الكاتب التونسي كمال الرياحي: النقد العربي رجعي ومتعصّب جدًّا للنظرية[1]


فئة :  حوارات

الكاتب التونسي كمال الرياحي: النقد العربي رجعي ومتعصّب جدًّا للنظرية[1]

الكاتب التونسي كمال الرياحي: النقد العربي رجعي ومتعصّب جدًّا للنظرية[1]

حاوره: ضو سليم

ذكر الكاتب والروائي التونسي كمال الرياحي، أن النقد العربي نقد رجعي، وأنّه متعصِّب جدًّا للنظريّة، وخاضع لها كلّ الخضوع، ويتعامل معها كنصّ ديني، فمثلما يُرفضُ الاجتهاد في النصّ الديني، يرفض الاجتهاد في النصّ الأدبي، داعيا إلى إعادة النظر في هذا الأمر على مستوى المؤسسات الأكاديمية العربية؛ لأنه من المفروض أن يلتفت إلى النص الذي تستخلص منه النظريات، خاصة وأن الجنس الأدبي يتطوّر والنظريّة لاحقة، وعليها أن تتطوّر وتلاحق نفسها دائما.

وأضاف الرياحي في حوار له مع مجلة "ذوات"، أنّ الكتابة عن الذات في العالم العربي هي كتابة موصومة بالدونيّة والشكّ والرداءة، وهي درجة ثانية من الأدب، لأنه ليس هنالك تقليد من ناحية، ومن ناحية ثانية، لأن من كتب في تلك الأجناس الأدبيّة كتب بطريقة أدبيّة وأخلاقويّة وطريقة تمجيديّة، فوقع تنميط للكتابة عن الذات لدى العرب، وظهرت أعمال أصبحت مثل الحواجز الخطيرة جدًّا، مشيرًا إلى أنّ الرقابة الذاتيّة التي يمارسها كتاب السيرة الذاتيّة في العالم العربي تجعل من سيرهم سيرًا مزيّفة.

وأشار الرّياحي إلى أنّ نوعيّة الخطاب الروائي الذي يكتبه قائم على تعدّد الأصوات، وعلى إعطاء صوت للشخصية لتُعبّر عن ذاتها، هو الذي جلب كلّ هذا الانتباه لهذا الخطاب بالذات؛ لأنّهُ لو كان يستعمل راويا عليما ومحافظا، راويًا يُشبهه ككاتب تقليدي يتفاخر ويتظاهر بالبلاغة، لما ظهر هذا الخطاب، لكنّهُ اختار الأصعب واختار أسلوبا روائيًّا هو في الحقيقة، مرحلة متطوّرة من الخطاب الروائي، بدأه "فوكنر" في رواية "الصّخب والعنف"، وبعد ذلك انتشر مع الروائيين الأمريكيين وغيرهم.

وأوضح أنّ اليوميّات جنس أدبي متطوّر جدّا في الغرب، ولم يصلنا إلا عبر التأثّر بالغرب، غير أنّنا لم نأخذ منه إلّا تلك المفاهيم البسيطة، في حين أنّ هذا الجنس الأدبي يتجاوز الأدب، ويتجاوز الكتابة ليغدو بذلك أسلوب حياة بأكملهِ.

وكمال الرياحي (1974) روائي وإعلامي تونسي، ومؤسس ومشرف على "بيت الرواية" بتونس بتكليف من وزارة الشؤون الثقافية، وهو أول بيت عربي للرواية، وهو فضاء بمدينة الثقافة يعنى بفن الرواية إبداعا ونقدا في تونس، يفتح نوافذه على المشهد الروائي العربي والعالمي، يطمح إلى تغيير مقروئية الرواية في تونس، وأن يكون قبلة أحبّاء الرواية من القراء والمبدعين والنقاد والباحثين، ومركزا لتوثيق المدونة الروائية التونسية والعالمية. كان الرياحي قبلها مديرا لدار الثقافة المغاربيّة ابن خلدون، وإلى ذلك يُعدُّ من أبرز الوجوه الثقافيّة بتونس والعالم العربي، حيثُ أضاف للمدوّنة الإبداعيّة والنقديّة على حدّ سواء، عشرات الكتب والمقالات والبرامج الإعلاميّة المسموعة والمرئيّة، وورشات الكتابة التي أدارها. من أهمّ مؤلّفاته الإبداعيّة، نذكر: نوارس الذاكرة (1999)، والمشرط (2006)، والغوريلا (2011)، وعشيقات النّذل (2015). وفي النّقد لهُ: حركة السّرد الرّوائي ومناخاته (2005)، والكتابة الروائيّة عند واسيني الأعرج (2009). تحصّل على عدّة جوائز وتكريمات، كان آخرها جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة سنة 2018 عن مؤلّفه "واحد صفر للقتيل".

ضو سليم: يُمكن اليوم تصنيفك "كاتبًا أوركستراليًا"؛ ذلك أنّك جرّبت الكتابة في معظم الأجناس الأدبية تقريبا، قصّة وسيرة روائيّة ويوميّات ومقالة نقديّة وحوار صحفي، إضافة إلى النوع الذي به عُرفت واشتهرت وهو الرواية، فهل هذا يعود إلى رغبتك في تنويع تجربتك وإثرائها، هروبا من التقيد بجنس كتابي محدد أم بحثًا عن الذات والهويّة في أجناس أدبيّة جديدة / غير مأهولة؟

كمال الرياحي: الكتابة بالنسبة إليّ مسألة متشعّبة جدًّا، فقد جاءت بعد أنْ ركنْتُ مواهب أخرى جانبًا لأتفرَّغ لها، فأوقفتُ تجاربي في الرّسم والتّمثيل في الجامعة، إلى جانب اِيقافي لنشاطي في بعض الرياضات: فنون القتال اليابانيّة تحديدًا، وتفرّغتُ للكتابة السّرديّة بشكل عام، بعد أنْ قرّرتُ أنْ أُغادرَ حقلا أدبيًّا بدأتُ به مسيرتي بالتوازي مع القصّة القصيرة، وهو كتابة الشعر، لأنّني رأيتُ أنّني لا أُضيفُ شيئًا كثيرًا في الشعر، وأنّ موهبتي الحقيقيّة التي عليَّ أن اُطوّرها هي موهبة السّرد، وكانت قصصي تُلاقي إعجابًا كبيرًا من الإعلاميين الصُحفيين الذين كانوا ينشرُون لي تلك الأعمال في الجرائد والمجلّات التونسيّة والعربيّة. وبعد ذلك ومع صدور مجموعتي القصصيّة الأولى "نوارس الذاكرة" سنة 1999 - وكنت وقتها طالبًا في السنة الثانية بالجامعة- تفرّغت أكثر للكتابة السّرديّة، وغادرتُ منطقة أخرى للكتابة وهي المسرح، وكنت كتبتُ قبلها ثلاث مسرحيّات في الجامعة ولاقت نجاحًا كبيرًا في الوسط الجامعي، أصل بك هنا إلى مسألة التعدُّد حتّى في الأجناس الأدبيّة المتّصلة بالسّرد، وهي متعدّدة، والحقيقة أنّ انتقالي فعلا من القصّة القصيرة إلى الرواية، كان انتقالا سلسًا وانتقالا ليس فيه قطيعة على الإطلاق، لأنّني اخترتُ طريقة للسّرد الروائي، طريقة قصصيّة مُؤمن في ذلك بما ذهب إليه "إيخنباوم"، أحد الشكلانيين الروس من أنّ الرواية يُمكنُ أن تتشكّل من القصّة القصيرة، وأنّ أمّهات الروايات كانت لها حيوات أخرى في وحدات سرديّة قصصيّة، ومثّل لذلك بـ "الحمار الذّهبي" لأبوليوس، إلى جانب أعمال أخرى لا نقول روائيّة، وإنّما هي ربّما من المراحل الجنينيّة، لتكوّن الرواية مثل "الديكاميرون" لجيوفاني بوكاشيو و"ألف ليلة وليلة" وغيرها. إذن القصّ القصير يمكن أن يكون مُشكّلا من مُشكّلات الرواية المُعاصرة، فاخترتُ نوعا من الكتابة، وهو الرواية التجريبية القائمة على المقطع المُغلق المفتوح، والمُغلق يذهبُ بنا إلى المقطع القصير؛ أي إنّك يُمكن أن تقرأَ هذا المقطع معزولا عن الرواية وفي نفس الوقت هو مفتوح، لأنّهُ باستمرارك في القراءة تجدُ أنّه ليس عُنصرًا معزولا عن الرواية، وليس مقطوعا عنها، حتّى إنّ مقطعًا من روايتي الأولى "المشرط" تحصّل على جائزة القصّة القصيرة في القاهرة، وهو المقطع الذي ظهر في الرواية تحت عنوان "المخّاخ"؛ فالبطل في هذا المقطع هو القاصّ، وفي داخل الرواية نكتشف بعد أن نجد هُجنة، ماذا يفعل هذا النصّ في بداية الرواية وما علاقته المُباشرة بالأحداث، فنجدُ أنَّ هناك تبريرًا في جملة مخفيّة في إحدى مراحل الرواية في فصولها الأخيرة، كون هذا المقطع قصّة كتبتها الشخصيّة التي هي الكاتب في مرحلة من المراحل نتيجة التقائه بشخص آخر كابوسيٍّ؛ فالقصّة القصيرة إذن يُمكن أن تنفتح على الرواية كما يُمكن أن تنفتح الرواية على السيرة الذاتيّة لصاحبها وغير ذلك.

إن الرواية إذاً، تُعلّمك أن تكتبَ في كلّ شيء وأن تكتب بكُلّ شيء، هذا إذن ما يُمكن أن أجيب به، إنّني ذهبتُ إلى هذا القصّ المُتعدّد، وأنا لا أعتبرُ نفسي روائيًّا ولا قاصًّا ولا صُحفيًّا ولا ناقدًا، أنا كاتب، وكلمة الكاتب بالمفهوم العميق للكلمة أشمل من كلّ شيء، الكاتب هو امتداد لعبارة قديمة تُسمّى الأديب. فمن هو الأديب؟ الأديب عبارة اختفت تقريبا من المصطلحات النقديّة المُعاصرة ومن المعجم المعاصر، عندما نرجع إلى طه حسين، نجده كتب في كلّ شيء، كتب في النّقد وفي القصّة وفي الرواية وفي السيرة الذاتيّة وفي النقد الأدبي وفي نقد الشعر كما الشابّي الذي يُعتبر أديبا، رُغم قلّة إنتاجهِ.

ضو سليم: لكن البعض قد ينظرُ إلى ذلك كمغامرة غير محسوبة العواقب، ولاسيما عندما لا يمتلك الكاتب مهارات التفريق بين الأجناس الأدبيّة، ويفتقد العدّة النقديّة الكافية، وهو ما قد يوقعه في مأزق الفوضى الأجناسيّة، وينتج نصًّا هجينا مُغتربًا، ما رأيك؟

كمال الرياحي: الجاهل بحدود الأجناس الأدبيّة، يُمكنه أن يسقُطَ حتّى لو كتب في جنس واحد، وعددٌ كبيرٌ ممّن يكتبون أو يدّعون كتابة الرواية هم لا يكتبون الرواية، وإنّما يكتبون شيئًا آخر: خواطر، مذكّرات... ودور النّاقد أنْ يُجنّس العمل وليس دور النّاشرِ؛ لأنّ النّاشر لم يعُد محلّ ثقةٍ، فبانتشار الجوائز أصبح كُلّ نصٍّ سرديٍّ بالنسبة إليْهِ رواية، وأحيانا يكتُبُ الكاتب مذكّرات في داخل الكتاب، ويكتبُ الناشر رواية خارجها، هذا الكلام مهم طبعا كما قلت، لكنّهُ لا ينطبق عليَّ في الحقيقة لاعتبارات كثيرة، أوّلها أنّني أدخل الأدب من المعرفة، يعني تجربتي الإبداعيّة وازتها تجربة معرفية بالأجناس الأدبيّة والفنون أيْضًا، لأنّ هذا حقل معرفيٌّ كبير، على الكاتب أن يكون مطّلعًا ليكون لأعماله معنى حقيقي، وعُمق حقيقي. طبعا، أنا مع أنّ على كُلَّ كاتبٍ أن يتدبّر أمر معرفته بالجنس الأدبي الذي يكتبه قبل أن يخوض فيه، كأن يقرأ الكتب النقديّة والكتب النظريّة وغيرها، لأنّ الحكاية وحدها لا يمكن أن تصنع كاتبًا، وإلّا كانت جدّاتنا وكُلّ الحكّائين اللذين سمعناهم بشكل شعبي والأميين وغير ذلك كُتّابا، المعرفة بالجنس الأدبي مُهمّة جدًّا، وأتمنّى أنْ تعي الأجيال الجديدة هذا الكلام جيّدًا، لأنَّ البعض من الكُتّاب الذين تقدّموا في السنّ، لا يُمكنُ أنْ نطلب منهم أن يُعيدوا النظر في ما يكتبون بتجربة التعلّم، لأنّ تجربة التعلّم مهمّة جدًّا، ولا نتحدّث طبعا عن أدب العلماء، ذلك الناقد العالم بالسّرد الذي يُقرّر أن يكتب رواية أو قصّة، فيتعسّف على الإبداع، لأنّهُ لا يملكُ تلك البذرة الأولى التي تجعلهُ يُبدعُ. وأدب العلماء هو أدب مهجور في كامل العالم، ورغم ذلك، فإنّ الكثير من العلماء كانوا مُبدعين، لأنّهم في الأصل مبدعون. نتحدّث عن تجربة أمبرتو إيكو مثلا، عالم السيميائيّات الكبير... وفي المقابل، هناك من يعتبر أنّ النجاح الأكاديمي والتميّز في الجامعة يمنع الكاتب أن يكون مبدعًا، وهذا أيْضًا شططٌ، لأنَّ المسألة ليست مرتبطة بالفشل الجامعي والفشل الدّراسي، وقد أصبحت العمليّة مُضحكة في بعض التعاليق من بعض الكُتّاب العصاميين الذين يقفون في وجه المُتعلّمين، وكأنّهم يدخلون في مرحلة مديح الأميّة ومديح العصاميّة، وبالتالي فكأنّهم يمدحون الأميّة في الوقت الّذي لم يعد هناك شيء اسمهُ عصاميّة الآن بانتشار التعليم وسهولته، حيث أصبح الجميع يصل إلى الجامعة بسهولة، في حين أنّ العصاميّة شيء آخر، لأنها تنطلق من اكتساب المعرفة من خارج المؤسّسة التعليميّة، يعني أنت في النهاية تكتسب المعرفة فأنت تتعلّم وليس بالضرورة أن نتعلّم في مقاعد الدراسة، إنّما عندما نتعلّم يمكن أن نتعلّم من الكتب من التجارب من الفنون المطروحة في الشارع، ولكنّنا نتعلّم. لذلك، فالمعرفة ضروريّة.

ضو سليم: هل ترى في هذا التجريب كسرا لمقولة الفصل بين أجناس الكتابة المتنوّعة وتمرّدا على الشكل البنائي الثابت الذي دعا إليه أدونيس؟ وهل أنتج ذاك نصًّا جديدا غير معياري؟

كمال الرياحي: دائما أستشهد في هذه الحالة بعبارة الناقد المغربيّ الكبير عبد الفتاح كيليطو الذي يقول إنّهُ "في إمكاننا أن نلعب كما نريد على أن لا نُغيّر من قواعد اللعبة، وأن لا نُحوّل رُقعة الشطرنج إلى ملعب كرة قدم"، وهو ما يعني أنّهُ يمكن أن نُجرّب داخل الجنس نفسه دون أن نخرج عنه، وهذا يتطلّبُ منَّا أن نأخذ من القواعد الكبرى للجنس وحدوده، ونتحرّك داخلهُ دون تجاوز السور أو الخروج من خطّ الملعب. أمّا أن نتحرّك بحريّة دون أن نقف في مكاننا، ونحاول أن نجرّب شتّى الإمكانات الموجودة داخل الملعب، فهذا هو المُتاح، وهنا يُمكن أن نُشير إلى ما قمت به في "واحد صفر للقتيل"، وهو كتاب في اليوميّات، كتاب يُمثّل مغامرة خطيرة جدًّا في مرحلة اعتقدت أنّني جاهز لها، لأنّ المغامرة الحقيقيّة ليست أن تُغامر في جنس أنت عُرفت في جنس غيرهِ، إنّما أن تُغامر في جنس غير مُعترف به، وهذا أخطر بكثير من أن يكون مجهولا، لأنّ المجهول أو الجنس الأدبي المتروك أو المُهاب، شيء يمكن أن يُضيف لك، لكن أن تُصدر كتابا في جنس أدبي مذموم، ويُصبح كتابا مقروءًا وشعبيًّا فهذه هي المُغامرة، كيف تحافظ على شعبيتك في الرواية بالكتابة خارجها في أدب الذات، خاصة وأن الكتابة عن الذات في العالم العربي هي كتابة موصومة بالدونيّة والشكّ والرداءة، وهي درجة ثانية من الأدب لسبب أنّ ليس هنالك تقليد من ناحية، ومن ناحية ثانية أنّ من كتب في تلك الأجناس الأدبيّة كتب بطريقة أدبيّة وطريقة أخلاقويّة وطريقة تمجيديّة؛ فقد نمّط كُتّاب أدب الذات العرب الكتابة الذاتيّة، فظهرت أعمال أصبحت مثل الحواجز الخطيرة جدًّا، كتب طه حسين "الأيّام" وكتب ميخائيل نعيمة "سبعون" وهذه الأعمال أصبحت مثل الجدران حول الكتابة، فإذا أردت أن تكتب، عليك أن تكتب شيئًا مثل البروباغندا، شيئًا مثل عبقريّة طه حسين، ليس فيها أيّ اعتراف. الأوتوبيوغرافيا والسيرة الذاتيّة في الغرب نشأت من داخل الكنيسة من ثقافة الاعتراف التي جاءت مع سانت أوغستين في كتابه "الاعترافات". أمّا في العالم العربي على العكس تماما، نشأ في البروباغندا، وفي عوالم من أين جاءت هذه العبقريّة؟ وكيف تشكّلت هذه العبقريّة؟ وهذا يختلف تماما. إذن نحن أمام مرجعيتين مختلفتين تماما، وماذا حصل بعد ذلك؟ ظهر "الخبز الحافي" لمحمد شكري، وأحدث صدمة؛ فاللحظة الفارقة في السيرة الذاتيّة عندنا هي لحظة "الخبز الحافي". عندما ظهر "الخبز الحافي" صُدم الجميع، بما في ذلك الناشرون. "دار الآداب" رفضتها لجرأتها وللاحتياطي الكبير من الاعتراف الذي يقدمه محمد شكري عن تجربته في الاغتصاب، في الجنس، في الفقر، في العنف الذي يُسلّط، في ضرب مؤسسة الأب المقدّسة في الثقافة العربيّة، ونقل تلك الصورة للأب الذي يُعنّف أبناءه ويقتلهم، لأنّ العنف في العالم العربي، وفي المتلقي العربي يتمّ قبوله على أساس أنّه تربية، لكن محمد شكري وصل بفكرة العنف إلى القتل، فلم يعُد من الممكن أن نُبيح عمليّة القتل من الأب الذي يقتل ابنه جوعا، لأنّه يبكي من الجوع. فهذه اللحظة فارقة تهدم قدسيّة شيء اسمه المؤسسة الأبويّة، وهو أمر مسكوت عنه في الأدب العربي، الذي بدأ بعد ذلك في الانتقال شيئًا فشيئًا، فكُلّ ما كان قبل محمّد شكري هو أدب نظيف، تقفية على السينما النظيفة التي يتحدّثون عنها، وهو ما جعل كتاب محمد شكري يُصادرُ في المغرب وفي الخليج وفي مصر وفي الجامعة الأمريكيّة التي مُنع تدريسه فيها، بل وصل الأمر بالأولياء للاحتجاج على الأستاذة التي درّست العمل وتهديدها بالقتل.

من أين أتى محمد شكري بالنصّ المُضاد للسيرة الذاتيّة العربيّة؟ من أين أتى أيضا طه حسين وتوفيق الحكيم وميخائيل نعيمة بسيرهم؟ ربّما هذا لم يُدرس في تاريخ الأدب، السيرة الذاتيّة العربية جاءت من السيرة، ولم تأت من السيرة الذاتيّة نفسها ومن الاعتراف، إذن من أين جاءت؟

من المعلوم أنّ طه حسين كتب عن "سيرة ابن هشام" و"هوامش السيرة"، وأتى بفكرة كتابة السيرة بالمعنى المُقدّس؛ أي إنّ هناك سيرة محمّديّة قبلها كُتبت. وعندما كُتبت سيرة الرسول كُتبت من أجل أن تُقدّم القُدوة والأسوة، ولهذا فطه حسين عندما أراد أن يكتب سيرته، كان لديه هذا الهاجس: كيف يكتبُ ويقدّم هذه القدوة، هذا الطفل الصغير الضرير، وكيف أصبح عميدا للأدباء العرب حينئذٍ؟ جاء الخطّ مختلف تماما، السيرة الذاتية العربية تقدم القدوة، في حين أنّ السيرة الغربية التي اقتدى بها محمد شكري تعيد اكتشاف الذات، وتحفر في الذات وتخرج أدرانها. نفس الشيء في الرسم، ففي الرسم عندما تكون أمام تجربة كتجربة سلفادور دالي، وهي تجربة بكلّ فظاعاتها تعدُّ كتابة سيرذاتيّة، عندما تُشاهد تلك الدماء، والأعضاء الجنسيّة في وضع ليس وضع الشبق، وإنّما في وضع القرف؛ أي إنّها في وضع غير الذي وُجدت من أجله، بل قُدّمت في وضع سريالي للغوص في الذات البشريّة لإخراجها من أدرانها. فكل ما نعرفه من جمال في الرسم الإيطالي عبر تاريخه هي تلك البورتريهات التي تحتفل بإيروسيّة الجمال الخارجي، ولكنها لم تبحث أبدا في الداخلي، إلى أن جاء سلفادور دالي، ليحطم هذه الصورة ويبحث في داخل الذات البشريّة، وهذا هو دور السيرة الذاتيّة بالمفهوم الغربي الذي ذهب إليه محمد شكري، لأن فكرة الاعتراف بالشرّ هو شيء أصيل في السيرة الذاتيّة. أمّا بالنسبة إلى مسألة الجرأة بعد محمد شكري، فهناك من الكتاب من يقول الآن، أنا أجرأ من محمد شكري، والمسألة ليست مزايدة، وإنّما لا بدّ أن يقرأ "الخبز الحافي" في تلك اللحظة المعرفية العربية، تماما مثلما نقرأ قصّة "تلك الرائحة" لصنع الله إبراهيم في تلك اللحظة، وما كان يكتب في الأدب العربي، ولهذا يحقّ لنا أن نعتبر صنع الله إبراهيم رائدا في الجرأة.

ضو سليم: وماذا عنك أستاذ الرياحي؟

كمال الرياحي: عندما ذهبت إلى الكتابة الأوتوبيوغرافية، أقصد طبعا "واحد صفر للقتيل" كنت قد وصلت من النضج ما يجعلني أعي تلك المغامرة، وهي مرحلة ضروريّة للانتقال إلى مرحلة أخرى، وأنا بطبعي مغامر، لهذا حاولت تقديم شيء مختلف بعد أن درست تقريبا كل ما كتب في جنس اليوميّات عربيا، وأهم ما كتب في العالم، وهو ما استغرق مني أكثر من عشر سنوات، منذ تقريبا سنة 2000 إلى الآن، يعني قرابة عقدين كنت خلالها أُخصص قسما كبيرا من حياتي لقراءة الأعمال الأوتوبيوغرافيّة، وكان يلازمني وقتها هاجسُ الكتابة عن طفولتي وعن سيرتي، حتى جاءت تجربة الهجرة إلى الجزائر بعد إضراب جوع بحثا عن عمل مدة 11 سنة في تونس بشهادات جامعيّة، وتجربة كبيرة في الإعلام العربي والعالمي، لكن لاعتبارات غريبة وعجيبة ولعدم انتمائي سياسيا، هُضم حقي في الحصول على عمل؛ فاللامنتمي سياسيًّا عندنا هو منتمي للمعارضة بطبعه، خاصة إذا كانت كتبه تتضمن آراء ومواقف من النظام، وهذا ما كنت أُصرّح به أيضًا، وأُلمّحُ به في أعمالي الإبداعيّة، حتّى إنّ رواية "المشرط" كانت هناك محاولات لمنعها بكلّ الطّرق في أوّل صدورها، ومع ذلك كنت دائما أتجاوز كل ذلك، ولكن حينما وصل الأمر إلى الخروج من البلاد، وترك العائلة وطفلي في تونس، والهجرة إلى الجزائر، المسألة كان فيها شيء من التراجيديا والألم، وهو ما دفعني إلى الوقوف أمام المرآة، وتأمّل هذه الذات المطرودة من أرضها، والمدفوعة دفعا إلى خارج الحدود، فكنت أتعامل مع ذاتي كذات خارجة وأريد تأمّلها. منذ وصولي مطار تونس قرطاج وأنا أغادر البلد، كنت أفكّر في هذه المسيرة التي جعلتني اليوم بعد كل هذه السنوات أغادر البلاد، في الوقت الذي كنت فيه دائما أرفع شعارا ضدّ الهجرة، لأنّي أصلا أتيت من قرية يغادرها الجميع منذ سنوات الابتدائي، إلى إيطاليا، وكنت الوحيد الذي راهنتُ على المعرفة والتعلّم، وكان كلّ أصدقائي وأترابي قد ذهبوا لإيطاليا للعمل في الفلاحة وغيرها، وكانوا في كلّ مرّة يعودون يجدونني ما زلت أدرس، وكنت أتعرّض إلى السخريّة من قبلهم، وكنت أقاوم وأمني النفس بأنّني سأصل بالمعرفة. أوّل شيء فكّرت فيه وأنا أغادر البلاد بعد تلك الحزمة من الشهادات، أترابي القدامى وقد خرجوا لي مثل الأشباح والكوابيس وأنا أغادر إلى الجزائر، وماذا فعلت بنفسي، هل اخترت الطريق الصحيح بأنني واصلت وراهنت على العلم، أم إنني أخطأت، وكان يجب أن أكون مهرّبًا، أو أن أكون بائع قطع سيّارات مسروقة في إيطاليا أو عامل فلاحة هناك؟ فبدأت أفكر في أنني مقبل على تجربة خطيرة، سوف تحدث تحوّلا في حياتي، وقرّرت أن أكتب وأسجّل كلّ ما يحدث لي هناك، وهكذا من أول ما وصلت إلى الجزائر بدأت في كتابة اليوميّات الأولى، وكانت تقف وراء ذلك دوافع ذاتيّة بالأساس، ذلك أنّني أخوض تجربة فارقة فبالنسبة إليّ. وأهم ما كُتب في عالم اليوميات هو تجارب فارقة - هناك الكثير ممن كتب اليوميات، ولكنها يوميات عاديّة لشأن يومي - تصنع قيمة اليوميات. التجربة الفارقة الأولى بالنسبة إليّ هي هذا الخروج، فكنت أفلسف اللحظة ولا أعيشها، كلّ دقيقة وكل ثانية كنت أفكّر فيها بدقيقة مختلفة أنّني استؤصلت من فضائي، فأنا لم أخرج إلى الجزائر طوعا، بل ذهبت إلى الجزائر؛ لأنّني مُنعت من العيش في تونس، وعندما غادرت تركت زوجتي، وابني وبضعة لحمي في تونس؛ أي إنّ عمليّة التمزيق التي حدثت لي جعلتني أشعر بشيء مُختلف تماما، لذلك قلت إن لحظة المطار هي لحظة شجن كبير. ابني عمره 18 شهرا مازال صغيرا جدًّا وأنا أُغادر بعد سنتين من زواجي، وأترك البلاد بعد أن توجّت فيها بجائزة "الكومار الذهبي" لأفضل رواية تونسيّة، وبعد أن تُوجّت بجائزة أفضل قصّة في مصر، وبعد أن حصلت على شهادة الدراسات المعمّقة من الجامعة، وبعد أن عشت تجربة إعلامية كبيرة في الإعلام العربي وحتّى التونسي، وأجد نفسي بلا تغطية للمعيش البسيط.

ضو سليم: الهجرة إلى الجزائر، كانت محطة فارقة في حياتك المهنية والإبداعية؟

كمال الرياحي: بالفعل، فالهجرة إلى الجزائر كانت لحظة فارقة في حياتي، ونقطة تحول كبيرة، فأنا الرجل الريفي الذي جاء إلى العاصمة، وقد قيل له من الصعب عليك العيش في هذه العاصمة، وفي الوقت نفسه كان هناك رهان في الثمانينيات لدى العائلات التونسيّة على أنّ النّجاة لا يمكن أن تكون إلّا بالمعرفة، وفجأة تجد نفسك في خيبة كبيرة، ولا سيما أنني حقّقت كلّ شيء بفائض، فقد أحرزت حتّى على شواهد اختياريّة على سبيل دعم أعمالي كشهادة الكفاءة في البحث والسينما والجغرافيا عند العرب، وشهادة في تعليم اللغة العربيّة للأجانب، وكلّها كانت إضافات إلى جانب تجربة الإعلام. وهذا كلّه، جعلني أشعر أنني في لحظة فارقة ستُغيّر حياتي، وفعلا غيّرت تلك التجربة حياتي.

عندما وصلت إلى الجزائر، ظننتني هربتُ من بلد يحكمه جنرال، فوجدت نفسي في بلد يحكمه الجنرالات، وجدت نفسي في كابوس كافكاوي كبير، نظام ما بعد القمعي في الجزائر، وهو ما يجعل من تلك اليوميات التي كتبتها بصدق كبير، رغم خطورتها، مؤشرا لما يحدث الآن في الجزائر، فالشعب فعلا انتفض على هذا النظام الذي عشته ودوّنتهُ، كان الجميع يائسا تماما في عهدة جديدة لبوتفليقة، نظام راديكالي وشعب جُنّد لأجل محاربة الوهم، معركة حول كرة القدم بين الجزائر ومصر اختلقت، وناس تطارد بعضها في الشوارع بالسكاكين، وأنت تأتي جريحا بكل طاقتك لاستقبال كل تلك الصدمات. وكان لابدّ أنْ أتعايش مع ذلك الوضع، فتعايشت بشكل ساخط. تجربة الجزائر كانت تجربة فارقة حوّلت حياتي تماما، فحتّى حياتي الأسريّة تجدّدت ونظرتي للعالم تجدّدت، وكان لا بدّ أن يتجدّد حتّى خطّي في الكتابة. إذا كنت قد تغيّرت، فذلك لاختياري للرواية، فوجدت أنّ الرواية الحقيقيّة التي عليّ أن أكتبها هي روايتي، فخُضت تجربة كتابة اليوميّات، لكن وأنا أكتب اليوميّات، كان عليَّ أن أكتبها كمن كان يعيش تجربة، يعني كلّ ما أحمله من معرفة ومن هواجس ومن وعي ومن ثقافة كانت جزءًا من مكوناتي. أنا ذلك الذي يكتب تلك اليوميات، فكان طبيعيًّا أن تكون اليوميات مختلفة، لأنني رجل خيال بالأساس، ونسبة الخيال هي نسبة الماء في جسمي تماما لا أعيشها كأكاذيب، إنّما أعيشها كواقع، لأنّني أعتبر الكائن البشري كائن خيال، إذا انحصر فيه الخيال تحوّل كأيّ كائن آخر، ولذلك كان عليّ أن أُعيد النظر في مفهوم اليوميّات، أو أن أُوسّع من مفهوم اليوميّات كما قرأته عند النقاد. وأنا أكتب وجدتني أتساءل ماهي الواقعة التي عليّ أن أكتبها؟ هل الواقعة فقط ما يحدثُ في الشارع، ويحدث لي في الواقع أم إنّ هناك واقعة أيضًا لا تقلّ عنها أهميّة وربّما أكثر أهميّة هي الواقعة الذهنيّة والواقعة النفسيّة؛ أي ما يحدث داخل العقل، وما يحدث داخل الفكر؟ ومن هنا وسّعت المفهوم، وطبيعة الكتابة، فكنت أكتب كوابيسي، وهذا شيء جديد في كتابة اليوميّات. كنت أكتبُ الاستيهامات، وأكتب لا وعيي وأستردّهُ، كل تلك الهواجس والشرور التي تباغتنا في لحظة ما، كنت أكتبها بلا أية رقابة، أكتب هشاشتي وضُعفي الحقيقيين. ونحن في ثقافتنا العربية، لم نتعود على كاتب يكتب، وهو يبكي لضعفه في لحظة فارقة، يكتب الأوساخ التي يعيشها. كاتب يكتب القرف الذي يأكله، يكتب روائحه وعرقه. كل ما هو مسكوت عنه عند البشر كتبته، لذلك كانت كتاباتي صادقة ومسّت الناس، أنا أعرف من الكتاب من هم مصابون بأمراض خطير ة جدا، ويكتبون سيرا ذاتيّة ولا يتحدّثون عن ذلك، عندما تجد كاتبا مريضا بالجدري في القرن 21 ويكتب سيرته الذاتيّة ولا يذكر ذلك المرض، الذي يجعل المريض طوال الوقت في علاقة مباشرة مع جلده وبجسمه، ولا يذكر هذا على الإطلاق، فهو بذلك قد ألغى الجزء الصادق فعلا الذي يمكن أن يصل به إلى العبقرية في الكتابة. لذلك، فالرقابة الذاتيّة التي يمارسها كتاب السيرة الذاتيّة في العالم العربي تجعل من سيرهم سيرًا مزيّفة. تحدّثت في اليوميات عن شيء يقلب تماما كل الموازين - وربّما هو من ضمن الأسباب التي أبهرت لجنة التحكيم- وهو الحديث عن الكذب، فكما قلت إن اليوميات هي تسجيل لوقائع طوّرتها؛ ففي مقطع من المقاطع يتساءل الكاتب هل ما يكتبه حقيقة أم كذبا؟ وأتأمل مسيرة حياتي ومسيرة الواقع، وأجد نفسي أعيش في كم كبير من الكذب، كل شيء كاذب، يوم سياسي كاذب، يوم ثقافي كاذب، يوم مناخي كاذب، فلماذا لا يكون كل ما أكتبه الآن كذب، فهذا شكل من أشكال الكذب؟ الحديث عن الكذب وتنسيب الصدق في الكتابة الذاتيّة هو من صدقها؛ لأننا كائنات كاذبة بالمعنيين، إمّا أن نمارس الكذب عن وعي، أو أن نهوّلهُ، لأنّ الخيال كذب، وإذا بدأنا حوارنا بأننا كائنات خيال؛ أي إن الكائن البشري هو كائن خيال، إذن فهو كائن كاذب له قدرة عجيبة على ممارسة الكذب، باعتبار ذلك الكذب ممارسة حياتيّة، وشكلا من أشكال ميكانيزمات السيطرة على العالم. نحن نكذب لنسيطر على العالم، وأنت تكذب على نفسك لتسيطر على خوفك من تلك الظواهر المُرعبة، إذن من هنا كان الدخول إلى عوالم الكتابة الأوتوبيوغرافيّة لهُ دوافع مختلفة في الحقيقة.

ضو سليم: شكّل الجنس أحد أهمّ ثيمات الكتابة لديك، وفي ذلك قفزة نوعيّة تُحرّرُ الرواية من جُملة الإكراهات والمحاذير التي تُغلِّفها، وعلامة على طبيعة التحولات المجتمعيّة، لكن ما الذي يجعلك توظّف المعجم الفاحش، وموضوع الجنس بكلّ تلك الجرأة في أعمالك؟

كمال الرياحي: موضوع الجنس في الحقيقة هو جزء من مُشكّلات حيوات الإنسان، ولا يُمكن أن نغفل عن أهم عُنصر من عناصر حياته، والذي ينكرُ هذا الجانب هو شخص غير سوي على الإطلاق، لأنّ هذا العامل الغريزي موجود وأصيل في الذات البشرية، مهما كانت تشوهات هذه الذات. وسواء كانت الذات سويّة أو لا، فالحياة الجنسيّة عند البشر شيء طبيعي، ولا يمكن أن نتناول أو نبني شخصيّات دون أية إشارة لعالمها الجنسي. هذا رأيي، وأعتقد أنّ كلّ ما يحدث لنا له علاقة بالجنس، فمنذ بداية وعينا يتشكّلُ وعينا الجنسي ويتطوّر بحسب المرحلة العمريّة التي نعيشها حتّى الشيخوخة، وحتّى انعدام الفعل الجنسي فيه تفكير في الجنس، وقد تناول الروائيون الكبار هذا الأمر. وفي غياب الممارسة الجنسيّة، تبقى الاستيهامات (الفانتازمات) موجودة، يعيش بها العاجز هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية؛ أي ناحية اللغة أو ما يسمى بالمعجم الفاحش، فهو جزء من المعجم وجزء من الخطاب، وللأسف من ينتقد هذا الحضور لهذا المعجم، فهو لم يفهم شيئا من فنِّ الرواية، القائم في جزء منه على محاكاة الواقع من خلال التنويع في النبر وفي المعجم وفي الخطاب، لذا أن تتناول شخصيات هامشيّة أو غير هامشيّة، فهذا لا يختلف، المعجم الفاحش يستعمله الأستاذ الجامعي كما يستعمله الإنسان العامي، ونحن في الشوارع والفضاءات الخاصة والعامة، نعلم جيّدا أنّ هذا الخطاب هو أكثر الخطابات الديمقراطيّة وتفشّيًا بين الناس، خاصّة في تونس أي يُعدُّ جزءًا من جماليّة الخطاب وجزءًا من هوية الخطاب التونسي، بل بالعكس في مناطق من تونس يذهب الخطاب إلى مناطق أبعد، ليُصبح الخطاب الفاحش في الدين في علاقة أخرى تماما، وهنا نتحدّث عن السباب، وسب الجلالة جزء من الخطاب المتداول في بعض المناطق، وهذا لا بدّ أن يُدرس سوسيولوجيًّا. نوعيّة الخطاب الروائي الذي أكتبه قائم على تعدّد الأصوات وعلى إعطاء صوت للشخصية لتُعبّر عن ذاتها، وهذا هو الذي جلب كلّ هذا الانتباه لهذا الخطاب بالذات، لأنّني لو كنت أستعمل راويا عليما محافظا، راويا يُشبهني ككاتب تقليدي يتفاخر ويتظاهر بالبلاغة، لما ظهر هذا الخطاب، لكنّني اخترتُ الأصعب، واخترت أسلوبا روائيًّا، هو في الحقيقة مرحلة متطوّرة من الخطاب الروائي، بدأه "فوكنر" في رواية "الصّخب والعنف"، وبعد ذلك انتشر مع الروائيين الأمريكيين وغير الأمريكيين بعد ذلك، وقد تبنّى وفسّر ذلك ميلون كونديرا، عندما تحدّث عن الخطاب، باعتباره حديثا عن الحواريّة، التي سبق لباختين أن تحدّث عنها، تلك الحواريّة التي درس فيها أعمال دوستويفسكي، وهو أن تعطي للشخصيّة صوتًا وتُعبّر عن انتمائها الطبقي، المعرفي، السياسي، وعن مستواها الأخلاقي. كل ذلك يجعل الخطاب متميّزا عن الخطابات الأخرى، وأصبحت الشخصيّات تتحدّث بنفس الطريقة؛ فعوالمي التي اخترتها وسبق في الحوار أن تحدّثنا عنها، هي الشوارع الخلفيّة للمدينة وأمعاؤها، ولذلك فالفضاء المعوي للمدينة هو عالم اللصوصيّة وعالم العُنف، وجزء من ذلك العُنف موجود في الخطاب، إذْ لا يُمكن أن تتحدّث عن فضاء قائم على التحرّش دون أن تكون الكلمات التي تُسمّى نابية، سيّدة الكلمات. نحن نعلم أنّ في تلك الفضاءات بين الكلمة النابية والكلمة النابية هناك كلمة نابية، فكيف سنوهم المتلقّي بأنّ عملنا واقعي؟ الرواية لا تتنازل عن دورها في الإيهام بالواقعيّة، والمسألة ليست سهلة على الإطلاق، لأنك عندما تذهب إلى تلك المنطقة، فعليك أن تُقنع أنّ تلك الشخصيّة فعلا تقول ذلك في خطابها حتّى أصبحت مزعجة للمتلقّي، ولا يريد أن يراها أو يعترضها، لأنّها تؤذي سمعهُ وهذا دور الأدب، لا بدّ أن يكون مؤثّرا بصدقهِ وبواقعيّتهِ؛ فالخطاب الفاحش كما بحث في ذلك طالب تونسي، يُمكن أن نُسمّيه بعنف الخطاب، وعنف الخطاب يشمل الكلمة ويشمل المشهد، ولهذا يمكن أن نتحدّث عن عنف الخطاب، ولا نتحدّث عن فحش الخطاب، لأنّ كلمة فحش ذات مضمون أخلاقوي، "كاميلو خوسيه ثيلا" كتب معجم الكلمات النابية في إسبانيا لتوثيق ذلك المعجم، وهذا ما أشتغل عليه، وهو من باب الاستعارة فوجود نعت أو صفة لامرأة في النص هو ليس إيذاء للمرأة، بل كشفا للخطاب الذكوري الذي ينتجها، والذي يُلخّص كلّ ذلك الكائن الذي يُسمّى امرأة، بأنّ يُطلق عليها كلمة مومس، أو كلمة أقوى من مومس في بعض الأحيان لدون سبب. هذا الخطاب موجود لدينا، وعلينا كشفه، والطريقة المثلى لتحقيق ذلك هي الأدب، فهذا خطاب مجتمعي خطير جدًّا، واستعمالي له ليس من باب الاستعراض، وإنّما من باب كشفه وتوضيح مسألة العنف. إن عنف الخطاب هو مشروعي الأدبي برمّته أنا أشتغل على العنف بأشكاله المختلفة وعلى رأسها عنف الخطاب، العنف المادي... أول رواية لي تتحدّث عن العنف الممارس ضد المرأة من خلال شخصيّة الشلّاط، الذي يطارد النساء بمشرطه، ويؤذيهنّ في عجائزهنّ بالمشرط. في هذه الرواية أتحدث عن العنف الذي تتعرض له المرأة، والعنف الذي يتعرض له السود من خلال شخصيّة النيقرو، الذي يقع تعنيفه ماديّا بضربه بالسكين على وجهه، وفي الوقت نفسه تعنيفه بالخطاب العنصري، لأن هناك عنفا آخر موجّها ضدّ ما يُسمّى بالوافدين على العاصمة، أو ما يسمّى بالنازحين، وهذا أيضا جزء مما يُسمّى بعنف الخطاب، وبعد ذلك يكون عنف المتخيّل من خلال شخصيّة ابن خلدون الذي يذهب ليعيش في عالم فانتاستيكي، أُناسه برؤوس بغال ويطاردهم طائر المخاخ الذي يمتصُّ عقولهم. أمّا في الرواية الثانية، فأتناول العنف السياسي بالأساس، عنف السلطة تجاه المواطنين، من خلال شخصيّة صالح الغوريلا، وأيضا هناك تفكيك لمسألة العنصريّة ضدّ السود وأطفال بورقيبة.

وبهذا الشكل يتواصل الحديث عن خطاب العنف في كلّ أعمالي، ففي رواية "عشيقات النذل" يحضر العنف في كل مكان من الرواية من أوّل سطر إلى آخر سطر بالرواية، عُنف ضدّ الأقليّات الدينيّة في تونس، كاليهود من خلال شخصيّة إيبو، وهو شخصيّة واقعيّة مستلهمة من إيبو قمحي المحامي اليهودي بسوسة، عنف طبقي، حتّى أنّ العنف تجاوز الإنسان ليشمل الحيوان. لهذا، فقبل أن ينزعج القارئ أو الناقد من كلمة نابية في الخطاب، عليه أن يعي أنّ أبسط أشكال العنف هي تلك العبارات التي يراها عنيفة، إنّما الواقع أكثر سرياليّة وأكثر عُنفا من تلك الكلمات البسيطة الموجودة في المعجم.

ضو سليم: من الرواية باعتبارها جنسا إبداعيًّا تخييليًّا، إلى اليوميّات بوصفها ضربا من الكتابة المنتمي إلى منظومة أدب الذات، وما بين الضربين من اختلاف وفوارق معياريّة صارمة، كيف استطعت تلافي هذا الخيط الرفيع الفاصل بين النوعين، ونجحت في إنشاء يوميّات مستجيبة لشروط النظريّة الأجناسيّة لكتابة اليوميّات؟

كمال الرياحي: كنت جاهزا لكتابة اليوميّات ثقافيًّا، لأنّني أرى أنّ الوعي بالجنس الأدبي مهم جدًّا قبل أن نتجاوزه، لأنّ ثمّة فرقاً كبيرا بين الخروج عن الجنس وتطوير الجنس الأدبي؛ فالذي يخرج عن الجنس هو غير واع به، والذي يطوّر الجنس يجعله يتّسع ليتجدّد في أشكال جديدة، وذلك هو ما فعلته في "واحد صفر للقتيل"، وهذا الجنس الهامشي الذي جعلته جنسا مقروءا مركزيًّا، يُضيف الكثير ويحقّق المتعة للقارئ، ويحقق أيضًا تقدما وتطويرا لجنس اليوميات. طبعا، كان ذلك نتيجة ثقافة في هذا الجنس إبداعيًّا، لأنه حتى نقادنا العرب للأسف، عندما يتحدثون عن هذا الجنس؛ فمعارفهم ضئيلة جدا ومتواضعة، فأنا عندما أسمع بعض المفاهيم حول اليوميّات يُصيبني الإحباط من ناحية، وأحيانا أجدني أضحك من هذه السذاجة التي نُعرّف بها جنسا أدبيًّا، فعندما تعرّف اليوميّات انطلاقا من تعريف باتريس ديدي، فهذه سذاجة في الحقيقة، فتلك المفاهيم التعليمية البسيطة التي نريد أن نعلمها للأطفال كي يفرقوا بين جنس أدبي وآخر، كأن نقول لهم إنّه كتابة وقائع يوم بيوم وكتابة وقائع في وضعياتها الساخنة... ضع هذا التعريف واقرأ يوميّات كافكا، فلن تجد تطابقًا مع ذلك المفهوم. يوميات كافكا التي فيها مشاريع كتابة، والتي فيها كتابة الكوابيس والأمراض، ومشاريع القصص، ومشاريع الروايات، وأحيانا جمل منفلتة هكذا... كيف يمكن تطبيق ذلك المفهوم الساذج على يوميات كافكا؟ فما بالك بيوميات أخرى كاليوميات الفلسفيّة، اليوميات المعقّدة، يوميّات الفنانين ويوميات السينمائيين...؟

لا بدّ أنّ السكون والاطمئنان للنصّ التنظيري مهما كان مصدره، يمثّل كارثة حقيقية على المعرفة، فنحن نستأنس بالأعمال النظريّة ولا نخضع لها، وأنا كمبدع أتعرّف لأنّ المعرفة مهمّة، ولكنني لا أنضبط لها، هذا التنظير جاء بعديًّا أصلا، وبعديًّا في مرحلة متحرّكة. فالجنس الأدبي يظهر، ثمّ يتراكم فتظهر النظريّة، والجنس الأدبي عندما يتقدّم، فعلى النظريّة أن تتغيّر، لأنّ هذا الجنس يتطوّر بطبعه، والنظريّة لاحقة، وعليها أن تتطوّر وتلاحق نفسها دائما. فيليب لوجين ينسف مفهومه لليوميات، مفهوم بياتريس ديديه؛ فبعد 18 سنة من دراسة اليوميّات، يضع فيليب لوجين مفهوما لليوميّات يتجاوز فيه المفهوم الأوّل، مثلما سقط هو في أخطاء عندما عرّف السيرة الذاتيّة، لكنّه تعلّم أنّ عليه أنْ لا يكون صارما، ولا يضع حدودا نهائيّة للجنس الأدبي، لأنّه بذلك سيُدمّر نظريّتهُ، لأنّه سيأتي من يُدمّرها. لكن عندما يكون المفهوم نسبيا، فستكون الأمور نسبيّة، وعندما تحيطها بأسوار، فتلك الأسوار ستنفجر.

النقد العربي للأسف نقد رجعي، بمعنى أنّه متعصِّب جدًّا للنظريّة، وخاضع لها كلّ الخضوع ويتعامل معها كنصّ ديني، فمثلما يُرفضُ الاجتهاد في النصّ الديني يرفض الاجتهاد في النصّ الأدبي، وهذا لا بدّ أن يُعاد النظر فيه في المؤسسة الأكاديميّة، هذا الجنس متطوّر جدّا في الغرب، ولم يصلنا هذا الجنس إلّا عبر التأثّر بالغرب، لأنّنا نحن في شمال إفريقيا متأثّرون بما يأتي من أوروبا. عندما تحرّك هذا الكتاب في شمال إفريقيا طُبع في تونس، وأصبح مرجعا أساسيًا وأغلب من استشهدوا به لم يقرؤوا هذا الكتاب برمّته، ولم يأخذوا منه إلّا تلك المفاهيم البسيطة، في حين أنّ هذا الجنس الأدبي يتجاوز الأدب، ويتجاوز الكتابة ليغدو بذلك أسلوب حياة. عندما يقول فيليب لوجين، الذي اشتغل 18 سنة على هذا الجنس، ساخرا إنه نسي أن يُعرّفهُ، وبعدها يقول الآن، بعد أن أنهيت هذه الأنطولوجيا يمكن الآن أن أضع مفهوما، ويقول إنّ اليوميّات سلسلة من الآثار المؤرّخة، مفهوم السلسلة أنها تبدأ من الحلقة الأولى، إذن يمكن أن تكون يوميّتان هي يوميّات تدرسها كجنس يوميات، ولا تبحث عن تراكم، وهي آثار؛ أي إنّه أخرجها من الكتابة نهائيا، وأصبحت الكتابة شكلا من أشكال اليوميات، وليست كل اليوميات؛ أي يمكن أن تكون أفلاما أو رسوما أو لوحات. الشيء الوحيد الذي ضبط فيه ممارس اليوميات، هو التأريخ، وهذا ما سقط فيه كلّ من مارس فنّ اليوميّات من العرب إلى الآن، فقد أهملوا التأريخ. كما لو أن فيليب لوجين يقول دع التاريخ واكتب ما تريد تحته، فهو يوميات بالمعنى الشكلي. الفنُّ أن تعود إلى الماضي أو تكتب الحاضر، فهذا أمر يعنيك، وكلّ ما هو دون تاريخ يُصبح مذكرات وبالتاريخ يُصبح يوميّة، لماذا يوميّة وأنا أتذكّر الماضي البعيد؟ هو يوميّة لأنّني الآن أتذكّرُ الماضي البعيد، وأسجّلُ الآن أنّي أتذكّر. إذن، الواقعة هنا هي واقعة التذكّر، باعتبار أنّ عمليّة التفكير في حدّ ذاتها هي واقعة، من هنا نجد الكتابات النقديّة العربية في فوضى كبيرة من استعمال الماضي في اليوميّات. أما ما تحت التاريخ حسب فيليب لوجون هو الأثر والأثر حرٌّ، ولست مرتبطا بأن تتحدّث عمّا حدث لك في الواقع ذلك الصباح، وذلك اليوم، لأنّك كما قلت يمكن أن تضع التاريخ وتضع صورة تحته، ليست الحادثة هي تلك الصورة، إنما وضع تلك الصورة تحت ذلك التاريخ، هو الذي يجعلها يوميّة... المسألة معقّدة لكن من خلال هذا الوعي المركّب والتساؤل، أردت أن أسائل اليوميّات في حدّ ذاتها، وعندما كتبت "واحد صفر للقتيل" لم أكن أسرد وأمارس يوميات بشكل ساذج، بل كنت أفجّرها من الداخل، أفجّر المُدوّنة الغربيّة والعربيّة التي قرأتها، وفي الوقت نفسه أسائلها وأكتب اليوميات كما أراها، فهي عملية تفكير فيها فلسفة وفيها رؤية للعالم ورؤية للأدب ورؤية للكتابة ورؤية للممارسة.

ضو سليم: قمت بتأسيس "بيت الرواية" في تونس، وهو أول بيت عربي لهذا الجنس الأدبي، فما هي الإضافات التي قدمها البيت للسرد العربي؟

كمال الرياحي: أنا لا أقدّم جوابا عن هذا السؤال، الجواب يقدّمه الكتاب والنقاد الذين حاضروا في البيت، لكن في اعتقادي هذا البيت هو أول بيت للرواية في العالم العربي، وأول مؤسسة رسمية تعنى بالرواية في العالم العربي، ورُبّما في العالم بإمكانيات قليلة. أثبتت في أقلّ من عام نجاحها، من خلال حراك عجيب في كلّ الاتجاهات العالمية العربية الوطنيّة، وهذا ما يعني أنّ هذه المؤسّسة حقّقت إضافة نوعية للمشهد الثقافي التونسي، وهذا يمكن أن ترصده عبر الإعلام وعبر الأسماء التي قدمناها في بيت الرواية، إمّا كتّاب أعدناهم للساحة بعد غياب طويل، وهو ما أشار إليه الروائي "عبد القادر الحاج نصر"، الذي قال: "من فضائل بيت الرواية أنّه أعاد الحياة للعديد من الكتّاب الذين غابوا تماما، وهذا شيء مهم لنعيد الاعتبار للكتاب والمبدعين في تونس"، أو أن نُقدّم جديد الرواية في البلاد التونسيّة في فضاء لائق بها، وهو بذلك يقوم بديناميكيّة قويّة. أنت تعلم أنّ بيت الرواية عندما يستضيف روائيا ليوقّع روايته، تُصبح تلك الحملة التي نشُنّها إعلاميًّا وذلك اللقاء، سببا في عشرات اللقاءات مع ذلك الكاتب، فأنت تقوم بدور تعريفي بالكاتب وبالكتاب، وتُروّج له وتُطلقهُ، ليكون له موسم ثقافي خاص به في ذلك العام من مؤسسة كبيرة تتحرّكَ بالقسم الإعلامي لمدينة الثقافة، هذا من ناحية، ومن ناحية اللقاءات الخاصّة التي تُقدّم التجارب التّونسيّة المكتملة والتجارب المهمّة، إذْ نظّمنا ملتقى تونس للرواية العربية، الذي انتزع مكانة مرموقة واستثنائيّة في العالم العربي، لا أريد أن أذكر ملتقيات أخرى، لكن ذلك الذكاء الذي قُدّم به منتدى تونس للرواية العربية، كان مبهرا، ولعلي أستعير عبارة إلياس خوري الذي قال: "أنا لست سعيدا أنا منبهر"، لأنه يعرف أن ملتقيات الرواية في العالم العربي لا يحضرها أحد.

في بيت ّالرواية ولمدة ثلاثة أيام، ظل المسرح يعج بالحاضرين، توقيعات الكتب قدّمت حراكا كبيرا للمشهد الروائي، وساهمت في صناعة نجومية الأدباء، المكتبة التي تُجمّع المدوّنة التونسيّة والعربيّة والعالميّة الآن فيها أكثر من خمسة آلاف كتاب، وقد أنجزت في وقت قياسي، ومازالت تتحمّل عشرة آلاف كتاب آخر على الأقلّ.

بيت الرواية فتح أيضا، نوافذ على الرواية العالميّة؛ ففي السنة الماضية كان لنا انفتاح على الرواية البرتغاليّة حين استضفنا الروائي الكبير "أفونسو كروش" مع مترجمه التونسي أيضا عبد الجليل العربي، وهو أستاذ وأكاديمي بجامعة لشبونة، وهو أول من عرّف بأفونسو كروش في العالم العربي، وقدّم محاضرة حول الرواية البرتغاليّة، وقام بترجمة اللقاء الخاص ترجمة فوريّة لأفونسو كروش. ماذا قدّم بيت الرواية؟ جاء بالروائي العالمي، وقام باستعادة نخبتنا التونسيّة في الجامعات العالميّة، وقدّمناهم للجمهور التونسي. تسألني ماذا قدّم بيت الرواية؟ قدّم هذا الجانب التثاقفي والتثقيفي للمشهد الروائي، فهذا فيه تطوير للوعي بفنّ الرواية بتونس والعالم العربي، ومن شأنه أن يخلق أجيالا جديدة وواعية بما تعنيه الرواية، حتى الأطفال وقع استهدافهم من خلال تخصيص جوائز لهم، فالكل يتحدّث دون كيشوت لأسبوع كامل، والسنة القادمة ربما سنكون مع شخصية روائية أخرى سنكشف عنها قريبا.

[1] - مجلة ذوات العدد 60