ نظامًا فيزيائيًّا حقًّا؛ فهل نستطيع - في يوم ما - أن ننسخه أو نتفوّق على ما يقوم به من وظائف، بعبارة أخرى: هل نستطيع أن نبني جهازًا ذكيًّا أو واعيًا بذاته مثلنا؟

ثمّة مقاييس تعدّ الجسم والدّماغ كومبيوتر ينشأ عن شيفرة وراثيّة، ويتكوّن عن طريق التّطوّر البيولوجيّ، وتشير هذه المعايير إلى أن النّفس هي مبرمِج هذا الكومبيوتر، فكلّ واحد منّا يولد على نحو مبرمَج مع كومبيوتره في الحالة الجنينيّة الأولية، وينمّي هذه الحالة في حياته كلّها.

هذا الحاسوب هو الرّفيق الحميم لكلّ مراحل الحياة؛ فهو يتلقّى ويعطي للعالم الّذي يحتوي أنا أخرى، هكذا تكمن أسرار الحياة الكبيرة في كوننا مبرمجين في خلقنا، أو في كوننا نعرف كيف نختبر ونكتشف، وباتّحادنا يستطيع كلّ فرد منا بوجوده مع حاسوبه الخاصّ أن يجتاز الحدود بين العالم الثّاني والعالم الأوّل.

و من القناعات الراسخة في أوساط علم النّفس وعلوم الحساب؛ هي أنّ الدّماغ قادر على حلّ مسائل يجد الحاسوب صعوبة في حلّها، والحواسيب قادرة على الاضطلاع بوظائف لا يستطيع الدّماغ القيام بها، على سبيل المثال؛ لا يجد الكومبيوتر أيّ صعوبة في تكرار القوائم الطّويلة من الأرقام العشوائيّة، أو حتّى كلّ الضّيوف، لكنّ الإنسان لا يستطيع أن يبقي هذا القدر من المعلومات في ذاكرته، من جهة أخرى، إنّ طفلًا عمره ثلاث سنوات قادر بسهولة على فهم الحديث الفصيح، واستخدام العبارات الدّارجة الّتي لا يفهمها الكومبيوتر على الإطلاق([25]).

- الدّماغ تطوّر عضويًّا، والحاسب مُصمَّم.

- إنّ الأنظمة التّطورية العضويّة لا تشبه - كثيرًا - الأنظمة الّتي يصممها المهندسون.

- الدّماغ نظام كيميائيّ، والحاسب نظام كهربائيّ.

بغضّ النّظر عن مدى دقة التّصميم، ومدى تعقيد الآليّة؛ فإنّ عمل الكومبيوتر يتلخّص دائمًا في شيء واحد؛ هو حركة الشّحنات الكهربائيّة في المواد شبه الموصلة، إنّه - بعبارة أخرى - نظام إلكترونيّ، أمّا الدّماغ - من جهة أخرى - فهو مثل أيّ كائنٍ حيّ، يعمل على أساس من التّفاعلات الكيميائيّة([26]).

وتشير النّزعة الاقترانيّة (Connectionism) إلى نزعة يرى أصحابها أنّها بديل يقابل الأنموذج الحاسوبيّ الكلاسيكيّ، الّذي يعتمد هندسة فون نيومن (von Neumann architecture)، وقد استلهمت هذه النّزعة - في نشوئها - نموذج شبكات الخلايا البيولوجيّة، والشّكل الّذي ينتظم به الجهاز العصبيّ، ويركّز العاملون في إطارها على رصد عناصر المعالجة الصغرى وتحليلها، عوض الانسياق وراء التّصوّرات العامّة للمعالجة، كما هو الحال في المقاربة الحاسوبيّة الكلاسيكيّة.

وهناك - أيضًا - ما يدعو إلى إقامة تمييز فلسفيّ بين المعالجة الموزّعة المتوازيّة، والنّزعة الاقترانيّة؛ فالمعالجة الموزّعة المتوازية - على سبيل المثال - كانت تسعى دائمًا إلى أن تكون نماذجها متلائمة وكافية من النّاحية البيولوجيّة، ويبدو هذا واضحًا في تركيز أصحاب هذه المعالجة على دراسة الأنشطة الموجّهة نحو التّعلّم، وإيلاء الأسبقيّة للمقاربة التّجريبيّة، مجال الشبكات العصبيّة أصبح أغنى من المجال الّذي تغطّيه المقاربة التّقليديّة الّتي تعتمدها المعالجة الموزّعة المتوازية.

يروم مشروع الفلسفيّة العصبيّة الأمريكيّة - وفق ما أورده المؤلّف - إلى إنشاء نزعة اقترانيّة عصبيّة أكثر من النّزعة الاقترانيّة الموازية؛ أي أنّ دراسة الرّوابط بين وظائف الدّماغ يستند على مبادئ مختلفة تمامًا عن الحاسوب([27]).

ولتوضيح مفهوم الشّبكة العصبيّة؛ ميّز الكاتب بين نوعين من الشّبكات: الشّبكات العصبيّة الصّوريّة، والشّبكات العصبيّة الحقيقيّة، أمّا الشّبكات الأولى؛ فهي التّمثيل الرّياضيّ والحاسوبيّ للخلايا العصبيّة البيولوجيّة، ومن سماتها: أنّها تتشكّل من العديد من المدخلات ومخرجة واحدة تتوافق مع التّشعّبات، وظهور الخلايا العصبيّة البيولوجيّة، وتُعدّل القيم العدديّة لهذه المعاملات في مرحلة التّعلم، وتقوم الخلايا العصبيّة الصّورية بحساب مبلغ مرجّح من المدخلات الواردة، وتنطبق هذه القيمة على وظيفة التّنشيط غير الخطيّة عمومًا، أمّا القيمة النّهائيّة الّتي حُصِل عليها؛ فهي النّاتج من الخلايا العصبيّة.

رياضيًّا، الخلايا العصبيّة الاصطناعيّة: هي وظيفة من العديد من المتغيّرات والقيم الفعليّة، ويمكن تعريف الشّبكات العصبيّة الصّوريّة، أنّها: نظام لمعالجة البيانات بشكل يحاكي ويشابه الطّريقة الّتي تعالج بها الشّبكات العصبية الطّبيعيّة للإنسان أو الكائن الحيّ؛ أي النّظام العصبيّ البشريّ، والشّبكة العصبيّة (Neural Network)، تحتوي عددًا كبيرًا من (أنظمه صغيرة لمعالجة المعلومات)، تسمّى: الخليّة العصبيّة، وهي اقتراح ونظريّة رياضيّة تصف نظام العمل في الخليّة العصبيّة الطبيعيّة للإنسان؛ حيث تتبادل خلايا الجهاز العصبيّ الطّبيعيّة الإشارات العصبيّة، يكون ذلك في الجهاز العصبيّ الطّبيعيّ؛ أي في الشّبكة العصبيّة الطّبيعيّة.

وعلى الرّغم من بساطة هذا النّموذج؛ فإنّ الخلايا العصبيّة لازالت - إلى اليوم - عنصرًا أساسيًّا في الشّبكات العصبيّة الاصطناعيّة، ومع ذلك، فإنّ هذا النّموذج هو مجرّد تقريب وظائف الخلايا العصبيّة الفعليّة، وبأيّ حال من الأحوال، لا يمكن أن تُستخدم لفهم الجهاز العصبي فهمًا عميقًا.

يستند نقد الباحثة الكنديّة تشيرشلاند على معيار تبسيط التّناظر الحاسوبيّ، بينما تطرح العمليّات الدّماغيّة عدّة مستويات من التّنظيم بين المستوى العالي ومستوى الدّيناميّة بين الخلايا، وجميع العمليّات البنيويّة تنتظر اعتماد التّعارض بين المادّة والشّكل، بين البنية والمضمون([28])، وتفضّل الباحثة نفسها التّمييز بين مستويات التّنظيم الآتي: السّلوك (le comportement) - دائرة كهربائيّة (le circuit) - التّجمّع الخلويّ (l’assemblée cellulaire) - المشبك (la synapse) - الخليّة (la cellule) - الأغشية (la membrane).

إنّ تعقّد الشّبكات الدّاخليّة تمنع الوصف في لحظة الانتقال من مضمون الأغشية إلى السّلوك، وتحلّل نظريّة الشّبكات الإلكترونيّة الحقيقيّة للعصبونات فئتَين رئيستَين؛ حواسب ذات إجراء تناظريّ، وحواسب ذات إجراء رقميّ([29]).

وبيّن الكاتب أنّ الشّبكة العصبونيّة يمكن أن تتألّف من عدّة طبقات، ويكون - في هذه الحالة - لكلّ طبقة صفوف وزن (W)، وشعاع إزاحة (b)، وشعاع (a)، ومن أجل التّمييز يضاف رقم الطّبقة ليكون دليلًا علويًّا لكلّ المتحوّلات المستعملة في الشّبكة المبيّنة مركّبة المدخلات، عصبون في الطّبقة الأولى، وعصبون في الطّبقة الثّانية، وهكذا، بنفس الأسلوب، ومن الملاحظ - أيضًا - أنّ مخرجات كلّ طبقة متوسّطة هي مدخلات الطّبقة الّتي تليها، وبذلك تعدّ كلّ طبقة في هذه الشّبكة شبكة ذات طبقة وحيدة، والطّبقة الّتي تعطي المخرجات، تسمّى: طبقة المخرجات، ولا تعدّ المدخلات طبقة، وبقيّة الطّبقات تسمّى: الطّبقات الخفيّة.

واضح - كذلك - أنّ الشّبكات متعدّدة الطّبقات: هي شبكات ذات فعاليّة كبيرة، خاصّة، الشّبكات بطبقتين، المستخدمة بشكل كبير جدًّا؛ حيث تستطيع هذه الشّبكات حلّ العديد من المشاكل المعقّدة، ولكنّ تدريبها يستغرق وقتًا أطول، ويرمز إلى هذا النّوع بالشّكل: (m –n1–n2 …..q)؛ حيث تشير (m) إلى عدد المداخل، وتشير (n1) إلى عدد النّيرونات في الطّبقة الأولى، وهكذا ...

نقدت الفيلسوفة الكنديّة (تشير شلاند) النّماذج الحسابيّة السّابقة، وبيّنت أنّ هذه التّقسيمات لا تنسجم مع النّموذج الحسّيّ الحركيّ الّذي تبنّته الباحثة؛ حيث تبحث عن التّحديد الدّقيق لوظائف الدّماغ العليا، انطلاقًا من الحالات العصبيّة البيولوجيّة فقط، كونها نموذجًا لصياغة نظريّة حول بعض وظائف الدّماغ([30])، فتؤكّد الباحثة نفسها أنّه من الأهميّة بمكان الأخذ بمجموع المعطيات الفيزيزلوجيّة، وعلم التّشريح، والمعطيات السّيكولوجيّة لتقييم تفسيرها وتوحّدها وتجريبها.

وبفضل الميكانيزمات البيولوجيّة العصبيّة الّتي توصّلت إليها الباحثة([31])، وُجدت معطيات لتطوير النّموذج الحسابيّ الدّماغيّ، وتبقى نظريّة الشّبكات الاصطناعيّة مجرّد أداة للدّفع بالفلسفة العصبيّة نحو النّزعة الاقترانيّة، والنّزعة الحسابيّة العصبيّة.

وفي الفصل الخامس من الكتاب، بيّن المؤلّف أنّ الفلسفة المعاصرة أولت اهتمامًا واسعًا وعميقًا لمفهوم الجسد، وأشار - على الخصوص - إلى أعمال فوكو، فبعد تأكيد هذا الأخير على التّرابط العضويّ بين العقل والجسد، يضع فوكو الجسد في قلب اهتماماته؛ إذ يجب - في نظره - أن يعبّر بكلّ حرّيّة وتلقائيّة، ومن دون قيود، كي يتجلّى المكبوت، وتظهر الحقائق دون زيف، فالجسد له فكره، والفكر له جسده، ومن لا جسد له لا فكر له، فهو المأوى والمثوى.

وقد أسّس فوكو عمله على تقديم تحليل علميّ للجسد وفق منهجيّات جديدة؛ حيث فكّك الآليّات والنّظم المتعدّدة الّتي ساهمت في إخضاعه وترويضه، وكان منشغلًا على مدار تحليلاته بالكشف عما يكبّل الجسد ويقيّده؛ لأنّ ذلك - في رأيه - تكبيل للعقل، ففكّ الأغلال عن الجسد، وعن آليّات التّوجيه والمراقبة والتّرويض، هو إطلاق سراح العقول من سراديب الحجر والزّيف والإثارة.

وتتقدّم (الفينومينولوجيا) كونها ردّ فعل على النّزعة الثّنائيّة وليدة الإرث الدّيكارتيّ؛ كالتّمييز بين الشّيء والفكرة، النّفس والجسد، الموضوع والذّات، الطّبيعة والثّقافة، ...إلخ، كما أنّها تمثل - في الوقت نفسه - مجهودًا موجّهًا نحو مستويات التّجارب السّابقة لهذه الثّنائيّات، ونقدًا للبناءات العلميّة المجرّدة المنبثقة عنها، ومن هذا المنظور؛ فإنّ أحد المحاور الأساسيّة لهذه العودة للوجود في العالم الأصليّ؛ هي استكشاف ارتباط الجسد بمختلف سجلات القصديّة، يبدأ بالإحساس ويصل إلى الحكم، جسدًا لا يمكن اختزاله في كونه مجرّد تراكم الوظائف والميكانيزمات الّتي تصفها الفيزيولوجيا وعلم النّفس التّجريبيّ.

وهكذا، هذه الوحدة بين الجسد والنّفس، تستطيع الفينومينولوجيا أن تتجاوز الثّنائيّة الميتافيزيقيّة الّتي تجعل من النّفس، مبدأ انطولوجيًّا مفارقًا، كما تتجاوز الواحديّة الوضعيّة الّتي تختزل الجسد في المسارات الفيزيوكيميائيّة، هناك عدّة أعمال فكريّة وعلميّة تدافع عن فكرة التّداخل والتّكامل بين العلوم العصبيّة، وبين النّظريّة الظّاهراتيّة.

ومن الإشكالات الكبرى الّتي تناولتها الفلسفة المعاصرة: كيف يفكّر الجسد؟ ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟ وما الفرق بين العقل والدّماغ؟ ما العلاقة القائمة بين المكوِّنين، العقل والجسم، اللّذَين يمتلكهما الإنسان؟

ومن الأعمال الّتي تناولت العلاقة بين العقل والدّماغ، نجد نظريّة فريز جال (Gall)، الّتي تقول: "إنّ العقل يتكوّن من ملكات منفصلة، لكلّ منها مركز في لحاء الدّماغ، ويمكن تشخيص مدى نمو كلّ ملكة، بفحص شكل الجمجمة، وتنقسم هذه الملكات، وعددها سبعة وثلاثون، إلى ملكات وجدانيّة وملكات عقليّة؛ تنقسم الأولى إلى دوافع وعواطف، والثّانية: إلى ملكات إدراكيّة وذهنيّة"، غير أنّ العالم الفرنسيّ فلورنس (1794م– 1867م) عارض هذه النّظريّة، مثبتًا أنّ الدّماغ يعمل ككلّ، لا كمجموعة مراكز، أو أجزاء منفصلة.

خاتمة:

إذا كان من الطّبيعيّ أن تطرح مثل هذه التّطوّرات العلميّة مشاكلها، الفلسفيّة والنّظريّة، على صعيد الموقف الأنطولوجيّ للكائن، كما هو الشّأن في كلّ المنعطفات الإبيستيمولوجيّة الّتي عرفها تاريخ العلم منذ الثّورة الكوبيرنيكيّة، فإنّ الثّورة الّتي أطلقتها علوم الهندسة الوراثيّة والبيولوجيّة الجزئيّة والعلوم العصبيّة، تطرح مشكلات أخلاقيّة على قدر كبير من الخطورة والحساسيّة، خاصّة، في مجال تطبيقاتها، وما يثيره من شكوك حول مدى قدرة العلماء على التّحكم في نتائجها وأغراضها الإنسانيّة المعلنة، ما يشكّل تهديدًا لحميميّة الكائن البشريّ وكرامته وخصوصيّته.

توجد العلوم العصبيّة اليوم في موقف إبيستيمولوجيّ جدير بالاهتمام، فيما الحاجة إلى الفلسفة تزداد أكثر، من أجل التّدخّل لفكّ رموز هذا الموقف بكلّ ما يلزم من الفعاليّة، ليس فقط لصياغة موقف إثيقيّ نظريّ أصبح ضروريًّا، في ظلّ الوضعيّة الملتبسة الّتي تحيط بتقدّم العلوم واتّجاهات تطوّرها الرّاهنة، وتبرز ضرورة تدخّل الفلسفة، في الكشف عن الرّهانات الّتي تحيط بمجمل التّطورات الّتي تشهدها العلوم العصبيّة والبيولوجيّة، والجواب عن السّؤال الإشكاليّ الآتي: ماذا نفعل بنوعنا الإنسانيّ في ظلّ التّطوّر البيولوجيّ والتّكنولوجيّ؟

ومن هذا المنطلق؛ فإنّ مؤلِّف كتاب "الفلسفة العصبيّة" يتّخذ مقاربة متشعّبة ومركّبة وعميقة، يتداخل فيها نقد الفلسفة بنقد العلم، ونقد العلم بنقد الفلسفة، إنّه مشروع فكريّ فلسفيّ علميّ متكامل، تناول فيه المؤلِّف الوعي، ليس كمسألة تأمّل؛ بل موضوع قراءة جذريّة - غير مسبوقة - في تاريخ الفلسفة وتاريخ العلم، ولكن، تبقى ميزة خطاب برنارد اندريو: هي البناء المفاهيميّ الّذي اعتمده، وطبيعة المقاربة لإشكالاته، والرّهانات العمليّة الّتي حاكمته، والانفتاحات الّتي حقّقها، وأثّر بها فيما بعد، خصوصًا، فيما يخصّ الموقف من العقل والوعي ووظائف الدّماغ والجسد.

فالفلسفة العصبيّة تقوم على التّكامل والتّداخل بين مختلف الحقول العلميّة؛ أي بين العلوم التجريبيّة والحقّة من جهة، والعلوم الإنسانيّة من جهة أخرى، من أجل إدراك شامل وكلّيّ للظّواهر الطبيعيّة والإنسانيّة، خاصّة، المتعلّقة بالدّماغ والعقل والجهاز العصبيّ، وعلاقتها بالسّلوك والتّعلم، واتّخاذ القرار، وحلّ المشكلات، فالمختبرات العلميّة، وفرق البحث في المعاهد والمدارس والكليّات في الجامعات الغربيّة، تشتغل في إطار جماعات علميّة منذ النّصف الثّاني من القرن الماضي.

وموضوع الفلسفة العصبيّة يندرج ضمن هذا المسعى؛ فالفلسفة مدعوّة اليوم إلى إعادة النّظر في القضايا والمسائل والمناهج، الّتي تشتغل فيها وبها، والانفتاح على العلوم العصبيّة، والنّظرة الشموليّة للإنسان، غير أن هذا التّوجّه العلميّ لا زال بعيد المنال في الأوساط العلميّة العربيّة، أقصد الجامعات والمعاهد ومراكز البحث؛ بل يبقى التّشرذم والصّراع المهيمنان بين الباحثين في العالم العربيّ، ممّا يعيق تطوّر البحث العلميّ، والتّأخّر في الاشتغال في فرق علميّة تجمع الرّياضيّ والفيزيائيّ، والاقتصاديّ، والسّوسيولوجيّ، والفيلسوف، وعالم الدّين، ورجل السّياسة، ...إلخ، ما يحول دون تحقيق التّنمية الاقتصاديّة المنشودة، وتأهيل العنصر البشريّ العربيّ.


[1]- أستاذ في جامعة نانسي، ومدرّس إبيستيمولوجيّة الجسد والممارسات الجسديّة، ومؤلِّف عدّة كتب، منها: معجم الجسد.

[2]- Bernard Andrieu (2007): La neurophilosophique, éd Que sais-je?, puf 2eme éd, p 3.

[3]- ibid, p 6.

[4]- Michel Jouvet (1990): Neurophilosophie du réve in Bernard Andrieu, p 4.

[5]- in Bernard, p 8.

[6]- Ibid, p 9.

[7]- Ibid, p p 10- 11.

[8]- Bernard, A, Ibid, p 25.

[9]- جون سيرل (شتنبر 2007): العقل، مدخل موجز، ترجمة: ميشيل حنا متياس، سلسلة عالم المعرفة، العدد 343، ص ص 65- 66.

[10]- أوليفر ليمان (مارس 2004م): مستقبل الفلسفة في القرن الواحد والعشرين، ترجمة: مصطفى محمود محمّد، سلسلة عالم المعرفة، العدد 301، ص 247.

[11]- جون سيرل (2007): المرجع نفسه، ص 66.

[12]- جون سيرل (سبتمبر 2007): المرجع نفسه، ص 67.

13- جيمس تريفل (يناير 2006): هل نحن بلا نظير؟ ترجمة: ليلى الموساوي، سلسلة عالم المعرفة، العدد 323، ص ص 13- 176.

14- جون سيرل (شتنبر 2007): المرجع نفس، ص ص 16- 17.

[15]- أوليفر ليبمان (مارس 2004): المرجع نفسه، ص 247.

[16] -Bernard, A, p 67.

[17]- ibid, p 67.

[18]- جون سيرل (سبتمبر 2007)، المرجع نفسه، ص 40.

[19]- Bernard, A, p 70

[20]- Bernard, A, p 71

21- libid, p 78.

[22]- Ibid, p 81.

[23]- ibid, p p 81- 82.

[24]- ibid, p 88.

[25]- جيمس تريفل (2006): المرجع نفسه، ص 149.

[26]- جيمس تريفل (2006): المرجع نفسه، ص 153.

[27]- Bernard, ibid, p, 102.

[28]- Bernard, p 106.

[29]- Bernard, ibid, p 106.

[30]- Bernard, ibid, p p 111-112.

[31]- Bernard, ibid, p 112.