تَرْجَمَةُ الْمُصْطَلَحِ إلى العربية: الدَّلاَلَةُ وَالْوَاقِعُ، الْمَبْنَى والْمَعْنَى


فئة :  أبحاث محكمة

تَرْجَمَةُ الْمُصْطَلَحِ إلى العربية:  الدَّلاَلَةُ وَالْوَاقِعُ، الْمَبْنَى والْمَعْنَى

تَرْجَمَةُ الْمُصْطَلَحِ إلى العربية:

الدَّلاَلَةُ وَالْوَاقِعُ، الْمَبْنَى والْمَعْنَى

مُلَخَصٌ:

المعاني والألفاظُ لاَ تُوجدُ في الخارجِ؛ فالإنسانُ هو صانعُ المعنى، وواضعُ اللَّفظ الدَّال على ذلك المعنى. تتحقَّقُ دلالةُ الألفاظِ على المعاني وتعبِّر عنها من خلالِ التَّواضُع والاتفاقِ داخلَ لغةٍ محدَّدة. وبما أنَّ الإنسانَ ينتمي إلى ثقافاتٍ مُتعدِّدةٍ، ويتحدَّثُ بألسُنٍ عدةٍ، فإنَّه يُعبِّر عنِ المعاني بألفاظَ مُختلفةٍ. وعليه، فدورُ التَّرجمةِ هو نقلُ المعاني منْ خلالِ الألفاظِ الدَّالةِ عليها من لسانٍ إلى لسانٍ آخر بألفاظَ مناسبةٍ، مبنيةٍ على قواعدَ فهمِ اللسانين، المنقول منهُ، والمنقول إليهِ. غرضُنا الأساسُ في هذه الورقةِ بيانُ الاختلالِ الَّذي أصابَ ترجمةَ بعض الاصطلاحات الَّتي كُتِبَ لها الشُّيوع والذُّيوع في الحقلِ الثَّقافيِّ العربيِّ، واستنتاج الشروط الخاصة بالوضع والشروط الخاصة بالنقل.

تقديم:

بما أنَّ للإنسانِ عقلاً دون غيره من الكائنات، ويستطيعُ بواسطة هذا العقلِ أنْ يتمثَّل المعاني، وبما أنَّ له إحساساتٍ داخليةٍ، وله إدراكات حسيَّة تنقلُ له انطباعاتٍ عن الأشياء الخارجية، وله قدرة على إصدار الأصواتِ، فإنَّه هو صانعُ اللُّغة، وواضعُ المعاني الَّتي يُعبِّر عنها بواسطة هذه الأصواتِ، وليست هذه الأصوات في آخر المطاف سوى الألفاظ الَّتي يُطلقها على ما يُحس به أو عن ما يُدركه بالحواس، وقد تُعبِّر هذه الألفاظ عن الأشياء المتصوَّرة بالعقلِ من المُجرَّدات الَّتي لا وجودَ لها في الدَّاخل أو الخارج، وقد تكون رموزاً وإشاراتٍ مُتواضع عليها ومتفق حولها. وبما أنَّ قدراتِ الإنسانِ قد نمَت عبر التَّاريخ، واستطاع أنْ يبتكِر مجموعة من العلوم، فكان لا بُدَّ له من تحديدِ الألفاظ الَّتي تخُص كلَّ مجالٍ، وبذلك استطاعَ أن يضعَ المُصطلح المُحدَّد الدَّلالة، بالإضافةِ إلى الألفاظ الَّتي تحملُ في طياتها معانٍ مغايرة. لكنَّ الأصوات الَّتي يُطلقها على هذه الأشياء، سواء كانت ألفاظاً أم مصطلحاتٍ، لا تتطابقُ، وإنَّما تختلفُ وتتعدَّد بحسب اختلاف وتعدُّد الثقافات، ممَّا يجعلُ التَّواصل بين هذه الثقافات يحتاجُ بالضَّرورة إلى النَّقل والتَّرجمة. فإذا كانَ العربيُّ، على سبيل المثال، يشيرُ إلى النبْتة الَّتي لها جذور ممتدة في الأرض، ولها جذعٌ طويلٌ، ولها أغصان، بلفظ "الشجرة"، فإنَّ الفرنسيَّ يشيرُ إليها بلفظ "arbre"، والإنجليزيَّ بلفظ "tree"...ولهذا، فإذا نطقَ الإنجليزيُّ مخاطباً العربيَّ بلفظ "tree"، فلا سبيلَ لفهم العربيِّ لهذا اللفظ سوى بذكر ترجمته؛ أي بلفظٍ يقوم مقامَه في لسانه، الَّذي هو لفظ "الشجرة"، وهكذا دواليك في كلِّ الألفاظ بين كلِّ الثقافاتِ واللُّغات. كما أنَّ داخلَ كلّ ثقافةٍ واحدةٍ، وداخلَ كلِّ لسانٍ واحدٍ، نجدُ ألفاظاً عدة تدلُّ على الشَّيء الواحدِ، وهو ما نُسمِّيه بالترادف، والَّذي يعكسُ التَّنوعَ والاختلافَ الحاصل في كلِّ لسانٍ، وهو ما يجعلُ الألفاظ تُفسِّر بعضها ببعض في اللِّسان الواحدِ كما هو حاصلٌ في المعاجمِ والقواميسِ الخاصةِ بكلِّ لسانٍ، ثم إنَّنا نجدُ لفظاً واحداً له دلالات عدة، وهو ما نُسمِّيه بالاشتراك، أو نجدُ ألفاظاً عامةً وكليَّة تطالُ كثيراً من الأشياءِ، وهو ما نُسمِّيه بالمُتواطئ، كما أنَّ الألفاظَ والمصطلحاتِ الَّتي يضعُها الإنسانُ لا تُقيم على حالٍ، فقد يتغيَّر رسمُها، وقد تتغيَّر دلالتُها، قد تزيدُ هذه الدَّلالة وتتسعُ، وقد تنقصُ وتضيقُ، قد تتحسَّنُ هذه الدلالة، وقد تسوءُ، ومن هذه الألفاظ ما يُهجَر ويُنبَذ ويُسمَّى المهمل، ومنها ما يظلُ مُستعملا ويحتفظُ بدلالتِه أو قد تتغيَّرُ هذه الدلالة، ويُسمَّى المُستعملُ أو المُتداول. لذلك نجد في العلمِ كثيراً من المُصطلحاتِ عبارة عن ألفاظٍ قديمةٍ، أُعطيَت لها معانٍ جديدة، كما لا ننْسى أنَّ الألفاظ تهاجرُ من لسانٍ إلى لسانٍ، ويتغيَّر شكلُها مع بقاءِ دلالتِها، وتصبحُ أصلاً تشتقُ منه ألفاظ أخرى، وهذا حاصلٌ في كلِّ الألسُن، وفي كلِّ الخطاباتِ بما في ذلك الخطاب الدِّيني المقدس، كما أنَّ الألفاظ ترحلُ من مجالٍ إلى مجالٍ وتُعطى لها دلالات تختلفُ حسب كلِّ مجالٍ على حدة.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا