ظلال الهباء: مقالات فلسفية في مأساة 16 ماي للدكتور سليم رضوان


فئة :  قراءات في كتب

ظلال الهباء: مقالات فلسفية في مأساة 16 ماي للدكتور سليم رضوان

قراءة في كتاب ظلال الهباء:

مقالات فلسفية في مأساة 16 ماي للدكتور سليم رضوان


يضم هذا الكتاب اثني عشر مقالاً حول ظاهرة الإرهاب الأصولي بالمغرب بعد أحداث 16 ماي 2003 بالدار البيضاء المغربية، وهو كتاب يتميز بعمق الرؤية الفلسفية لمفكر عكف على دراسة الفكر الأصولي من حيث سيرورة تشكله ومرجعياته النظرية ووسائل عمله وأهدافه، ولقد استرشد سليم رضوان في تحليله لهذه الظاهرة بمرجعيات نظرية رصينة كالماركسية والمادية التاريخية والوجودية والنتشوية بالإضافة إلى التحليل النفسي، مما أعطى للمؤلف غنىً مفاهيميًا ودقة في الوصف وعمقًا في التحليل والنقد بمنهجية تتدرج بالقارئ من العام إلى الخاص.

والهدف الرئيس من هذا الكتاب، حسب المؤلف في المقدمة، هو الوعي بمأساة 16 ماي، أي نقل ذلك الشعور التلقائي إلى إدراك عقلي ووعي تاريخي، وتكوين مفهوم 16 ماي تعبيرًا عن منعطف مأساوي في الصيرورة التاريخية المغربية المعاصرة.

وقد قسم سليم رضوان كتابه هذا إلى مقدمة وخاتمة بينهما اثنا عشر مقالاً مرتبًا ترتيبًا منطقيًا، بدأ بالمقال المعنون بـ "مفهوم 16 ماي" الذي أكد فيه أن مأساة 16 ماي هي محصلة لثلاث طرق رئيسة: أولها طريق التاريخ، وثانيها سبيل الدين، وثالثها مسلك السياسة، أما طريق التاريخ أو ما اصطلح علية الكاتب "زمن المأساة" فقد اعتبره نتاج لصراع قوى عمياء وغامضة يصعب الحكم على اختياراتها أو توقع أفعالها، فهي تمتلك رغبات لاشعورية في استرجاع الماضي، وبالتالي تملك التاريخ من خلال سلوكيات مدمرة بواسطة رموز اللغة والدين والتقوى والعنف...إلخ، ولتوضيح هذا المعنى تساءل المؤلف عن الدلالة التاريخية لحادث 16 ماي.

أكد الكاتب أن معرفة هذه الدلالة تقتضي الرجوع للتعرف على الإرهابيين الذين نفذوا جريمة 16 ماي، أي التعرف على مذهبهم الأصولي وتكوينهم النفسي ومسارهم الاجتماعي، إذ بيّن الكاتب أن توجهاتهم تقوم على إضفاء الشرعية الدينية على ممارسات لا دينية وذلك باستخدام تمثلات مثل الجهاد والاستشهاد والكفر والإيمان والجنة...إلخ، ومن أهم العوامل المساعدة على تشكل هذه التوجهات والقناعات العامل الاقتصادي، أي نمط الإنتاج غير منظم، والعامل الاجتماعي، أي الفقر، والعامل النفسي، أي الإحباط، بالإضافة إلى عوامل أخرى مثل شبكة الإرهاب الدولية وغيرها.

أما طريق الدين أو بؤس الدين حسب تعبير المؤلف (ص ص 15-16)، فالفرد يعيش الإقصاء حالةً ثقافية، وينتج تمثلات دينية ومشاعر نفسية وقيم أخلاقية خصوصية، فهو يرفض الإسلام الرسمي وينتقد سلطة الفقهاء ويبتعد عن المساجد ويخلق أماكن خاصة للعبادة، يتصور الجنة كتعويض له عن الدنيا ومناسبة لتصفية الحساب مع خصومه، أما ووعيه الذي يعيش تمزقًا بين وهم الطوبى وحقيقة الواقع فيسقط في العنف باعتباره الأمل الوحيد والممكن للخلاص الفردي والجماعي.

أما طريق السياسة أو ما اصطلح عليه الكاتب اغتيال الوطنية (ص 16) فقد كشف سليم رضوان أن مأساة 16 ماي لم تتوقف عند قتل الأبرياء بل تتعدى ذلك إلى اغتيال الروح الوطنية، فإذا كان الوعي السياسي يقوم على الديموقراطية المتمثلة في الحرية الفردية والمواطنة والقانون والحق، فإن الأصولية تعمل على تدمير هذه القيم وترفضها تمامًا.

وتوصل الكاتب أخيرًا إلى أنه من الصعب تفسير وإعطاء معنى لمفهوم 16 ماي لأنه فعل لاعقلاني، وفعل مجاني أعمى، وربط نشأة هذا المفهوم بالصراع بين مبادئ الأصولية والقيم الديموقراطية (ص 19)، وبعد ذلك انتقل المؤلف إلى تحديد مفهوم الأصولية مستعينًا ببعض الأدبيات الكلامية والفقهية بعدما أشار إلى صعوبة إعطاء تعريف جامع ومانع لكلمة الأصولية نظرًا لتعدد استعمالاتها، أي العقيدة والسياسة والإيديولوجية، واستشهد المؤلف في هذا السياق بالمؤرخ الإسلامي للفرق الإسلامية الشهرستاني الذي بيّن في كتابه الملل والنحل أن الخلاف بين المسلمين نشأ أساسًا حول مسألتين أسياسيتين هما: الإمامة والأصول، ويحصرها الشهرستاني في أربعة أصول: أولها التوحيد والصفات، وثانيها القدر والعدل، وثالثها الوعد والوعيد، أما الرابع فيتمثل في السمع والعقل (ص 21)، ولتوضيح هذه المسألة أكثر استحضر الكاتب موقفًا آخر لا يقل أهمية عن الأول، وهو أبو الحسن الأشعري شيخ أهل السنة والجماعة وصاحب كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" الذي يعرض للمسائل التي اختلف المسلمون فيها، ومنها مسألة الإمامة (ص 23).

هذا بالإضافة إلى كتاب "الفرق بين الفرق" للبغدادي، وهو كتاب يشمل كذلك أهم القضايا التي كانت مصدر خلاف بين المسلمين، ومن أهمها موت الرسول، صلى الله عليه وسلم، ومسائل العدل والتوحيد والوعد والوعيد، بالإضافة إلى القدر والاستطاعة وأخيرًا مسألة تقدير الخير والشر (ص 24).

وبدأ سليم رضوان هذا المقال بإيراد تعريف لمفهوم الأصول عند أحد المتكلمين، ص25، وانتقد الكاتب المعنى الشائع والمتداول لمفهوم الأصولية اليوم نظرًا لكونه لا صلة له بالمعنى المقصود في علم الكلام أو في علم الفقه، وفي المقال الثالث من هذا المؤلف عرض الكاتب أهم المبادئ التي ترتكز عليها المذهبية الأصولية، المسيحية واليهودية والإسلامية، باعتبارها تحريفًا إيديولوجيا للدين، وتطرق لهذه المبادئ وذلك بتلخيصها في أربعة قواعد كبرى:

- الصحوة الدينية:باعتبارها عودة للدين باعتباره إطارًا لتنظيم الحياة السياسية والاجتماعية والأخلاقية الفردية والجماعية.

-مناهضة العلمانية: فضل المؤلف استعمال مفهوم اللائكية عوض العلمانية تجنبًا لكل لبس أو غموض، إذ بيّن أنّ اللائكية شرط أساسي لانبثاق مفهوم المواطن ودولة الحق والقانون والأخلاق المدنية، وأكد الكاتب أن المجتمع الأصولي يتعارض كليًا مع المجتمع الديموقراطي، فالأول مجتمع استبدادي يحدد شكل اللباس وطريقة الأكل ونوعية الذوق... إلخ، فالدين يتدخل في الحياة الفردية والاجتماعية بينما يستند المجتمع الديموقراطي على قيم التحرر والتعدد والاختلاف (ص 34).

- مناهضة الحداثة:إذا كانت الحداثة تقوم على قيم الكونية والعقلانية والنزعة الإنسانية والتقدم العلمي فإن الأصولية تنبني على أخلاق البداوة وقيم المحافظة والأفكار التقليدية والمواقف الرجعية (ص 35).

- التقوى الأخلاقية: يتعلق هذا المبدأ بسلوك الأفراد والجماعات، أي نقل القيم المذهبية من مجال النظر إلى مجال العمل، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حسب المؤلف، تعبير عن حق المؤمن في التدخل في الحياة الخاصة والعامة، وقد يكون هذا مقدمة لممارسة العنف.

وبين الكاتب، في المقال الرابع المعنون بـ"الزمان الأصولي"، أن هذا الزمان هو زمان لا تاريخي لأنه يقوم على فكرة إحياء الزمن الخالص للإسلام، أي زمن الدعوة والهجرة والغزوة والردة والفتح... إلخ، وهذا دليل على استلاب الوعي العربي الإسلامي واغترابه، ومن أهم تجليات الزمان الأصولي كما عرضها المؤلف:

أ- الحنين إلى الماضي:ومن أهم مظاهره:

- الرجوع إلى أصل الدين.

- نفي القدسي للزمني أو الدنيوي، فالقدسي ثابت ومتعالٍ، بينما الزمني متغير ومحايث.

- البحث عن أنموذج مجتمعي للمستقبل بوصفه صورة للنظام الاجتماعي الأول للإسلام.

ب- الانفصال عن الحاضر،ويتجلى في:

- تزييف حقيقة الحاضر باعتباره ناقصًا ودنيويًا وكافرًا، وبذلك يتعارض مع الزمن الديني الكامل النقي والمؤمن.

- تصور خلود الزمن أنه نفي للماضي والحاضر والمستقبل، بل نفي للزمن نفسه.

ج- توهم المستقبل، ومن أهم مؤشراته:

- التمييز بين القيم والوقائع الاجتماعية.

- التناقض القائم بين الطابع الرجعي للطوباوية التي ترفض التاريخ والشكل التقدمي التحرري والعادل للمدينة الفاضلة.

- دعوة الطوباوية لإقامة مجتمع شمولي يسلب الأفراد حريتهم الخاصة من خلال خرافة تحررهم الجماعي.

- تتوهم الأصولية مجتمعًا قدسيًا، لكنها لا تصنع سوى مجتمع شمولي رجعي.

وأكد المؤلف، في المقالة الخامسة المعنونة بالتقوى الرهيبة، أن الأعمال الإرهابية في 16 ماي كشفت زيف الإحساس بالأمن والاطمئنان، فتساءل عن أسبابها ومصادرها ودوافعها، هل هو الفقر والبؤس الاجتماعي أم التطرف الديني أم تأثيرات المناخ السياسي الاجتماعي والدولي؟ مؤكدًا أن مثل هذه التساؤلات تقدم تفسيرًا عقلانيًا لفعل لاعقلاني، إنه فعل ينم عن رغبة لا واعية في تدمير القواعد والقيم وتمجيد أحاسيس الحقد والكراهية، ولتوضيح هذه المسألة وظف الكاتب أطروحات فلسفية تهم الجانب الأخلاقي من مثل أطروحة كانط وروسو ونتشه...إلخ (ص ص41- 51). وتوصل إلى أن منبع الطهرانية ليس هو الدين وإنما هو الأخلاق، أي أخلاق الكراهية والحقد، فالتبرير الديني أو السند الشرعي كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبدأً، والجهاد منهجًا، مجرد غطاء إيديولوجي.

وبعد سفره في تحليل المبادئ والتوجهات والمرجعيات التي استند إليها الفكر الأصولي لتبرير أفعاله وأقواله، انتقل المؤلف إلى رصد الأصول التربوية التي ولدت الفكر الأصولي وغدته، إذ بيّن أن الجماعات الأصولية الإسلامية تعلن ظاهريًا أن أهدافها تربوية، ووظيفتها دعوية، وغاياتها أخلاقية (ص54) ولتبرير ذلك استلهم أهم المبادئ التربوية التي شيّد عليها مفكرو الإسلام أمثال الغزالي وإخوان الصفا وابن مسكويه وابن خلدون تصورهم للتربية القائمة على التأديب من جهة والتهذيب من جهة ثانية.

وتوقف الكاتب بعد ذلك عند أحد نماذج التربية الأصولية المعاصرة المتمثلة في "الإخوان المسلمين في مصر"، إذ أشار باقتضاب إلى أهم قواعدهم ومناهجهم ووسائلهم النظرية والعملية، ولخصها في خمس مراحل تبدأ بمرحلة التمهيد القائمة على الدعوة إلى الابتعاد عن المعاصي والالتزام بالفرائض والمشاركة في العمل الإحساني، وتنتهي بمرحلة التمكين التي تتميز بوضع دستور للدولة الإسلامية.

واستنتج الباحث من تحليله هذا مجموعة من الخصائص نجملها فيما يلي:

- التربية الأصولية تربية مضادة.

- التربية الأصولية تربية الجماعة الدينية.

- التربية الأصولية تربية النهي عن المعصية.

- التربية الأصولية تربية المراهقين.

- التربية الأصولية تربية أيديولوجية.

ومن أجل تفسير دقيق للأسباب والعوامل التي ساهمت في نشأة الفكر الأصولي استند الكاتب إلى مجموعة من المرجعيات الفلسفية والاقتصادية والسوسيولوجية كماركس وسيمون دوبوفوار وماكس فيبر وماكسيم رودونسون...إلخ، ليصل إلى أن العنف الأصولي نشأ نتيجةً للصراع على الثروة والسلطة بين الجماعات الإسلامية، وتوقف الكاتب عند مفهوم صراع الحضارات كما صاغه المفكر الأمريكي صمويل هنتنغتون إذ عرض أطروحته ومضامينها ومنطلقاتها النظرية، وكذلك تفسيره للعلاقات القائمة بين مختلف الحضارات المعاصرة، خاصة الحضارة الإسلامية التي اعتبرها هنتنغتون مجرد ثقافة؛ أي مجموعة من القواعد والمعايير الدينية والأخلاقية المادية والروحية التي تميز شعب من الشعوب أو مجموعة من المجتمعات، واستنتج الكاتب أن هذا المعنى يتعارض مع مفهوم الحضارة المبنية على ما هو كوني وتقدمي في مقابل الثقافة المرابطة بكل ما هو خصوصي.

ومن هذا المنطلق خلص المؤلف إلى ما يلي:

- الحضارة كونية والثقافة خصوصية.

- الحضارة تاريخية.

- الحضارات تتكامل بينما الأصوليات تتصادم.

- الصراع الدولي هو في جوهره صراع بين القوى التواقة للحرية والتقدم والعدالة والسلام من جهة والقوى الرجعية.

ونظرًا لكون سليم رضوان أحد المناضلين من أجل القضايا الإنسانية العادلة، ومن المثقفين العضويين وأحد المتتبعين للأحداث الدولية والإقليمية والوطنية، فقد خص مقالاً تقييميًا لمختلف الردود التي أعقبت أحداث 11 شتنبر 2001 في الولايات الأمريكية، إذ توقف الكاتب عند مضامين الرسالة التي بعثها مجموعة من المثقفين الأمريكيين إلى الرأي العام الدولي سنة 2012، والتي فسروا فيها الأسباب والدوافع التي دفعت أمريكا إلى خوض الحرب ضد الإرهاب، وبعد مرور أزيد من شهرين على نشرها جاء الرد من بعض المثقفين السعوديين الذين يمثلون علماء المسلمين والوعاظ والدعاة، إذ وجهوا رسالة إلى الرأي العام الأمريكي واعتبروها بمثابة جواب على رسالة المثقفين الأمريكيين ودعوة لانطلاق حوار مثمر بين المثقفين في العالمين الإسلامي والغربي حول القضايا المثارة في فحوى رسالة المثقفين الأمريكيين.

بعد مرور حوالي سنة كاملة على هذه الرسالة نشرت جريدة الأيام المغربية رسالة العلماء والمثقفين وممثلي الحركة الإسلامية المغربية تعلن بطلان "فتوى" المثقفين الأمريكيين (ص 122)، ولقد حاول المؤلف عرض مضامين الرسائل الثلاث بدقة واختصار مع تقييمه لها، فأشاد بالرسالتين الأمريكية والسعودية فقال: "... إن الموقعين على الرسالة ظلوا محافظين على التشبث بقيم الخير والأخلاق وحقوق الإنسان واحترام جميع الأديان، ورفض العدوان، وفي نفس الوقت أكدوا على عدالة الحرب التي تخوضها بلادهم ضد الأنظمة والتنظيمات المسؤولة عن أحداث الحادي عشر من شتنبر 2011 دفاعًا عن نفسها وحماية لمواطنيها في مواجهة الشر، (ص 126).

وأشار في معرض حديثه عن رسالة المثقفين السعوديين إلى أنها رسالة تتسم إلى حد كبير بالموضوعية والاعتدال والاتزان والحكم العقلاني والأخلاقي والحكمة في إبراز الموقف السياسي...إلخ (ص 126)، إلا أن الكاتب، على خلاف هذا الحكم الإيجابي على الرسالتين السابقتين، تأسف كثيرًا من الحكم السلبي الصادر عن الحركات الإسلامية المغربية الموقعة على الرسالة، ويظهر هذا الأمر جليًا في قوله: "إن الأسلوب المعتمد، مع الأسف الشديد، في جميع أقسام الرسالة... هو مجرد تعبير عن رأي جمعي عامي بالإضافة إلى فقر لغوي وضعف في نهج الحوار الديموقراطي" (ص 128)، وفي قوله: "تؤكد الرسالة الأصولية المغربية في أكثر من مناسبة أن الدافع الوحيد هو رد الفعل السياسي المتمثل في الانتقام السياسي والمبرر بمنطق المعاملة بالمثل" (ص 130).

وتوقف المؤلف في المقال الحادي عشر المعنون بـ"الجريمة المباركة" عند أهم المفاهيم المكونة للفكر الأصولي الإسلامي الحديث، كالجهاد وعالمية الإسلام والحاكمية وجاهلية العالم، ولقد أبرز الكاتب المعاني التي يدل عليها مفهوم الجهاد باعتباره عنفًا مقدسًا، كما فصّل في القول عن تاريخ الجهاد مند حوالي ستة قرون إلى الآن، وفسر مفهوم جاهلية العالم أو الجاهلية الجديدة أو جاهلية القرن العشرين الذي يعني القيام بثورة دينية وبتحطيم الأوثان المتجسدة في الحضارة الغربية المادية من ناحية والنظام السياسي العلماني من ناحية أخرى، واستشهد الكاتب في هذا السياق بأطروحات حسن البنا وسيد قطب وصالح سرية وغيرهم (ص 150).

أما مفهوم الحاكمية، فيفيد أن التوحيد هو القاعدة السياسية الوحيدة لأي نظام، ويفرض مبدأ الحاكمية السيادة المطلقة لله في الكون، أما المجتمع فعليه تطبيق شريعة الله، وفي آخر هذا المقال بين المؤلف أن نسق الجهاد الأصولي يتضمن مفاهيم أساسية هي الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشهيد.

وختم سليم رضوان مؤلفه هذا بالمقال الذي يحمل اسم الكتاب "ظلال الهباء" الذي يدور حول تفسير المسالك والدوافع التي أدت إلى وقوع مأساة 16 ماي ولخصها في المفارقات التالية:

-الوعي والعدم: الإنسان يعي وجوده بدايةً من خلال التساؤل عن معنى وجوده، ولقد استدل بالمقولة الشهيرة لبارمنيد "الوجود كائن واللاوجود محال"، وهذا يفيد أن الكائن يعي العالم وجودًا، ويعي العدم باعتباره اللاوجود، وبيّن الكاتب أن الفيلسوف هايدجر انطلق من هذه المقولة، إذ أكد الكائن أن والعدم ينتميان لنفس الماهية، بل إن الكائن هو نفسه عدم، واستنتج الكاتب أن ليلة 16 ماي هي مثال بارز لانفصال الوعي عن الوجود وسقوطه في العدم.

- الوعي والزمان: انطلق الكاتب من القول إن الزمانية خاصية أساسية من خصائص الوعي مستشهدًا بموقف الفلسفة الوجودية، لسارتر وهايدجر، من العلاقة بين الزمن الوجود، واستنتج أن الكائن لا يمكنه أن يعي وجوده إلا من خلال الحياة في الزمن، وأن المشروع الوحيد المفتوح أمامه هو المستقبل (ص 170)، وطرح سؤالاً فلسفيًا مفاده كيف يمكن فصل الزمان عن الوجود ومن ثم السقوط في العدم؟

وأكد أن الوعي يسقط في العدم حين تنقطع الصلة الزمنية والتاريخية، فالموجود المؤرخ لا يمكنه التعبير عن ذاته إلا من خلال الحياة في الزمن، وهذا ما يفسر، حسب الكاتب، أن ظلام ليلة 16 ماي ينير طريق الوعي المسكون بهوس فناء العالم، الوعي المرهق بعبء الغيب، المتعجل لأجله، والذي لا يمكنه الانتظار، ففي كل جريمة إرهابية تنجلي صورة خراب العالم المحجوبة برياء التقوى وحلم الطوبى (ص 171).

- الوعي والواقع:بيّن سليم رضوان أن هوس فناء العالم يفضي إلى وضع خاتمة للزمن التاريخي من جهة، وتكوين زمن الطوبى من جهة أخرى، ولقد تساءل من جديد في هذا السياق، فهل تعكس ليلة 16 ماي التجسيد الفعلي للخطر الذي يمثله الوعي الطوباوي؟ وهل أدى التخيل الطوباوي إلى انفصال الوعي عن العالم الواقعي وتكوين عالم أخروي بديل؟ وهل الحنين إلى النعيم المفقود هو صورة للطوبى أو صورة مشوهة له؟

تمثل فكرة العصر الذهبي نواة الطوبي، ورغم جاذبيتها الوجدانية فإنها فكرة مدمرة، وهي تجسد حسب المؤلف عملية إسقاط لا شعوري لرغبات الحاضر المكبوتة أو وساوس على الماضي الذي بدل أن يكون موضوعًا لرغبة جامحة أو لهوية مهمشة أو مجتمع متخيل.

يعد كتاب "ظلال الهباء" من الاجتهادات الفكرية الرصينة التي تستحق الوقوف عندها وتأمل أطروحاتها وطرق معالجتها لقضية شائكة وعلى قدر كبير من الأهمية في عصرنا هذا، أقصد قضية الإرهاب الديني أو الإرهاب باسم الدين. وتكمن القيمة المعرفية لهذا العمل من الناحية النظرية في الاطلاع الواسع على التراث العربي الإسلامي، فلاسفة الإسلام وعلماء الكلام والفقهاء...إلخ، وتوظيفها في تأكيد أو دحض الأطروحات الواردة في الكتاب، واستلهامه لمفاهيم الفكر الغربي وأطروحاته، كالوعي الشقي والاستلاب والوجود والعدم والطوباوية والصراع الطبقي وانفصام الشخصية واليأس والإحباط والتدمير والعدوان والوهم...إلخ، كما اتخذ من السؤال والنقد منهجًا لهدم المعتقدات الخاطئة في الفكر الأصولي وكشف مزاعمه وادعاءاته، ويعتبر مؤلف الكتاب الدكتور سليم رضوان من المثقفين العضويين إذ كرس حياته للعمل النضالي والحقوقي، إنه مفكر ملتزم بالدفاع عن القضايا الإنسانية العادلة.