الإسلام العامُّ كتِرياق للعُنف؟


فئة :  ترجمات

الإسلام العامُّ كتِرياق للعُنف؟

الإسلام العامُّ كتِرياق للعُنف؟[1]

الإرهاب والنِّقاش العامُّ:

الآن وأكثر من أيِّ وقتٍ مضى؛ أصبح على المسلمين - سواءٌ كانوا متديِّنين أو علمانيِّين- أن يواجهوا قضايا الهويَّة والعنف من خلال نقاش عامٍّ مفتوح. قبل أن يأخذ عدد القتلى بالعراق في التَّزايد منذ شنِّ الحرب الاستباقيَّة ضدَّ العراق عام 2003. لقد كانت كولومبيا تتصدَّر كلَّ بلاد العالم في أعداد الوفيَّات النَّاتجة مباشرة عن الإرهاب، تليها سيريلانكا الَّتي لم تكن بعيدة عن المرتبة الأولى. ومع ذلك؛ فقد أبَت التَّمثيلات العامَّة إلَّا أن تضع الشَّرق الأوسط ذا الأغلبيَّة المسلمة في طليعة بؤر الإرهاب. فقد كانت أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر 2001 وتفجيرات تشرين الأول/أكتوبر2002 ببالي بإندونيسيا وأحداث الهجومات الانتحاريَّة على طريقة «الكاميكاز» في أيار/مايو 2003 بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة والمغرب، وتفجيرات مدريد 11 آذار/مارس 2004، وتفجيرات وسط المدينة بلندن في 8 تموز/يوليو 2005، وهجمات بومباي 11 تموز/يوليو 2005، فضلاً عن التَّفجيرات وأعمال العنف المتكرِّرة في أماكن أُخرى، مثل القدس وبغداد وغزَّة وأيوديا بالهند، كافيةً لاختبار حدود التَّحضُّر والثِّقة لدى الرَّأي العامِّ العالميِّ، ونحت صورة في المخيِّلة العالميَّة عن إمكانيَّة وجود الإرهاب «الإسلاميِّ». وما يدعو للسُّخرية؛ هو أنَّ كلمة «كاميكاز» قد أضحت الكلمة اليابانيَّة الأكثر استخداما لدى النُّخبة المتعلِّمة العربيَّة. فهي الكلمة المفضَّلة لدى الجرائد المغربيَّة والصُّحف العربيَّة عبر الوطنيَّة كالشَّرق الأوسط (لندن) مثلاً، حيث صارت بديلاً لإطلاق صفة «الشُّهداء» أو «الانتحاريِّين» على مُنفِّذي مثل هذه الهجمات. فاختيار هاتين اللَّفظتين يحمل دلالات متباينة في مجال الصِّراع السِّياسيِّ من أجل التَّحكُّم في المتخيَّل الشَّعبيِّ (pekonen 1989: 132).

ويهدف مُنفِّذو العمليَّات الإرهابيَّة إلى إعاقة النِّقاش المنطقيِّ حول ردود الفعل الملائمة، وغالباً ما تنجح أعدادهم الصَّغيرة في بلوغ مراميهم؛ عكسَ كلِّ التَّكهُّنات. ومع ذلك؛ فإنَّه من الضَّروريِّ على الباحثين والملاحظين النَّظر فيما وراء الأحداث العاجلة والمزعجة في غالب الأحيان، وتبيُّن التَّوجُّهات والتَّطوُّرات الطَّويلة المدى والَّتي يحتمل أن تُحدِّد سياسات العالم لسنوات قادمة. أقلِّيَّة ضئيلة فقط من المسلمين تستخدم أو تقبل الإرهاب باسم الدِّين، بالرَّغم من أنَّ العديد يرونه سلاحاً للضَّعيف. كما أنَّ التَّبريريِّين يتذرَّعون بكمٍّ هائل وجاهز من الأمثلة على الإرهاب بين الهندوس والبوذيِّين واليهود والمسيحيِّين ومُعتنقي ديانات أخرى. ومع ذلك؛ فإنَّ ممارسات هذه القِلَّة هي الَّتي استحوذت على مُخيِّلة المجتمع السِّياسيِّ العالميِّ، وغيَّرَت ملامح الشُّعور بالتَّهديد السِّياسيِّ. وفي هذا السِّياق؛ لن نتفاجأ بكون التَّيَّارات السِّياسيَّة في البلاد ذات الأغلبيَّة المُسلِمَة غالباً ما تتَّسِم بالعُنف والتَّناقض، ولكن ربَّما يرجع ذلك للأنظمة الاستبداديَّة للعديد من تلك الدُّول. و«الإسلام العامُّ» -وهو مفهوم مُتَّصِل حميميَّاً بالإعلام الجديد والشُّعور المتنامي بالانتماء- ليس بدوره مُستثنَى مِن تلك التَّناقضات، إلَّا أنَّه في الغالِب ما يتَّسم بالفعاليَّة في مواجهة العنف.

الإسلام العامُّ المُعاصِر:

كانت النَّظريَّات السَّائدة عن التَّحديث والحداثة في منتصف القرن العشرين تُسلِّم بتزايد تقوقع الحركات والهويَّات والممارسات الدِّينيَّة في الهامش، وتفترض تلك النَّظريَّات أنَّ أولئك المثقَّفين والزُّعماء الدِّينيِّين المرتبطين بمفهوم الدَّولة الوطنيَّة؛ هم فقط مَن سيواصلون لعب الأدوار البارزة في الحياة العامَّة. والواقع أنَّ الجزم بأفول نجم الخطاب الدِّينيِّ في الحياة العامَّة في أمريكا الشَّماليَّة وأوربا؛ مُبالغٌ فيه. فقد كان خوسيه كازانوفا (1994) أوَّل مَن لاحظ أنَّه مع نهاية السَّبعينيات؛ لم يستطع هذا التَّصوُّر الواسع الانتشار الصُّمود أمام تأثير العديد من التَّطوُّرات الموازية، كالثَّورة الإيرانيَّة وظهور حركة «تضامن» البولنديَّة، ودور اللَّاهوت التَّحرُّريِّ في الحركات السِّياسيَّة في كلِّ أرجاء أمريكا اللَّاتينيَّة، وعودة الأصوليَّة البروتستانتيَّة كقوَّة في الخطاب السِّياسيِّ الأمريكيِّ. وفي العقود الحديثة؛ تنامى اعتناق المسلمين في أوربا لهويَّات مختلفة، فتنامي الإسلام في أوربا على مدار العقود الثَّلاثة الماضية ليس مسألة أعداد فحسب، بل يرجع إلى الوعي المتزايد بمعنى الانتماء للإسلام في أوربا. ويُعدُّ جيل كيبيل من أوائل الَّذين أشاروا إلى ذلك من خلال عنوانه الفرعيِّ المختار بعناية: «الضَّواحي الإسلاميَّة: ميلاد دِينٍ في فرنسا» (1987) les banlieues de l'islam: وبالنِّسبة لبعض الأوربيِّين الَّذين سلَّموا بتراجع عنصر الدِّين في هويَّاتهم العامَّة؛ فقد فسَّروا تنامي الوعي الإسلاميِّ على أنَّه تهديد.

ومهما يكن؛ فإنَّ دور الدِّين في الحياة الاجتماعيَّة وطريقة عيش المجتمع في البلاد ذات الأغلبيَّة المسلمة لم يتراجع أبداً. وهذا لا يعني أنَّ هذا الدَّور لم يتغيَّر أو يتطوَّر في مسارات غالباً ما يُبالَغ في الاستهانة بها مِن قِبَل الملاحظين الغربيِّين، بل من المسلمين أنفسهم (zaman 2002). فمفهوم «المجال الإسلاميِّ العامِّ» بالألمانيَّة (islamische ?ffentlichkeit) لم يقفز إلى الواجهة إلَّا خلال العقد الأخير؛ عندما فطن رينارد شولز (2000 [1994])، في معرض ردِّه على أعمال يورغن هابرماس إلى بزوغ سياقاتٍ تُشكِّل البنية التَّحتيَّة لتواصل وخطابات الطَّبقة المثقَّفة الجديدة، منذ العهد الكلاسيكيِّ للإصلاح الإسلاميِّ في نهايات القرن التَّاسع عشر، مروراً بالتَّحوُّلات البنيويَّة في السِّتِّينيات والسَّبعينيات، إلى الآن.

لقد ساهمت مستويات التَّعليم المرتفعة وسهولة التَّنقُّل والسَّفر وبروز وسائل الاتِّصال الحديثة في كلِّ أرجاء البلاد ذات الأغلبيَّة المسلمة؛ في ظهور مجالٍ عامٍّ يُتيح لأعداد غفيرة من الأشخاص العاديِّين، وليس فقط للنُّخَب السِّياسيَّة والاقتصاديَّة المثقَّفة، قولَ كلمتها في القضايا السِّياسيَّة والدِّينيَّة. ونتج عن ذلك ظهورُ تحدِّيات جديدة تواجه الاستبداد وتشظِّي السُّلطة السِّياسيَّة والدِّينيَّة، وفتح المزيد من النِّقاشات المتعلِّقة بمسألة «المصلحة العامَّة»، الَّتي تعتبر من المفاهيم الأساسيَّة في التَّقاليد الفقهيَّة الإسلاميَّة. وفي نفس الوقت؛ أصبحت هذه النَّزعة غير متكافئة، وفي حالات عديدة؛ مُتناقضة (masud 2005).

يُحيل «الإسلام العامُّ» على استحضارات متعددِّة للإسلام من قَبِيل الأفكار والممارسات الَّتي يشارك بها الباحثون الدِّينيُّون والسُّلطات الدِّينيَّة المنتحلة لهذه الصِّفة، والمثقَّفون العلمانيُّون والطُّرق الصُّوفيَّة والأُمَّهات والطُّلَّاب والعمَّال والمهندسون، وآخرون كثيرون في النِّقاشات المدنيَّة والحياة العامَّة. وبهذه الحمولة العامَّة؛ يصنع الإسلام الفارق في صياغة السِّياسات والحياة الاجتماعيَّة لجزء هائل من العالم، وليس فقط للسُّلطات الدِّينيَّة المنتحلة لهذه الصِّفة. والإسلام يصنع هذا الفارق، ليس كنموذج لأفكار ومُمارسات مُعيَّنة فحسب، بل أيضاً كمنهج لتصوُّر وقائع سياسيَّة بديلة، وكفاعل يتعاظم دوره على الصَّعيدَين الإقليميِّ والدُّوليِّ، وبالتَّالي؛ يتمكَّن من إعادة رسم الحدود الثَّابتة بين الحياة الاجتماعيَّة والمدنيَّة.

لم تكن كلُّ هذه التَّوجُّهات خاصَّة بالعالم الحديث؛ فبإمكان المرء الاطِّلاع على التَّقرير الجذَّاب لمايكل كوك (2000) عن «الأمر بالمعروف والنَّهي عن المُنكر» في الفكر الإسلاميِّ، وهي دراسة تنطلق من القرون الإسلاميَّة الأولى لتشمل الحاضر. وبالإمكان اعتبار هذا التَّقرير التزاماً لكلٍّ من الفقهاء المسلمين، وجمهور واسع من المسلمين بقضايا ترتبط باهتمامات وشؤون المجتمع وسلوكه. وهذه الاهتمامات قد ساهم في تشكيلها كلٌّ من التَّطوُّر التَّاريخيِّ وتمثُّل الماضي في البلاد ذات الأغلبيَّة المُسلمة.

تدَّعي العديد من الأصوات الجديدة الصَّاعدة وقادة الحركات المتواجدة داخل الفضاء العامِّ المتناسل في العالم الإسلاميِّ المعاصر -وهو فضاءٌ تواصليٌّ ومادِّيٌّ في نفس الوقت- القدرة على تأويل أو استلهام نصوص وأفكار دينيَّة أساسيَّة، والاشتغال في سياقات محلِّيَّة وعبر وطنيَّة. إلَّا أنَّ هؤلاء المؤوِّلين الجُدُد لكيفيَّة تشكيل الدِّين أو للكيفيَّة الَّتي ينبغي أن يُشكِّلَ بها الدِّين المجتمعات والصِّراعات السِّياسويَّة؛ غالباً ما يعانون -شأنهم شأن نظرائهم في حركة تضامن البولنديَّة وحركات اللَّاهوت التَّحرُّريَّة في أمريكا اللَّاتينيَّة في الثَّمانينيات- من قصور في المعرفة الدِّينيَّة والفلسفيَّة الَّتي ميَّزت الباحثين الدِّينيِّين الَّذين أسَّسوا لمثل هذه النِّقاشات في العصور السَّابقة. وعلى الرَّغم من ذلك؛ فقد أفلح هؤلاء القادة الجُدُد والنَّاطقون الرَّسميُّون في الاستيلاء على مُخيِّلة عدد هائل من النَّاس. وهذه النَّزعات؛ غالباً ما تقوِّي الرَّوابط بين الجماعات المسلمة في البلاد ذات الأغلبيَّة المسلمة والجاليات الإسلاميَّة في كلٍّ من أوربا وأمريكا الشَّماليّة، وأصقاع أخرى.

الإسلام العامُّ في الواقع:

تتجاوز قضايا وأطروحات الفكر السِّياسويِّ الإسلاميِّ أكثر فأكثر الخصوصيَّات المحلِّيَّة أو الإقليميَّة. وبالتَّالي؛ فإنَّ «نشر» الإسلام في صيغته المعاصرة تمتدُّ جذوره إلى الممارسة، وليس إلى الإيديولوجيا الرَّسميَّة (adelkhah 2002). لقد خلق نشرُ الإسلام فضاءات اجتماعية جديدة، بحيث ازدادت وتيرة هذا التَّوجُّه بصورة ملحوظة منذ منتصف القرن العشرين، ومهَّدَ لتأويلات منفتحة ومختلفة للهويَّات السِّياسيَّة والدِّينيَّة.

مثل هذه الممارسات وما نتج عنها من فضاءات اجتماعيَّة؛ تستلزم الارتباط العاطفيَّ والفكريَّ بين الأطراف المشاركة في حلقات تواصليَّة وتضامنيَّة مُتداخلة، وإقامة أَوَاصِر مبنيَّة على الهويَّة والثِّقة. بعض هذه الممارسات ترتكز على الجماعات المحلِّيَّة. وأخرى مُتناثرة جغرافيَّاً تستهدف الجماهير المهيَّأة للتَّقبُّل. وكمثال على ذلك؛ يمكن أن نسوق استخدام البريد الإلكترونيِّ من طرف طلَّاب الجامعات الإندونيسيَّة الَّذين تمكَّنوا بفضل تنسيقهم من تنظيم احتجاجات في كلِّ الفضاءات الجامعيَّة على امتداد البلد بأكمله. وساهمت هذه الاحتجاجات في إسقاط الرَّئيس سوهارتو في بداية عام 1998. لذلك؛ فإنَّ مثل هذه الممارسات الحديثة وتكنولوجيَّات الاتِّصال الجديدة يمكن أن تخلق قواعد جديدة وفاعلة ومتناثرة جغرافيَّاً للتَّعبئة الفعَّالة. ولكن يمكنها أيضاً أن تُشكِّل تهديداً للتَّسامح والمجتمع المدنيِّ من خلال تسهيل دعاية الجماعات المتطرِّفة ودعواتها مناصريها للقيام ببعض الأفعال (hefner 2003).

إنَّ الممارسات الاجتماعيَّة الَّتي ترتكز على أفكار المصلحة العامَّة، والَّتي تساهم في تشكيل الإسلام العامِّ؛ تشمل أيضاً طقوساً جماعيَّة من قبيل الحجِّ إلى مكَّة والاحتفالات الشَّعبيَّة وتخليد المواسم الدِّينيَّة والدُّنيويَّة. كما أنَّها تتضمَّن تقاليد انضباطيَّة وفرجويَّة لا يختلف تنوُّعها عن تنوُّعِ الطُّقوس الصُّوفيَّة وزيارات الأماكن المقدَّسة المحلِّيَّة، والاقتصاد غير المُهَيكَل، وعادات التَّمدرس الرُّوتينيَّة، واستخدام الصَّحافة وتقنيات الاتِّصالات الحديثة. فالموقع الإلكترونيُّ النَّشيط والرُّباعيُّ اللُّغة لنادية ياسين (www.nadiayassine.net) والموقع العربيُّ لوالدها عبد السَّلام ياسين (www.yassine.net) في المغرب يوضحان بما لا يدع مجالاً للشَّكِّ كيف يمكن للطُّرق الدِّينيَّة الَّتي يفترض أن تكون «تقليديَّة» أن تتحوَّل بسرعة فائقة إلى حركات تحشو عقول جماهير عريضة بمسألة الدَّور الصَّحيح الَّذي يتحتَّم على الدِّين أن يلعبَه في المجتمع. وتمثِّل حركة فتح الله غولن، المتمركِزة في تركيا مع تزايد إشعاعها عبر الوطنيِّ، مؤشِّراً آخَر على هذا التَّوجُّه البارز. فحركة غولن تنشط دونَ أن تُشكِّل تهديداً واضحاً «للعلمانيَّة laicism»؛ أحد المبادئ المؤسِّسة للدَّولة التُّركيَّة الحديثة (turam 2006).

ليست فكرة المصلحة العامَّة إرثاً ثابتاً للتَّقاليد الدِّينيَّة أو المعياريَّة، حتَّى ولو زعم بعض النَّاطقين الرَّسميِّين المسلمين خلافَ ذلك. بل يتمُّ تعريفها انطلاقاً من مفاهيم أخلاقيَّة وقِيَم اجتماعيَّة يُتنازَع حولها، وتتمُّ إعادة تعريفها من خلال التَّفاعل والممارسة والتَّوارث عبر الأجيال. لقد وفَّرَت الطَّائفيَّة في أوربا المسيحيَّة الإطارَ الجنينيَّ والشَّكلَ الجماعيَّ المناسبَينِ لتطوُّر مثل هذه الأفكار والممارسات، وبالتَّالي؛ فإنَّه من الممكن فهم التَّقاليد الصُّوفيَّة والممارسات الدِّينيَّة الأُخرى لدى المسلمين كإسهامات مماثلة في رسم إطارٍ جنينيٍّ تشاركيٍّ، ولكن أيضاً باعتبارها الحدود السُّلطويَّة المتأصِّلة في علاقة الشَّيخ بالمُريد، لمثل هذه المشاركة ولفكرة المجال العامِّ ذاتها (pinto 2004). وكما هو الحال بالنِّسبة للطَّوائف المسيحيَّة؛ فإنَّ أصناف الصُّوفيَّة الأكثر أصوليَّةً وأشكال أخرى من مظاهر التَّقوى قد ساهمت في تشكيل ذوات استدلاليَّة، وإعادة صياغة العلاقة بين السُّلطة الشَّرعيَّة والسَّعي المستقلِّ للبحث عن الحقيقة. وعلى الرَّغم من أنَّ إمانويل كانط لم يولد بالعراق؛ إلَّا أنَّ طرق الاستدلال العامِّ تملك تاريخاً طويلاً وتقاليد راسخة في الفقه الإسلاميِّ، بشقَّيه السُّنِّيِّ والشِّيعيِّ، والَّذي ازدهر في العراق وألهم عمليَّة الإصلاح الإسلاميِّ الحديثة.

لقد لعبت أغلب الحركات الطَّائفيَّة في أوربا دوراً رئيساً في تطوير فكرة الذَّات النَّسقيَّة، وهي ذات تستمدُّ قوَّتها من الضَّمير الأخلاقيِّ الَّذي يمكن أن يواجه السُّلطة الثَّابتة لكلٍّ من الدَّولة والدِّين. ففي هذا المسار الأوربيِّ؛ يمكن للمجال العامِّ أن يتطوَّر فقط عندما يتمُّ الاعتراف بحرِّيَّة الضَّمير الفرديِّ وتقبُّلها. ومع ذلك؛ يمكن إقامة حجَّة عامَّة على قدرة الأفكار والممارسات الدِّينيَّة على رعاية المجال العامِّ الصَّاعد، وهذا ما حدث في البلاد ذات الأغلبيَّة المسلمة.

من الصَّعب فصلُ الأفكار المتعلِّقة بما هو عامٌّ عن سياقها التَّاريخيِّ وعن روابطها المتينة مع التَّصوُّرات الثَّقافيَّة المشتركة للذَّات والمجتمع. فهذه الأفكار تتموضَع في تقاطعات استراتيجيَّة بين الممارسة والخطاب. فالإسلام العامُّ مفهومٌ يمكن أن يشمل الممارسات والتَّفاعلات اللَّانخبويَّة وسابقاتها ما قبل الحديثة. كما أنَّ تطوُّرات المفهوم تتضمَّن تحدِّيات السُّلطة فيما يرتبط بتأويل النُّصوص المقدَّسة، وتغيير الكيفيَّة الَّتي تتمُّ بها صياغة القضايا. فالتَّصوُّر المشترك للمجال العامِّ المدمج داخل هذه التَّفاعلات الاجتماعيَّة؛ يتفاوت من مكان لآخَر ومن زمان لآخَر، بما أنَّ قضايا المسؤوليَّة الفرديَّة والرَّفاه والعدالة والتَّقوى، هي أمور مُتنازَع عليها وفي حالة تحوُّلٍ مُستمرٍّ.

حدود الفضاءات العلمانيَّة:

كيف يمكن لهذه التَّطوُّرات أن تنسجم مع الآراء حول المجال العامِّ المرتكزة على وجود عتبة علمانيَّة، وبكلِّ تأكيد محايدة دينيَّاً تؤطِّر النِّقاش العامَّ؟ فبعض الأفكار حول «ما هو علمانيٌّ» تُجرِّد أطراف السِّجالات العامَّة من هويَّاتهم الدِّينيَّة والثَّقافيَّة، أو على الأقلِّ تعمل على تهميش تلك الهويَّات. ولكن مِن شأن خلق ثقافة عامَّة تسعى إلى تنمية الحوار والنِّقاش؛ أن تتضمَّن أيضاً مشاورات حول القضايا ذات الاهتمام المشترَك من خلال استحضار أعراف الخطابات الدِّينيَّة والأخلاقيَّة والتَّشريعيَّة. ومن شأنها -بالإضافة إلى ذلك- تشجيع تصاعدٍ تدريجيٍّ لأنماط تجريديَّة من العضويَّة والمواطنة؛ تستند على الالتزامات والحقوق المتناغمة أكثر فأكثر مع اللُّغة القانونيَّة والرُّؤية التَّعاقديَّة للمجتمع.

على الرَّغم من الاعتراف المتزايد بأنَّ الدِّين يلعب دوراً مهمَّاً في الحياة العامَّة، ويستطيع أن يساهم في تعزيز المصلحة العامَّة؛ إلَّا أنَّه من الضَّروريِّ مواجهة الفرضيَّة السَّائدة الَّتي ترى أنَّ العلمانيَّة والعقلانيَّة العمليَّة المؤسَّسَة على العلمانيَّة؛ هما الأساسان المعياريَّان الحصريَّان للحياة العامَّة «الحديثة» (eickelman 2000; salvatore 1997, 2001; salvatore and le vine 2005). فالفكر والممارسة الإسلاميَّان فى العالَم الإسلاميِّ يمكن أن يُشكِّلا مصدرَ إلهام للاتِّجاهات العقلانيَّة العمليَّة؛ تماماً كما تلهم المقاربات العلمانيَّة الفعل الاجتماعيَّ. فبعض هذه الممارسات، بما فيها الطُّرق الصُّوفيَّة، تتفاعل معَ، وأحياناً تصطدم بأنماط مختلفة من العلمانيَّة المتضمَّنة في إيديولوجيَّات وممارسات أغلب الدُّول ذات مُجتمعات تقطنها أغلبيَّة مُسلمة، أو مُجتمعات تقيم بداخلها أقلِّيَّات مُسلمة.

خلال الفترة الممتدَّة ما بين القرن التَّاسع عشر إلى عصرنا الحاليِّ؛ يُمكن رصد معايير السِّجال والخطاب باعتبارهما نتاجاً لتلك التَّفاعلات والاصطدامات، ونتاجاً أيضاً لأصناف مُتعدِّدة من الأنماط الإسلاميَّة للسُّلوك المدنيِّ والعموميِّ، الصَّريحة منها والضِّمنيَّة. وهذا بدوره يتطلَّب مجهوداً لاستنطاق التَّاريخ الاجتماعيِّ، أو الجينيالوجيَّة، لإبراز معنى وبنية التَّواصل العامِّ والمشاركة في المجتمعات الَّتي تؤطِّرها التَّقاليد الثَّقافيَّة الدِّينيَّة والسِّياسيَّة الإسلاميَّة.

وتختلف الفترة الحاليَّة عن سابقاتها في السُّرعة والكثافة والأعداد الغفيرة للأشخاص المنخرطين في توسيع حدود التَّقاليد، لكنَّ الجماهير في العهود السَّابقة كانت بدورها منخرطة في هذا المشروع. إنَّ إعادة تشكيل الهويَّة الدِّينيَّة وأنماط التَّواصل والسُّلوكات العامَّة في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة خلال القرن التَّاسع عشر تكتسي أهمِّيَّة كبيرة بهذا الصَّدد. لنأخذ بعين الاعتبار، وعلى سبيل المثال، إسطنبول: المدينة الَّتي كانت تقطنها ساكنة مُتعدِّدة دينيَّاً وإثنيَّاً ولغويَّاً، وأيضاً ساكنة لم يتجاوز فيها عدد المسلمين أعداد غيرهم خلال الجزء الأكبر من تاريخ العهد العثمانيِّ. ومن الفرضيَّات الأكثر شيوعاً؛ هو أنَّ الجماعات الدِّينيَّة المختلفة كانت تعيش بشكل مُنفصل في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة، مع وجود حدٍّ أدنى من التَّفاعل المتبادَل والرَّوابط والولاءات الاجتماعيَّة المتطوِّرة؛ خصوصاً داخل محيطها الاجتماعيِّ. وهذه الفرضيَّة تصرف الأنظار عن تثمين الجانب الدِّيناميكيِّ والعلائقيِّ للعلاقات المجتمعيَّة بإسطنبول العثمانيَّة، ولا تروي الكثير عن شعور النَّاس بالهويَّة، وعن الولاءات الجماعيَّة. ففهم التَّحوُّل المستمرِّ للإمبراطورية العثمانيَّة من القرن التَّاسع عشر حتَّى الآن؛ يمكن أن يُيَسِّرَ استيعاباً أفضل لإمكانيَّات التَّحوُّل في البلاد ذاتِ الأغلبيَّة المسلمة المعاصرة (meeker 2002; kirli 2004; cinar 2005). إنَّ تعلُّمَ كيفيَّة التَّفكير والتَّصرُّف بشكل مدنيٍّ فى المجال العامِّ؛ عمليَّة طويلة الأمَد ومُميَّزة تاريخيَّاً، وتُقدِّم تركيا مثالاً حسناً لمزيج دقيق ومُعقَّد مِن العمليَّات والإمكانيَّات الدَّاخليَّة مع أُخرى «خارجيَّة». فإذا كانت المفاوضات الرَّسميَّة والمحفِّزات لدخول تركيا إلى الاتِّحاد الأوربيِّ تُوفِّر البنية الأفقيَّة؛ فإنَّ التَّوافقات والتَّعامل المرن لأتراك أوربا الَّذين يعودون لوطنهم بشكلٍ مُتكرِّر ويبقون على اتِّصال بوطنهم عبر وسائل الاتِّصال الجديدة (yavuz 2003: 180-184) توفِّر الحافزَ القاعديَّ والجماهيريَّ لإذابة التَّمييز المفترَض بين «الشَّرق» و«الغرب».

إنَّ التَّجربة الجماعيَّة التَّاريخيَّة للتَّعايش بين المسلمين وغيرهم في الإمبراطوريَّة العثمانيَّة يمكن تحليلها استناداً إلى مصالحهم المشتركة؛ باعتبارهم أفراداً في مجتمع نابض بالحياة. أمَّا في الهند؛ فيمكن وصف العلاقة بين الهندوس والمسلمين كعامل حاسِم في تطوُّر أفكار العلمانيَّة والتَّديُّن ارتباطاً بالمجال العامِّ. وفي مثل هذا المنظور التَّاريخيِّ الدِّياناتيِّ؛ فإنَّ أنماط الإسلام العامِّ في القرن العشرين تبدو كتبلورات عرضيَّة لعمليَّات تاريخيَّة أكثر تعقيداً. فعلى سبيل المثال: لطالما كانت المواجهات الإمبرياليَّة تكتسي أهمِّيَّة عظيمة للتَّطوُّر التَّاريخيِّ للنِّقاش العامِّ في المتروبول (metropole) والمستعمرات على حدٍّ سواء -وهو نفس السِّياق الَّذي أخرجَه الاحتلال الأمريكيُّ للعراق في 2003 إلى النُّور؛ رغم أنَّ معظم صانعي السِّياسة الأمريكيِّين المرتبطين بالعراق قد أقرُّوا بصعوبة فهم الاختلاف بين السُّنَّة والشِّيعة (stein 2006)، ناهيك عن خلفيَّات أُخرى تدخل في إطار البديهيِّ لدى معظم المتعلِّمين في الشَّرق الأوسط.

وعلى الرَّغم من هذا التَّنوُّع في الخبرات؛ فإنَّ معظم المسلمين يشتركون في مفاهيم موروثة حول أفكار المصلحة العامَّة. فتلك الأفكار المشتركة عن الماضي تؤطِّر الفهم المعاصر لِمَا هو عامٌّ في المجتمعات المُسلمة (eickelman and salvatore 2002). فعلى سبيل المثال، وعلى الرَّغم من أنَّ الباحثين المتديِّنين الإسلاميِّين «أي: العلماء» يزعمون أنَّ الله أوحى بأفكار المصلحة العامَّة للبشريَّة؛ إلَّا أنَّهم في الوقت نفسه يعتبرون أنفسهم -بصفتهم رجالا ذوي خبرة في علم التَّأويل الدِّينيِّ- القادرين بالدَّرجة الأولى على استنباط هذه الأفكار. وهؤلاء الباحثون الدِّينيُّون ينخرطون في سجالات قويَّة فيما بينهم حولَ: ماذا يترتَّب عن المصلحة العامَّة؟. ومع ذلك؛ فهم ليسوا الطَّرف الوحيد المشارك في هذا النِّقاش. فبالرَّغم من أنَّ سلطاتهم تظلُّ قويَّة في العالم الحديث؛ إلَّا أنَّها تواجه تحدِّيات متزايدة مِن قِبَل سلطات دينيَّة وسياسيَّة بديلة؛ غالباً ما تفتقد إلى تكوينٍ رسميٍّ في العلوم الدِّينيَّة التَّقليديَّة.

إنَّ تزايد توفُّر وسائل الإعلام الجديدة، بما في ذلك الفضائيَّات والإنترنت والاستخدام الحديث لوسائل الإعلام القديمة كالفيديو وأشرطة التَّسجيل الصَّوتيِّ (الكاسيت) والأقراص المضغوطة cds وdvds، قد ساهم في تَشظِّي البنيات التَّقليديَّة للسُّلطة الدِّينيَّة. كما أنَّه قد مهَّد لظهور أفكار خلَّاقة عن السُّلطة الدِّينيَّة وتمثيل الإسلام في المجال العامِّ بطرق غير مُتوقَّعَة (gonz?lez-quijano 2003; hefner 2003). فهناك العديد من التَّوليفات بين أشكال السُّلطة الدِّينيَّة القديمة منها والجديدة، المجزَّأة منها والسَّليمة من جهة، وأشكال التَّأثير في المجال العامِّ من جهة أُخرى؛ ما يجعل النِّقاشات حول طبيعة الإسلام «الصَّالح» والحقيقيِّ أكثرَ تنافسيَّةً حاليَّاً مِمَّا كان عليه الحال في الماضي.

تتمثَّل إحدى مفارقات المجال العامِّ الإسلاميِّ الحديث في كون المصلحة العامَّة ما زالت تُعرَّف بشكل متزايد من داخل معايير الإسلام على الرَّغم من هذا التَّضخُّم الخطاباتيِّ في العديد من الدُّول والمجتمعات ذات الأغلبيَّة المُسلمة. فبعض الدُّول، كتركيا الجمهوريَّة، تسعى جاهدةً إلى إضفاء الطَّابع المحلِّيِّ والحياديِّ على المؤسَّسات والأفكار الإسلاميَّة، ومع ذلك؛ فإنَّ السِّياسات التُّركيَّة الحاليَّة يمكن فهمُها من خلال توافقات متبادلة ومفاوضات ضمنيَّة، كما يدلُّ على ذلك تمكُّن حُرَّاس العلمانيَّة وأولئك المشاركين في المجال العامِّ والحياة المدنيَّة في تركيا من إيجاد صيغة للتَّكيُّف مع بعضهم البعض من خلال النِّقاش والممارسة العامَّيْنِ (white 2002).

كما تذكر فرىبا عادلخاه (2004) بالنِّسبة لإيران، فإنَّ الجزء الأكثر قوَّةً من الحركات النِّسائيَّة لا يتمثَّل في المنظَّمات الرَّسميَّة والمُعترَف بها، والَّتي تتمُّ مراقبتها وقمعها من طرف الدَّولة، بل يتمثَّل في الأنشطة النِّسائيَّة داخل قطاع الاقتصاد غيرِ الرَّسميِّ، وفي تشكيل الممارسات الدِّينيَّة. فكما حدث في الثَّورة الفرنسيَّة؛ تؤكِّد عادلخاه أنَّ مثل هذه الأنشطة «غير الرَّسميَّة» تستطيع على الأقلِّ أن تُشكِّل أدوات فاعلة لتغيير الأدوار المرتبطة بالجنس والأفكار عن الإسلام؛ شأنها شأن البيانات الإيديولوجيَّة المباشرة والمنظَّمات الرَّسميَّة. ففي جميع الأحوال؛ تشهد الأفكار الإسلاميَّة عن المصلحة العامَّة تحوُّلاً مُستمرَّاً على مستويَي المضمون والصِّياغة. وعلى الرَّغم من أنَّ هذا التَّحوُّل يتمُّ إنكاره بشكل صريح؛ إلَّا أنَّه ربَّما يتقاطع في حالات عديدة مع الفهم الغربيِّ لمعظم القضايا الرَّئيسة كالدِّيمقراطيَّة والتَّسامح مع التَّعدُّديَّة الدِّينيَّة (hefner 2000). ولقد ذهب صادق سليمان (1998)؛ الصَّحفيُّ السَّابق والنَّاشط في الدَّوائر الإسلاميَّة في شبه الجزيرة العربيَّة، بعيداً جدَّاً عندما قال: إنَّ الدِّيمقراطيَّة هي جزء لا يتجزَّأ من الوحي الإسلاميِّ، وإنَّ الولايات المتَّحدة، الَّتي تطلَّب منها الأمر قرنين من الزَّمان قبل أن ينعم كلُّ مواطنيها بحقِّ التَّصويت، هي أفضل مثال لكون إحلال الدِّيمقراطيَّة يستغرق وقتاً طويلاً وتجارب تاريخيَّة مشتركة. من غير المرجَّح أن تنحسر أهمِّيَّة دور الإسلام في تحديد أنماط فهمِ المصلحة العامَّة في السَّنوات المقبلة؛ إذ إنَّ أطروحات سليمان تُذكِّرنا أنَّ الفكر الإسلاميَّ بعيد عن كونه مُنغلقاً على المستوى التَّأويليِّ في وجه السِّياقات التَّاريخيَّة والسِّياسيَّة غير الإسلاميَّة.

يشارك المسلمون في بلورة فكرة المصلحة العامَّة بطرق مُتنوِّعة، كما أنَّهم يساهمون في تحديد معاني المصالح العامَّة الأوسع والأكثر شمولاً في المجتمعات الَّتي لا يُشكِّل المسلمون فيها أغلبيَّة، كأوربا مثلاً (khosrokhavar 1997: kepel 1997 [1994])، أو كسوريا وتركيا مثلاً؛ حيث يواجهون نُخَباً ضاربة الأطناب في العلمانيَّة، أو كإيران؛ حيث توجد نخب كهنوتيَّة تتزايد لا شعبيَّتها رغم قوَّتِها (adelkhah 2004). وفي الهند؛ يعيش المسلمون في دولة علمانيَّة تكتوي بلهيب التَّطرُّف الدِّينيِّ المستعِر(van der veer 1994).

«الغرب» في مجابهة «البقيَّة»: تهافُت مقولة

خلال فترة انهيار الاتِّحاد السَّوفييتيِّ في عام 1991؛ أصبحت العديد من الأفكار السِّياسيَّة المختلفة متداولةً بفضل تبنِّيها نظريَّة أنَّ الإسلام -أو ما يفترضه البعض إسلاماً- يُحدِّد هويَّة وسلوك المسلمين على نحوٍ لا تفعله بقيَّة الأَديان في العالم بأتباعها.

يؤكِّد بول جوهنسون (1991) أنَّ «الحضارة الأوربيَّة» تواجه «ثالث أعظم غزوٍ» على يد قوى الإسلام الَّتي يراها مُتمركزةً في النِّطاق المتوتِّر الممتدِّ على طول 4000 ميل من شمال إفريقيا إلى الصِّين. وهذا الغزو المتمثِّل في النُّموِّ الدِّيمغرافيِّ وهجرة العمالة؛ يوصَف بأنَّه مُماثل للتَّهديد النَّاتج عن التَّوسُّع الإسلاميِّ في أوربا في القرن الثَّامن، وصعود الإمبراطوريَّة العثمانيَّة في أواخر القرنين السَّادس عشر والسَّابع عشر. وعلى غرار صامويل هنتنغتون (1993a: 34) الَّذي كتب عن «الحدود الدَّمويَّة» للكتلة الإسلاميَّة الهلاليَّة الشَّكل والمُمتدَّة من إفريقيا حتَّى وسط آسيا؛ فإنَّ جوهنسون، ولسبب غير مفهوم، استبعد جنوب شرق آسيا؛ حيث يسكن نصف مُسلمي العالم، وحيث لا يتجلَّى التَّهديد الآنِف الذِّكر.

كتب جوهنسون أنَّ النَّاس في هذا القوس الشَّاسع يُحرَمون من «المفاهيم ذات الطِّراز الغربيِّ» مِن قِبَيل «الدِّيمقراطيَّة والحرِّيَّات الشَّخصيَّة وحكم القانون»، واستخدامُه لصيغة المبنيِّ للمجهول «يُحرَمُون» في الحقيقة محاولة للتَّستُّر عَمَّن حرمَ النَّاسَ من هذه المفاهيم. كما أكَّد آموس بيرلماتر (1992) أنَّ «الإسلام؛ سواءٌ كان أصوليَّاً أو غير ذلك» لا يتناسب مع «الدِّيموقراطيَّة التَّمثيليَّة اللِّيبراليَّة المبنيَّة على حقوق الإنسان والغربيَّة في روحها»، ولذلك فإنَّ الحركات الإسلاميَّة الدِّينيَّة «ينبغي أن يُقضَى عليها في مهدها». وهؤلاء المفكِّرون غير المتعاطفين مع الإسلام والمسلمين ليسوا الوحيدين الَّذين ينتقدون الإسلام؛ فالقادة والمثقَّفون المسلمون، كالمنفيِّ التُّونسيِّ راشد الغنوشيِّ (1992) يقوم بذلك أيضاً. ففي مقالٍ له بعنوان: «الإسلام والحرِّيَّة يمكن أن يكونا صديقين»؛ استحضرَ مفاهيم من قبيل: دور «الحكومة في الإسلام»، كما لو أنَّ «الإسلام» فرضَ وجهةَ نظر واضحة وأبديَّة.

من جهته؛ يؤكِّد صامويل هنتنغتون (1993a: 24-25) أنَّ «الحضارات غير الغربيَّة» قد أصبحت فاعلة سياسيَّة أكثر فأكثر. وتحديثاً لفكرة التَّقاليد الحضاريَّة لأرنولد توينبي(1947)؛ فإنَّ هنتنغتون رأى أنَّ «الإسلام» و«الكونفشيوسيَّة» أطروحات مناقضة للغرب، وبالتَّالي؛ اقترحَ أن يُطوِّر الغرب استراتيجيَّات لتحريض الواحدة ضدَّ الأخرى. تمكَّن توينبي، والَّذي اعتمد عليه هنتنغتون، من تحديد إحدى وعشرين حضارة مختلفة، منها ستَّة من المفترض أنَّها مازالت على قيد الحياة إلى اليوم. وبفضل قراءة متأنِّية لتوينبي؛ انتبه هنتنغتون إلى ضرورة تجنُّب فكرة استحضار تاريخانيَّة الجيل السَّابق الأخلاقيَّة؛ والمشحونة بالصُّوَر النَّمطيَّة. وهكذا؛ فقد كتب توينبي أنَّ العثمانيِّين فشلوا كحضارة لأنَّهم «حقَّقوا انتصاراتهم المدهشة بفضل تقمُّصهم لطبيعة حيوانيَّة، وحصر عقولهم في السُّلوكات الغريزيَّة الأحاديَّة المسار». وبناء على ذلك؛ أنزلهم توينبي إلى فئة الحضارات «الموقَّفة»، والَّتي تتضمَّن أيضاً كلَّاً مِن البولينيزيِّين (polynesians) والأسكيمو (eskimos) والبدو الرُّحَّل (nomads) والإسبرطيِّين (toynbee 1947: 566-567) (spartans).

تُشجِّعُ البساطة الواضحة لأنساق مثل أنساق توينبي وهنتنغتون على تمثيل حضارات وأديان «الآخَر» باعتبارها كينونات أبديَّة، كما سبق أن مثَّلها الاستشراق في جيل سابق. وفي هذا الصَّدد؛ فإنَّ وصفة هنتنغتون الهشَّة حول «الغرب في مجابهة البقيَّة» خدَّاعة ومُضلِّلة في بساطتها المانويَّة، شأنها شأن وصفة دانيال ليرنر عن «مكَّة أو المكنَنة» (mecca or mechanization 1964: 405)، والَّتي عملت على صرف الانتباه عن الاختلافات الدَّاخليَّة والتَّاريخيَّة، بين ما يُنظر إليها على أنَّها حضارات، وذلك النِّقاش المحتدم داخلها.

ومع ذلك؛ فإنَّ إحدى النَّتائج الإيجابيَّة لصيغة هنتنغتون؛ كانت هي إعادة توطين مفهوم الثَّقافة -وإن كان مفهوماً متجاوزاً ومليئاً بالنَّقائص- داخل مجال دراسة السِّياسة الخارجيَّة والعلاقات الدُّوليَّة، والتَّأكيد على أنَّ الدَّولة الوطنيَّة لم تعد القطب الوحيد المُحدِّد للهويَّة في الفكر السِّياسَويِّ. ومع ذلك؛ فالحضارات لا تُجسِّد دوراً فاعلاً فوق خشبة مسرح الإنسانيَّة. فالفاعلون الحقيقيُّون هم حملة التَّقاليد الحضاريَّة، وحتَّى في المجتمعات الَّتي تُصنَّف على أنَّها «تقليديَّة» -أو الَّتي يمكن بصيغة مغايرة نعتها بالشَّعبويَّة (populist)-؛ نلحظ داخلها اختلافاً وتنافساً ونقاشات داخليَّة مُستمرَّة حول تحديد القيم الرَّئيسة وحول تحديد الجهة «المخوَّل لها» التَّعبير عن تلك القيم وكيفيَّة تفعيلها.

التَّنافس حول الإسلام «الحقيقيِّ» في المجال العامِّ:

تصطفُّ الممارسات والنِّقاشات، سواءٌ منها المعاصرة أو تلك المشهورة تاريخيَّاً بين المسلمين، ضدَّ كلِّ الجهود لإيجاد فكرة فريدة وشاملة ومشتركَة بين جميع المجتمعات المسلمة حول المصلحة العامَّة، حتَّى لو تبنَّى بعض المفكِّرين المؤدلَجين، سواء منهم الَّذين يدَّعون تمثيل الإسلام أو أولئك الَّذين يهاجمونه، مثل هذه المزاعم الماهويَّة (eickelman and piscatori 2004: 46-79). وفي هذه الحالة، ومثل هذه السِّجالات أو الخلافات حول ما يُمثِّله الإسلام «الصَّالح» أو «الحقيقيُّ»؛ غالباً ما تُساهم في تصدُّع التَّصوُّرات الضِّمنيَّة أو حتَّى المُموَّهة عن المجال العامِّ، كما يحدث في العديد من المجتمعات في العالَم المسلم. ومن شأن تحليل هذه السِّجالات والسِّياقات الَّتي تتمُّ فيها هذه السِّجالات؛ أن يُسلَّطَ الضَّوء على الأدعياء المتنافسين على التَّحدُّث في المجال العامِّ، وبالتَّالي؛ سيكشف عن خيوط الإجماع ونقاط الاختلاف والقطيعة.

إنَّ مشاركة السُّلطات الدِّينيَّة في نقاشٍ دينيٍّ عامٍّ لا يُمكن فهمُها بدون تحليل الجمهور المتلقِّي الَّذي تستهدفه هذه الخطابات، والأواصر الَّتي تربط الأتباع بشخصيَّة القادة الدِّينيِّين. فوسائل الإعلام الجديدة، بما في ذلك المواعظ المُسجَّلة على الأشرطة الصَّوتيَّة والجرائد الشَّعبيَّة والإذاعات المحلِّيَّة، قد تتضافر مع وسائل إعلام أكثر تقليديَّة (كالقيل والقال، أو الفتاوى المنشورة أو التَّأويلات الدِّينيَّة) لتوسيع مجالات المشاركة وجعلها أكثرَ تعقيداً. ولكنَّ الدَّرجة الَّتي يمكن أن تُغيِّرَ بها مشاركة أو تأثير هذه الجماهير الجديدة مفاهيمَ المصلحة العامَّة وتفعيلها؛ تظلُّ سؤالاً يجب دائماً طرحُه بدلاً من التَّسليم به (eickelman and salvatore 2002: 105-110). فالمتكلِّمون الجُدُد يولدون في المساحة بين الدَّولة والسُّلطات الدِّينيَّة المُغرَقة في التَّقليديَّة، وبالتَّالي؛ ينجحون في تمثيل مراكز سلطة بديلة.

إنَّ السُّلطة الدِّينيَّة تستطيع أن تُشكِّل طرفاً أساسيَّاً في تأسيس الخطاب الدِّينيِّ العامِّ بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال: تُوفِّق مشاركة الصُّوفيِّين في النِّقاش الدِّينيِّ العامِّ بين أشكال حديثة من صياغة المفاهيم وطرح حجج دينيَّة، وذلك بناءً على درجة العضويَّة في إطارٍ دينيٍّ مُتَّسم بالتَّراتبيَّة والشَّخصنة الحادَّة.

إنَّ العلاقة بين السُّلطة الدِّينيَّة -سواء ادَّعى أحقِّيَّتها باحثون دينيُّون تقليديُّون أو مثقَّفون دينيُّون «جُدُد» (roy 1994 [1992]) أو نُظراؤهم السِّياسيُّون- والمجال العامِّ؛ تظلُّ بالتَّالي علاقة جدُّ غامضة وأكثر تعقيداً ممَّا قد تجعلنا النَّظريَّات الهابرماسيَّة التَّقليديَّة نعتقد، على الرَّغم من التَّعقيدات النَّظريَّة لهذه الأخيرة. وحتَّى في البلاد الَّتي تكون فيها الدَّولة راعيةً للإيديولوجيا الإسلاميَّة، مثل باكستان وإيران، فإنَّ الأفراد والجماعات والمجتمعات غالباً ما يستأثرون بهذه الإيديولوجيا لتعزيز موقعهم في النِّقاش الدِّينيِّ العامِّ من خلال ادِّعاء الاعتماديَّة الإسلاميَّة من أجل تعريف المصلحة العامَّة، أو لقضاء مآرب خاصَّة؛ يُضفون عليها صفة المصالح العامَّة، وهذه وسيلة مُنتشرة في كلِّ المجالات العامَّة أينما وُجِدَت (masud 2005).

قبلَ أيلول/سبتمبر 2001؛ أصبح تنامي أعداد المسلمين في أوربا وشمال أمريكا يطرح تساؤلات عديدة حول الهويَّة الوطنيَّة والمواطنة وتعدُّد الولاءات، كما هو الحال في كلٍّ من فرنسا وألمانيا مثلاً. ومنذ ذلك الحين؛ ضاعف تواتر الأحداث من هشاشة المسلمين المقيمين في الشَّتات. وفي بعض الحالات؛ أدَّى ذلك إلى مضاعفة المجهودات لتنظيم الجاليات من أجل انخراطٍ أكثرَ فعاليَّة في الحياة السِّياسيَّة للمجتمعات المعنيَّة، وفي حالات أُخرى؛ خلق موجاتٍ من الاستغراب-الذَّاتيِّ؛ مَا ساهم في فضحِ هشاشة خطابات التَّعدُّديَّة الثَّقافيَّة. ومع ذلك؛ فحتَّى في مثل هذه الظُّروف الصَّعبة، كان من النَّتائج الإيجابيَّة للاغتراب المزدوج في الوطن وداخل المجتمعات المُستقبِلة: تشجيع الانخراط في قضايا المسلمين عبر الوطنيَّة، خاصَّةً حين يصبح المسلمون ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان. وبناءً على ذلك؛ فإنَّ هشاشة الوضعيَّة الصَّعبة لمسلمي الشَّتات، والَّتي تفاقمت منذ أحداث أيلول/سبتمبر 2001، قد تُعزِّز على المدى الطَّويل المشاركةَ في الفضاءات الإسلاميَّة العامَّة وعبر الوطنيَّة.

باختصار: ليس هناك إسلامٌ عامٌّ مُفرد، ولكن بالأحرى، هناك تعدُّد الأشكال المتداخلة من الممارسات والخطابات الَّتي تُمثِّل المسارات السِّياسيَّة والتَّاريخيَّة المتنوِّعة للمجتمعات المسلمة؛ وعلاقتها بمجتمعات أُخرى وتأثيرها فيها. فالنِّقاشات في المجالِ العامِّ حول المصلحة العامَّة تشمل كلَّاً من الأقوال والأفعال. كما أنَّ الممارسات الجديدة والأشكال الجديدة للنَّشر والاتِّصال والطُّرق الجديدة في التَّفكير حول السُّلطة الدِّينيَّة والسِّياسيَّة؛ قد ساهمت في تحديد ملامح هذه النِّقاشات بشكلٍ عميق.

قائمة المراجع

- adelkhah, fariba. 2002. being modern in iran. new york: columbia university press.

- adelkhah, fariba. 2003. ``framing the public sphere; women in the islamic republic.''in public islam and the common good, edited by armando salvatore and dale f.eickelman, leiden: e.j.brill, pp. 227-241.

- casanova, josé. 1994. public religions in the modern world. chicago: university of chicago press.

- cinar, alev. 2005. modernity, islam, and secularism in turkey: bodies, places, and time. minncapolis: university of minnesota press.

- cook, michael. 2000. commanding right and forbidding wrong in islamic thought. cambridge: cambridge university press.

- eickelman, dale f. ``islam and the languages of modernity, ''daedalus 129 (winter 2000): 119-33.

- eickelman, dale f., and james piscatori. 2004. muslim politics, 2 nd ed. princeton: princeton university press.

- eickelman, dale f., and armando salvatore, ``the public sphere and muslim identities,''european journal of sociology 43 (2002): 92-115.

- ghannouchi, rashed. ``islam and freedom can be friends,''the observer (london), january 19, 1992.

- gonz?lez- quijano, yves. 2003. ``the birth of a media ecosystem: lebanon in the internet age.'' in new media in the muslim world: the emerging public sphere,2 nd ed., edited by dale f.eickelman and jon w. anderson. bloomington: indiana university press, pp. 61-79.

- hefner, robert w. 2000. civil islam: muslims and democratization in indonesia. princeton. nj: princeton university press.

- hefner, robert w. 2003. ``civic pluralism denied? the new media and jihadi violence in indonesia.''in new media in the muslim world: the emerging public sphere (2 nd ed.), edited by dale f.eickelmen and jon w. anderson. bloomington: indiana university press, pp. 158-79.

- huntington, samual p., ``the clash of civilization?''foreign affairs 72, 3 (summer 1993): 22-49.

- huntington, samual p., ``the clash of civilization or the west against the rest,''new york times, june 6, 1993, 19.

- johnson, paul, ``another muslem invasion of europe,''los angeles times, december 20, 1991.

- kepel, gilles, 1987. les banlieues de l'islam: naissance d'un religion en france. paris: Editions du seuil.

- kepel, gilles, 1997 (1994).allah in the west: islamic movements in america and europe. stanford: stanford university press.

- khosrokhavar, farhad, 1997. l'islam des jeunes. paris: flammarion.

- kirli, cengiz, 2004. ``coffeehouses: public opinion in the nineteenth -century ottoman empire.''in public islam and the common good, edited by armando salvatore and dale f. eickelman. leiden and boston: brill, pp. 75-97.

- lerner, daniel. 1964 [orig. 1958]. the passing of traditional society: modernizing the middle east. new york: the free press.

- masud, khalid. 2005.``communicative action and the social construction of shari`a in pakistan.'' in religion, social practice, and contested hegemonies. reconstructing the public sphere in muslim majority societies. new york: palgrave macmillan, pp. 155-179

- meeker, michael e. 2000. a nation of empire: the ottoman legacy of turkish modernity. berkeley: university of california press.

- pekonen, kyًsti. 1989. ``symbols and politics as culture in the modern situation: the problems and prospects of the new.'' in contemporary political culture: politics in a postmodern world. edited by john r. gibbons. london: sage publications, pp. 127-143

- perlmutter, amos, ``islam and democracy simply aren't compatible,''international herald tribune, janunary 21, 1992), 6.

- pinto, paulo g. 2004. ``the limits of the public: sufism and the religious debate in syria.'' in public islam and the common good. edited by armando salvatore and dale f. eickelman. leiden and boston: brill, pp. 181-204.

- roy, olivier, 1994 [1992]. the failure of political islam. cambridge: harvard university press.

- salvatore, armando. 1997. islam and the political discourse of modernity. reading: ithaca.

- salvatore, armando. 2000. ``introduction: the problem of the ingraining of civilizing traditions into social governance.'' in muslim traditions and modern techniques of power, yearbook of the sociological of islam 3, edited by armando salvatore. hamburg: lit verlag; new brunswick, nj: transaction publishers, pp. 9-42

- salvatore, armando, and dale f.eickelman, eds. 2004. public islam and the common good. leiden and boston: brill.

- salvatore, armando, and mark le vine, eds. 2005. religion, social practices, and contested hegemonies. reconstructing the public sphere in muslim majority societies. new york: palgravemacmillan.

- schulze, reinhard, 2000 [1994]. a modern history of the islamic world. new york: new york university press.

- stein, jeff. ``can you tell a sunni from a shiite?''new york times, october 17, 2006.

- sulaiman, sadek j. 1998. ``democracy and shura.'' in liberal islam: a sourcebook, edited by charles kurzman. new york: oxford university press, pp. 96-98.

- toynbee, arnold j. 1947. a study of history, abridgement of volumes i-vi by d. c. somervell. new york and london: oxford university press.

- turam, berna, 2006. between islam and the state: the politics of engagement. stanford. ca: stanford university press.

- van der veer, peter. 1994. religious nationalism. berkeley: university of california press.

- white, jenny b. 2002 islamist mobilization in turkey: a study in vernacular politics. seattle: university of washington press.

- yavuz, hakan. 2003. ``media identities for alevis and kurds in turkey.'' ` in new media in the muslim world: the emerging public sphere, 2 nd ed., edited by dale f.eickelman and jon w.anderson. bloomington: indiana university press,, 180-199.

- zaman, muhammad qasim. 2002. the ulama in contemporary islam: custodians of change. princeton: princeton university press.

 

[1]- ديل إيكلمان، أنثروبولوجيا المجتمعات الإسلامية، صدر عن دار مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع.