حوار الأديان، وخطاب التواصل مع الشباب


فئة :  مقالات

حوار الأديان، وخطاب التواصل مع الشباب

مؤسسات حوار الأديان في المجال العربي ليس معروفاً عنها أنّ لها تجارب طويلة وعريقة، أو ناجحة بدرجة كبيرة، في مجال التواصل مع الشباب، وتطوير فرص التعاون معهم، ولا من جهة التعامل معهم بصفتهم يمثلون طرفاً شريكاً في عمل هذه التجارب وتحريكها.

وهذا ما ينبغي تداركه اليوم، والتنبه له من جديد، وفي هذه المرحلة بالذات التي نشهد فيها تعاظم دور الشباب في العالم وتأثيرهم من جهة، كما نشهد فيها من جهة أخرى ما يتعرض له الشباب من اندفاعات شتى تحكمها نزعات متعارضة، بين نزعات تدفع بالبعض منهم نحو تبني سلوكيات العنف واستخدام القوة والرغبة في القتل والقتال، بطريقة تحولهم إلى طاقات هدم، تنشر معها الخوف والتعصب والكراهية، وبين نزعات تدفع بالبعض الآخر نحو تبنّي سلوكيات عبثية وعدمية وفوضوية، بطريقة تعطل طاقات الشباب، وتسلب منهم الأمل بالمستقبل، وتحولهم إلى طاقات جامدة وسلبية وهامشية، تكون غير قادرة على الإنتاج والإبداع وتحمل المسؤولية، إلى جانب نزعات أخرى تضع الشباب أمام اندفاعات من نمط آخر.

وعن العلاقة ما بين مؤسسات حوار الأديان والشباب، لا بدّ أن نفرّق ما بين المجتمعات التي تتكون في تركيباتها السكانية من تعدديات دينية، مثل منطقة بلاد الشام ومصر ودول شمال إفريقيا في العالم العربي، وبين المجتمعات التي لا تتكون في تركيباتها السكانية من تعدديات دينية، مثل منطقة الخليج والجزيرة العربية، فالشباب في النمط الأول من المجتمعات هم أحسن حالاً من جهة الرؤية لتجارب حوارات الأديان، قياساً ومقارنة بالشباب في النمط الثاني من المجتمعات، وكذلك من جهة علاقة تجارب حوارات الأديان بالشباب، فهي في النمط الأول من المجتمعات أحسن حالاً، قياساً ومقارنة بهذه التجارب في النمط الثاني من المجتمعات.

ومن أجل تطوير العلاقة مع الشباب وتفعيلها، ينبغي على مؤسسات حوارات الأديان التنبه والالتفات إلى القضايا والمسائل الآتية:

أولاً: إنّ تجسير العلاقة مع جيل الشباب يتطلب بلورة خطاب تواصلي، يتخذ من التواصل شرطاً وأساساً، ونعني بالتواصل امتلاك القدرة الفعالة في بناء العلاقة مع الشباب بطريقتين تصاعدية وتنازلية. والخطاب لكي يكون تواصلياً ينبغي أن يشمل اللغة والبيان والمعرفة والفكر وباقي الأبعاد الأخرى، المكونة لمفهوم الخطاب وسياساته واستراتيجياته، فالخطاب لا يكون تواصلياً من دون لغة تواصلية، أو من دون فكر تواصلي.

والخطاب التواصلي هو الخطاب الذي يجد فيه الشباب ذاتهم ووجودهم، أملهم ومستقبلهم، وبشكل يجعلهم يدركون أنّ الخطاب خطابهم، وليس خطاباً مفروضاً عليهم أو منفصلاً عنهم، وبشرط ألا يكون خطاباً وعظياً أو تعليمياً أو فوقياً، ينظر إلى الشباب ويتعامل معهم بلغة الكامل والناقص، أو بلغة العالم والجاهل، أو بلغة الأكبر والأصغر، فهذه الطريقة من الخطاب لا يتقبلها الشباب عادة، لا من الناحية النفسية، ولا من الناحية الفكرية، وهي بخلاف فلسفة التواصل والتواصلية.

ثانياً: العمل على تكوين فريق قيادي من الشباب ينشط في مجال حوار الأديان، ويأخذ على عاتقه مهمة التواصل مع الشباب من جيلهم، ويسهم في بلورة خطاب تواصلي معهم، فالتواصل مع الشباب بفريق من الشباب يجعل من التواصل أكثر حيوية وفاعلية وتأثيراً، بحكم شرائط الاقتراب والتناغم والتفاعل، ورفع جميع الفواصل الأخرى التي تفصل وتمايز عادة بين الأجيال.

ثالثاً: العمل على إدماج الشباب في هيكليات مؤسسات حوار الأديان، لكي يكون الشباب طرفاً شريكاً في بلورة السياسات والاستراتيجيات وفي صنع القرارات والمواقف.

هذه هي الطريقة الفعّالة لكسب جيل الشباب إلى صفّ تجارب حوار الأديان، ولجعل هذه التجارب حاضرة وقريبة، وقابلة للفهم والتداول في ساحة الشباب.