فلسفة التاريخ علمنة ثيولوجية دراسة تحليلة في مقاربة كارل لوفيث


فئة :  أبحاث محكمة

فلسفة التاريخ علمنة ثيولوجية دراسة تحليلة في مقاربة كارل لوفيث

فلسفة التاريخ علمنة ثيولوجية

دراسة تحليلة في مقاربة كارل لوفيث

ملخص:

تمثل قراءة كارل لوفيث لفلسفة التاريخ في صيغتها الحداثية نموذجاً لإعادة قراءة مقومات الأزمنة الحداثية بصورة نقدية تخرج عن سياق المعتاد في تزكية الطرح الحداثي المتمثل في إحداث القطيعة أو الفصل البائن عن باقي العصور؛ إذ حاول كارل لوفيث أن يصل فلسفة التاريخ بالإرث الثيولوجي اليهودي المسيحي ساحبا عن الوعي التاريخي الحداثي جدته وأصالته، وهي القراءة التي خصص لها كتابه الرئيس "التاريخ والخلاص"، حيث استهل الخيط الناظم لتوجه الإسكاتولوجي الثاوي خلف فلسفات التاريخ الحداثية من حاضر الأزمة الغربية لمنتصف القرن العشرين، كأننا أمام قراءة تراجعية لتلاشي التاريخ الغربي لمفهوم التقدم. إن الفلسفة الحديثة للتاريخ، حسب لوفيث، تجد جذورها في الاعتقاد الإنجيلي المسيحي، وفي الخطيئة والصفح، وهو التصور الذي سيأخذ شكله النهائي مع العلمنة؛ أي الأفق الغائي لفلسفة التاريخ بما هو تعبير عن انتظار أخروي أبعد من لحظة الحداثة نفسها، فإذا كانت المفاهيم التي أسست حداثة الأزمنة الحديثة مجرد ترجمة أمينة للتصور الثيولوجي، إذن، فالأزمنة الحديثة ذاتها ليست سوى إعادة للحضور الديني في قالب حداثي، وبالتالي هي نتاج العلمنة المسيحية. إنها الابنة الشرعية للإرث المسيحي. فهل فعلا كان النسق الحداثي توليفة ثيولوجية معلمنة؟ وإن كان الأمر كذلك، فما أسس قوامة هذه الفرضية؟

تقديم:

أحدث لوفيث بكتابه "التاريخ والخلاص" histoire et salutأو الافتراضات اللاهوتية المسبقة لفلسفة التاريخ، أفقا للنقاش في الفكر المعاصر حول القراءة الممكنة للأزمنة الحديثة؛ فالتشكيك في أصالة فلسفة التاريخ هو تشكيك في أصالة الأزمنة الحديثة نفسها، وهو الأمر الذي لا يمكن فهمه بعيدا عن أطروحته الأساس حول فلسفة التاريخ، فكتاب "التاريخ والخلاص"، يعد فاكهة لوفيث التي أثمرها في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1949 meaning and history، وترجم إلى الألمانية خلال سنة 1953weltgeschichte und heilgeschehe.

مضمون الكتاب هو الدفاع عن فكرة مفادها أن فلسفة التاريخ الحديثة، هي ترجمة لتاريخ الثيولوجيا القديمة[1]، تشكل فلسفة التاريخ بالنسبة إلى كارل لوفيت، التأويل النسقي لتاريخ العالم وفق مسار موجه نحو غاية، يسمح بربط الوقائع بالنتائج، وبإحالتها على معنى نهائي وربطه بالتصورات التاريخية السابقة، ويقدم لوفيث تعريفا لفلسفة التاريخ بالقول إن مفهوم فلسفة التاريخ يحيل على التأويل النسقي لتاريخ العالم، تاريخ عالمي يسير وفق مبدأ موجه قائم على ترابط كل من الأحداث التاريخية وما تنتجه لاحقا، باعتبارها حاملة لمعنى نهائي، مما سمح برسم مسار تاريخي ممتد "من الى"، وهو الأمر الذي سمح بالقول إن فلسفة التاريخ تمر من الأفق الإسكاتولوجي؛ إذ كل فلسفات التاريخ تصبح بالكامل متعلقة بالثيولوجيا، بمعنى بالتأويل الثيولوجي للتاريخ بما هو تاريخ الخلاص[2]، هنا تغدو كل فلسفة للتاريخ مرتبطة كليا باللاهوت المسيحي، لكن ثمة مشكلة هنا، تتعلق بوضع فلسفة التاريخ؛ إذ كيف يمكن أن تمثل علما أمام صعوبة التبرير العلمي لعقيدة الخلاص؟

لقد أدت صعوبة التبرير العلمي إلى إزاحة المقاربة قبل تاريخية والثيولوجية للتاريخ، وإلى تبني المقاربة كما بلورها فلاسفة القرن الثامن عشر؛ ففلسفة التاريخ السابقة على عصر الأنوار، لا تقدم نظرية علمية للتاريخ، وإنما تقوم بترجمة أمينة للتصور الثيولوجي للتاريخ الذي يسير وفق وجهة الخلاص الاسكاتولوجي؛ إذ مع القديس أوغستين، وإلى حدود بوسييه Bossuet، لم يكن التاريخ سوى درس دوغمائي، يستند على محتوى يرتبط بالأساس بالتأويل الثيولوجي. ومع ذلك، فإن المنحى المعاكس الذي حاولت الايديولوجيا الأنوارية أن تقدمه للتاريخ ليس سوى منحى ظاهري يحتفظ بالمحتوى الثيولوجي؛ لأن فلسفة التاريخ كما حاول أن يقدمها لوفيت لم تغادر منذ القرن الثامن عشر أرضية التصور الإنجيلي من خلال فكرة الخلاص؛ وذلك بالرغم من صياغتها للنموذج الغائي ذي الطبيعة الدنيوية، لكن مضمونها ظل يستمد أسسه من العالم المتعالي، وهي محاولة تظهر المراحل المختلفة التي عبرها حاول لوفيث إعادة تشكيل واقع المستقبل بأعين حداثية، الأمر الذي قاده إلى خطوة ورائية من بوركهارت إلى هيجل، من سان أوغستين إلى بوسييه، ومن يواكيم إلى أوروس مرورا بماركس[3].

وكل قراءة لمختلف التأويلات الفلسفية التي أعطيت للتاريخ، لم تكن حسب لوفيث بعيدة عن هذه الفرضية، الشيء الذي جعله يعكس قراءة مختلفة عن هذه التأويلات المتعلقة بتشييد وعي التاريخ الذي اعتقد أنه وعي حداثي قطع مع الموروث الثيولوجي.

فكيف تم ربط التصور الثيولوجي بفلسفة التاريخ؟ ألا يجعل هذا من الأزمنة الحديثة، مجرد استمرار أمين لمحتوى النهج المسيحي الاسكاتولوجي؟ أم إنها لا تعدو أن تكون مجرد تصورات مسبقة، تخفي منظورات فلسفية تتعلق بالأساس بأصحابها تم إسقاطها على عصر بكامله؟

للاطلاع على البحث كاملا المرجو الضغط هنا

[1] Albert Dossa Ogougbe ; modernité et christianisme ; la question théologico-politique chez Karl lowith، Carl schmitt et Hans blumenberg ; tome 1 ; ouverture philosophie ; l’harmattan, p.59

[2] Karl lowith, histoire et salut ; les présupposés théologique de la philosophie de l’histoire ; traduit de l’allemand par marie, Christine Chalhol, Gillet, Sylvie Hurstel et jean, François Kerjean , présentation d. Kervégan, Gallimard, p.21

[3] Philippe Capelle, «trois Foyers de questions, histoire et providence», Idée et Idéalisme, coordinatrice Kim Song Ong-Van-Ung, vrin 2006, p.220