حضور التصور الديني في الأزمنة الحديثة نموذج علمنة فلسفة التاريخ


فئة :  أبحاث محكمة

حضور التصور الديني في الأزمنة الحديثة نموذج علمنة فلسفة التاريخ

حضور التصور الديني في الأزمنة الحديثة نموذج علمنة فلسفة التاريخ

نزهة بوعزة

ملخص:

نسجت الحداثة نسقا معرفيا اتسم بخلق جدال فكري معاصر حول أصالتها أو تبعيتها للتصورات الثيولوجية*، خلاصته إعادة محاكمة هذه العتبة الحداثية وفق ما آلت إليه طموحاتها التنبؤية التي حملت لواءها فلسفة التاريخ. لذلك ارتأينا في هذه الإطلالة إلقاء الضوء على مشروع الحداثة، الذي تجسده بشكل ما فلسفة التاريخ، في سياقه التاريخي مثيرين بذلك بعض حيثياته داخل الأنساق الألمانية، وهو الأمر الذي يستدعي التمييز بين الحداثة بماهي مشروع معلن، والحداثة بماهي واقع تطمح لتحقق هذا المشروع؛ أي بين الراهن المتعلق بتأكيد الذات الحداثية، بما هي لحظة زمنية شعرت فيها بوجودها الفريد وبإمكانياتها الممتدة أبعد من راهنها، وهو ما جسدته طموحات فلسفة التاريخ، وبواقع التمكين الذاتي المرتبط بالتحقق الفعلي المكتمل الأركان، إذن هناك مسافة فاصلة بينهما، وهي المسافة الفاصلة بين فلسفة هيجل وفلسفة نيتشه؛ لأنه يعتبر أول عتبة تشكيكية في فعالية علمنة *sécularisation الأزمنة الحديثة، وربما عن قراءته نتجت قراءات أخرى نزعت عن هذه الأزمنة مشروعيتها المفترضة، لكن المشروعين معا يطمحان لتحقق فعل العلمنة بما هي فصل جذري لتصور الثيولوجي عن مجال الفاعلية البشرية، أو فعل تحرري على مدى الصيرورة التاريخية في امتدادها الزمني، مساءلة فعالية هذا الفصل هو ما سيتم استدراجه في عملية نزع أصالة فلسفة التاريخ عند كارل لوفيث Karl Lowith، كارل شميت Karl Schmitt وآخرون، باعتبارها مجرد علمنة للتصور الثيولوجي*. فهل رادف مفهوم العلمنة في السياق الحداثي دلالة القطيعة القادرة على إخراج المعطى الديني من التاريخ البشري؟ أم إن المعطى الديني ظل حاضرا، وإن لبس لباسا مفهوميا مغايرا عبر عليه بمفهوم العلمنة؟ ألا يجعل هذا من مفهوم العلمنة مفهوم التباس وغموض يزيد من تشابك السجال الفلسفي؟

* هو الجدال الذي ساد خلال القرن العشرين حول مفهوم العلمنة؛ فالمفهوم اكتسب دلالة سوسيولوجية عند ماكس فيبر قبل أن يصير أداة تأويلية لمحاكمة الأزمنة الحديثة متنقلا بين عدة حقول معرفية، إذ اعتبره الحقل الثيولوجي بزعامة كولمان، بولتمان، علمنة تترجم الاسكاتولوجيا الوجودية المجسدة للفعل الإنساني في حاضره، واعتبره كارل لوفيث مجرد ترجمة أمينة تفقد آليات تأصيلها. أما هانس بلومنبرغ H.Blumenberg، ففد حاول إيجاد آليات تأصيل الأزمنة الحداثية من خلال تفحص نهاية العتبة الوسيطية وبداية الأزمنة الحديثة من خلال كتابه" مشروعية الأزمنة الحديثة".

* العلمنة sécularisation هي طريقة لترجمة نمط تعاطينا وتعاملنا مع العالم، بناء على حقل تجارب متمركزة بشكل أساس على العالم دون غيره، حيث يحضر نوع من الاستقلال بخصوص هذا العالم، انطلاقا من وسائل بشرية تحقق هذا الاستقلال إزاء تصورات أو محددات مسبقة.

* لقد خصص كارل لوفيث Karl Lowith كتابه "التاريخ والخلاص" لإثبات أطروحته التي مفادها أن فلسفة التاريخ ماهي سوى ترجمة أمينة للتصورات اليهودية المسيحية؛ لأنها لم تستطع القطع معها وإنما عملت على استدراجها واستدماجها في بناء أنساقها، فكل الأنساق الحداثية وخصوصا الألمانية صارت محددة بغاية اسكاتولوجيا خلاصية، إذ مبرهنة العلمنة ظلت حاضرة بقوة في كل المتن اللوفيثي تقريبا، واتخذت صبغة دوغمائية، ترتبط بأن المفهوم يحيل على أن ألف هي ترجمة بالضرورة لباء، استخدمها باعتبارها آلية تبرهن عن اتصالية الأزمنة الحديثة بالعصر التصور الثيولوجي المسيحي اليهودي، إنها تحمل صبغة صورية تعمل على النسخ والترجمة لمحتوى جاهز بصورة ملتوية، الأمر الذي يؤكده حضور عناصر من قبيل (خطية التاريخ، الغاية، النهاية الخلاصية المتفائلة) في الأنساق الفلسفية الحداثية، دون أن تحمل في عمقها مجهودا قادرا فعلا على تغيير العتبة التاريخية أو تقدم تصورا مغايرا يجعلها تكسب مشروعيتها بما هي فاعلية بشرية تقدمية.

للاطلاع على البحث كاملا المرجو  الضغط هنا