المسألة الأخلاقيّة في الثقافات القديمة


فئة :  أبحاث محكمة

المسألة الأخلاقيّة في الثقافات القديمة

المسألة الأخلاقيّة في الثقافات القديمة*


الملخّص:

هذا الفصل شأنه شأن الفصول الأولى في كلّ البحوث العلميّة، يتمثّل دوره في البحث في الخلفيّات الفلسفيّة، التي تمثّل جزءًا من الأطر المرجعيّة لمبحث الأخلاق في المجال العربيّ قبل الإسلاميّ. وهي الخلفيّات التي سيكون لها تأثير بالغ في المنظومة الإسلاميّة النظريّة والعمليّة المؤسّسة حول ما ستسمّيه هذه المنظومة نفسها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وفي هذا السياق ينشغل الباحث ببحث هذه الخلفيّات في النظريّة الأخلاقيّة الموجودة في تلك الفترة، عبر محورين حضاريين مهيمنين، هما المحور الغربيّ الذي تمثّله الفلسفة اليونانيّة في بداياتها التأسيسيّة للمشروع الفلسفيّ الإنسانيّ، والمحور الشرقيّ الذي تمثّله الثقافة الشرقيّة القديمة، والتي يحصرها الباحث في مجال الشرق القديم المكوّن من إقليم الشرق الأقصى (بلاد آسيا الشرقيّة: الصين والهند) وإقليم الشرق الأدنى (بعض بلاد المتوسط الشرقي: تركيا وبلاد الشام ومصر)، وإقليم الشرق الأوسط (بلاد غرب آسيا: إيران، شبه الجزيرة العربيّة والعراق).

وإجرائيًّا يوجّه الباحث اهتمامه في بحثه ذاك نحو مفهومي الخير والشرّ في ذينك المحورين. فيكشف فيما يخصّ المحور الغربيّ، أي اليوناني، أنّ هذين المفهومين صيغا في سياق التأسيس اليونانيّ للفلسفة، بوصفها بحثًا في الوجود الإنسانيّ، يتّخذ فيه البحث الأخلاقيّ مكانًا مركزيًّا. وفي إطار هذا البحث كان تنظير فلاسفة اليونان الأوائل بداية بمعلّمهم سقراط، وتلامذته، لا سيّما أفلاطون وأرسطو، لمفهومي الخير والشرّ، وصولاً إلى أهمّ المدارس الفلسفيّة اليونانيّة، كالأبيقوريّة.

وما تكشفه دراسة هذا التنظير من قبل الباحث، هو أنّ اليونانيّين ربطوا مفهوم الخير والشرّ، بالهدف الذي تصوّروه من الوجود الإنسانيّ وهو السعادة، فكلّ ما يسهم في تحقيقها خير، ونقيضه شرّ عندهم. ولهذا كانت اللذّة صنوًا للخير عند الأبقوريّين لأنّها ما يجلب السعادة، في حين كان مصدرها الفضيلة في سائر مذاهب الفلسفة اليونانيّة الأخرى.

ولكنّ مفهوم الخير والشرّ بقي بصفة عامّة ذا مدلول عمليّ، لا يكتشفه العقل من عمل مجرّد على ذاته، إنّما من تفاعل للعقل مع الواقع الذي يعايشه.

أمّا في المحور الشرقيّ الذي كان متأثّرًا بقوّة بفلسفة الغرب، عبر وساطة الرواقيّة، والأبيقوريّة، والأفلاطونيّة، فقد تجسّدت نظريّة الخير والشرّ في تلاقح ثلاثة روافد ثقافيّة هي الرافد اليونانيّ، والرافد الفارسيّ، والرافد الصينيّ. وهذه الروافد الثلاثة تبلورت من خلالها نظريّة أخلاقيّة خصّصت لموضوعيّ الخير والشرّ مكانًا مركزيّاً لهما. وإجمالاً يمكن القول إنّ هذه الروافد الثلاثة تشترك في ربط تصوّر الخير والشرّ بتصوّر مثاليّ للعالم، ثنويّ يفصل بين عالم روحانيّ وعالم المادّة. وعلى أساس هذا الفصل ينظر إلى الخير والشرّ بوصفهما موضوعي صراع يجب أن يقود حياة الإنسان ليحقّق انتصار الخير على الشرّ. وفي جميع هذه الروافد يدرج هذا التصوّر للحياة في تصوّر للكون يجد فيه اللّه موضعه على قمّته بمختلف التصوّرات لهذا الإله بين الأفلاطونيّة المحدثة أو الغنوصيّة الفارسيّة وفروعها الزرادشتيّة، والديصانيّة، والمزدكيّة، والفلسفة الصينيّة بفروعها في التاويّة والكنفوشيّة. ويمثّل الخير في جميعها هدف صيرورة تطهّر موجّهة للفعل الإنسانيّ.

وإجمالاً فإنّ ما يتوصّل إليه الباحث من خصائص هذين المحورين الغربيّ والشرقيّ، اللّذين مثّلا الرّافدين الأهمّ للمنظومة الأخلاقيّة في المجال العربيّ قبل الإسلاميّ، فهو عنايتهما بمسألتي الخير والشرّ في سياق اهتمامهما بالمسألة الأخلاقيّة، عناية عمليّة سطّرت شروط الحياة الأخلاقيّة للإنسان. وهي الشروط التي ستوجد آثارها في المجال العربيّ ما قبل الإسلامي في القرن الخامس الميلاديّ، القرن الممهّد لظهور الإسلام.

  للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا


* تمثل هذه الدراسة الفصل الأول من كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الفكر الإسلاميّ القديم"، تأليف: فيصل سعد، مؤسسة مؤمنون بلا حدود والمركز الثقافي العربي، بيروت، 2014، ص ص 42-65