الْكآبَةُ والْإِبْدَاعُ: يُوهَان ڤُولْفْغَانْغْ ڤُون غُوتَه نَمُوذَجاً

فئة :  ترجمات

الْكآبَةُ والْإِبْدَاعُ: يُوهَان ڤُولْفْغَانْغْ ڤُون غُوتَه نَمُوذَجاً

الْكآبَةُ والْإِبْدَاعُ: يُوهَان ڤُولْفْغَانْغْ ڤُون غُوتَه نَمُوذَجاً

تأليف: رَايْنُرْ مَاثْيَاسْ هُولْمْ-هَادُولاَ[1]،

ومَارْتنْ رُوسِيل[2]، وفْرَانْك-هَاغْن هُوفْمَان[3]

تقديم وترجمة: الدكتور أحمد فريحي[4]

تقديم:

لمَّا نقرأُ أو نستمتعُ بالأعمالِ الفَنيةِ لكبار المُبدعين، سواءٌ كانت أشعاراً مَوزونةً، أو قصصاً مروية، أو رواياتٍ محكية، أو منحوتاتٍ مصقولة، أو لوحَاتٍ معبرة، أو كتب فلسفية...فإنَّنا لا نكترثُ بما عَاناه هؤلاء المُبدعون، وقدْ لا نهتمُّ بحياتهِم وآلامهم بالقدر الَّذي نهتمُ بأعمالهم. كما لا يخطرُ على بالِنا أنَّ السِّر وراء هذا الإبداع قد يرجعُ إلى عواملَ نفسيةٍ مِلؤُها الكآبة، والحُزن، والضَّجر، والألم، أو قد يكون فرارًا من الحُمق أو الانتحار. إنَّنا نجد حياةَ العديد من المبدعين على مر التَّاريخ مليئة بالمآسي والأحزان، وقد أشار إلى ذلك أرسطو وتلميذه ثيوفراست اللذان استغربا من كونِ المُبدعين يعانون من الكآبة، وليس هذا الاستغراب في غير محله، فالكآبة صاحبتْ جلَّ المبدعين في الأدبِ، والفلسفة، والفنِ في الفترة المُعاصرة. يتجلى ذلك في حياة الرَّسام الهُولندي ڤان غوخ Vincent Willem Van Gogh (1853-1890)، الَّذي كان يعاني من اكتئابٍ حاد، أدى به إلى قطعِ إحدى أذنيه، وإطلاق النَّار على نفسه في أزهى مرحلة من تطوره الفني، كما لا ننسى أنَّه زارَ مستشفى الأمراض العقلية في غير ما مرة؛[5] ويتجلى ذلك في المُعاناة النَّفسية الَّتي عاشها الرِّوائي الرُّوسي فيودور دوستويڤسكي Fyodor Mikhailovich Dostoevsky (1821-1881) لمَّا كان أسيرا في سيبيريا، حيث كان يقضي عقوبة السجنية، بعد أن نجا من تنفيذ عقوبة الإعدام في حقه، ومعاناته بسبب وضعه الفقير، واستغلال الناشرين له، والتناقضات الَّتي كان يعيشها، والتي صور جزء منها في رواياته الخالدة؛ ويتجلى ذلك في الكآبة الَّتي خيَّمت على الشَّاعر الفرنسي ڤيكتور هيغو Victor Marie Hugo (1802-1885) بسبب موتِ عددٍ من أفراد أسرته؛ ويتجلى ذلك في حياة الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer (1788-1860)، الَّذي عانى من تقلباتِ في المِزاج، والَّذي ادعى أنَّه ورثه عن أبيه، والمعاناة الَّتي تسببت فيها أمه بعد موت أبيه، وكلُّ هذا تجلى في نظرته السَّوداوية للحياة، والَّتي اعتبرها مليئة بالمعاناة والشُّرور؛ ويتجلى ذلك في حياةِ نيتشه Friedrich Nietzsche (1844-1900)، الَّذي زار مستشفى الأمراض العقلية مرارًا، وعلى الرَّغم من أنَّ بعض الباحثين يردون مرضَه إلى مضاعفات مرض الزهري، إلاَّ أنَّ آخرين يردون جنونه إلى مرض عصبي حاد ناتجٍ عن طبيعة شخصيته العنيدة والمنفعلة، لأنَّه كان عدميا مطلقا؛ ويتجلى ذلك في حياة أونتونين أرتو Antonin Artaud (1896-1948)، الَّذي عانى كثيراً من نوبات الاكتئاب، وزار مرات مستشفى الأمراض العقلية، وكانَ مصاباً بمرضِ التِّجوال اللَّيلي؛ وتجلى ذلك في حياةِ الفيلسوف إميل سيوران Emil Cioran (1911-1995)، الَّذي عانى من الأرق الشَّديد، ممَّا دفعه مراتٍ عدة إلى الانتحار دون أنْ يُقدم على تنفيذه؛ وتجلى ذلك في حياةِ مارسيل پروست Marcel Proust (1871-1922)، الَّذي كان يعيشُ العزلة بسببِ مرض الرَّبو الَّذي أصيب به منذ صغره، ممَّا جعله ينام نهارًا، ويعملُ ليلا، لكي يزعجه ضجيج الناس؛ ويتجلى ذلك في مُعاناة إرنست همنغواي Ernest Himingway (1899-1961)، خلال الحروب الَّتي شارك فيها، وإصابته بانهيار عصبيّ لمَّا عَلم بضياع مخطوطاته...

إنَّ القائمة طويلة، ولا يمكنُ عرضُ حياةِ كلِّ المبدعين في هذا التَّقديم. لكن يجبُ علينا طرح مجموعة من الأسئلة الَّتي تبدو ضرورية لفهمِ هذا الموضوع المُعقد، والَّتي يمكن تحديدها في الأسئلة الآتية: كيفَ جمعَ هؤلاء بين المُعاناة النَّفسية والإبداع؟ وهل كان الإبداعُ بالنسبة إليهم نوع من العلاج؟ وهل كان هروباً ونسيان للكآبة؟ وهل هناك علاقة بين الكآبة والإبداع؟ وما الذي يُميِّز المُبدعين عن عامة الناس من حيث الإحساس والعاطفة؟ وهل يمكن تشخيص أنواع الأمراض النَّفسية والعقلية عند هؤلاء المُبدعين من خلال أعمالهم الإبداعية؟ وهل المقاربات الفلسفية قادرة على تفسير الأمراض النفسية لدى المبدعين؟

كلُّ هذه الأسئلة سنجدُ لها أجوبةً في هذه المقالة العلمية الَّتي قمنا بترجمتها إلى العربية، والَّتي تدرسُ حالةَ الشَّاعر، والعالم، والفيلسوف، والرِّوائي، ورجل الدَّولة الألماني يوهان ڤوفغانغ ڤون غوته Johann Wolfgang Von Goethe (1749-1832)، الَّذي عرضَ مُعاناتِه في كتاباته الأدبيةِ الأكثر شهرة، وفي رسائله الشَّخصية، وفيما كتب عنه من قبل المقربين له، ممَّا جعل أعماله الإبداعية، وما كتب عنه في حياته مادة خصبة لتشخيصِ حالتِه النَّفسية من قبل علماء متخصِّصين في الطِّب النَّفسي.

على الرّغم من قِصر هذه المقالة، فإنَّها مقالةٌ علميةٌ بحثة؛ لأنَّها نتاجٌ لثلاثةِ عقولٍ جامعيةٍ مُتخصِّصة: أستاذان جامعيان متخصصان في الطِّب وفي العلاج النَّفسي من جامعة هايدلبرغ بألمانيا، ولهما إلمام بالأمراض النَّفسية وبأعراضها المحددة؛ وأستاذٌ مُتخصِّص في الفلسفة من جامعة كولونيا بألمانيا.

ومادامَ الأمرُ يتعلق بالطِّب النَّفسي، فإنَّه يجبُ علينا تحديد مجموعة من المُصطلحات المتعلقة بالأمراض النَّفسية الواردة في المقالة، والَّتي نعرضها كالآتي:

أ- الاكتئاب Depression: هذا المُصطلح أساسيٌّ في المقالة، فالشَّخص الَّذي يعاني من الاكتئاب «يتصفُ بضعفِ المزاجِ، أو بفُقدان المتعة، أو بفُقدان الاهتمام بالأنشطة لفترات طويلة. ويختلفُ هذا عن التَّقلبات المِزاجية المُعتادة، ويختلف كذلك عن المَشاعر تجاه الحياة اليومية. وقد تستمر نوبات الاكتئاب مُعظم اليوم، لمدة أسبوعين على الأقل.».[6] وتتجلى أعراضُ الاكتئاب في كونه: «يُسبب شعورًا مستمرًّا بالحُزن، وبفُقدان الاهتمام. ويُسمَّى أيضًا اضطراب الاكتئاب الشَّديد أو الاكتئاب السَّريري، وقد يؤثر على الشُّعور، وعلى التَّفكير، وعلى السُّلوك، وقد يؤدي إلى مجموعة متعددةٍ من الاضطرابات العَاطفية والجسدية. كما قد يُواجه المُصاب به صعوبةً في القيام بالأنشطة اليومية الاعتيادية، وقد يشعرُ أحيانًا وكأنَّ الحياةَ لا تستحقُ أن تُعاش. إنَّ الاكتئاب ليس مجرد نوبةٍ من الحُزنِ، فهو ليس ضُعفًا، ولا يمكنُ للشَّخص التَّخلُّص منه ببساطة. وقد يتطلبُ علاجًا طويل الأمد. وقد يشعر مُعظم المصابين به بتحسن بالأدوية، أو بالعلاج النَّفسي، أو بكليهما.».[7]

ب- الكآبة السَّوداوية Melancholy: هذا المُصطلح أساسي كذلك في المقالة، ويسمَّى كذلك علميًّا بالاكتئاب السَّوداوي، وهو: «نوعٌ من الاكتئاب، وعادةً ما يكونُ حادًّا. وغالبًا ما تطالُ أعراضُه تباطؤًا في الكلام، وفي الأفكار، وفي الحَركات، هذا بالإضافة إلى فُقدان تامٍّ للاستمتاع بالأنشطة المُعتادة. وتشملُ العلاجات الفعالة له العلاج النَّفسي، ومُضادات الاكتئاب، والعلاج بالصَّدمات الكهربائية.».[8]

ت- الاضطراب ثنائي القطب Bipolar: هذا المصطلح مركزيٌّ، ومحوريٌّ في المقالة، وقد كان يسمَّى سابقا بالاكتئاب الهوسي، وهو من النَّاحية العلمية: «حالةٌ صحيةٌ نفسية، تُسبب تقلباتٍ مزاجيةٍ حادة. تشملُ هذه التقلبات ارتفاعاتٍ عاطفية، تُعرف أيضًا بالهَوس أو الهَوس الخَفيف، وبفتورٍ عاطفي، يُعرف أيضًا بالاكتئاب.».[9] ويجبُ الإشارة إلى أنَّ اضطراب ثنائي القطب ينقسم إلى نوعين:

النَّوع الأول: يكون «غالبًا ما يعاني الأشخاص المصابون به من نوبات من السلوك "المرتفع" أو "المبتهج" أو "الانفعالي" أو "النَّشط" للغاية (وتسمى هذه الحالات النوبات الهوسية) وفترات "الكآبة" أو "الحزن" أو "اللامبالاة" أو "اليأس" للغاية (وتسمى نوبات الاكتئاب).».[10]

النَّوع الثَّاني: وهو بيت القصيد في هذه المقالة؛ إذ: «يشخَّص اضطراب ثنائي القطب من النَّوع الثاني لمَّا يُعاني الشَّخص من نوباتِ اكتئابٍ، ونوباتِ هوسٍ خفيفٍ، ولا يعاني من نوبات الهَوس الكاملة المُصاحبة لاضطراب ثنائي القطب من النَّوع الأول. ومع ذلك، قد يُعاني بعض مرضى اضطراب ثنائي القطب من النَّوع الثَّاني من نوبات اكتئابٍ أطول مدة، وأكثر حِدة.».[11]

قد لا يتبيَّن لنا الفرق بين النَّوعين، لذلك جاء في تحديد الفرق بينهما من النَّاحية العلمية ما يلي: «قد يبدو الاضطراب ثنائي القُطب من النَّوع الأول والنَّوع الثاني متشابهين جدًّا. ولكن هناك فرق جوهري واحد بينهما: يُصاب المرضى بالنوع الأول بنوبة هوسٍ واحدة على الأقل خلالَ حياتهم، بينما لا يُصاب المرضى بالنَّوع الثاني بهذه النوبة. وخلال نوبةِ الهوس، يميل المصابون بالنَّوع الأول إلى المعاناة من أعراضٍ حادةٍ تُعيق حياتهم اليومية.»[12]

بناءً على تحديد هذه الأمراض النَّفسية، وتحديد أعراضِها، فما هو نوعُ المرض النَّفسي الَّذي عانى منه غوته؟ وما هي أعراضُه الَّتي صرَّح بها في أعماله الإبداعية؟ وكيفَ ارتبطَ الإبداعُ عنده بالإصابة بالمرض النَّفسي، إنْ اعتبرناه مريضا نفسيا حقا؟ إذا اعتبرنا غوته مصاباً بالاكتئاب، فهل هذا الاكتئاب لا يختلفُ عما يُسمى "اكتئاب الشاعر"، الَّذي كانَ ظاهرةً سائدة في عصره، الَّذي سُمِّي بعصر الحساسية؟ هل مارسَ غوته العلاج النَّفسي الذَّاتي بواسطة الإبداع والمُمارسة العملية؟ وبما أنَّه اشتغلَ في المجالين السِّياسي والاجتماعي، وقام برِحلات عدة، من أجل الدِّراسة، ومن أجل الاستمتاع، فهل ساعدَه هذا على الخروج من أزماته النَّفسية المُتكررة؟ هلْ غزارة الإنتاج الإبداعي عندَه ارتبطت بفترات المرض أم ارتبطت بمراحل الشُّعور بالرَّاحة والسُّرور؟ وبعبارة أوجز، ما هو نوعُ المرض النَّفسي الَّذي عانى منه غوته طول حياته، بناء على المَصادر العلمية الحالية في تحديد الأمراض النَّفسية، ومن خلال الأعراض الَّتي يشعر بها المريض؟ هل يمكنُ اعتبار مرض غوته مرضا إبداعيا وصحيا كما اعتقدَ طبيبُه النَّفسي الخاص، وكما اعتقد نيتشه من بعد؟

بقي أنْ نشيرَ إلى أنَّ أعمال غوته تم تناولُها من قبل الفلاسفة المعاصرين، وبالخصوص هانز غادامير، ويورغن هابرماس، وريتشارد رورتي، واستُعمل في دراستها منهجان: المنهج الهيرمينوتيقي (الذي يسعى إلى استنطاق النُّصوص الإبداعية عبر التَّأويل)، والمنهج الفينومينولوجي (الَّذي يدرس ظواهر الوعي). لكن مؤلفو هذه المقالة يُقرِّون بأهمية تينك المقاربتين، لكنَّهم يصرِّحون بقصورهما في تحديد تفسيرات سببية دقيقة من النَّاحية العلمية للظواهر النَّفسية التَّي عاشها غوته، والَّتي صرَّح بها هو نفسه في أعماله، وإنَّما تقفان عند حُدود بيان أسباب الفهم، والفعل التَّواصلي فقط. وهذا يبيِّن بوضوح أنَّ تحديد وتشخيص الأمراض النَّفسية التي عانى منها غوته في حياته، ومعرفة الطُّرق العلاجية الَّتي سلكها من أجلِ التَّعافي هي من اختصاص الطَّب النَّفسي فقط.

ما يمكن أنْ يُقال عن هذه المقالة يتلخَّص في كونها مقالة علمية تتبع سيرة غوته النَّفسية منذ الولادة حتَّى الوفاة، وفي كلِّ نوبة تصيبُه، ويعبِّر عنها في كتاباته، يتم استخلاص النتائج من منظور علمي جديد. ولكي لا نبوح بمضمونها كلِّه، نترك للقارئ القراءة والتَّعليق، وإنْ كانت هناك أخطاء ارتكبناها في الترجمة أو التَّعبير، فإنَّنا نرجو من القارئ تصحيحَها، وله الشُّكر الجزيل.

نصُّ المقالة المُترجَمة:

المَرجعية: لقدْ كانَ يوهان غوته من أكثر الشُّعراء، والعُلماء، ورجال الدَّولة إبداعًا على الإطلاق. لكنَّه عانى في حياته من تقلباتٍ مِزاجية حادة منذ أنْ كان سنه أربعة عشر. وتتميَّز أوصافُه للمشاعر، وللعواطف، وللحالات النَّفسية المرتبطة بالكآبة المزاجية والشَّعرية، وبنوبات الكآبة، وبنوبات الاكتئاب المُزمن، وبالإبداع، بدقتها وثرائها الفينومينولوجيين. ثم إنَّه، لا تزالُ استراتيجياته العلاجية الذَّاتية، وتحوُّله الذَّاتي في الأدب مثيرةً للاهتمام حتَّى اليوم في مجالِ علم الأمراض النَّفسية، وفي العلاج النَّفسي، وفي البحثِ الإبداعي.

المَنهج: لقدْ تمَّ تحليلُ تقييمات غوته الذَّاتية من خلال أعماله، ومن خلال رسائله، ومن خلال وصفه للآخرين انطلاقا منهجين، وهما: المنهج الفينومينولوجي، والمنهج الهيرمينوتيقي بناء على التَّصنيف النَّفسي الحالي، وعلى المعرفة النَّفسيَّة العِلاجية.

النَّتائج: لا تُعتبرُ تقلباتُ مزاج غوته، من منظور العلمي الحديث، تعبيراً عن "كآبة الشَّاعر" السَّائدة في عصره، وإنَّما هي مجردُ أعراض لنوباتِ اكتئاب. ويمكنُ تشخيصُ العديد من نوبات الاكتئاب المميزة، والَّتي اتسمت بمزاجٍ اكتئابي طويلِ الأمد، وبضعفٍ في الدَّافعية، وضعف الاهتمام، وبفقدان الثِّقة بالنَّفس، إلى جانب من الانطواء الاجتماعي، والمرض الجَسدي. ثم إنَّ غوته وصف اضطرابًا للمزاج يتوافقُ مع المفهوم الحديث الَّذي يسمَّى "الاكتئاب الانفعالي"، أو الاضطراب ثنائي القطب من النَّوع الثاني. لقد ارتبطتْ نوباتُ الكآبة عند غوته بالإبداع الشِّعري البارز، بيد أنَّه بدا في مراحل الإنتاج العلمي والسَّياسي مَحمياً من نوبات الكآبة.

الحُدود: إنَّ التَّحليلين الفينومينولوجي، والهرمنيوطيقي ليس بمقدرهما تقديم تفسيرات سببية، وإنَّما يقدمانِ أسبابَ الفهم، والفعل التَّواصلي فقط.

الخُلاصات: لقد بدا أنَّ فترة الحضانة الشِّعرية، والتَّنوير، والتَّوسع، في حياة غوته، ارتبطت بالتَّغيرات النَّفسية وبالاكتئاب، وارتبطت أحيانًا بنوبات الكآبة بالمعنى السَّريري. وعليه، فقد كان العمل الإبداعي عنده مدفوعًا بحالات من الكآبة والاكتئاب، من جهة، وساعده على التَّعامل مع هذه الحالات من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى مساعدته على التَّغلب على الميول الانتحارية. وتبعا لهذه النتائج التَّجريبية الحديثة، فإنَّ أنشطة غوته العلمية، والاجتماعية، وإنجازاته ارتبطت بالرَّفاهية الشَّخصية، وارتبطت كذلك بنقص في الإلهام الشِّعري.

1. تقديم:

[1] لا يزالُ السُّؤال القديمُ، الَّذي طرحَه ثيوفراست[13]، والمنسوب إلى أرسطو مطروحاً في الطِّب النَّفسي الحديث، ومفادُه: «لمَ كلُّ أولئكَ الَّذين أصبحوا رواداً في الفلسفة، أو في السِّياسة، أو في الشَّعر، أو في الفُنون مُصابون بالكآبة، حتَّى وصلَ الحدُ ببعضهم إلى الإصابة بأمراضٍ تُسببها المَرارة السَّوداء[14]؟». لقد فحَص أكيسكال[15] مسألة ما إذا كانَ مفهومُ الإبداع الَّذي ظهر عند الإغريق القُدماء ينطبقُ على المِزاج الكئيبِ أو على الاضطراباتِ ثنائية القُطب الَّتي اكتشف في الفترة الحديثة. وقد خلصَ في بحثه إلى أنَّ هناكَ شكلًا مُخففًا من المزاج ثنائي القطب يرتبط بالإبداعِ. ويبدو أنَّ هذا المفهومَ مُدرجٌ بالفعل في تصوُّر كلٍّ من أرسطو وثيوفراست، إذ قال الأخير: «قد يُنعم على المُتفوقين في الفُنون... تأثيرٌ مزاجي... لا هو بالحار جدًّا... ولا هو بالبارد جدًّا، وإنَّما هو مناسبٌ لهم تمامًا ».[16] وفي هذا الصَّدد، يرى كلٌّ من أندرياسن وكانتر[17] أنَّ المصابين باضطراب المِزاج ثنائي القطب، لهم إبداعٌ مُتزايدٌ، وقد يكونوا "أكثر صحة" من الأشخاص العاديين. ويمكنُ إيجادُ هذا التَّوجه الفكري في مفهوم الكآبة في الجَماليات الأوروبية للعبقرية في أواخر القرن الثَّامن عشر وبدايةِ القرن التَّاسع عشر[18]، وكذلك في الطِّب الرُّومانسي. وقد تحدَّثَ كارل غوستاف كاروس[19]، آخر أطباء غوته، عن "مرض غوته الصِّحي"، في الوقت الَّذي تحدَّث فيه نيتشه عن "تحسُّن الصِّحة" للمُصابين بالإبداع.[20] لقد أوضحَ ريتشاردز ومن معه أنَّ الأقاربَ الأصحاء لمرضى اضطراب ثنائي القطب أكثرُ نجاحًا في العملِ كمجموعة ضابطة.[21] ومع ذلك، وجدَ كلٌّ مِن غودوين وجاميسون أنَّ اضطراباتِ الهَوَس الاكتئابي السَّريرية أقلُّ شيوعًا عندَ الأشخاصِ المُبدعين بالمقارنة مع عامة النَّاس.[22] كما بيَّن لودفيغ أنَّ الاستقرارَ النَّفسي للمُبدعين البارزين يعتمدُ جزئيًّا على المَجال الَّذي يعملون فيه.[23] ووجدوا أنَّ العلماء المُبدعين البارزين، والناشطين الاجتماعيين والاقتصاديين، وكتابُ المَقالات يعانون من اضطراباتٍ عَقليةٍ أقل بالمقارنةً مع عامة النَّاس. وفي المقابل، يُعاني الشُّعراء من نوباتِ اكتئاب أكثر بثلاثٍ مرات بالمُقارنة مع عامة النَّاس، وينتحرونَ أكثر بثلاثِ مراتٍ بالمُقارنةً مع عامة النَّاس. إنَّ أوصاف غوته للمزاج الاكتئابي واستراتيجياته في التَّعامل معه في أوقات النَّشاط الشِّعري، وكذلك في أوقات النَّشاط العلمي والسِّياسي، تشكِّلُ دراسة حالةٍ ممتازة لهذا الرَّبط الخاص.

2. المَناهجُ

[2] لقد تم تحليل تقييمات غوته الذاتية ووصفه للآخرين باستعمالِ منهجين: منهج فينومينولوجي، ومنهج هيرمينوتيقي يستندان على منظور التَّصنيف النَّفسي الحالي.[24] وفيما يتعلقُ بحدود التَّحليل الفينومينولوجي، وحدود الفهم الهيرمينوتيقي،[25] تبدو هذه المقاربة كافية للإجابة عن الأسئلة المذكورة أعلاه، والَّتي تُعدّ بالغة الأهمية للعلاج النَّفسي عامة، وللعلاج النَّفسي عند المرضى المبدعين البارزين على وجه الخصوص. لا تُقدِّم كتاباتُ غوته ربطاً سببيا أو علاقة حتمية بين الاضطرابات العقلية والإبداع، وإنَّما تُخبرنا عن تحوُّل الذاتِ بوصفها عملية إبداعية. ويبدو أنَّ هناك ثلاثةُ مظاهر لهذا التَّحول الَّتي تعتبر مهمة، وهي: المظهر الأول، الَّذي يتجلى في الجوانب الأدبية الَّتي من شأنها أنْ تُفضي إلى فهمٍ مُحدَّد لشِعرية غوته الأدبية؛ والمظهر الثاني، الذي يتعلق بالجَوانب الاجتماعية التَّي تدعِّم فهمَ الأدبِ (بالمعنى الواسع للأدب الَّذي يطالُ حتَّى الرَّسائل الَّتي كتبها) بوصفه جزءًا من عمليةٍ اجتماعية حاصلة بين أفرادِ المجتمع؛ والمظهر الثالث، الَّذي يرتبطُ بالمجالِ العِلاجي الَّذي يندرجُ ضمن الجوانبِ الإبداعية في كتابات غوته. ومنَ الأمورِ الَّتي تكتسي أهميةً خاصة في هذا المحور الأخير تتجلى في تحليل حياة غوته وأعمالِه؛ لأنَّه وصفَ الأفكارَ الكئيبة، ووصفَ نوبات الاكتئاب، ووصفَ نوباتِ الاكتئاب المُزمن، ووصفَ العملياتِ الإبداعية، ووصفَ أنشطة العلاج الذَّاتي على نحو يبدو بعيد المنال في يومنا هذا. يصلُ مجموع ألفاظ التَّواصل اليومي في يومنا هذا على حوالي أربع مائة كلمة، وهو ما يعادلُ تقريبًا عدد الكلمات الَّتي تستعملُها الصُّحف الشَّعبية القصيرة؛ بينما تستعملُ الصُّحف الأكثر تطورًا ما بين أربعة ألاف وخمسة ألاف كلمة. إلاَّ أنَّ، غوته استعملَ ما بين ثمانين ألف، وتسعين ألف كلمة لوصف تجاربه ومشاعره، ثم إنَّ أقرانه - ابتداءً من جدته، وأمه، وأبيه، وأخته، وصولًا إلى عُشاقه، وأصدقائه، وزملائه – قدموا رواياتٍ مُفصَّلةٍ عن مشاعره، وأفكاره، وسلوكياته. لقد كانَ هذا ممكنًا؛ لأنَّه عاش في عصر الحَسَاسية،[26] إذ كانَ التَّعبير عن الأحاسيس، وعن الأفكار، وعن التَّجارب الدَّاخلية من الأمور الَّتي دُرّبَ عليها على نحو لمْ يسبق له مثيل. ومع ذلك، نجدُ في رسائلِه وأعمالِه أفضل ما صوّر عن حُزن الشَّاعر، وعن مزاجه الاكتئابي، وعن اضطرابَه النَّفسي. لقد بيَّن غوته بتفصيل عميق حالات مزاجه الاكتئابي، وأفكارِه الانتحارية، بالإضافة إلى استراتيجياته الإبداعية والعلاجية الذاتية، وذلك واضحٌ في رواية "آلام ڤيرتر"[27]، ومسرحية "فاوست".[28]

[3] بالموازاة مع ذلك، برزَ غوته في مجالات متنوعة للغاية، ويمكننا دراسة مشاعره في مراحل النَّشاط الشِّعري، وفي النَّشاطين العلمي والسِّياسي. كما نجدُ معلومات غزيرة حول علاقة اضطرابات المزاج بالمراحل الخمس للعملية الإبداعية، وهي: مرحلة الإعداد، ومرجلة الحضانة، ومرحلة الإلهام، ومرحلة التَّحقق، ومرحلة التَّحقيق.[29]

3. سوابقُ أمراضِ غوتَه، نوباتُ الاكتئابِ والاكتئابُ المُزمن

[4] لا يُعرَف عنْ عائلة غوته أيَّ اضطراباتٍ عاطفيةٍ، أو اضطرابات نفسية أخرى باستثناء أخته. لقدْ أُصيبَ والدُه في شيخوخته بسكتةٍ دماغيةٍ، وظلّ مريضًا في منزله لسنواتٍ عدة. وقبلَ إصابتِه بالسَّكتة الدِّماغية، كانَ رجلاً مُلتزمًا ومُتحفظًا، ويسعى إلى تحقيق ذاتِه عن طريق تربيةِ أبنائِه، ورعايةِ موهبةِ ابنِه في صِغره دونَ غبطةٍ. أمَّا والدتُه، فقدْ كانت- على حد علمنا - سليمةً من الأمراضِ النَّفسية أيضًا، وكانت مُتحمسةً، لكنَّها هادئةُ الطِّباع نسبيًّا، وذاتُ عقلٍ مَرحٍ. بَيْدَ أنَّ أختَه،[30] الَّتي كانتْ سنداً له منذ الطُّفولة المُبكرة، أحسَت بمرضٍ جَسديٍّ خلالَ حَملِها الأول، وعانتْ من اكتئابِ ما بعد الولادة لأشهرٍ عدة، وتعافتْ بواسطةِ العلاج النَّفسي من قِبلِ طبيبٍ.[31] لكن خلالَ حمْلها الثاني، تكرَّرت الأعراضُ نفسُها عليها، وتوفيت بعد بضعة أشهرٍ من ولادتها الثَّانية، ممَّا شكلَ ضربةً موجعةً لأخيها غوته.

[5] أمَّا فيما يتعلقُ بصاحبنا غوته، فقدْ سُجِّلت مُضاعفاتٌ كبيرة أثناءَ ولادتِه، وبدا أنَّه وُلد مَيتًا منذ البداية. لكنَّ عمليات الإنعاش المُتكررة أدت إلى تنفُسه وجعله حيًّا. لقدْ أولى غوته أهميةً كبيرةً لهذه التَّجربة المتعلقة بالولادة في سيرته الذَّاتية الأدبية الَّتي عنوانها: "الشِّعر والحقيقة"[32]، حيث انشغلَ بمواضيع الولادة وتطوُّره الشَّخصيِّ، والإبداعيِّ في ظل الإحساس بالألم، وتهديد الحياة بالموت طوال حياتِه. فلمَّا كان رضيعًا، عانى من قلقٍ غير عادي. ووصف هذه الحال بضمير الغائب بقوله: "... كيفَ كانَ يرى أحلاماً مُخيفة، وهو ذو تسعة أسابيع، وكيف كانُ الجَد، وكانت الجَدة، وكانت الأمُ، وكان الأبُ، وكانتِ المرضعةُ يلتفونَ حول مهدِه ويستمعونَ، وما بدت على وجهه من حركات قوية، وعندَ استيقاظِه، يغرقُ في بكاءٍ حزينٍ، وكثيرًا ما كان يصرخُ بشدةٍ حتَّى تنقطعُ أنفاسُه، وكثيراً ما كان والداه يقلقانِ على حياتِه...".[33]

[6] وبعد الولادة الصَّعبة، وبعد الأشهر الأولى من القلق الشَّديد، لمْ تخلُ علاقةُ غوته بأمِّه من الرَّفض ومن التَّهديد. فبعد ستةِ أشهرٍ من ولادته، حملتْ أمه كاثرينا إليزابيث[34] مجدَّدًا، وأولت العناية لأخته كورنيليا المولودة حديثا، ووجهت كلَّ اهتمامها لها وأهملته. وكان الأبُ والجدة يحتضنان يوهان غوته الصَّغير ويساندانه في تجاوز الانفصال عن أمه، الَّتي لم تعد مُتاحة له. ومع ذلك، خلّفت هذه الخسارة ندوبًا في صورةِ مخاوف من الانفصالِ، وخلَّفت كذلك محاولاتٍ إبداعيةٍ للتأقلمِ مع هذا الوضع. وعلى الرَّغم من أنَّ انفصالَه المُبكر عن والدته كان مُؤلمًا، إلاَّ أنَّه غذّى خيالَه في نفس الوقت. وبعد وفاة أخته، تُوفي خمسةُ أطفال آخرين من إخوته في طفولتهم المُبكرة. توفي أكبرهم، هيرمان جاكوب،[35] في سن السَّابعة لمَّا كان غوته في العاشرة. وفي الوقت الَّذي كانتِ العائلةُ في حِداد عنه، انزوى غوته في غرفته، وبدأ الكتابة نعياً لأخيه الرَّاحل.[36]

[7] لقد كانت أولُ نوبة اكتئابِ، والَّتي كان غوته على وعي بها، قد حدثت لمَّا كان في سن الرَّابعة عشرة. بعد محاولاته الجنسية الأولى، وحُبه غير المُتبادل، واستفساراتِه المُحرجة من السُّلطات، فكانَ منزعجًا لأسابيع عدة، وقد انسحبَ من أنشطتِه الاجتماعية المعتادة، ورفضَ تناوُل الطَّعام. حتَّى بلغ الحدُ بوالديه أنِ استأجرا شابًا لمُرافقته طوال الوقت خوفًا من أنْ يُؤذي نفسه. وفي الأخير، تمامًا كما حدث مع نوبات الاكتئاب الَّتي لم تصبه بعد، أصيبَ بمرض جسدي. يصفُه في سيرته الذاتية: "الشِّعر والحقيقة"، كالآتي: «لقد أعلنتُ في الوقت نفسه أنَّني [...] سأسببُ لنفسي ضررًا، ولا ينبغي لأحدٍ أنْ يمنعني. [...] إنَّني لمْ أشعرِ الآن بأيِّ رضا سوى في مضغِ بؤسي، وفي مضاعفةٍ خياليةٍ له ألف مرة. لقد ألقتْ كلُّ قدراتي الإبداعية، وكلُّ شعري وبلاغتي، بنفسها في هذا المكانِ المريض، وهدَّدت، بفضل هذه الحيوية تحديدًا، بإقحامِ الجسد والرُّوح في داءٍ عضالٍ. في هذه الحال، لم يعدْ هناك ما يبدو لي جديرًا بالاهتمام أو مرغوبًا فيه [...] وهكذا قضيتُ اللَّيلَ والنَّهار في قلقٍ شديدٍ، وفي هذيانٍ وكسلٍ، حتَّى شعرتُ بالسَّعادة أخيرًا لمَّا استولى عليّ مرضٌ جسديٌّ بعنفٍ شديدٍ [...] وكان لديّ وقتٌ كافٍ لأُعذِّبَ نفسي بتصوير أغرب قصةِ حبٍّ للأحداثِ الحزينة، ولكارثةٍ مأساويةٍ حتميةٍ».[37]

[8] وخلال سنوات دراستِه في جامعة لايبزيغ،[38] والَّتي التحقَ بها في السَّادسة عشرة والنِّصف من عمره، عانى غوته من نوبةِ اكتئابٍ مرة أخرى. وبعدَ مُغادرته مدينة فرانكفورت إلى لايبزيغ عام 1865، شعر بالسَّعادة في البداية، وكثيرًا ما كانت الرَّسائل الَّتي كتبها لأخته تحكي عن ميولَه الشِّعرية بأسلوبٍ صاخبٍ ومُبهج. لكن سرعان ما بدأ مزاجُه يتراجعُ، واعترفَ لأخته بأنَّه كثيرًا ما كانَ يشعرُ بالكآبة. وفي أول مساءٍ من عيد الفصح من سنة 1766، كتبَ لأخته ما يلي: «إنَّني كثيرًا ما أصابُ بالكآبة. ولا أعرفُ من أين تأتي هذه الكآبة. ثم أراقبُ الجميع بوجهٍ جامدٍ كالبومة. [...] ثم يُخيِّم ظلامٌ على روحي. إنَّه ظلامٌ دامسٌ مثله كمثل ضبابِ شهر أكتوبر».[39] يبدو أنَّ حُزنه ليسَ سلوكًا شعريًا، وإنَّما هو حالة اكتئاب حقيقيةٍ وشديدةٍ، تطالُ فقدانَ الدَّافع، والانطواءِ الاجتماعي، والعبوس، واليأس. وقد عبَّر عن ذلك بقصيدةٍ شعرية بيانية موجزة أرفقها بالرِّسالة المذكورة أعلاه، يُعرِبُ فيها عن أسفه لمشاكلهِ العميقة في تقدير الذَّات، بالإضافة إلى يأسِه. ويُصرّح بأنَّه لا يجدُ في نفسه "شرارة قيمة" واحدة. وتُحاصرُه الشُّكوك حول كلِّ شيءٍ، وخاصةً حول موهبتِه الأدبية، ويُخبرُ صديقَه بيهريش[40] أنَّه يشعُر كأنَّه "دودةً في الغبار"، وهو يُراقبُ نسر الشِّعر في علوٍّ شاهق. لقد تدهورت صحتُه الجسدية بسرعة في صيف عام 1768. وفي شهر يوليوز، أصيبَ بنزيفٍ، سبَّبه مرضُ السُّل على الغالب. وقد رعاه أصدقاؤُه في لايبزيغ لبضعة أسابيع حتَّى بدأ رحلة عودته إلى مسقطِ رأسه في مدينة فرانكفورت في يوم عيد ميلاده التاسع عشر. وفي شهر شتنبر من سنة 1768، كتب إلى صديقٍ له ما يلي: «[...] ومع ذلك، فإنَّني لا أفهم نفسي... دون شوقٍ، ودون ألمٍ، ودون فرحٍ، ودون ذكرى... إنَّني أعلم أنَّني أحبكَ؛ ومع ذلك لا أستطيعُ الشُّعور بهذا الحُب، وعليّ أنْ أخبرَ نفسي به أولًا. وهذه هي الحالُ معَ كلِّ شيء. إنَّ حبي، هذا الشَّغفُ المشؤوم، الَّذي كلّفني غاليًا جدًّا، غاليًا جدًّا لدرجة أنَّني لن أنساهُ أبدًا، إنَّه دفينٌ، دفينٌ عميقًا في ذاكرتي، ومغطىً ببرودة التَّبدد، وأفكر فيه أحيانًا، بلا مبالاة مطلقة... إنَّ ظروفي غريبة جدًّا، لدرجة أنَّني لا أستطيعُ الكتابة إلاَّ من باب الالتزام، وليسَ من باب الصَّداقة؛ لأنَّي أقسمُ لكَ أنَّ الكتابة نفسَها قد فسدَت [...]».[41] في هذه الرِّسالة، يصفُ غوته أعراضَ الاكتئاب النَّموذجية. إنَّه يواجِه مشاعره بلا مبالاة، ويصفُ شعوره المُميَّز بالخَدر، ويشعرُ بالخمولِ، وقلةِ الحماس. وحتَّى عاداتِه اليومية، ككتابةِ الرَّسائل، بدتْ صعبة عليه على نحو لا يُوصف. إنَّه كذلك، يتخلى عن الأنشطةِ الاجتماعية، ويشرع في تأملِ هزائمه.

[9] يبدو، على نحو موجز، أنَّ هذه نوبة اكتئابٍ عميقةٍ وطويلة الأمد. وفي أعقاب حبٍ آخر من طرف واحدٍ، عانى غوته لأكثر من سنة من نوبة اكتئابٍ مصحوبةٍ بأفكارٍ انتحارية. وليس لدينا أيُّ دليلٍ على أنَّ كآبة غوته كانت مرتبطًا بأيِّ شكل من أشكال بما يسمى "كآبة الشَّاعر" الَّتي كانت معروفة في زمانه. وفي استعادة للماضي، وصفَ غوته حالته على النَّحو الآتي: «لقد جلبتُ معي بالفعلِ لمسةً من الوسواس القهريِّ من المَنزل، والَّتي، في هذه الحياةِ الجديدة المُستقرة والمتكئة، ازدادتْ بدلاً من أنْ تخِف. لقد أصابَني الألمُ في الصَّدر، الَّذي كنتُ أشعر به من وقت لآخر منذ حادثِ أويرشتات، والَّذي ازداد بشكلٍ ملحوظ بعد السُّقوط من على ظهر فرس، وبسبب الاكتئاب. وبسببِ نظام غذائي غير مُلائم، دمَّرتُ قدرتي على الهَضم؛ وأربكتني بيرة ميرسيبورغ الثَّقيلة؛ أمَّا القهوة، الَّتي أضفت عليّ نبرةَ كئيبة وغريبة، خاصةً عند تناولها مع الحليبِ بعد العشاء، لقد شلَّتْ أمعائي، وبدا أنَّها تُعطل وظائفَها تمامًا، ممَّا جعلني أشعرُ بقلقٍ شديدٍ، دون أنْ أتمكنَ من اتخاذِ قرارٍ بنهج نمطِ حياة أكثر عقلانية. لقد تقلَّبَ مزاجي، مدعومًا بقوة شبابي الكافية، بين طرفي نقيضٍ من البهجةِ الجامحة، والضَّيق الكئيب».[42] وبعد عودته إلى منزل والديه في شهر غشت سنة 1768، بدأ يتعافى تدريجيًّا، ولمْ يتمكن من مُواصلة دراسته في ستراسبورغ[43] إلاَّ في شهر مايو من سنة 1770. هناك، حيثُ كان يشعر بتحسُّن، لكنَّه مع ذلك، عند عودته إلى والديه بعد عام، كانَ لا يزالُ في حالٍ من عدم الاستقرار، و"بدا عليه إرهاقٌ شديدٌ، ولمْ يكن دليلًا قاطعًا على تأثيره على صِحتِه العقلية".[44]

[9] وخلال إقامته الَّتي استمرت خمسة أشهر في البلاط، في بلدة فتسلار الصغيرة[45] سنة 1772، انخرط في حبٍ جديد وميؤوسٍ منه، وبعد الانفصال الحاسم، بدأت نوبة اكتئابٍ جديدة تظهر عليه. لقد سجلت خطيبته وحبيبته محادثة تدورُ حول مواضيعَ سوداوية مثل الوداع والموت بقولها: «لقد أجرينا أنا ولوتشن[46] محادثةً غريبة حول المعاد بعد هذه الحياة، وعن المغادرة والعودة [...] واتفقنا على أنَّ من يموتُ منا أولاً يجبُ أنْ يقدِّم، إنْ أمكن، معلوماتٍ عن حال تلك الحياة التي للأحياء. وأصبح غوته محبطًا تمامًا [...]».[47] وفي صباح اليوم التالي لهذه المحادثة، غادر غوته فتسلار على عجل، وأرسل إليها الرسالة الأتية: «لقدْ كنتُ هادئًا للغاية، لكنَّ محادثتك مزقتني. ففي هذه اللَّحظة، لا يمكنني أن أقول لك أيَّ شيءٍ سوى كلمة: وداعًا. ولو بقيتُ معكِ للحظة أخرى، لمَّا تأخرت. والآن أنا وحدي، وغدًا سأرحلُ لوحدي. يا لرأسي المسكين».[48] وبنفس القدر من الانفعالِ، كتب في اليوم نفسه إلى حبيبته لوتي: «أنا الآن وحدي، وقد أبكي، وسأترككُم سعداء، وأرحل عن قلوبكم... إنَّني لا أستطيعُ الاستمرار.».[49] لقد وصلَ غوته إلى الحضيض، وغرقَ في أفكارٍ انتحارية. وفي خريف سنة 1772، وصلَ إلى مدينة فرانكفورت مرة أخرى، وهو لا يزالُ يعاني من الحُب غير المتبادل. ورحبتْ به عائلُته مرة أخرى، لكنَّه عانى من ضائقةٍ شديدةٍ لأشهر عدة، وتخلى عن الأنشطة الاجتماعية، وانشغلَ بالأفول والموت. ومع ذلك، بدأتْ مرحلةٌ من الإبداع الشِّعري الاستثنائي، والَّتي بلغتْ ذروتها في رواية "آلام ڤيرتر". إنَّه لم يكتبها قبل فبراير 1774، بعد مرحلة حضانة مفرطة [مرحلة سابقة للمرض] استمرت ما يقربُ من سنة ونصف، وفي أربعة أسابيع فقط "كان كالسائر أثناء النوم". فمن خلال رواية "آلام ڤيرتر"، شعر أنَّه نجا من "براثن الموت"، وبعد سنوات، كتبَ في رسالة إلى صديقٍ انتحر ابنُ زوجتِه قوله: «لمَّا يسيطرُ "ملل الحياة" على الإنسان، لا ينبغي أنْ نحزن عليه، ولا أنْ نؤنبه. إنَّ حقيقة أنَّ جميع أعراض هذا المرض الغريبِ، الطبيعي منها وغير الطبيعي على حد سواء، لقد انتشرتْ ذاتَ يوم في أعماقي، ولا تدع مجالاً للشك في أنَّ رواية "آلام ڤيرتر" قد أصابتني. إنَّني أعرفُ جيدًا العزيمة والجُهد اللذان بذَلتُهما حينها للهُروب من مَخالب الموتِ، تمامًا كما أنقذتُ نفسي بصعوبة من حطامِ السُّفنِ لاحقًا، وتعافيت بشق الأنفُس».[50] وبعد أنْ شعر غوته بأنَّه قد نجا من "براثن الموت" عبر كتابة رواية "آلام ڤيرتر"، وبعد مرور عام من الإنتاج والإبداع الاستثنائيين (مثل إكمال مسرحية "فاوست")، حدَث له انهيارٌ عصبيٌّ حاد مرة أخرى، والَّذي أثارَه ارتباطُه بالفتاة ليلي شونيمان[51] الجميلة والمُخلصة. إنَّه لمْ يشعر بأنَّه مستعدٌ لهذه العلاقة، وندِمَ على افتقارِه للأصالة، وانزلقَ إلى حال من اليأس المُربِك. لقد كانتِ الرِّسالة الَّتي كتبها إلى راهبةٍ تعيشُ في ديرٍ على بعد مئاتِ الأميال، في الوقت الَّذي كانت فيه ليلي المُجاورة له ترتدي ملابسها لحفلِ التَّخرج، وهي مثيرة للإعجاب، لقد كتب للراهبة ما يلي: «[...] ومع ذلك، فهذه الدُّموع، وهذا الاضطهاد! يا له من اضطراب. يا ليتني أستطيعُ أنْ أخبركِ بكلِّ شيء! فهنا، في غرفة الفتاة الَّتي تجعلُني تعساً، ليسَ بسبب خطأ ارتكبتَه، وإنَّما بروح ملاك، أزعج أيامي المشرقة – إنَّه أنا! [...] لقد أصبحْت ساذجاً كطفل، ومحصورًا كببغاء على المجثَم [...] ولا أجدُ جوًا للكتابة [...] لكنْ يا ملاكي، فأحيانًا، لمَّا يكون الألمُ أقوى، أصرخُ وأصرخ: صبرا يا هذا! صبرا! وتحمَّل الألم فإنه سيمر [...] فهذا الشَّغف سيُلقي بنا في النَّار، في هذه المحنة، وسنمد أيدينا حولنا ونتصرف، ونفعل، ونكون أبرارًا، ونُقادُ إلى حيث لنْ يكفي إحساسٌ بالصَّمت [...]يتغيَّر الأمر معي! مائة مرة في اليوم [...] وفي كثير من الأحيان، حتَّى آثار أعز الصَّداقة تكون رسائلَ ميتة بالنِّسبة إلي، لمَّا يكون قلبي أعمى وأصَم - يا ملاكي. إنَّها حال مُروعة للغاية من العبث. إنَّ السَّير في اللَّيل هو الجنة في مقابل العمى - اعذريني على هذا الضَّباب، وعلى كل حال[...] فإنَّني لنْ أتحملَ الأمر هنا لفترة أطول، ويجبُ علي أنْ أرحلَ [...] من المُستاء [...] أستَحلفُكِ بالله، لا تدعِ أحدًا يطلِّع على رسائلي».[52]

[10] تعتبر هذه الرِّسالة وثيقةً مؤثِّرة تتعلقُ بنضال غوته مع صراعاته الدَّاخلية. يُصوّر فيها مشاعر مؤلمة ومتناقضة، وينجحُ في النِّهاية في تجاوُز هذا الاضطراب من خلال الهُروب، ومن خلال العملِ، ومن خلال العلاقات العلاجية الَّتي سنعلق عليها لاحقًا. لقد استطاع غوته، على الأقل، التَّعافي بعد انفصاله عن ليلي، واستعاد شعوره بالثِّقة بالنَّفس، وبالتَّماسك من خلال عملِه في بلاط ڤايمار، حيث تولى منصبه أواخر سنة 1775. وبالإضافة إلى أدائه للواجبات السِّياسية والإدارية المتعددة، ساعدته علاقة حب أفلاطونية جديدة، بالإضافة إلى الرِّعاية التَّعليمية الَّتي حظي بها عند دوق ڤايمار[53] الشَّاب، والَّذي ساعده على إيجاد توازنٍ عاطفيٍّ أفضل. ومنحَه وضعُه المهني والاجتماعي شعورًا بأنَّه يقومَ بعمل له معنى وأهمية، وعزَّز ثقته بنفسه على نحو ملحوظ. قال عن هذه الظُّروف: «فلنقم بالأمور الصَّحيحة من الصَّباح إلى المساء، ولنضَع لأنفسنا تصوراتٍ واضحةٍ لعواقب الأمور. ولا نكونُ كمن يشكو من الصُّداع طول اليوم، ويحتسي الكثير من النَّبيذ كلَّ مساء [...]».[54]

[11] من اللافت للنظر أنَّ غوته كان مستقرًّا من النَّاحية النَّفسية إلى حد ما في هذه الفترة الأولى في ڤايمار، بينما ظن آخرون أنَّه "سيغرق" في عمله السِّياسي. توجد العديد من الوثائق الَّتي تُظهر أنَّه كان معافى من المزاج الاكتئابي في أوقات العمل السِّياسي أو العمل العلمي. وقبل رحلته الشَّهيرة إلى إيطاليا سنة 1786، أصيبَ باكتئاب جديد أعمق، عبّر عنه لاحقًا في مسرحية: "توركواتو تاسو".[55] وفي محادثة مع الشَّاعر إيكرمان[56] في مايو سنة 1827، أكدَّ فيه على جوانب السيرة الذاتية للمسرحية بقوله: «يمكنني أنْ أقول بحق عن روايتي: إنَّها عَظمٌ من عظامي، وشريحةٌ من لحمي».[57] يصوِّر غوته في مسرحية "تاسو" شاعرًا لا يستطيعُ إيجاد طريقه في الحياة داخلَ البلاط، ويدخلُ في يأسٍ عميق، ويفقدُ الأملَ ويدمِّر نفسه، ويواجهُ في النِّهاية خطر الإصابة بالذُّهان. وأخيرًا، يستطيع تاسو، تمامًا مثل غوته، التَّغلب على اكتئابه من خلال التَّواصل والإبداع الفني، قال قصيدة شعرية في هذا الباب: «شيءٌ واحد يبقى:/ لقد منحتنا الطَّبيعة،/ وصرخةُ الألم، ولمَّا يعجزُ الإنسان عن تحملها في النِّهاية - وفوقي -/ في الألمْ تركتْ لي لحنًا وكلامًا،/ لأبكي بأعمقَ اتساع محنتي:/ ولأنَّه لمَّا يصمتِ الإنسان في عذابه،/ أعطاني الله أنْ أعبِّر عن مُعاناتي».[58] إنَّ الهدفَ من قراءة هذا لا يتجلى في فهم مسرحية تاسو على أنَّها سيرة ذاتية تمامًا. يصوِّر غوته، على سبيل المثال، أنطونيو، خصم تاسو، جوانب مختلفة من نفسه. ولكنْ يمكننا أنْ نتعلَّم من الدّراما كيف عانى غوته من اكتئابه، ونتعلمَ كيف اكتشفَ طُرق التَّغلب على هذا الاكتئاب. وعليه، فإنَّ غوته لا ينتهي كما انتهى تاسو بالانتحار، وإنَّما يتمكن من التَّغلب على يأسه. ينقذ الإبداعُ الشِّعري غوته من عذابٍ يستنزف نفسه. وعلى عكس توركواتو تاسو الحقيقي الَّذي أصبح غير منتجٍ، وأصبح مضطربًا، وربما مجنونًا بعد النَّجاحات الأولى، تعلَّم غوته السَّيطرة على مزاجِه الاكتئابي فنيًا ومن خلال الشُّغل العملي.

[12] قد يتساءل المرء إنْ كان غوته قد ازدادَ ضيقًا قبل رحلته إلى إيطاليا، وأنَّ ذلك نتج عنه حاجة جديدة للإبداع الشِّعري، أم إنَّه تركَ نفسه ينزلقُ نحو أزمةٍ ليقترب من مصادره الشِّعرية مجدّدًا؟ ومن هذا المنظور، فغالبًا ما يتبادر إلى الذِّهن أنَّ غوته قد جسّد عواطفه غير المُتبادلة ليُصبح فاعلًا بالمعنى الشِّعري. لقد عاش رحلته إلى إيطاليا من سنة 1768 إلى سنة 1788 بوصفها "ولادة فنية جديدة". وفي الوقت نفسه، تكشفُ كلُّ الرَّسائل أنَّه كان تعسًا نوعًا ما، قال في إحداها: «لقد حاربتُ... الموتَ والحياة، ولا يوجدُ لسانٌ يعبِّر عمَّا حدث في داخلي، لقد أعادني هذا السُّقوط إلى ذاتي. - ولو فررت جسديًا وروحيًا، ولو تغلبتْ طبيعتي وروحي وحظي على هذه الأزمة، فإنَّني سأعوَضُ آلاف المرات عما يجبُ تعويضه».[59] ومثل شخصيته تاسو، بدأ يسبر أغوارَ تجارب الحدود الإنسانيةِ، كالاكتئاب والجنون. إنَّه يُصوّر تاسو فنانًا مُعرّضًا لخطرٍ داهمٍ، ولا يستطيعُ التَّغلّب على الكآبة واليأس إلاَّ بالإنتاج. ويُدركُ تاسو مخاطر الاكتئاب، ولا يُسلّم نفسَه لها، وإنَّما يُحاولُ التَّغلّب عليها، مُدركًا أنَّ الكآبة غالبًا ما تُؤدّي إلى الهلاكِ. إنّ تصوير غوته للشخصيات والصِّراعات يُمثّل، في هذا السِّياق، محاولةً للتغلّب على مشاكله وحلّها. فهو يُحاول التغلّبَ على حالات الاكتئاب، وعلى الصِّراعات، والجوانب المُهمّشة من ذاته، وإضفاء تداعياتٍ أدبية عليها في أعماله، في رواية "آلام ڤيرتر"، وفي مسرحية "تاسو"، وفي مسرحية "فاوست".

[13] وبعد شهرٍ واحدٍ من عودتِه من إيطاليا، بدأتْ فترةٌ طويلة من الاستقرار النَّفسي بعد بداية أولِ قصة حب له سنة، 1788 والَّتي استمرت حتَّى وفاة حبيبته 1816. وباستثناء كتابة ديوان شعره "المرثيات الرُّومانية"، كانَ غوته غير منتج بشكل ملحوظ في السَّنوات السَّعيدة التالية. ولمْ تظهر على رسائله أيُّ علامات استياء إلاَّ في بداية سنة 1794، لأنَّه شعر بالعزلة عن إبداعه الشِّعري بسبب رضاه عن الحياة، وبسبب انشغالاته السِّياسية والعلمية. ولمْ يتغير هذا إلاَّ بعد أنْ بدأت صداقتُه مع الشَّاعر الكبير شيلر[60] الَّتي كانت صداقة فريدة من نوعها فيما يتعلقُ بالإلهام والإبداع المتبادلين. لقد كتب إلى شيلر قوله: «لقد منحتني شبابًا ثانيًا، وجعلتني شاعرًا من جديد، وهو ما كنت على وشك التَّخلي عنه».[61]

[14] وفي صيف سنة 1798، أصيبَ غوته بالاكتئاب مرة أخرى وكتب بانفعال إلى شيلر أنَّ كل أنواع الإنتاج قد تركته. وأحس غوته، لعدة أشهر، بمزاج مكتئب، وتخلَّى عن الأنشطة الاجتماعية، ولكنه لا يزالُ يشعرُ بأنَّه قادرٌ على قرض بعض الشِّعر العظيم.[62] وفي يناير من سنة 1801، عانى من مرض جسديٍّ شديدٍ هدَّد حياته. وكان، على الأرجح، عدوى المُكورات العقدية بدأت في أسنانه أو في لوزتيه، وأدت إلى تعفن الدَّم، الَّذي أثر في دماغه أيضًا. لقد عاش غوته فترة نقاهة باعتبارها "ولادة جديدة"، وكأنَّه عاد من "موت محقق". لقد استمر المرض الحاد ينخره أسبوعين أو ثلاثة أسابيع فقط، لكنَّه احتاج إلى وقت طويلٍ لاستعادة توازنِه العاطفي والعقلي. وفي الصَّيف كان لا يزالُ يشعرُ بالاكتئاب، ومن اللافت للنظر أنَّه في أوقاتِ النَّقاهة، والمزاج الاكتئابي الَّذي أعقب ذلك، بدأ في نسج الشِّعر من جديد، وهذه المرة انكب على مسرحية "فاوست". وبدأت نوبةُ اكتئاب جديدة في خريف سنة 1802. وقد كتب عنه ڤيلهلم ڤون هومبولت[63] في شتنبر قوله: «لقد آلمني أسلوبُه في الحياة... إلى أقصى حد. إنَّه مزاج سيءٌ لا يمكنُ إنقاذ شخصيتِه منه، والتي تُحدِّدها الطَّبيعة أكثر من النِّية، إلاَّ على نحو عشوائي من خلالِ ظروف خارجيةٍ، أو نشاطٍ فكريٍّ داخلي يولد بداخلِه.».[64] يفترض بويل أنَّه أصيبَ بأعمق اكتئابٍ في حياته في يناير من سنة 1803. وقيلَ إنَّه لمْ يغادر منزلَه لسبعة أسابيع، وربما لمْ يغادر حتَّى غرفتَه، ويصرِّح صهره بقوله: «من المؤكد أنَّ المستشار الخاص (كناية عن غوته) كان مريضًا حقًا، وإنْ لم يكن ظاهريًا».[65] وتكتب كريستيان زوجة غوته إلى طبيب قولها: «إنَّني أعيش [...] في قلقٍ كبيرٍ بشأن المُستشار الخاص، فهو في بعض الأحيان يعاني من الوهم المَرضي، ويجبُ أنْ أتحمل كثيرًا، ومع ذلك فهو مرض، لذلك أفعل ذلك بكلِّ سرور [...]».[66] ورغم حالته الكئيبة، ومشاعر اليأس الَّتي انتابته، واصل العمل. وفي وحدة الاكتئاب، أكمل مسرحية "الأعمال الطَّبيعية". ويُقالُ إنَّه بكى بكاءً شديدًا أثناء قراءَته المسرحية أمام الممثلين، وبعدَ العرض الأول، لمْ يتحدثْ عنها إلاَّ والدُّموع تملأُ عينيْه.[67] ورغم أنَّ المسرحية تتناولُ الثَّورة الفرنسية، إلاَّ أنَّ موضوعَها يتطور من خلال فُقدان طفلٍ. ويفترضُ بويل أنَّ غوته اضطر إلى التَّخلي عن آخر أملٍ له في طفلٍ آخر وعائلةٍ أكبر. ومن المُحتمل أيضًا أنَّ الخسائر العديدة الَّتي مر بها قد تجلّت في ذِهنه، والَّذي استطاع من خلاله تحويلَها إلى فنٍ وجمال عن طريق إبداعه في التأوه. ثم إنه، نجح في استعمال "علاجه المنزلي القديم" للتغلب على الآلام النَّفسية والمِزاج الاكتئابي. وقد تحسنت حالتُه بالتَّدريج، وبعد تعافيه في شهر ماي، ذهب عنه إلهامه الشِّعري، وتوجَّه إلى الأمور العملية والعلمية.

[15] وفي شتاء سنة 1804، عانى غوته من مغصٍ كُلوي مُتكرر. اشتدَّت حِدَّتُه لدرجةٍ أنَّ المرء يخشي من شتدته على حياته. وفي أبريل سنة 1805، كتبتْ زوجتُه إلى صديقةٍ تبلغها أنَّ زوجَها لمْ يعد يتمتعُ "بصحة جيدة ولو لساعة واحدة"، وأنَّها لا تفارقُ التَّفكير في موتِه. وحتَّى شيلر لمْ يعد يحتملُ كآبة غوته. لقد شكلت وفاة شيلر في ماي سنة 1805 جُرحًا عميقًا في حياته. قال في هذا الصدد: «لقد توقعتُ أنْ أفقدَ نفسي، والآن أفقدُ صديقًا، وفيه نصفُ كياني».[68] لقد حزن غوته بشدة لوفاةِ شيلر. لقد أصبحَ مُضطربًا، وبالكاد استطاع التَّركيز على العمل، ورأى نفسَه في وضع ميؤوسٍ منه. لقد شعر بفراغٍ موجع، وانتكسَ مغصَه الكلوي. وبعد فترة وجيزة، عاد إلى علاجِه المنزليِّ القديم: أي أنْ ينغمسَ في العمل ويواصل حوارًا داخليًا مع شيلر "رغم الموت". وفي أبريل سنة 1806 أنهى الجزءَ الأول من مأساته الضَّخمة "فاوست".

[16] وإلى جانبِ عمله العملي والفَني، استعمل علاقاتٍ صغيرة، وأحيانًا علاقاتٍ "غير صغيرة"، للهروبِ من الاكتئاب. وبدا أنَّه يحتاجُ إلى هذه الغزليات اليائسة لتغذيةِ خياله الشِّعري. لكنَّه عاش قرابة ثلاثة عقود في كنفِ عائلة زوجيةٍ عاطفيةٍ حتَّى وفاة زوجتِه في يونيو سنة 1816. لقد كانت خسارةً فادحةً له؛ إذ طُرد من البقاء معها بسببِ الحُمَّى الشَّديدة، وتركَها وحيدةً في ساعاتِها الأخيرة. إضافةً إلى ذلك، منعَه خوفُه من المرضِ والمَوتِ من مواساتِها. وبعد وفاة زوجته كريستيان، لجأ إلى عمله العَملي. وانكبّ على واجباتِه في إدارة الدَّولة الدوقية. ولم تمضِ سوى بضع سنين حتَّى عادت إليه نهضةٌ شعريةٌ جديدة.

[17] وطالت هذا "الولادة الجديدة" التَّحول الفني لحبٍ آخر من طرفٍ واحد، واكتئابٍ عميق: ففي صيف سنة 1723، تحوّل العطف الأبوي تجاه أولريكه ڤون ليفيتزاو،[69] البالغةِ من العمر تسعة عشر عامًا، إلى عشق. وبعد الرَّفض من قبلها، شعرَ بخيبة أملٍ عميقةٍ وخجلٍ، وفي يأسِه ألّفَ "مرثية مارينبادر" الشهيرة.[70] وإلى جانب رواية "آلام ڤيرتر" وقصيدة "المصالحة[71] تشكّلت "ثلاثية الإلهام". ففي هذه الثلاثية، تتحققُ أوهامُ الاكتئاب والانتحار القديمة. ثم إنَّه، تمكّن من تحويلِ مُعاناته إلى جمالٍ خالدٍ من خلالِ ثقافةِ العمل الإبداعي والتَّذكر. لم يعد يقوم برِحلاتٍ، ولم يعد يغادر محيط فايمار مباشرةً، وإنَّما ظلّ مُنتجًا حتَّى وفاتِه. ويُظهر عملُه الأخير "رحلات فيلهلم مايسترز" أن كاتبًا جرب طريقًا طويلًا وشاقًا نحو النُّموّ الشَّخصيّ والتَّماسك، وهو الآن قادرٌ على بلورةِ مفاهيمِه الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية. ويصف، على سبيل المثال، خُططًا مفصَّلة لكيفية أنْ تؤدي الهجرةُ إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلى مجتمعٍ أفضل بقوله: «يا أمريكا، أنتِ في وضعٍ أفضل...».[72] وظلَّ من بعد يعمل على مسرحيته "فاوست" الَّتي رافقته لأكثر من ستين سنة، والَّتي تحمل العديد من الخصائص الذَّاتية من بينها الأيام الَّتي سبقت وفاتِه. وكما هو الحال في أعماله المُبكرة، فإنَّ رواياته ومسرحياته وقصائده المتأخرة تُعدّ أمثلة لا تُضاهى من حيث التَّعامل الإبداعي مع الخسارةِ، واليأسِ، والاكتئابِ. وبالموازاة مع أنشطته الإبداعية، استعمل غوته استراتيجيات علائقية، وسلوكية معرفية، وديناميكية نفسية ووجودية صريحة للتغلب على اضطرابِه العاطفي.[73]

4. مناقشة

[18] لقد تحدَّث صديق غوته، كارل غوستاف كاروس، الطَّبيب، والفنان، وفيلسوف الطَّبيعة، عن "أمراض صحية"، بينما شخّص الطَّبيب النَّفسي لانج-إيشباوم[74] غوته واعتبره مُصاباً بمرض الهَوس الاكتئابي. واقترحَ إرنست كريتشمر[75] وجود اعتلالٍ نفسيٍّ دوري، وهو ما يُضاهي في المُصطلحات الحديثة المتعلقة باضطراب المزاج ثنائي القطب الظرفي الأخف. واقترح الطَّبيب والمُحلل النَّفسي كورت روبرت آيسلر،[76] في دراسة مفصَّلة للغاية، وجود اضطرابٍ ذهانيٍّ من النَّوع الفُصامي. ولتلخيص نتائجنا، تجدرُ الإشارة إلى أنَّه من خلالِ حياة غوته، لم تُذكر أعراضُ الفُصام مطلقًا. ولا توجدُ أيضًا أيُّ تلميحات لمراحلِ الهوس، وخاصةً خلالَ الفترات الإبداعية. من جهة أخرى، يُلاحَظ المِزاج الاكتئابي، تبعا لنظام مُنظمة الصحة العالمية،[77] وفقدانِ الاهتمام، وقلةِ الفرح، واليأسِ، والمُتلازمة الجسدية، وقلةِ الدَّافع الَّتي تستمر لأكثر من أسبوعين، وغالبًا ما تتراوحُ من ثلاثة إلى ستة أشهر، سبع أو ثمان مرات. وخلال هذه المراحل، يتكرر الشُّعور بالذَّنب، وانعدام القيمة. بالإضافة إلى ذلك، كان غوته عرضةً لاضطرابات النَّبض. يقول في عقده السَّابع: «لطالما أشاد بي أحدُهم، لأنَّني محظوظٌ بشكلٍ خاص؛ ولنْ أندمَ على نفسي أو أعاقبَ مسارَ حياتي. ولكن في المجمل، لمْ يكن الأمر سوى جُهدٍ وتعبٍ، ويمكنُني القول إنَّني في سن الخمسة والسَّبعين، ولم أحظَ بأربعةِ أسابيعَ من الرِّضا الصَّادق.».[78] كانت حالاتُ الاكتئاب المزمن، الَّتي وُصفت بشكل مُتكرر طوال حياته، دوافع قوية للإبداع، وفي أوقات الرَّفاهية "الكاملة"، لم يُنجز غوته أيَّ أعمال شعرية مُهمة. ومع ذلك، يجبُ مناقشة مفهوم الاضطراب ثنائي القُطب من النَّوع الثاني هنا، الَّذي وجد أكيسكال[79] وبيناتزي وأكيسكال[80] أوجه تشابه بينه وبين اضطرابات مزاج العباقرة. توجدُ بالفعلِ العديد من العلامات الدَّقيقة للاضطراب ثنائي القُطب من النَّوع الثاني في سيرة غوته الذاتية: أي البداية المبكرة لنوبات الاكتئاب الكبرى[81]؛ والعدد الكبير من نوبات الاكتئاب؛[82] واكتئاب ما بعد الولادة لدى أخته (وهي في الغالب اضطرابات ثنائية القطب). كما أنَّ محاولة انتحار غوته المُتكررة تُلمح إلى احتمال إصابته بالاضطراب ثنائي القُطب من النوع الثاني. لكن لا توجدُ أيُّ تقارير عن نشوةٍ هوسيةٍ، أو زيادة في الدَّافع، أو زيادة في الطَّاقة الحيوية، أو سلوك هوسي (كما هو متوقع في اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول)، إلاَّ أنَّ هناك تعديلاتٍ طفيفةٍ في الزَّمن في صورة تفكيرٍ مُتسارع، أو على الأقل، زيادة في الإنتاج الأدبي بعد أنْ عانى غوته من نوبةِ اكتئاب في سنتي 1768/1769. لقد وُجد وضعٌ مماثل بعد أنِ انفصل عن شارلوت بوف[83] وغادر مدينة ڤيتسلار في سبتمبر سنة 1772، لمَّا عانى من نوبة اكتئابٍ طويلة، وراودته أفكار انتحارية. وفي فبراير سنة 1774، وفي غضون أربعة أسابيع ونصف فقط، كتب غوته الرِّواية الرسائلية الَّتي تعزى إليها شهرتُه اللاحقة: وهي رواية "آلام ڤيرتر". وعند الانتهاء من الرواية بما يقارب سنة ونصف من الحضانة الإبداعية، ومرحلة الإنتاجِ القصيرة، شعر أخيرًا أنَّه نجا من مخالب الموت. وتماشياً مع سيرته الذَّاتية، لمْ يكن مصابًا بهوسٍ خفيفٍ قبل أو أثناء تأليف الرِّواية، ولكن يُفترضُ أنَّه كان يُعاني من حالةٍ من التَّفكير المُتسارع والإنتاجية المُتزايدة، على الرَّغم من روايات غوته نفسها. ويمكنُ مناقشةُ احتمالِ وجود حالةٍ مختلطة أيضًا: وهي حالة مُشابهة لتلك الَّتي عانى منها بعد نوبة الاكتئاب الَّتي أصابته في خريف عام 1802، والَّتي انتهت بكتابةِ مسرحية "الأطفال الطبيعيون".[84] ومرة أخرى، بعد خيبةِ أملٍ كبيرة سنة 1823 في مارينباد، ولما كان يُعاني من اكتئابٍ حادٍ، كتب ديوان "الثلاثية"[85] في بضعة أيام فقط - ثلاث قصائد طويلة توثق تحرُّر الإبداع الشِّعري الَّذي لم يكن يُعتقد سابقًا أنَّه ممكن بالنسبة إلى غوته. يبدو أنَّ مراحل الهَوس الخفيف، كما هو موضح أعلاه، ممكنة في فترات حياةِ غوته المذكورة أعلاه.

[19] ميّز غوته نفسَه حالاتِه الاكتئابية عن "كآبة الشاعر" الَّتي كانت متداولة في عصره.[86] وكثيرًا ما انتقدَها ووصفها بأنَّها غير إبداعية، وانتقدها بسخرية لاذعة، وكتب عن الموقف شبه الكئيب للشُعراء الصِّغار بقوله: «هنا تموتُ فتاةٌ مهجورةٌ، وهناك يغرقُ عاشقٌ وفيٌّ أو تلتهمُه سمكة قرش قبل أنْ يصلَ إلى عشيقته؛ ولو أقامَ شاعرٌ مثل غراي معسكرًا في فناء كنيسة قرية، وأنشدَ تلك الألحان المألوفة، لكانَ من المؤكد أنَّه سيجمعُ حوله عددًا من أصدقاء الكآبة».[87] لذلك، لا يبدو أنَّ مفهوم تيلينباخ للفظ الألماني شفيرموت= schwermut [88] يتوافقُ مع اضطرابات المزاج عند غوته. يُفرّق تيلينباخ (1961) بين شفيرموت والكآبة بمعنى أنَّ هذا الأخير هو ما كان يُعرف سابقًا بالاكتئاب الدَّاخلي (ويُعرف حاليا بالاكتئاب الشديد)، على أساس أنَّ شفيرموت لا يتضمن تغييرًا نوعيًا في الإيقاع الحيوي والنَّفسي والاجتماعي.[89] على عكس شفيرموت اليومي واللطيف في الكآبة - بمعنى الاكتئاب الشديد - فقد تغيّرت طبيعةُ المريض الزَّمنية وانغلقَ المستقبل.[90] لا يزالُ شفيرموت يسمحُ باستعمال طاقة الفرد وطاقة الآخرين، ويمكنُ للذات تغيير هذه الحالات بنشاط.[91] لا يتناسبُ مفهوم شفيرموت الَّذي طرحه تيلينباخ مع حالة غوته. ففي لايبزيغ/فرانكفورت، 1767 و1769، وفي فايمار 1803 و1805، على سبيل المثال، عانى غوته من فقدانٍ طويل الأمد للديناميكية والإيقاع الحَيوي والنَّفسي والاجتماعي، وعلى مدار شهور عدة لم يتمكن من تعديلِ هذه الحالات.

[20] من جهة أخرى، غالبًا ما دفعت حالاتُ الاكتئاب، وخيبة الأمل، وعدم الاستقرار العاطفي غوته إلى التَّخلي عن العمل الشِّعري، لكن كان يميل أكثر إلى تعزيز العمل العِلمي في أوقاتِ الاسترخاء النَّفسي والتَّوازن العاطفي. ومن منظور نظريات الإبداع، ليس هذا مفاجئًا حقًا، نظرًا لأنَّ العمل الشِّعري يعني سبر أغوار التَّجارب الفردية والعاطفية للواقع الدَّاخلي، بينما تخفُ حدةُ العواطف في العمل العِلمي الأكثر موضوعية وتجريدًا، وفي العمل السِّياسي الأكثر تواصلًا، والَّذي يركز على الواقع الخارجي. وفي النِّهاية، وجد غوته توازنًا مثاليًا بين هذين القطبين: البحثُ البشريُّ عن الإبداع الفردي، والكونية الاجتماعية.[92]

5. الحدود

[21] ينبغي مراعاة الحدود المَعرفية للتحليلين الفينومينولوجي والهيرمينوتيقي.[93] فعلى الرغم من كونهما لا يقدِّمان تفسيرات سببية، فإنهما قد يُعطيان أسبابًا للفعل التَّواصلي.[94]

6. خلاصات

[22] لقد كان غوته مبدعًا في الشِّعر في حالات "الاكتئاب المزمن"، وفي قرب نهاية نوباتِ الاكتئاب. ويبدو من المهم الإشارة إلى ذلك بالنَّظر إلى النَّظريات الحالية والشَّائعة نسبيًا عن الإبداع الَّتي تضعُ تجارب الفرح و"التَّدفق" في صميم العمل الإبداعي.[95] لقد كان مُتسامحًا على نحو استثنائي في مواجهة الإحباط، وكانَ مرنًا بما يكفي للاستعداد بصبرٍ وتحمل في مراحل طويلة من الحضانةِ قبلَ أن يتجلى إبداعُه. وفي أوقات الرَّفاهية الشَّخصية، أي في العمل العلمي والسِّياسي المنظم، يقلُ إبداعه الشعري. وهذا يتوافقُ مع النتائج التَّجريبية الَّتي تُبيِّن أنَّ العلماء المبدعين البارزين، والناشطين الاجتماعيين، والمسؤولين الحكوميين، والشَّخصيات الاجتماعية لا يُظهرون إلاَّ مستوى متوسطًا من الاضطرابات النَّفسية، في الوقت الَّذي يعاني الشُّعراء من الاضطرابات العاطفية بنسبة ثلاثة أضعاف، ويحاولوا الانتحار ثلاث مرات على الأقل.[96]

[23] وبعد مناقشة مُفصّلة لعلم النَّفس المرضي لدى غوته، يبدو تشخيصه بانعدام المِزاج المُوجّه، واضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني مُرجّحًا. وبينما منحته نوباتُ الاكتئاب دافعًا ومضمونًا لأنشطتِه الفنية، فقد تكونُ مراحل الهَوس الخفيف قد ساعدته في صياغة أعماله الشَّهيرة. ومن جهة أخرى، يُمكنُ مناقشة ما إذا كانَ الإنجاز الإبداعي قد ساعده في التَّغلب على المزاج الاكتئابي، وأدى إلى الرِّضا عن النَّفس، وإنتاجية مُتدفقة دون الإصابة بهَوس خفيف. أما فيما يتعلقُ بالإبداع، فيجبُ التأكيد بوضوح على أنَّ إبداع غوته الشِّعري نشأ عن نوبات اكتئابٍ، وليس عن نشوةٍ من الهوس الخفيف. ومع ذلك، فمن المُحتمل أن تكون الصِّياغة الفعلية قد حدثت في مراحل الهَوس الخفيف بعد نوبات اكتئابٍ أطول، لما يُمكن أن يُعزز انخفاضُ الحاجة إلى النَّوم، وزيادة الطاقة المُصاحبة لحالات الهَوس الخفيف الإنتاجية.

[24] لقد كان المزاجُ الاكتئابيٌّ السَّائد، والَّذي يُحتملُ أنْ يكون نوعًا من المِزاج، مُعبّرًا عنه بالفعل في طفولته في صورة انفعالٍ وحساسية، وقد رافقَه طول حياته. وقد وصف أكيسكال هذا المزيج من الحساسية، والاكتئاب، والنَّشاط، والرَغبة الإبداعية الدؤوبة في تحقيق الذاتِ، بدقة بأنَّه "اكتئاب مدفوع".[97] ويشير أكيسكال كذلك إلى أنَّ الأشكال الخفيفة من الكآبة والاكتئاب يمكن أنْ تكون معقولةً من النَّاحية التَّطورية، لأنَّها تُعزِّز السُّلوك السَّليم من النَّاحية الأخلاقية، مثل التَّعامل مع الخسارة، واليأس، وتجنب الأذى.[98] ونفترضُ أنَّ هذا ينطبقُ على العديد من المبدعين البارزين الآخرين أيضًا. إنَّ هذا الافتراض له أيضا نتائج على الاستشارة، والعلاج النَّفسي للشخصيات الإبداعية.[99] لقد بيَّن غوته أنَّ التَّطور الشَّخصي، وتطور الذَّات يمثلان تحديًا إبداعيًا مستمرًا مدى الحياة. وقد أدتْ جهودُه الإبداعية إلى تطوير "ذات شعرية" ممَّا منحه قوةً وتماسكًا.[100] وقد ساعدَه تقبّله لحالاته المزاجية العسيرة، ولنوبات الاكتئاب كمهام وجودية على تحمُّل اليأس، وإعادة تنشيط ذاتهِ مرارًا وتكرارًا. وانطلاقا من روايته "آلام ڤيرتر" إلى مسرحيته "فاوست"، يمكن أنْ نرى أنَّ هذا التَّجسيد الإبداعي للذات انطوى على القلقِ، واليأسِ، ومشاعر الدُّونية. هذا هو الجانب السَّلبي للشاعر المحبوب. لذلك، كان عليه أنْ يتقبَّل ويشكل مزاجه الاكتئابي، ويتقبَّل نقصه، ويتقبَّل جوانبه البغيضة والمقيتة الَّتي أسقطها على صوَّره الأدبية، مثل رواية "آلام ڤيرتر"، ومسرحية "تاسو"، ومسرحية "فاوست". ولذلك، لم تكن نوباتُ اكتئابه، وحالاته المزاجية الكئيبة مواقفَ شعرية بمعنى "كآبة الشاعر"، وإنَّما كانت واقعَه الَّذي دفعه إلى ذروة إبداعِه. وعليه، فإنَّ الأبيات الأخيرة من ديوان "الشَّوق السَّعيد" ليست لها دلالة فنية، وإنَّما انتُزعت من حافة الاكتئاب قال: "وطالما لا تملكُه، /فإنَّ هذا "يموت ويحيا"! /فأنتَ مجرد ضيفٍ كئيبٍ /على الدُّنيا المُظلمة".

 

مصدر المقالة

Holm-Hadulla, R.M., et al., Depression and Creativity: The case of the German Poet, Scientist and Statesman J. W. v. Goethe, Journal of Affective Disorders, 11 May 2010

 

لائحة المراجع والمصادر المعتمدة

  1. Akiskal, H.S., Akiskal, K., 1988. Re-assessing the prevalence of bipolar disorders: clinical significance and artistic creativity. Psychiatry Psychobiol. 3 European Psychiatry.
  2. Akiskal, H.S., 2003. Validating “hard” and “soft” phenotypes within the bipolar spectrum: contiunuity or discontinuity? J. Affect. Disord. 73, 1–5
  3. Akiskal, H.S., Akiskal, K., 2007. In search of Aristotle: temperament, human nature, melancholia, creativity and eminence. J. Affect. Disord. 100, 1–6
  4. Andreasen, N., Canter, A., 1974. The creative writer: psychiatric symptoms and family history. Compr. Psychiatry 15, 123–131
  5. Arnim, B.V., 1914. In: Amelung, H. (Ed.), Goethes Briefwechsel mit einem Kinde. Bang & Co, Berlin. Hrsg.
  6. Bell, W., 2009. The German tradition of psychology in literature and thoeght 1700–1840. Cambridge University Press, Cambridge.
  7. Benazzi, F., Akiskal, H., 2008. How best to identify a bipolar-related subtype among major depressive patients without spontaneous hypomania: superiority of age at onset criterion over recurrence and polarity? J. Affect. Disord. 107, 77–88
  8. Boyle, N., 1991. Goethe — the poet and the age, Volume I. Oxford University Press, Oxford.
  9. Boyle, N., 2000. Goethe -—the poet and the age, Volume II. Oxford University Press, Oxford.
  10. Carus, C.G., 1842. Goethe. Zu dessen näheren Verständnis, Leipzig.
  11. Csikszentmihalyi, M., 1996. Creativity. Harper Collins, New York.
  12. Doer-Zegers, O., 2001. Existential and phenomenological approach to psychiatry. In: Gelder, M., López-Ibor, J., Andreasen, N., (ed.) New Oxford Textbook of Psychiatry. Oxford University Press, Oxford.
  13. Eissler, K.R., 1963. Goethe. A psychoanalytic study. Wayne State University Press, Detroit.
  14. Gadamer, H.G., 1989. Truth and Method. Crossroad, New York.
  15. Goethe's Works. Translated by John Oxenford and Rev. A. J. W. Morrison. London, G. Bell and Sons 1874
  16. Goodwin, F.K., Jamison, K.R., 2007. Manic-depressive illness: bipolar disorders and recurrent depression, second edition. Oxford University Press, New York.
  17. Habermas, J., 1971. Theory of communicative action. Beacon Press, Boston.
  18. Holm-Hadulla, R.M., 2004. The art of counselling and psychotherapy. Karnac Books, London, New York.
  19. Holm-Hadulla, R.M., 2009a. Leidenschaft - Goethes Weg zur Kreativität, Passion – Goethe's path to creativity. 2nd edition. Vandenhoeck & Ruprecht, Göttingen.
  20. Holm-Hadulla, R.M., 2009b. Goethe's study crisis, depression and his selftreatment strategies. Psychotherapeut. 54, 370–376
  21. Holm-Hadulla, R.M., 2010. Kreativität - Konzept und Lebensstil, 3rd edition. Vandenhoeck & Ruprecht, Göttingen.
  22. Holm-Hadulla, R.M., Hofmann, F.-H., Sperth, M., 2009. Integrative Beratung. Psychotherapeut. 54, 326–333
  23. Klibansky, R., Panofsky, E., Saxl, F., 1964. Saturn and Melancholy: Studies in the History of Natural Philosphy, Religion and Art. Nelson & Sons.
  24. Kretschmer, E., 1929. Geniale Menschen. Springer, Berlin.
  25. Lange-Eichbaum, Wilhelm: Genie – Irrsinn und Ruhm. Verlag von E. Reinhardt, München 1928
  26. Ludwig, A., 1997. Creative achievement and psychpathology. Comparison among professions. In: Runco, M., Richards, R. (Eds.), Eminent creativity, everyday creativity, and health. Ablex, Greenwich.
  27. Nietzsche, F., 1888. Nietzsche contra Wagner. Kindle Edition 2008
  28. Richards, Ruth, Kinney, Dennis K., Lunde, Inge, Benet, Maria, Merzel, Ann P.C., 1988. Creativity in manic-depressives, cyclothymes, their normal relatives, and control subjects. J. Abnorm. Psychol. 97 (3), 281–288
  29. Rorty, R., 2001. Universality and truth. In: Brandom, R.B. (Ed.), Rorty and his critics. Blackwell Oxford, pp. 1–30
  30. Tellenbach, H., 1961. Melancholie. Springer, Berlin, Heidelberg, New York.

[1] - Rainer Mathias Holm-Hadulla (1951)، أستاذ بجامعة هايدلبرغ بألمانيا، متخصِّص في الطِّب النَّفسي، وفي الأمراض النَّفسية الجسدية، وفي العلاج النَّفسي. نشر مقالات عدة على نحو فردي، أو بالاشتراك مع زملاء آخرين، عُرف بتطبيقه النَّظرية الجدلية في الإبداع على شخصيات أدبية وفنية.

[2] - Martin Roussel، أستاذ بجامعة كولونيا، ومساعد مدير معهد الدراسات العليا، حاصل على الدُّكتوراه في الفلسفة.

[3] - Frank-Hagen Hofmann، أستاذ بجامعة هايدلبرغ، متخصص في علم النفس. له منشورات عدة فردية وبالاشتراك، تمحورت حول الاستشارة النَّفسية والصِّحة العقلية.

[4] - أستاذ الفلسفة، حاصل على الدُّكتوراه في الفلسفة من جامعة ابن طفيل.

[5] - انظر في هذه الصدد: روبنسون، أندرو، العبقرية، ترجمة رحاب صلاح الدين، مؤسسة هنداوي، 2014. ص.63

[6]- World Health Organization (WHO) see: https://who.int

[7]- https://www.mayoclinic.org

[8]- https://www.healthdirect.gov

[9]- https://www.mayoclinic.org

[10]- National Institute of Mental Health (MINH) (Gov.), see: https://www.nimh.nih.gov

[11]- baptisthealth.com see: https://baptisthealth.com

[12]- https://www.gooddx.com

[13]- Theophrast (371-287)، فيلسوف طبيعي مشائي من أصل يوناني، يعتبر أحد الأرسطيين الذين أشرفوا على الليقيوم. وقد خلف أعمالا مهمة حول النبات، والمنطق، والأخلاق، والموسيقى، والأمراض النفسية. (المترجم).

[14]- اللفظ المذكور هو black bile، ومعناه أحد الأخلاط المُعكرة للمزاج، والمسببة للكآبة عن القدماء، وتكون جافة وباردة.

[15]- Hagop Souren Akiskal (1944-2021)، طبيب نفسي وأستاذ جامعي أمريكي من أصل لبناني، عرف ببحوثه في التَّحولات المزاجية، وبالخصوص في اضطراب ثنائي القطب الذي يتأرجح فيه المريض بين نوبات الكآبة ونوبات الإبهاج، انظر:

- Akiskal, H.S., Akiskal, K., 1988. Re-assessing the prevalence of bipolar disorders: clinical significance and artistic creativity. Psychiatry Psychobiol. 3 European Psychiatry. & Akiskal, H.S., Akiskal, K., 2007. In search of Aristotle: temperament, human nature, melancholia, creativity and eminence. J. Affect. Disord. 100, 1–6

[16]- نقلا عن مقالة أكيسكال (2007).

[17]- Andreasen, N., Canter, A., 1974. The creative writer: psychiatric symptoms and family history. Compr. Psychiatry 15, 123–131

[18]- Bell, W., 2009. The German tradition of psychology in literature and thoeght 1700–1840. Cambridge University Press, Cambridge.

[19]- Carus, C.G., 1842. Goethe. Zu dessen näheren Verständnis, Leipzig.

- كارل غوستاف كاروس Carl Custav Carus (1789-1869)، شخصية موسوعية من أصل ألماني، يعتبر صديقا لغوته وطبيبه النفسي، ترك أعمال بارزة في مجالات متعددة: التشريح، وعلم النبات، وعلم الحيوان، والطب، وعلم النفس، والفلسفة، والفن...كما ترجم "الكوميديا الإلهية" لدانتي إلى الألمانية. (المترجم).

[20]- Nietzsche, F., 1888. Nietzsche contra Wagner. Kindle Edition 2008

[21]- Richards, Ruth, Kinney, Dennis K., Lunde, Inge, Benet, Maria, Merzel, Ann P.C., 1988

Creativity in manic-depressives, cyclothymes, their normal relatives, and control subjects. J. Abnorm. Psychol. 97 (3), 281–288

[22]- Goodwin, F.K., Jamison, K.R., 2007. Manic-depressive illness: bipolar disorders and recurrent depression, second edition. Oxford University Press, New York.

[23]- Ludwig, A., 1997. Creative achievement and psychpathology. Comparison among professions. In: Runco, M., Richards, R. (Eds.), Eminent creativity, everyday creativity, and health. Ablex, Greenwich.

[24]- DSM VI-R, ICD 10

[25]- انظر كتاب غادامير "الحقيقة والمنهج"، ومقالة رورتي "الكونية والحقيقة":

- Gadamer, H.G., 1989. Truth and Method. Crossroad, New York.

- Rorty, R., 2001. Universality and truth. In: Brandom, R.B. (Ed.), Rorty and his critics. Blackwell Oxford, pp. 1–30

[26]- وردت باللفظ الألماني Empfindsamkeit، الذي يرادف حركة الحساسية التي سادت في الأدب الفرنسي والإنجليزي والألماني. وقد "انتهت حركة الحساسية في خمسينيات وسبعينيات القرن الثامن عشر مع صدور رواية غوته الأكثر مبيعًا "آلام فيرتر" (1774). لقد قاد يوهان فولفغانغ فون غوته وفريدريش شيلر حركتي "العاصفة والاندفاع" و"الكلاسيكية الفايمارية". لقد كانت الرومانسية الألمانية هي الحركة السائدة في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر.". https://en.wikipedia.org

[27]- عنوانها بالألمانية: Die Leiden des Jungen Werthers، أي "معاناة الشاب ڤيرتر". ويشار إليها اختصارا باسم بطلها ڤيرتر. نشرت هذه الرواية لأول مرة سنة 1774؛ أي في بداية الربع الأخير من القرن الثامن عشر، وأعيد نشرها في حلة منقحة سنة 1787. تحكي هذه الرواية الموجزة والمكثفة المعاني العاطفية قصة تجربة عاطفية فاشلة لشاب يدعى فيرتر، لما عشق فتاة تنتظر الزواج بشاب آخر، وأمام المأزق العاطفي الذي سقط فيه، انتحر فيما بعد. ترجمت هذه الرواية إلى العربية عدة مرات، وأشهر ترجمة لها تلك التي قام بها الكاتب والأديب المصري أحمد حسن الزيات (غوته، يوهان، آلام فارتر، ترجمة أحمد حسن الزيات، دار القلم، بيروت، لبنان، د.ت.)، ثم ترجمها فيما بعد فؤاد فريد (غوته، يوهان، آلام فيرتر، ترجمة فؤاد فريد، منشورات المكتبة الحديثة ودار المشرق العربي، بيروت، لبنان، د.ت.)، ثم ترجمت فيما بعد من قبل نجم والي (غوته، يوهان فولفغانغ، آلام الشاب فرتر، دار صفصافة للنشر والتوزيع، مصر، 2015.)، وترجمت كذلك من قبل قسم الترجمة والتعريب تحت إشراف سامي الخوري. وقد قام الأستاذ ياسين الأيوبي بتحليلها (غوته، يوهان، آلام فرتر، تقديم وشرح، الدار النموذجية، 2000.). (المترجم).

[28]- عنوانها بالألمانية: Faust؛ أي "فاوست" بوصفه اسم علم يدل على شخص. وهي مسرحية تتألف من جزئين. نشر الجزء الأول سنة 1808، ونشر الجزء الثاني سنة 1832، أي في السنة التي توفي فيها غوته. تدور هذه المسرحية التراجيدية حول شخصية فاوست، الخميائي الألماني الذي كان له طموح معرفي ودنيوي أكبر من الطموح الذي حققه، مما جعله يتعاقد مع الشيطان ليسلم إليه روحه، في مقابل أن يمنحه الشيطان المعرفة المطلقة، وكل المتع الدنيوية. لكن فاوست في الأخير لم يسلم الشيطان روحه استجابة لنداء السماء، الذي ناداه بأنه لن يفلح فيما يريد. فالمسرحية من جهة تتضمن مغزى مفاده أن الطموح الإنساني المعرفي والغريزي يستحق الموت من جهة، والمغزى هنا دنيوي، وأن هذا الطموح لا يتجاوز الحد بأن يصل بصاحبه منح روحه للشيطان من جهة ثانية، والمغزى هنا ديني وأخلاقي صرف. ترجمت هذه الرواية إلى العربية، ترجمها محمد محمد عوض، وقدم لترجمتها الأديب طه حسين، ولعل الترجمة المشهورة هي تلك التي قام بها البحاثة عبد الرحمان بدوي (غوته، يوهان، فاوست، ترجمة عبد الرحمان بدوي، من المسرح العالمي، قصص وزارة الإعلام، الكويت، أول يناير 1989.). (المترجم)

[29] - انظر كتاب "فن الاستشارة والعلاج النفسي" بالإنجليزية، وكتاب "الإبداع: الأسلوب ومفهوم الحياة" بالألمانية، كلاهما للأستاذ هولم-هاديولا:

- Holm-Hadulla, R.M., 2004. The art of counselling and psychotherapy. Karnac Books, London, New York.

- Holm-Hadulla, R.M., 2010. Kreativität - Konzept und Lebensstil, 3rd edition. Vandenhoeck & Ruprecht, Göttingen.

[30]- اسمها كورنيليا فريدريكا كريستيانا شلوسر Cornelia Friederica Christiana Schlosser (1750-1777).

[31]- انظر هولم-هاديولا: "الشغف: طريق غوته نحو الإبداع" باللغتين الألمانية والإنجليزية:

- Holm-Hadulla, R.M., 2009a. Leidenschaft - Goethes Weg zur Kreativität, Passion – Goethe's path to creativity. 2nd edition. Vandenhoeck & Ruprecht, Göttingen.

[32]- وهو عنوان سيرته الذاتية المسمى بالألمانية: "Aus Meinem Leben: Dichtung und Wahrheit"، وترجمتها الحرفية: "من حياتي: الشعر والحقيقة"، تتألف من أربعة أجزاء. وكتبت عبر مراحل.

[33] - راجع مقالة للكاتبة والروائية الألمانية بيتينا ڤان أرنيم Bettina von Arnim المنشورة في المؤلف الجماعي، تحت عنوان: "رسائل غوته مع طفل":

- Arnim, B.V., 1914. In: Amelung, H. (Ed.), Goethes Briefwechsel mit einem Kinde. Bang & Co, Berlin. Hrsg.

[34]- Catharina Elizabeth (1731-1808)، والدة غوته.

[35]- Hermann Jakob (1752-1759).

[36]- انظر كتاب بويل: "غوته: الشاعر والعصر":

- Boyle, N., 1991. Goeth: the poet and the age, Volume I. Oxford University Press, Oxford.

[37]- انظر مجموع أعمال غوته المترجمة إلى الإنجليزية، والمنشورة سنة 1874، ص. 177، وما يليها:

- Goethe's Works. Translated by John Oxenford and Rev. A. J. W. Morrison. London, G. Bell and Sons 1874

[38]- Leipzig، من أعرق الجامعات الألمانية، توجد في منطقة الساكسون، تأسست في نهاية العقد الأول من القرن الخامس عشر (1409).

[39]- انظر: FA 28, S. 603f..

[40]- إرنست ڤولفغانغ بيهرش Ernst Wolfgang Behrisch (1738-1809)، صديق غوته في الطفولة، كان أستاذا.

[41]- انظر: FA 28, S. 124f..

[42]- مجموع الأعمال، ص. 282

[43]- Strasbourg، جامعة توجد في منطقة الألزاس، وهي التي كانت منطقة نزاع بين الألمان والفرنسيين، أسسها الألمان في سنة 1631

[44]- مجموع الأعمال، ص.437

[45]- Wetzlar مدينة ألمانية، تقع على نهر لان، وهي مقر إقامة غوته.

[46]- Lottchen،

[47]- انظر: HA 6, S.518.

[48]- انظر: FA 28, S. 259.

[49]- نقلا عن المصدر نفسه.

[50]- انظر: HA 6, S. 539.

[51]- أنا إليزابيث شونيمان التي اشتهرت بليلي Anna Elizabeth « Lili » Schönemann (1758-1817)، شابة ألمانية، لأب مصرفي، من مدينة فرانكفورت. نشبت بينها وبين غوته علاقة حب عميقة، مما جعله يصرح بأن لن يصل من السعادة قط بالابتعاد عنها. (المترجم).

[52]- انظر: FA 28, S. 464ff..

[53]- Weimer، مدينة توجد وسط ألمانيا.

[54]- انظر: FA 29, S. 184.

[55]- اسم المسرحية بالألمانية: Torquato Tasso، مسرحية درامية، كتبها غوته في سنوات رحلته إلى إيطاليا، نشرت سنة 1790، وعرض في المسرح لأول مرة سنة 1807. تدور المسرحية حول الشاعر الإيطالي تاسو الذي تحمل المحن العاطفية في كتبته للشعر، والمعاناة التي عاشها بسبب حبه للأميرة لينورا ديستي. ترجمت هذه المسرحية من قبل الأستاذ عبد الرحمان بدوي (غوته، يوهان، توركواتو تاسو، تقديم وترجمة عبد الرحمان بدوي، وزارة الإعلام، الكويت، أول شتنبر 1980). كما ترجمها الأستاذ عبد الغفار مكاوي (غوته، يوهان، تاسو، المركز القومي للترجمة، 2009). تم إخراج هذه المسرحية من قبل الفنانين المصريين، وهي موجودة على اليوتيوب.

[56]- يوهان بيتر إيكرمان Johann Peter Eckermann (1792-1817)، شاعر وكاتب ألماني، اشتهر بمحادثاته مع غوته في المراحل الأخيرة من حياته.

[57]- انظر: FA 39, S. 615.

[58]- قارن هذه الأبيات بالآيتين: الرقم 3426، والرقم 3433

[59]- انظر: HA 11, S. 561.

[60]- يوهان كريستوف فريدريتش ڤون شيلر Johann Christoph Friedrich Von Schiller (1759-1805)، فيلسوف وشاعر ألماني، يعتبر أحد المؤسسين للأدب الألماني الكلاسيكي.

[61]- راجع: HA Briefe, Bd. 2. S. 323.

[62]- Boyle, N., 2000. Goethe: the poet and the age, Volume II. Oxford University Press, Oxford.

[63]- فريدريتش فيلهيلم كريستيان كارل فيردناند فريهر ڤون همبولت Friedrich Wilhelm Christian Karl Ferdinand Freiher Von Humbolt (1767-1835)، فيلسوف، ولغوي، وموظف سامي من أصل بروسي.

[64]- Ibid., p.899

[65]- Ibid., p.903

[66]- راجع: FA 32, S. 341.

[67]- Boyle, N., 2000. Goethe: the poet and the age, Volume II. p.907

[68]- راجع: FA 33, S.11.

[69]- ثيودور أولريكه صوفيا ڤون ليفتزاو Theodore Ulrike Sophia Von Levetzow(1804-1899)، شاعرة ألمانية، تعتبر الحب الأخير لغوته، والذي لم يقابل بالمثل.

[70]- مرثية مارينبادر Marienbader Elegie، قصيدة شعرية لغوته مضمونها حال الأسى والحزن لرفض لفنتزاو الزواج به.

[71]- ذكرت باللفظ الألماني: Aussöhnung، الذي يفيد المصالحة.

[72]- راجع: HA 1, S. 333.

[73]- Holm-Hadulla, R.M., 2009b. Goethe's study crisis, depression and his self-treatment strategies. Psychotherapeut. 54, 370–376

[74]- فيلهيلم لنج-إيشباوم Wilhelm Lange-Eichbaum (1875-1949)، طبيب نفسي من أصل ألماني. انظر كتابه:

- Lange-Eichbaum, Wilhelm: Genie – Irrsinn und Ruhm. Verlag von E. Reinhardt, München 1928

[75]- إرنست كريتشمر Ernst Kretschmer (1888-1964)، طبيب نفسي من أصل ألماني. انظر كتابه:

- Kretschmer, E., 1929. Geniale Menschen. Springer, Berlin.

[76]- كورت روبرت آيسلر Kurt Robert Eissler (1908-1999)، طبيب نفسي، ومحلل نفسي أمريكي من أصل نمساوي. انظر كتابه:

Eissler, K.R., 1963. Goethe. A psychoanalytic study. Wayne State University Press, Detroit.

[77]- ICD-10.

[78]- راجع: FA 39, S. 84.

[79]- Akiskal, H.S., 2003. Validating “hard” and “soft” phenotypes within the bipolar spectrum: contiunuity or discontinuity? J. Affect. Disord. 73, 1–5

[80]- Benazzi, F., Akiskal, H., 2008. How best to identify a bipolar-related subtype among major depressive patients without spontaneous hypomania: superiority of age at onset criterion over recurrence and polarity? J. Affect. Disord. 107, 77–88

[81]- Ibid.

[82]- Goodwin, F.K., Jamison, K.R., 2007. Manic-depressive illness: bipolar disorders and recurrent depression, second edition. Oxford University Press, New York.

[83]- Charlotte Buff (1753-1828)، صديقة غوته، اغرم بها، لكنها رفضته، وتزوجت بيوهان كريستيان كيستنر.

[84]- ورد الاسم بالألمانية: Die naturliche Tochter، الفتاة الطبيعية

[85]- ورد الاسم بالألمانية: Triologie Leidenschaft، ومعناه: ثلاثية الوجدان

[86]- Klibansky, R., Panofsky, E., Saxl, F., 1964. Saturn and Melancholy: Studies in the History of Natural Philosphy, Religion and Art. Nelson & Sons.

ريموند كليبانسكي (1905-2005)، مؤرخ للفلسفة والفن كندي من أصل ألماني.

[87]- راجع: HA 9. S. 581 f..

[88]- أشير إليه باللفظ الألماني schwermut، الذي يفيد الحزن والكآبة.

[89]- وردت العبارة بالألمانية بالصيغة Abwandlung des Rhythmischen، ومعناها: تنوع الإيقاع.

[90]- Tellenbach, H., 1961. Melancholie. Springer, Berlin, Heidelberg, New York.

- Doer-Zegers, O., 2001. Existential and phenomenological approach to psychiatry. In: Gelder, M., López-Ibor, J., Andreasen, N., (ed.) New Oxford Textbook of Psychiatry. Oxford University Press, Oxford.

[91]- Tellenbach, H., 1961. Melancholie. Springer, Berlin, Heidelberg, New York. p.23.

[92]- أشير إليها باللفظ الألماني: Weltbürgertum، ومعناه الكونية.

[93]- Doer-Zegers, O., 2001. Existential and phenomenological approach to psychiatry. In: Gelder, M., López-Ibor, J., Andreasen, N., (ed.) New Oxford Textbook of Psychiatry. Oxford University Press, Oxford.

[94]- Habermas, J., 1971. Theory of communicative action. Beacon Press, Boston.

- Gadamer, H.G., 1989. Truth and Method. Crossroad, New York.

- Rorty, R., 2001. Universality and truth. In: Brandom, R.B. (Ed.), Rorty and his critics. Blackwell Oxford, pp. 1–30

[95]- Csikszentmihalyi, M., 1996. Creativity. Harper Collins, New York.

[96]- Ludwig, A., 1997. Creative achievement and psychpathology. Comparison among professions. In: Runco, M., Richards, R. (Eds.), Eminent creativity, everyday creativity, and health. Ablex, Greenwich.

[97]- Akiskal, H.S., Akiskal, K., 2007. In search of Aristotle: temperament, human nature, melancholia, creativity and eminence. J. Affect. Disord. 100, 1–6

[98]- Akiskal, H.S., Akiskal, K., 1988. Re-assessing the prevalence of bipolar disorders: clinical significance and artistic creativity. Psychiatry Psychobiol. 3 European Psychiatry.

[99]- Holm-Hadulla, R.M., 2009b. Goethe's study crisis, depression and his selftreatment strategies. Psychotherapeut. 54, 370–376

- Holm-Hadulla, R.M., Hofmann, F.-H., Sperth, M., 2009. Integrative Beratung. Psychotherapeut. 54, 326–333

[100]- Holm-Hadulla, R.M., 2009a. Leidenschaft - Goethes Weg zur Kreativität, Passion – Goethe's path to creativity. 2nd edition. Vandenhoeck & Ruprecht, Göttingen.