سيرورة البحث في سيكولوجيَّة الدِّين من التَّأسيس إلى التَّخصُّص إلى المختبر


فئة :  أبحاث محكمة

سيرورة البحث في سيكولوجيَّة الدِّين  من التَّأسيس إلى التَّخصُّص إلى المختبر

سيرورة البحث في سيكولوجيَّة الدِّين

من التَّأسيس إلى التَّخصُّص إلى المختبر[1]

سنتناول في هذا الفصل نماذج من الدِّراسات الأكاديميَّة ذات الصِّلة بالموضوع، وسنُقسِّمها إلى قسمين: الأوَّل مقالات تأسيسيَّة، والثَّاني أبحاث متخصِّصة.

1- مقالات تأسيسيَّة:

إذا ابتغينا المواضعة، وسِرنا على نهج لوبا Leuba، الَّذي التزم بعام 1904 موعد صدور «المجلَّة الأمريكيَّة لعلم النَّفس الدِّينيِّ والتَّربية» على يد ستانلي هول، وثُلَّة من العلماء الكبار في الحقل الجديد «سيكولوجيَّة الدِّين»؛ أمثال فلورنوا وجاندوباي وهول -الرَّائد- ولوبا نفسه، وهو نهج إحصاء الدِّراسات الأكاديميَّة الَّتي صدرت في السَّنة نفسها أو قبلها بسنتين أو ثلاث، في مجلات طبِّيَّة وأُخرى سيكولوجيَّة وثالثة فلسفيَّة ورابعة تحليل نفسيَّة، أمكنَنَا حصْر الموضوعات أكثر من الطَّرائق أو المناهج[2]، والتَّعرُّفُ إلى الإشكالات الإبستمولوجيَّة المطروحة في هذا الحقل الجديد أكثر من التَّعرُّف إلى المعطيات والمعلومات. إنَّ في هذا لفائدةً من شأنها شحذ الذِّهن فيما يتعلَّق بهذا الفرع العلميِّ، وتلمُّس السَّبيل الواضح إليه، عوض الغَبَش الَّذي يُضبِّب الرُّؤية، ولا يتيح للدَّارس الجديد أن يتقدَّم[3]. سنكتفي بالإشارة إلى بعض الدِّراسات تماشياً مع ما وفَّرَه لنا المرجع، وسنعمِّق البعض الآخَر بحسب ما يُوفِّره لنا هذا المرجع الَّذي رجعنا إليه لهنري لوبا.

1-1- دراسة أرنيت وعنوانها الرُّوح: «دراسة في المعتقدات الماضية والحاضرة»[4]. إنَّها دراسة طويلة، ولكن من غير ادِّعاء. إنَّها نقط طالب أراد أن يستخبر الأفكار الَّتي كوَّنها العالَم منذ طفولته إلى أيَّام الكاتب، عن الرُّوح وطبيعتها وجوهرها ومظهرها ومقرِّه... إلخ. وبهذا يكون قد أفاد اللَّاحقين عليه بما أنجزه. وكما هو واضح، فقد اكتفى لوبا في هذه الدِّراسة بالإشارة عوض التَّفصيل.

1-2- دراسة مولر، وموضوعها «طبيعة الدِّين وماهيَّته»[5]، وفيها خَلَصَ إلى أنّ تصوُّر شلايرماخر، المعبَّر عنه في التَّحديد الشَّهير «الدِّين إحساس gefühl بالتَّبعيَّة»، غير كاف؛ لأنَّ الدِّين أكثر اتِّساعاً من الإحساس؛ فهو يتضمَّن الإنسان كَكُلٍّ؛ وبالتَّالي لا بُدَّ من استبدال مصطلح gefühl بمصطلح gemüt، الَّذي يشير إلى العناصر الفاعلة (الرَّغبات والإرادة) بمثل ما يدلُّ على العناصر المنفعِلة (الحالات الوجدانيَّة). والجديد في عمله حقَّاً هو استعماله مصطلح gemüt، إلَّا أنَّه لم يخرج عن منوال السَّابقين، ولم يستثمر ظهور العِلم النَّفسيِّ الجديد في زمنه. وكذلك اكتفى هنري لوبا هنا بالإشارة، ولم يُقدِّم معلومات كافية عن دراسة مولر.

1-3- دراسة برنيي دو مونموران بعنوان: «الزُّهد والتَّصوُّف: دراسة سيكولوجيَّة»[6] الَّتي تظهر أهمِّيَّتها، على المستوى السِّيكولوجيِّ، في إتاحة الفرصة لمناقشة العلاقة بين المتصوِّفين المسيحيِّين الكبار، والمصابين بالإنهاك النَّفسيِّ psychasthéniques. ولقد سعى دو مونموران إلى إقامة السِّيكولوجيا الدِّينيَّة على وقائع مُمحَّصة بعناية؛ فقدَّم شواهد عن الزُّهَّاد المسيحيِّين: جان دولاكروا، والقدِّيسة تيريزا، ولويولا، والقدِّيس فرانسوا دوسال[7].

يقوم الزُّهد المسيحيُّ على الاعتقاد بإمكانيَّة علاج انحراف الطَّبيعة البشريَّة الَّتي يمكن شفاؤها بدواءٍ بطوليٍّ، هو التَّضحية والآلام المقبولة بكيفيَّة إراديَّة، بل يتمُّ البحث عنها والرَّغبة فيها[8]؛ أي إنَّ الزُّهد ليس شيئاً آخَر إلَّا «مجموع الإجراءات العلاجيَّة الَّتي تنزع إلى التَّطهير الأخلاقيِّ»[9]. ورأى دو مونموران أنَّ المنهج الزُّهديَّ يتضمَّن عمليَّتين:

الأولى هي الحرمان الدَّاخليُّ،

الأُخرى هي امتلاك الله للكائن كَكُلٍّ.

وانتهى من التَّحليل الَّذي قام به للمناهج المستعمَلة في إذلال النَّفس، إلى أنَّ الزُّهد إجراء للتَّبسيط السِّيكولوجيِّ، وليس إجراءً للبتر الفكريِّ القابل للعقاب، الَّذي يعود إلى عدم قدرة الفرد على توحيد عناصر وعيه.

وهنا، لا يتَّفق دو مونموران تمام الاتِّفاق مع باحثين آخَرين؛ مثل موريسيي M.Murisier وجاني P.Janet، ودوما G.Dumas، الَّذين عَدُّوا الزُّهد في جملته كعَرَض مَرَضِيٍّ، والمتصوِّفة كمُوَسْوَسِين مُتردِّدين وفاقدي إرادة. وبدا له أنَّ الدَّعوى الَّتي أُقيمت ضدَّ المتصوِّفة الزُّهَّاد لم تحفظ بعد، وأنَّ هناك إمكانيَّة لمراجعتها، وإنْ لم يُسَمِّ المتَّهمين الحقيقيِّين[10].

1-4- دراسة هنري جيمس لوبا بعنوان: «النَّزعات الدِّينيَّة لدى المتصوِّفة المسيحيِّين»[11]: يمكن أن نعدَّ هذه الدِّراسة ردَّاً على الأحكام التَّصنيفيَّة الَّتي يصدرها علماء النَّفس وعلماء الطِّبِّ النَّفسيِّ على المتصوِّفة كمَرضَى، خاصَّةً موريسيي[12] وبيير جاني[13] في دراسات مختلفة. وهكذا، يمكن أن نلاحظ أنَّ لوبا سار على نفس الخطوات الَّتي سيسير عليها دو مونموران فيما بعد -كما رأينا ذلك في الدِّراسة السَّابقة-، حيث سيرُدُّ بتفصيل عن تُهمتَي التَّردُّد (الوسوسة) وفقدان الإرادة لدى المتصوِّفة، اللَّتَين ألصقاهما بهما علماء النَّفس والأطبَّاء العقليُّون.

أطروحتان أساسيَّتان لتفسير المتصوِّفة بالتَّفكُّك أو التَّحلُّل، ثمَّ الوجد أو الذُّهول، وبفقد الإرادة الَّذي ينحو نحوَ الهستيريا، هما ما عمل لوبا على دحضِهما وردَّهما إلى صاحبَيهما موريسيي وجاني، وتقديم أطروحة بديلة لتفسير الحالات النَّفسيَّة النَّاتجة عن النَّزعات الدِّينيَّة لدى المتصوِّفة المسيحيِّين خاصَّة.

وإذا كان صاحب الأطروحة الأولى (موريسيي)، في دراسته عن أمراض العاطفة الدِّينيَّة، توصَّل إلى أنَّ المتصوِّفة يُعانون من ضعف أخلاقيٍّ خاصٍّ، يمنعهم من تجميع أحوالهم النَّفسيَّة، وتنظيمها لتتوافق مع عالم مُتغيِّر، وتوشك الشَّخصيَّة لديهم أن تتحلَّل وتضيع في خَبَل من الإحساسات المتغايرة، والصُّور المتفكِّكة المتنافرة، والرَّغبات المتناقِضَة، والأفكار المضطربة؛ فإن صاحب الأطروحة الثَّانية (جاني)، في دراسته عن «المنوَجِدة دينيَّاً: مارسيل»، عرَّف المنوَجِد l'extatique بأنَّه «ذلك المتشكِّك فاقد الإرادة الَّذي ينحو نحوَ الهستيريا، والَّذي يقترب منها مؤقَّتاً دون أن يبلغها فعليَّاً»[14].

وهو بذلك ينظر إلى الزُّهد الَّذي بدأ به مَرَض الوِجْدِ[15] بمثابة عرضٍ مَرَضيٍّ؛ فهؤلاء المرضَى الَّذين يُعانون من الوجد يتخلَّون تدريجيَّاً عن كلِّ المباهج، ورغبات الحياة وكلِّ تعقيداتها، وعن التَّرف والتَّشريفات والعلاقات الاجتماعيَّة والأُسرية.

أمَّا ردُّ لوبا، فهو كالآتي: إنَّ ما قاله جاني حقٌّ، ولكنَّنا نحتجُّ على أن نُدرج في نفس خانة المرضى كلَّ المتصوِّفة الَّذين عرفوا حالات وجْد.

يضيف لوبا أنّ المتصوِّفة الَّذين يهتمُّ بهم هم المتصوِّفة الَّذين مارسوا تأثيراً نافذاً على المجتمع؛ مثل إيكهارت، وباولر، وسوزو، ومولينوس، والقدِّيس فرانسوا دوسال، وجان دولاكروا، والقدِّيسة تيريزا، والسَّيِّدة كيون، والقدِّيس فكتور، وغيرهم، والَّذين يمكن أن نضيف إليهم القدِّيس أوغسطين وأمثاله مِمَّن لم يختبروا الوجد، ولكنَّهم يمتلكون الخصائص المميِّزة لكبار المتصوِّفة المسيحيِّين، وليس الباهتين.

إنَّ هؤلاء المتصوِّفة -يضيف لوبا-، وإنْ عرفوا لحظات من الهلوَسَة والأفكار الوسواسيَّة والجذب والهستيريا وفقد الإرادة، بل وحتَّى أعراضاً من اللَّاتوازن - مثلما كشفت عنه دراسته-، إلَّا أنَّ هذه السِّمات لا تسمح بتصنيفهم ضمن المتشكِّكين والمتردِّدين وفاقدِي الإرادة؛ فتشكُّكُهم ووَسوسَتُهم - بخلاف المرضى النَّفسيِّين - تتوحَّد في مصدر دقيق، وهدف عامٍّ مُعيَّن، ودلالة فرديَّة واجتماعيَّة ذات أهمِّيَّة بالغة. إنَّ شغفَهم بكونيَّة الإرادة universalisation de la volonté هو المصدر الرَّئيس لِمَا يمكن أن نسمِّيَه تردُّدَهم وشكوكهم ووَسْوَسَتَهم.

ويضيف أنَّه إذا كان المرضى المتشكِّكون يعانون من تجزُّؤ في الفكر، ومن تفكُّك في العقل، ومن العجز عن تنسيق تجاربهم؛ ولهذا فهم يتوقَّفون عن كلِّ نشاط، ولا يقدرون على أيِّ فعل إلَّا الزَّهيد؛ مِمَّا لا أثر ولا تأثير له في العلاقات مع الآخَرين؛ فإنَّ المتصوِّفة، على خلاف ذلك، يريدون أن يضعوا في تصرُّفاتهم منطقاً رفيعاً، وطهارة قصوى. وإنَّ معاناتهم ناتجة عن الحاجة إلى تنسيق أعمق من المعتاد، وهي حاجة قويَّة في تنظيمها، وإن اختلفت بين اتِّباع الإرادة الإلهيَّة وبين خدمة الآخَرين أو الجهاد من أجل تحقيق العدالة.

ويستنتج من ذلك أنَّ المتصوِّفة يُنسِّقون نزعاتهم العليا بقوَّة وامتداد ومثابرة، ويعانون من أجل هذا من صراعات نفسيَّة داخليَّة عنيفة؛ فهم لا يقبلون بالتَّسويات، وخاصَّة في مجال الأخلاق؛ لأنَّهم إطلاقيُّون، خلافاً للعامَّة الَّذين يتساهلون في كلِّ شيء يُحقِّق مصلحتهم، ويكونون انتهازيِّين في مجال الأخلاق، وفي غيره من المجالات[16].

أمَّا عن فقدان الإرادة، هل مِن مسوِّغ لأنْ يُتَّهموا بها بسبب عدم الكفاية الدِّيناميَّة لنزعاتهم العليا النَّاجمة عن الفارق بين حساسية شعورهم الأخلاقيِّ وقواهم؟

إنَّ طاقتهم الأخلاقيَّة ليست أقلَّ أو أكثر ممَّا هي لدى العامَّة.. إنَّهم لا يملكون منها، في الوهلة الأولى، القدر الكافي الَّذي يؤهِّلهم لبلوغ الكمال الَّذي يصبون إليه.

تُعدُّ أزمات فقدان الإرادة الَّتي يعانون منها أحياناً ذات منشأ فيزيولوجيٍّ صرف، وغالباً ما تكون نتيجة الإنهاك المتأتِّي من الصِّراعات النَّفسيَّة الدَّاخليَّة العنيفة لسعيهم إلى المطلَق، ورفضهم التَّسويات والتَّساهلات في مجال الأخلاق، إلَّا أنَّها أزمات شبيهة بالحوادث العابرة كتلك الَّتي يمكن أن تصيب شابَّة تعاني على إثر تجربة حُبٍّ فاشلة.

لكن الَّذي ينبغي استحضاره هو أنَّ المتصوِّفة الَّذين درسهم لوبا هم رجال عمل، قساوسة، ومُنشِئو أنظمة، ومديرو مؤسَّسات... إلخ[17].

أمَّا ما يقال عن الزُّهد الَّذي يرافق التَّصوُّف من أنَّه حالة مرَضيَّة، وأنَّ المتشكِّكين والمرتابين يقودهم عجزهم؛ فلا يستطيعون تجميع تجاربهم المركَّبة، فالرَّدُّ عليه هو أنَّ المتصوِّفة - يتعلَّق الأمر بالمسيحيِّين هنا - كانوا يسعون إلى أن يطرحوا من حياتهم كثيراً من الإحساسات والأفكار والأفعال الَّتي لا يستطيع غيرهم من النَّاس أن يعيشوا من دونها، وهم بهذا إنَّما يعملون على تبسيط حياتهم، إلَّا أنَّ تبسيطَهم ليس مُصطَنعاً كما لدى العامَّة من النَّاس، ولا مَرَضيَّاً كما لدى المصابين باضطرابات عقليَّة أو نفسيَّة.

إنَّهم من صنف الأشخاص الَّذين يفرضون على أنفسهم حدوداً في بعض الاتِّجاهات حتَّى يتاح لهم التَّوسُّع في اتِّجاهات أخرى، والتَّعمُّق في اتِّجاهات غيرها. يوجد من بين الأشخاص الَّذين حصلوا مراتب الشَّرف في حياتهم مَن ضحّوا بتسعة أعشار ما وفَّره لهم العالم ليوقفوا أنفسهم على العمل من أجل مثال جزئيٍّ؛ كما هو حال بعض العلماء والفنَّانين والفلاسفة، بيد أنَّ المتصوِّفة المسيحيِّين قِدِّيسون أرادوا أن يهبُوا أنفسَهم كلَّها للحياة الأخلاقيَّة؛ فطرحوا منها كلَّ ما يهتمُّ به في العالم[18].

ثمَّ ما يفتأ لوبا أن يطرح سؤالاً من الأهمِّيَّة بمكان بخصوص هذه النُّقطة، فيقول: «إنَّ السُّؤال الحقيقيَّ ليس هو معرفة ما إذا كان المتصوِّفة يفرضون على أنفسهم الحدود -ما دام هذا شرطاً ضروريَّاً لكلِّ نجاح باهر-، وإنَّما هو معرفة ما إذا كان المثال الَّذي أوقفوا حياتهم عليه جدير بحياة الإنسان؟»[19].

وفي كلمة واحدة، إنَّ ما يفعله المتصوِّفة هو جهادُهم لأنْ يَضَعوا موضع التَّطبيق المبدأ الكانطيَّ الشَّهير: «اُسلك بالكيفيَّة الَّتي تجعل من سلوكِك قانوناً كونيَّاً»، ويكونون بهذا متطابقين مع المثال، وليس مع الواقع.

1-5- هناك دراسات أنجزها الدُّكتور بيني - سانغلي Dr.Binet-Sanglé[20]، ولكن منذ البداية يُلاحظ عليها عدم انتمائها الدَّقيق إلى السِّيكولوجيا الدِّينيَّة. فبيني سانغلي طبيب كفء في مجاله الطِّبِّيِّ، ولكنَّه بعيد عن الدِّين. وقد أصدر مجموعة من الدِّراسات في علم النّفس الدِّينيِّ، لكنَّه يخلط بين اضطرابات الحسِّ الدِّينيِّ وبين الدِّين، مثلما يخلط فردٌ ما لا يفقه، في مجال عِلم الجنس، بين الانحرافات الجنسيَّة والجنسيَّة السَّويَّة؛ وبالتَّالي، فدراساته تنتمي إلى علم الأمراض النَّفسيَّة la pathologie psychologique، وليس إلى علم النَّفس الدِّينيِّ، مادام يعدُّ الدِّين مَرَضَاً، والعبادة داءً عقليَّاً مُعْدِياً.

ولم يكن مُستغرباً أن يختم لوبا عرض دراسة بيني سانغلي بمقطع من محاضرة للأستاذ وليم جيمس الَّذي ضمَّنها كتابه الشَّهير «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»: «لم يتجرَّأ أيُّ شخص في ميدان العلوم الطَّبيعيَّة والفنون الصِّناعيَّة أن يدحض رأي أحد ما بالبرهنة على أنَّ لديه بنية عصابيَّة névropathique. داخل هذين الميدانين يتمُّ الحُكم على الآراء بالمنطق وبالتَّجربة مهما كانت الحالة العصبيَّة لأصحابها، ولا يمكن أن تُشكِّلَ المعتقدات الدِّينيَّة استثناءً على هذه القاعدة»[21].

إنَّ ما يمكن استخلاصُه من هذا القسم المتعلِّق بالمقالات التَّأسيسيَّة الَّتي أتينا على عرض موجَز مُركَّز لها، هو أنَّ اهتمامها انصبَّ على دراسة العناصر النَّفسيَّة للدِّين من رغبات وإرادة ووجدان؛ وعلى الزُّهد والتَّصوُّف وصلتهما بالأمراض النَّفسيَّة واضطرابات الشَّخصيَّة كالتَّشكُّك والتَّردُّد وفقدان الإرادة؛ وعلى الرَّدِّ على الدِّراسات الَّتي تعاملت مع المتصوِّفة المسيحيِّين الكبار على أنَّهم مرضى ومضطربون، وأعادت للدِّين اعتبار التَّركيز على الذَّات من أجل هدف غائيٍّ ومثاليٍّ فوق الواقع وفوق المجتمع وفوق الحاجات الذَّاتيَّة.

كما نَبَّهت هذه الدِّراسات إلى خطر التَّعامل مع المتديِّنين كما لو كانوا حالات مرضيَّة، وميَّزت بالتَّالي بين حقلَين معرفيَّين في علم النَّفس هما: علم النَّفس الدِّينيُّ وعلم النَّفس المرضيُّ. وعلى الرّغم من هذين الأمرين التَّنبيه والتَّمييز، إلَّا أنَّ اللَّاحقين من الأطبَّاء سيقعون في الخطر نفسه، مثلما وقع لفرويد نفسه مع الدِّين كَكُلٍّ -كما سنرى-، بل ومع المبدعين والفنَّانين؛ ما جلب عليه -ومازال- انتقادات الدَّارسين لعلم النَّفس، بما في ذلك المنتمون إلى التَّحليل النَّفسيِّ، سواء في زمانه أو بعد وفاته. وكمثل على ذلك نورد ما قاله كولن ولسون: «هذا التَّعامي الغريب من قِبَل فرويد أدَّى به إلى القيام بدراسات تحليليَّة نفسيَّة سخيفة لعدد من العباقرة مثل ليوناردو ودوستوفسكي، وكان في كلِّ هذه الدِّراسات مدفوعاً بفكرة تحدِّي عظمة هؤلاء الرِّجال وتحطيم أمجادِهم، ومعاملتهم كمجرَّد أُناس عاديِّين -أصبحت عادة فرويد في تحطيم الأماجد مثل برنارد شو مفتعَلة ومُتعِبة بعض الشَّيء- وقد كان هذا انتصاراً للتَّجريد على المنطق السَّليم وأحد الانتقادات الَّتي كانت توجَّه إلى التَّحليل النَّفسيِّ تُبيِّن هذا الأسلوب التَّجريديَّ (...) كيف يمكن التَّأكُّد من أنَّ المحلِّل النَّفسيَّ نفسه طبيعيٌّ تماماً؟»[22].

هذا عن القسم الأوَّل من المقالات الأكاديميَّة التَّأسيسيَّة، الَّتي تعمَّدْنا فيها عدم التَّطرُّق إلى أحد الأعلام الكبار، هو وليم جيمس؛ وذلك للتَّبرير الَّذي سبق أنْ قدَّمنَاه.

2- أبحاث مُتخصِّصَة:

لا نَدَّعي في هذا القِسم -كما لم ندَّعِ في سابقه- الإحاطة بكلِّ الأعمال المتخصِّصة في سيكولوجيَّة الدِّين، بقدرِ ما نُصَرِّح بأنَّنا نكتفي هنا بعرض نماذج أو أمثلة مِمَّا أوصلتنا إليه جهودنا المحدودة في هذا الفرع العلميِّ الجديد، وسنتَّبع طريق الإيجاز أو تقديم الهيكل العامِّ؛ لأنَّ التَّفصيل في المضامين، ومناقشتها، من شأنه أن يُخرجنا عمَّا هو مُحدَّد لهذا العمل.

2-1- بحث روبرت غرابس: مدخل إلى فلسفة الدِّين[23]

على الرّغم من أنَّ هذا البحث قد طبع من لدن الجمعيَّة الأمريكيَّة للإنجيل عام 1966، وأعيد طبعه مرَّتين عامَي 1971 و1976 - قبل أن تتكلَّف جامعة ميرسيير Mercier بولاية جورجيا بطبعه عام 1995-، إلَّا أنَّه بلغ من النِّظام المنهجيِّ والعرض الموضوعاتيِّ درجة جعلت منه - في ظنِّنا- نموذجاً من نماذج الأبحاث في سيكولوجيَّة الدِّين الَّتي يمكن أن يُتأسَّى به؛ ما يدلُّ على تطوُّر هذا المبحث في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، وعلى تبنِّي الهيئات الدِّينيَّة له، مثلما يدلُّ على السَّعي إلى التَّكامل بين الممارسة الدِّينيَّة لدى الباحثين في المجال -كأن يكون الواحد قِسَّاً-، والممارسة العلميَّة الّتي يُتوسَّل بها إلى دراسة الموضوعات الدِّينيَّة بمنهجيَّة علميَّة كيفيَّة أو كمِّيَّة، إحصائيَّة أو تجريبيَّة[24]. فما هي خطَّة الباحث كرابس في هذا العمل؟

يبدأ روبرت غرابس بتحديد الدِّراسة السِّيكولوجيَّة للدِّين؛ مشكلاتها وإمكاناتها، والتَّحديد السِّيكولوجيِّ للدِّين، والدِّراسة العلميَّة للدِّين، ثمَّ أهمّ التَّأويلات السِّيكولوجيَّة للدِّين، بما في ذلك التَّحليل النَّفسيُّ للدِّين؛ بدءاً بالمعلِّمين الكبار: فرويد وتصوُّره للدِّين كوهم، ويونغ وتصوُّره للدِّين كنَمَط، وانتهاءً بالجيل الثَّاني من المحلِّلين النَّفسيِّين، بمن فيهم إريك فروم الَّذي تصوَّر الدِّين كحُبٍّ إنسانيٍّ، وإريك إريكسون الَّذي تصوَّر الدِّين كتطوُّر متعاقِب epigenetic للفضيلة، ثمَّ يُعرِّج على السُّلوكيَّة والدِّين متَّخذاً من وليم سارجنت W.Sargant وسكينر نموذجيْن، ثمَّ كانت له وقفة مع السِّيكولوجيا الإنسانيَّة والدِّين، وخاصَّة مع الرَّائد وليم جيمس؛ صاحب الرُّؤية البراجماتيَّة للدِّين، وأبراهام ماسلو -الشَّهير بالسُّلَّمِ الهرميِّ للحاجات- الَّذي عالج الأديان والقيم والتَّجارب القصوى Peak Experiences، وغوردون ألبورت في الدِّين وصيرورة الشَّخص[25].

ثمَّ يُسطِّر مراحل نموِّ الفرد الإنسانيِّ وما يوازيها من دين، فمرحلة الطُّفولة لها دينُها بخصائصه، ومرحلة الشَّباب لها دينها الخاصُّ بها ثمَّ مرحلة النُّضج لها دينها الخاصُّ بها[26].

وعالج فصل آخَر تطوُّر التَّفكير الدِّينيِّ. وكان ابتداءً من هذا الفصل أقرب إلى علم النَّفس المعرفيِّ في تناوله لسيرورات تكوُّن الدِّين، فقارب من خلال ذلك ثلاثة موضوعات: تكون المفاهيم الدِّينيَّة، التَّذكُّر والقدرة على الاحتفاظ بما هو دينيٌّ، ثمَّ التَّخيُّل والرُّؤيا الدِّينيَّة. وسارت فصول أخرى تقريباً نفس مسار وليم جيمس في كتابه الجامع «الموجز في علم النَّفس»- والَّذي لخَّصَه من كتابه المعروف «مبادئ علم النَّفس»-، لَمَّا درس غرابس في الفصل المخصَّص للوظيفة الانفعاليَّة للذَّات والمشاعر الدِّينيَّة أثر المطالب اللَّاهوتيَّة على الانفعال، وكذلك العلاقة التَّوصيليَّة بين الانفعال والدِّين. ودرس في فصل آخَر ما يصنع كلَّاً من حرِّيَّة الإرادة واتِّخاذ القرار الأخلاقيِّ؛ فعالج الحرِّيَّة والحتميَّة، ثمَّ العزم كمقرٍّ للإرادة، ثمَّ ما يصنع القرار المسؤول، وأخيراً النُّموَّ الأخلاقيَّ. ليتحوَّل بعد ذلك إلى دراسة دين السُّلطة وطرائق الإخضاع، ويتناول محيط دين السُّلطة ثمَّ الأصوليَّة (أو التَّزمُّت) مع دراسة لحالة، ومنه إلى دراسة دين النُّموِّ والصَّيرورة وأوصافها، ثمَّ التَّفكير الإيجابيِّ مع دراسة لحالة، لينتقل إلى دراسة دين التِّلقائيَّة والطَّريق إلى التَّصوُّف، ليختم أخيراً بفصلٍ موضوعه «نحو دين ناضج» بما في ذلك العلاقة بين الأشخاص النَّاضجين والدِّين، ثمَّ معايير كلٍّ منهما.

إنَّ هذه الموضوعات هي الَّتي سيعمل علم النَّفس الدِّينيِّ، وعلم النَّفس الاجتماعيِّ الدِّينيِّ، وعلم النَّفس المعرفيِّ الدِّينيِّ، على بحثها والتَّوسُّع فيها وتعميقها ودراستها دراسة إحصائيَّة وتجريبيَّة. مع ملاحظتنا غياب موضوعات أُخرى من الأهمِّيَّة بمكان مثل: الهويَّة، والصِّحَّة النَّفسيَّة، والتَّحوُّل إلى دين آخَر، والطَّوائف الدِّينيَّة، وعلاقة الدِّين بالزَّواج المثليِّ، وغيرها من الموضوعات الَّتي سيعالجها هذا الفرع العلميُّ أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين، مع تباين المقاربات داخلها؛ وذلك كما رأيناه عند سرد موضوعات علم النَّفس الاجتماعيِّ الدِّينيِّ مع نيكولا روسيو؛ كالتَّنشئة الاجتماعيَّة، والشَّخصيَّة، والعلاقات بين الجماعات، والصِّحَّة، والمحيط البيئيِّ، وكلّ ذلك في علاقاته بالدِّين[27].

2-2- دراسة هرفي كاريي: سيكولوجيَّة الانتماء الدِّينيِّ[28]

قامَت هذه الدِّراسة الميدانيَّة على تصوُّر مفاهيميٍّ واضح، وتعالقات مفاهيميَّة متكاملة من جهة؛ وعلى بحثٍ إحصائيٍّ من جهة أُخرى؛ لذا قارن هرفي كاريي بين بواعث التَّحوُّل الدِّينيِّ لدى 1011 رجل و254 امرأة، كما قارن بين الاتِّجاه الدِّينيِّ لدى الشَّباب الفرنسيِّ من الفئة العمريَّة (18-30) سنة، والاتِّجاه الدِّينيِّ لدى آبائهم؛ كما درس المرحلة العمريَّة الَّتي غادر فيها 350 فرداً ملحداً الكنيسة وتخلَّوا عن الإيمان؛ وكذلك رأي 138 طالباً في الاعتقاد بوجود إله شخصيٍّ، ورأي 138 طالباً في الاعتقاد بكون يسوع المسيح ابن الله؛ ثمَّ رأي مستجوبين من 12 بلداً عن سؤالين مترابطين هما: وجود الله وخلود النَّفس؛ وكذلك درس متغيِّرات أخرى مهمَّة منها درجة الاهتمام بالدِّين منذ الزَّواج حسب تشكيلة الجماعة الأُسريَّة؛ والمشاركة الدِّينيَّة لدى الشَّباب الكاثوليكيِّ من الفئة العمريَّة (15-24) سنة من الذُّكور والإناث حسب نوع التَّعليم الدِّينيِّ الَّذي تلقَّوه؛ ومدى انخراط الشَّباب من الفئة العمريَّة (18-30) في تعليمات الكنيسة الكاثوليكيَّة؛ ثمَّ المقارنة بين الاتِّجاه الخاصِّ والاتِّجاه المؤسساتي لفرقتي الميثوديين méthodistes والمعمدانيين baptistes نحو أشكال التَّعميد (التَّنصير)، ثمَّ دراسة الرَّأي في العلاقات بين العِلم والدِّين[29]، ومقارنة الحضور الأحَديِّ (يوم الأحد) للصَّلاة لدى الكاثوليكيِّين في منطقة السِّين Seine الفرنسيَّة.

هذه الدِّراسة الميدانيَّة الَّتي أُجريت بأوروبا (فرنسا، بريطانيا، وغيرها) صاحبُها ممارِس دينيٌّ، استفاد من إشراف ونصائح الأستاذ الفرنسيِّ للسُّوسيولوجيا في السُّوربون، وصاحب مؤلَّفات كثيرة، من أشهرها «استطلاع الرَّأي»، هو جان ميزونوف J.Maisonneuve الذي ظهر تطبيقه في هذا العمل السِّيكو سوسيولوجيِّ للانتماء الدِّينيِّ، كأبرز ما يكون الظُّهور.

ينبغي الاعتراف هنا أنَّ هذه الدِّراسة استفادت مِمَّا سبقها من دراسات وأبحاث، وخاصَّة في مجال سوسيولوجيا الدِّين إلى درجةٍ يمكن معها القول إنَّ هذه الدِّراسة سوسيولوجيَّة أكثر منها سيكو سوسيولوجيَّة؛ بدليل المراجع الَّتي اعتمدها الباحث، والمجلَّات المتخصِّصة الَّتي رجع إليها. وكمثال على هذه الأخيرة، الَّتي رجع إلى سبع منها، واحدة منها هي الَّتي تنتمي إلى علم النَّفس، أو تتكلَّم بحال علم النَّفس، هي مجلَّة «علم النَّفس المرَضيِّ والاجتماعيِّ». أمَّا مجلَّات علم النَّفس الدِّينيِّ، فلم يعُدْ إليها مقارنة مع المجلَّات السُّوسيولوجيَّة، ومجلَّات سوسيولوجيَّة الأديان، بما فيها الأمريكيَّة الكاثوليكيَّة.

أمَّا عن التَّصوُّر المفاهيميِّ لهذه الدِّراسة وخطَّتها، فيمكن إيجازها في ثلاثة أقسام رئيسة، هي:

أوَّلاً- الانتماء الدِّينيُّ كاتِّجاه للسُّلوك، وتضَمَّن ثلاثة موجِّهات تابعة لمفهوم الانتماء الدِّينيِّ هي: الانتماء الدِّينيُّ كظاهرة للملاحظة، والانتماء الدِّينيُّ داخل النِّظام الجماعيِّ، ثمَّ الانتماء الدِّينيُّ كاتِّجاه نفسيٍّ-اجتماعيٍّ.

ولقد تضمَّن عدَّة عناصر فرعيَّة، منها ما ينتمي إلى علم الاجتماع وهو كثير، ومنها ما ينتمي إلى علم النَّفس الاجتماعيِّ، وهو ضئيل (كالاتِّجاه الدِّينيِّ، والتَّجربة الدِّينيَّة، والسُّلوك الدِّينيِّ، والجماعات الدِّينيَّة، والتَّماهي مع الجماعة الدِّينيَّة...).

ثانياً- تَشَكُّلُ الاتِّجاه الدِّينيِّ، وتضمَّن خمسة عناصر، ثلاثة منها مسَّت التَّحوُّل الدِّينيَّ كَشكل من الانخراط الدِّينيِّ، وعالج فيه التَّحوُّل الدِّينيَّ، والتَّمهيد له، وفينومينولوجيَّته، وصفاته؛ ثمَّ التَّحوُّل الدِّينيَّ إلى الطَّوائف، وعلاقته باليقظة الدِّينيَّة لدى الفرد المتحوِّل، وشخصيَّته وسلوك الطَّوائف الدِّينيَّة، والأوضاع والأدوار السُّوسيو دينيَّة، والحوافز الدِّينيَّة الظَّاهرة؛ ثمَّ التَّحوُّل الدِّينيَّ إلى الكنيسة، بما في ذلك دراسة الكنيسة كجماعة ذات خصوصيَّة، ومراحل التَّحوُّل الدِّينيِّ بها لحلِّ أزمة لدى الفرد، وتحقيق شخصيَّة مندمجة، والسُّلوك الجديد للمتحوِّل أو الاعتقاد الجديد. وهناك عنصران آخَران همَّا التَّربية الدِّينيَّة، سواء في شكل التَّربية الأولى، الَّتي يتماهي فيها الطِّفل بديانة والديه، ويتبنَّى اتِّجاهات دينيَّة مُبكِّرة، ويخضع لتأثير الجماعة الأوَّليَّة، أو في شكل التَّعليم الدِّينيِّ، الَّذي تناول فيه الدَّور الإدماجيَّ للمذهب، والتَّعليم الدِّينيَّ للشَّباب وعلاقته بالانخراطات الدِّينيَّة لديهم، والإدماج الفارقيَّ للاتِّجاهات الدِّينيَّة؛ ثمَّ التَّبشير الدِّينيَّ وسياقه الاجتماعيَّ وإعادة توجيه الاتِّجاهات الجماعيَّة، وكذلك التَّبشير والتَّماهيات السُّوسيو-دينيَّة.

ثالثاً- تمايزات الاتِّجاه الدِّينيِّ: وركَّز فيه على معالجة موضوعين أساسيَّين؛ أحدهما تماسك الاتِّجاه الدِّينيِّ، حيث تطرَّق إلى تماسك المجموعة ورابط الانتماء، بما في ذلك استعمال سيكولوجيا منهجيَّة للتَّماسك الاجتماعيِّ، والتَّماسك السُّوسيو- دينيِّ حسب أنواع المجموعات الدِّينيَّة، والتَّماسك الخاصِّ بالطَّوائف؛ وتماسك المجموعات الكنَسيَّة على مستوى المشاركة والرِّباط المؤسَّساتيِّ ودور القسِّ أو الرَّاهب في هذا التَّماسك، ثمَّ تمثُّل الجماعة الدِّينيَّة كعامل للتَّماسك وعالج فيه صورة جماعة الانتماء، والتَّمثُّلات السُّوسيولوجيَّة أو السِّيكولوجيَّة للمجموعة، والتَّقويم الذَّاتيّ لمجموعة الانتماء والتَّمثُّلات الرَّمزيَّة للمجموعة الدِّينيَّة. والموضوع الآخَر هو التَّغيُّرات الَّتي تحدث في الاتِّجاه الدِّينيِّ، وتناول فيه موضوعين هما: تبدُّلات الاتِّجاه الدِّينيِّ، وثبات الاتِّجاهات الدِّينيَّة وتغيُّرها. هكذا تطرَّق المؤلِّف في الموضوع الأوَّل إلى ملاحظة التَّغيُّرات في الاتِّجاه الدِّينيِّ، ووصف «الحركيَّة الدِّينيَّة» وقياس الارتفاع في الاتِّجاهات الدِّينيَّة وإهمال الشَّباب للممارسة الدِّينيَّة، والقطائع الَّتي تحدث داخل وحدة المعتقدات، ثمَّ الإلحاد والقطيعة مع الانتماء.

وتطرَّق في الموضوع الثَّاني، إلى العاطفة الدِّينيَّة بين الحركة والعطالة، وإلى الدِّين بين الثَّبات والدَّيمومة؛ ثم إلى الاستقرار الخاصِّ بالاتِّجاهات الدِّينيَّة، وأخيراً إلى النُّضج الدِّينيِّ، قبل أن يختم بخصوصيَّة الاتِّجاه الدِّينيِّ.

إنَّ مفهوم «النُّضج الدِّينيِّ»، الَّذي انتهى إليه الباحث كاريي في بحثه الميدانيِّ، هو نفسه الَّذي انتهى إليه الباحث غرابس في مؤلَّفه «مدخل إلى سيكولوجيَّة الدِّين»؛ وهذا يعني أنَّ الحاجة ماسَّة إلى دين ناضج، وإلى مُتديِّنين ناضجين من أجل تعايش ناضج بين الدِّيانات في العالم، وبين الأفراد في المجتمع.

والحقُّ أنَّ هذه الموضوعات المعالجة -هي في تقديرنا- نموذج للإشكاليَّات الَّتي يمكن أن يدرسَها أيُّ باحث في عِلم النَّفس الدِّينيِّ، ليس في الغرب وحدَه، وإنَّما في عوالم أخرى، وفي العالم الإسلاميِّ بالأحرى.

وعلى الرّغم من أهمِّيَّة هذا العمل، إلَّا أنَّ ما أثار انتباهَنا أكثر هو المقدِّمة الَّتي كتبها صاحبُه لعمله، والَّتي تحمل من الدَّلالات الشَّيء الكثير؛ فهو سمَّاها «نحو سيكوسوسيولوجيَّة دينيَّة»، ولكنَّه - في الحقيقة- لم يلْمَس إلَّا الجوانب السُّوسيولوجيَّة للدِّين انطلاقاً من فرنسا مع أوغست كونت الَّذي أطلق اسم «السُّوسيولوجيا» على العِلم النَّاشئ لدراسة المجتمع حين طبع كتابه «بحث في السُّوسيولوجيا» Traité de sociologie عام 1854، الَّذي تضمَّن الدين[30]، ثمَّ مروراً بدوركايم وهوبير وموس وليفي برول، مع ملاحظته أنَّ العدد الأوَّل من «الحوليَّة السُّوسيولوجيَّة» l'Année Sociologique، الَّذي ظهر عام 1896، افتتح صفحاته بحوليَّة للسُّوسيولوجيا الدِّينيَّة Chronique de sociologie religieuse، لتعرف فرنسا بعد الحرب الأولى نموَّاً بارزاً للسُّوسيولوجيا، توَّجَهُ تأسيس «فريق البحث في سوسيولوجيا الأديان» الَّذي كان يجْرد حصيلة أعماله دوريَّاً في «سجلّات سوسيولوجيا الأديان» (كإشارة إلى المجلة التي كانت تنشر أعمال فريق البحث في سوسيولوجيا الأديان)[31].

والشَّيء نفسُه قام به لَمَّا تكلَّم عن ألمانيا وإنجلترا والولايات المتَّحدة، على الرّغم من أنَّه ذكر وليم جيمس ولوبا وستاربك، ثمَّ فيما بعد ألبورت وينجر وفشتر.

ولم يُنبِّه إلى أنَّ هناك ثلاثة نماذج رئيسة للسُّوسيولوجيا الدِّينيَّة، إلَّا بعد أن أنجزَ عرضاً تاريخيَّاً لِمَا سمَّاه بـ «السِّيكو سوسيولوجيا الدِّينيَّة»، الَّتي ما هي إلَّا عرض لسوسيولوجيا الدِّين.

النَّموذج الأوَّل سوسيولوجيا شكليَّة دينيَّة، والثَّاني مورفولوجيا دينيَّة، والثَّالث نموذج ما يصطلح عليه بسيكو-سوسيولوجيا دينيَّة[32].

النَّموذج الأوَّل يُمثِّله واش Wach ومونشنغ Menshing، ويتأسَّس على تاريخ الأديان والمنهج المقارَن والإثنولوجيا الكلاسيكيَّة، وتدَّعي الوصول إلى تفسير عامٍّ، لا لشيء إلَّا لأنَّ هذين الباحثين، ومَن جاء بعدهما، لم ينفتحوا على مناهج السُّوسيولوجيا الوضعيَّة، ويفتقدون إلى الحسِّ النَّقديِّ[33].

النَّموذج الثَّاني يمتنع عن اقتراح أيِّ نتائج مُعمَّمة. ويقصد إلى فهم الوضعيَّات الواقعيَّة وتوجيه الفعل الدِّينيِّ عبر استعمال المناهج الوصفيَّة، وإحصاءات للواقع وتحليل المؤسَّسات والتَّأريخ لها. ولا ينتقل هذا النَّموذج من المورفولوجيا (التَّشكل) إلى التِّيبولوجيا (الصَّنافة والنَّمذَجَة) إلا بتدرُّج وعبر مراحل. وأهمُّ مَن يُمثِّل هذا النَّموذج غابرييل لوبرا Gabriel Le Bras وبولار Boulard[34].

النَّموذج الثَّالث - وهو الذَّي يهمُّنا- يقول عنه كاريي إنَّه «من الصَّعب تخصيصه بصفة وإنَّما يمكن أن نسمِّيَه إذا شئنا بعلم النَّفس الاجتماعيِّ. إنَّه توجُّه عامٌّ في الدِّراسات أكثر منه قطاع بحثيٌّ مُحدَّد.(...) وعلى الرَّغم من تضاعف الأبحاث المتخصِّصة في موضوع واحد والاستقصاءات والدِّراسات الدِّينيَّة الَّتي يقوم بها علماء النَّفس الاجتماعيِّ، إلَّا أنَّ علم النَّفس الاجتماعيِّ لم يصُغ بعد تركيباً حول السُّلوك الدِّينيِّ، وهو نقص يتأسَّف له كثير من الباحثين -أمثال غريغوري-»[35]؛ هذا الأخير الَّذي حاول تقديم مقترحات لمجالات البحث الدَّالَّة في علم النَّفس - وليس في علم النَّفس الاجتماعيِّ كما أراد كاريي-.

إنَّ هذا الباحث يستشعر الحاجة إلى تحديد قطاعٍ خاصٍّ للبحث في السُّلوك الدِّينيِّ يكون مُماثلاً للقطاعات الَّتي سبق أن وجدت بالنِّسبة إلى البحث في ظواهر أخرى مثل الرَّأي العامِّ والتَّواصلات والسُّلوك الانتخابيِّ وغيرها، ثمَّ يقترح حلَّاً لذلك، هو مضاعفة الأبحاث الَّتي تهتمُّ بالتَّفاصيل في السُّلوك الدِّينيِّ، ثمَّ إنجاز تركيب عنها، وهكذا يمكن تزويد علم النَّفس الاجتماعيِّ بالفصل المفقود أي: السُّلوك الدِّينيِّ[36].

والحقيقة أنَّ في كلام كاريي تداخلاً بين مجالين، هما عِلم النَّفس وعِلم النَّفس الاجتماعيِّ. يتكلَّم عن هذا، ويقصد ذاك. بل إنَّه يُدخل علم النَّفس الاجتماعيَّ في دائرة السُّوسيولوجيا، وينسى أنَّه ينتمي إلى السِّيكولوجيا[37].

وبلغ هذا التَّداخل درجة الخلط حين تحدَّث عن العقبات الَّتي تقف حائلاً في وجه السِّيكو سوسيولوجيا على المستوى المنهجيِّ، ثمَّ يُقدِّمُ شهادات من السُّوسيولوجيِّين عليها، وخاصَّة لوبرا في كتابه المشار إليه سابقاً (دراسات في السُّوسيولوجيا الدِّينيَّة).

ومع كلِّ هذا، فهو يعترفُ بأنَّه استخلص التَّساؤلات الأولى لإشكاليَّة بحثه من مجلَّات سيكو سوسيولوجيَّة أمريكيَّة وفرنسيَّة، ومن مجلَّة سيكولوجيَّة خالصة -وليس من مجلَّات سوسيولوجيَّة-، مثلما استقى منها أهمَّ متغيِّرات بحثه كالمعتقدات الدِّينيَّة وخصائص الشَّخصيَّة لدى طُلَّاب الكلِّيَّة، وثبات المعتقد الدِّينيِّ، واستقرار الاتِّجاهات الاجتماعيَّة الأولى، والتَّديُّن والنَّزعة الإنسانيَّة[38].

ومع كلِّ هذا، فإنَّ ما يمكن أن نستفيده من هذا البحث، علاوة على خُطَّته المنهجيَّة ومقاربته الميدانيَّة، هو محاولته التَّركيبيَّة لَمَّا كُتِبَ عن ظاهرة الانتماء الدِّينيِّ، والدَّلالة السُّوسيولوجيَّة لهذا الانتماء، مع التَّمييز بين الشُّعور بالانتماء إلى جماعة دينيَّة، والتَّماهي مع تلك الجماعة والمكوِّنات السِّيكو سوسيولوجيَّة للانتماء الدِّينيِّ، وكذلك عوامل التَّفاضل في الانتماء الدِّينيِّ، والتَّحليل الفارقيُّ للانتماء الدِّينيِّ[39]. كما نستفيدُ منه التَّنبيه إلى مجموعة من المتغيِّرات: قياس معنى «الحرِّيَّة الدِّينيَّة» أو «التَّسامح» أو «الاستقامة المذهبيَّة» داخل مجموعة دينيَّة مختلطة من الكاثوليك والبروتستانت واليهود، وما يمكن أن تؤدِّي إليه من عدم الدِّقَّة في استنتاج التَّقدُّميَّة أو المحافظة أو التَّقليد. وكذلك موقف شخص متديِّن من الزَّواج المختلَط أو الطَّلاق، وعدم كفاية الحُكم عليه بالمحافظة إذا اتَّبعَ موقف الَّذين يعتقدون بنفس عقيدته... إلخ[40]، إلَّا أنَّ ما أثار انتباهَنا هو أنَّ هذه الدِّراسة لم تُشِر إلى الإسلام أو المسلمين، مع أنَّها أشارت إلى اليهود، خلافاً لدراسة أحد الرُّوَّاد الأوائل - كما سلف-، وهو الدُّكتور جان دوباي عن مراحل النُّموِّ الدِّينيِّ، حيث حضر فيها النَّبيُّ محمَّد ودين الإسلام، بمثل ما حضَر الرَّسول المسيح وكونفوشيوس[41].

3- دراسات معاصرة: مؤلَّفات مشتركة، ومجلَّات متخصِّصة

لقد جعلَنا النَّموذج الثَّاني من الدِّراسات الأكاديميَّة كأبحاث متخصِّصة ننفتح على التَّطوُّر التَّاريخيِّ لموضوعات ومناهج سيكولوجيَّة الدِّين؛ لأنَّ ما كتبه كاريي قديم نسبيَّاً، ومرجعه الأساس هو كتاب لندزي وموريكسون في علم النَّفس الاجتماعيِّ، لكنَّ منتصف القرن العشرين ليس هو عشريَّة القرن الحادي والعشرين. إنَّ العلوم الإنسانيَّة لم تظلَّ جامدة، والمجتمع لم يظلَّ خارج التَّاريخ وأحداثه، والجماعات البشريَّة لم تبقَ أسيرة مشكلات قديمة، فالبشريَّة كما يقول علماء الاجتماع تحدث من المشكلات ما هي قادرة على حلِّه بالعلوم. وكما هو معلوم، فإنَّ العلوم الإنسانيَّة تنشأ وتظهر بسبب الأزمات الَّتي تمرُّ بها الجماعات والمجتمعات والأفراد، فتشتدُّ الحاجة إلى حلِّها. وهذا ينطبق على علم النَّفس الدِّينيِّ وعلم النَّفس الاجتماعيِّ الدِّينيِّ بسبب مستجدَّات المشكلات الَّتي عرفتها الجماعات والأفراد، والَّتي أصبحت مجموعات البحث وفرقها تتصدَّى لها بالدِّراسة بشكل جماعيٍّ تكامليٍّ وتضافري في كتب مشتركة ومجلَّات متخصِّصة في أعداد خاصَّة، دون أن يعني هذا أنَّ الأبحاث الفرديَّة قد كفَّت عن الوجود. إنَّها مازالت تخرج في شكل أطروحات جامعيَّة غالباً، أو أعمال بحثيَّة أحياناً.

ومثلما قدَّمنا نماذج من المقالات التَّأسيسيَّة والأبحاث المتخصِّصة، نُقدِّم هنا كذلك نماذج من مؤلَّفات مشتركة، ومجلَّات متخصِّصة في سيكولوجيَّة الدِّين، حتَّى نقف على التَّطوُّر الَّذي طال موضوعاتها، والتَّنوُّع الَّذي طبع مناهجها وأدواتها، ما دام الإلمام بها كلِّها أو جُلِّها مُتعذَّراً، ويفوق الطَّاقة، وما دام الغرض هو التَّعريف بهذا العِلم، وبيان الأسس الَّتي قام عليها.

3-1- سيكولوجيَّة الدِّين: من النَّظريَّة إلى المختبر

هذا مؤلَّف جماعيٌّ أُنجز بإشراف الأستاذ فاسيلس ساروغلو؛ الباحث بالجامعة الكاثوليكيَّة لوفان لانوف Louvain - La - Neuve الَّذي اشتهر بدراساته ومقالاته، وتنسيقه لأعمال بحثيَّة في هذا التَّخصُّص: «سيكولوجيَّة الدِّين»، والَّذي لم يتوقَّف عن إمداده بمساهمات نظريَّة ومنهجيَّة وتاريخيَّة إلى يومنا.

يتكوَّن هذا المؤلَّف من ثلاثة أقسام، وكلُّ قسم من فصول - ما عدا الفصل الأوَّل، الَّذي يُشكِّل في حدِّ ذاته قسماً-، وخاتمة تابعة للقسم الثَّالث. أنجز كلَّ فصل باحثٌ أو باحثان أو ثلاثة باحثين؛ ما يدلُّ على التَّوجُّهات الجديدة في البحث، الَّتي لم تعد فرديَّة أو أُحاديَّة، بل أصبحت جماعيَّة وتشاركيَّة -على غرار علوم الفيزياء والكيمياء-، وربَّما من هنا نفهم معنى عنوان هذا المؤلَّف الـمُكمِّل أو الفرعي: «من النَّظريَّة إلى المختبر»؛ لأنَّ زمان العالم الأوحد، والباحث المفرد، والمنظِّر النَّسقيِّ، قد ولَّى من غير رجعة، وخاصَّةً في البلدان المتقدِّمة، الَّتي فهمت أبعاد معالجة الظَّواهر الإنسانيَّة والسلوكيات البشريَّة معالجة علميَّة، بعيداً عن الكلام الإنشائيِّ والتَّأمُّل النَّظريِّ الَّذي لم يستند إلى دراسة وقائع، وإجراء تجارب في مختبرات أُسِّسَت لهذا الغرض، وتحقَّق منها الباحثون، ثمَّ استخلصوا منها قوانين ضمَّنوها نظريَّات، يقرأون بها الوقائع والظَّواهر.

لقد بحث القسم الأوَّل من المؤلَّف الجماعيِّ المذكور، في دراسة الدِّين داخل مجالَي علم النَّفس الاجتماعيِّ وعلم الشَّخصيَّة، ويكون بهذا قد ربط الدِّين بالسِّيكوسوسيولوجيا في مختلف مكوِّناتها المفاهيميَّة، وبالسِّيكولوجيا في هذا المكوِّن الَّذي ظلَّ الرَّبط بينهما مهملاً؛ أي بين الدِّين وسيكولوجيَّة الشَّخصيَّة. وإنَّه لَمِمَّا يستغرب له أن تكون سيكولوجيَّة الشَّخصيَّة قد اشتغلت كفرع من فروع عِلم النَّفس على موضوعات علم النَّفس المرَضيِّ (سيكولوجيَّة الرُّهابيِّ، شخصيَّة الارتيابيِّ...)، وعلى موضوعات علم السِّياسة (سيكولوجيَّة المستَبِدِّ، وشخصيَّة المتعاظِم أو الرَّجل السِّياسيِّ أو القائد العسكريِّ المصاب بمرض جنون العَظَمَة)؛ وعلى موضوعات السُّوق والاستهلاك والتِّجارة (سيكولوجيَّة المستهلِك، شخصيَّة البائع النَّاجح...) وغيرها؛ ولم تبحث في الموضوعات الدِّينيَّة إلَّا في الآونة الأخيرة مع إقلاع علم النَّفس المعرفيّ وعلوم الدِّماغ والأعصاب لمعالجة المستجدَّات الَّتي عرفتها السَّاحة الدُّوليَّة كالتَّطرف الدِّينيِّ والتَّعصب المذهبيِّ والعدوان الإيديولوجيِّ والعنف العقديِّ، والَّذين أحيوا ظاهرة جديدة/قديمة هي الإرهاب الَّذي يقوم بتنفيذ عمليَّاته أفراد وجماعات يتمّ تجنيدهم لهذا الغرض من لدن تنظيمات مُحْكمة الإيديولوجيا، ومنسَّقة الاستراتيجيات، ومخطَّطة التكتيكات.

أمَّا القسم الثَّاني، بفصوله الخمسة، الَّذي اتَّخذ عنواناً له: «الشَّخصيَّة، المعرفة[42] والانفعالات»، فقد عالج فيه موضوعات من صميم اهتمام علم النَّفس وعلم النَّفس المعرفيِّ كما يُصطلح عليه.. هذه الموضوعات هي: الشَّخصيَّة والتَّديُّن، المعرفة الدِّينيَّة[43]، الدِّين والانفعالات السَّلبيّة والتَّنظيم الضَّابط regulation، الانفعالات الإيجابيَّة وتعالي الذّات.

في حين عالج القسم الثَّالث السُّلوكَ الاجتماعيَّ، والأخلاق، والعلاقات بين الجماعات. وكما هو واضح، فهذا القسم، بفصوله التِّسعة، نحا منحىً سوسيولوجيَّاً في مقاربة السُّلوك الدِّينيِّ؛ الشَّيء الَّذي يعني مرَّة أُخرى غلبة السُّوسيولوجيِّ على السِّيكولوجيِّ في هذا الميدان. أمَّا الموضوعات الَّتي عولجت، فهي الاجتماعيَّة الدِّينيَّة: العوامل الشَّخصيَّة والمعرفيَّة والاجتماعيَّة؛ الدِّين والأحكام المسبَقة والعلاقات السِّياسيَّة عبر العالم؛ الدِّين والصِّحَّة العقليَّة والرَّفاهية ومظاهرها الاجتماعيَّة؛ الدِّين والنُّموُّ المعرفيُّ والانفعاليُّ والاجتماعيُّ؛ الاختلافات الجنسيَّة في الدِّين؛ السِّيكولوجيا الثَّقافيَّة وبين-الثَّقافيَّة في الدِّين.

أمَّا الخاتمة، فكان موضوعها هو فهم الدِّين واللَّادين.

إنَّ لمحة سريعة لقراءة إضافيَّة لموضوعات علم النَّفس الدِّينيِّ من خلال هذا العمل المشترك الَّذي أُنجز عام 2015، تكشف عن مجموعة من الملاحظات:

- إنَّ السُّلوكَ الدِّينيَّ تتكامل فيه المقاربات السِّيكولوجيَّة والسُّوسيولوجيَّة والثَّقافيَّة؛

- إنَّ علم النَّفس المعرفيِّ حاضر بقوَّة في المقاربة السِّيكولوجيَّة، واهتماماته حاضرة داخل سيكولوجيَّة الدِّين؛ أي إنَّ أيّ تطوُّر يعرفه أيُّ فرع من فروع علم النَّفس إلا ويستفيد منه الغربيُّون في دراسة موضوعات سيكولوجيَّة الدِّين؛

- إنَّ الشَّخصيَّة تبقى هي الــــمَعْلَمُ الرَّئيس الَّذي تمتح منه الأبحاث في سيكولوجيَّة الدِّين؛

- إنَّ المقاربة السِّيكوسوسيولوجيَّة استحضرت كلَّ الموضوعات/ المفاهيم الكلاسيكيَّة الَّتي تُمثِّل عُمدة هذا العلم من: القابليَّة الاجتماعيَّة عبر التَّنشئة، والعلاقات التَّفاعليَّة بين الجماعات، والأحكام المسبقة، والقيم، والأسرة، والجنسانيَّة، والاتِّجاهات السِّياسيَّة، والاختلاف بين الجنسين، والاختلافات الثَّقافيَّة؛ إلى النُّموِّ المعرفيِّ والانفعاليِّ كأثرٍ من آثار انتقال نتائج علم النَّفس المعرفيِّ إلى هذا العلم؛

- إنَّ الاشتغال بمتغيِّرَين لم يعد هو القاعدة، بل حلَّ محلَّه الاشتغال بثلاثة متغيِّرات؛ أي تمَّ التَّحوُّل من منطق ثنائيٍّ بين متغيِّرَين إلى منطق ثلاثيٍّ مكوَّن من ثلاثة متغيِّرات؛ وبالتَّالي لن نكون أمام تصميم تجريبيٍّ من متغيِّرَيْن، بل أمام تصميم تجريبيٍّ من ثلاثة متغيِّرات. وفي هذا دعوة إلى مراجعة مناهج البحث في العلوم الإنسانيَّة، وتجاوز التَّبسيط إلى التَّعقيد، والعزل إلى التَّركيب؛ أي إلى رؤية إبستمولوجيَّة شبيهة بتلك الَّتي صاغها إدغار موران في دراساته عن المنهج.

3-2- سيكولوجيَّة الدِّين: رؤى سيكو سوسيولوجيَّة[44]

يتطابق هذا العنصر وعنوانَ الملفِّ الَّذي خصَّصته مجلَّة «نشرة علم النَّفس» الَّتي يصدرها فريق الدِّراسات في السِّيكولوجيا بفرنسا، عام 2016، والَّتي ضمَّت دراسات منها ما يتقاطع مع موضوعات ومفاهيم ومتغيِّرات دراسة نيكولا روسيو «سيكوسوسيولوجيَّة الدِّين»، ومنها ما يختلف عنها. كما أنَّ منها ما يتقاطع مع موضوعات ومفاهيم ومتغيِّرات الدِّراسة الَّتي أشرف عليها فاسيليس ساروغلو «سيكولوجيَّة الدِّين - من النَّظريَّة إلى المختبر»، على اعتبار أنَّهما معاصرتان، الأولى في 2009، والثَّانية في 2015، وأنَّهما أُنجزتا من لدن مجموعة باحثين متخصِّصين متنوِّعِي المشارب ومختلِفِي الطَّرائق، ومتفتِّحين على الجديد في البحث في هذا الميدان.

إنَّ أهمَّ ما لفت انتباهنا في هذا الملفِّ الَّذي عالجَته نشرة علم النَّفس هو المقدِّمة الَّتي مهَّد بها كلٌّ من ماغداليني دارجونتاس Magdalini Dargentas، ونيكولا روسيو Nicolas Roussiau للدِّراسات الواردة فيه؛ لأنَّها سطَّرَت المسار التَّاريخيَّ لهذا العمل خلال قرن وستّ عشرة سنة، بشيء من الوضوح لم يبلغه المسار الذي سطَّره هرفي كاريي، ولكنَّه لم يبلغ عمقَ الكلاسيكيِّين الأوائل؛ مثل جيمس هنري لوبا.

ولأنَّهما فرنسيَّان، فلقد بدأ المقدِّمان بنقد فرنسا الَّتي لا تحظى فيها دراسة الوقائع الدِّينيَّة من منظار نفسيٍّ اجتماعيٍّ بالأهمِّيَّة البالغة، مع أنَّ هذه الدِّراسة أصيلة وراهنة وميدانها يتموقع في قلب التَّساؤلات المجتمعيَّة الحاليَّة مثل سؤال اللائكيَّة، والهويَّة، والمعتقدات[45].

ثمَّ عرَّجَا على التَّاريخ، وأشارا إلى أنَّ الواقعة الدِّينيَّة ظهرت من بين الموضوعات الأولى للسِّيكولوجيا، بل وارتبطت دراستها بشروط تطوُّر السِّيكولوجيا كمادَّة علميَّة. وهنا تحضر الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة بقوَّة، وخاصَّةً مع بداية القرن العشرين؛ بفضل جهود علماء مؤسِّسين، أبرزهم اثنان؛ الأوَّل هو وليم جيمس؛ أبو علم النَّفس الأمريكيِّ (مع أنَّه لم يتمَّ ذِكر كتابه الخالد في هذا الميدان «أصناف التَّجربة الدِّينيَّة»)، والثَّاني هو ستانلي هول، -الَّذي كان على صلة بيُونغ وفرويد (ولَمْ يذكر زيارتهما إلى الولايات المتَّحدة بدعوة منه، والأكثر من ذلك تأليف كلِّ واحد منهما في هذا المجال العلميِّ)-، والَّذي كان له الفضل في إدخال المنهج التَّجريبيِّ في السِّيكولوجيا إلى الولايات المتَّحدة، ثمَّ جاءت فترة عرفت فيها سيكولوجيَّة الدِّين جموداً؛ بسبب الانتقادات الشَّرسة الموجَّهة ضدَّها داخل سياقٍ علميٍّ طَالَبَ السِّيكولوجيا بالانفصال عن الفلسفة والثِّيولوجيا (اللَّاهوت) إذا هي أرادت أن تقيم قواعدها العلميَّة على أسس سليمة. وبالمثْل، لم تسلم الواقعة الدِّينيَّة من النَّقد؛ إذ يصعب الإمساك بها منهجيَّاً؛ لأنَّها أشدُّ تأثُّراً بالمعتقدات الشَّخصيَّة لكلِّ باحث، وبالتَّالي فهي مُتمنِّعة عن الملاحظة والتَّجريب.

ولم تتمِّ انطلاقة سيكولوجيَّة الدِّين من جديد إلَّا في السَّنوات الخمسين، مع الأعمال المعروفة لغوردون ألبورت حول أنواع التَّديُّن[46]، لكن العشرين سنة الموالية لم تكن مُعبَّدة الطَّريق لهذا العلم بسبب استمرار الانتقادات[47] إلى أن أهلَّت السَّنوات السَّبعون، ليعرف هذا العلم تطوُّراً مهمَّاً لاسيَّما في العالم الأنغلوسكسونيِّ، حيث ظهرت مؤلَّفات مرجعيّة خصوصاً مع بيت-هالحمي Beit Hallahmi وأرغيل Argyle[48]، ثمَّ مع إنشاء الفرع 36 من الجمعيَّة الأمريكيَّة لعلم النَّفس (APA)، والَّذي خصَّصته لسيكولوجيَّة الدِّين، وذلك في العام 1976. وبعد عشرين سنة أخرى؛ أي في التِّسعينيات، ستعرف الجمعيَّة العالميَّة لسيكولوجيَّة الدِّين (IAPR) -الَّتي تأسَّست سنة 1914- نشاطاً قويَّاً منذ عام 1990.

إلَّا أنَّ الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي مساهمة السِّيكولوجيا، وفروعها المختلفة كلٌّ من جهته في ميدان سيكولوجيَّة الدِّين بداية من السَّبعينيَّات، وبتعبير آخَر: يتعلَّق الأمر بتوجُّهات في البحث ساهمت في إغناء هذا الميدان، وهي:

- التَّوجُّهات النَّمائيَّة الَّتي تُركِّز على النُّموِّ الدِّينيِّ لدى فرد معيَّن أو أفراد؛

- التَّوجُّهات الإكلينيكيَّة الَّتي تبحث في تعيين أنماط الشَّخصيَّة المرتبطة بالظَّواهر الدِّينيَّة؛

- التَّوجُّهات العصبيَّة-البيولوجيَّة الَّتي تعمل على ربط النَّشاط العصبيِّ بمختلف تمظهرات الواقعة الدِّينيَّة؛

- التَّوجُّهات النَّفسيَّة الاجتماعيَّة والَّتي تعمل على إبراز مختلف أنماط التَّديُّن أو الميكانيزمات العامَّة للتَّفكير الدِّينيِّ[49].

ويقرُّ كاتبَا هذه المقدِّمة - دارجنتاس وروسيو- أنَّهما قد قاما باختيار، أمام هذا التَّنوُّع للمناظير والموضوعات الحاليَّة في سيكولوجيَّة الدِّين، هو اختيار التَّوجُّهات أو المناظير النَّفسيَّة الاجتماعيَّة. ويُحدِّد ميكائيل أرغيل؛ المتخصِّص في سيكولوجيَّة الدِّين، الفضاء المعرفيَّ لهذه الأخيرة بأنَّه «دراسة الرَّوابط بين السِّيكولوجيا والأبعاد الاجتماعيَّة وسياق التَّديُّن»[50]، والغرض هو تسليط الضَّوء على تنوُّع الإشكاليَّات الكائنة على المستوى النَّظريِّ والمستوى الميتودولوجيِّ.

أما المشروع، فهو التَّعريف بهذا الميدان من الدِّراسات غير المعروف في فرنسا كفاية، على الرَّغم من وجود بعض الدَّارسين اللَّامعين أمثال جان بيير دوكونشي، ودونيز جودلي، وماغداليني دار جانتاس، ونيكولا روسيو[51].

يمكن التَّمييز، في موضوعات الملفِّ الخاصِّ بسيكولوجيَّة الدِّين في المجلَّة الذكورة، بين قسمين:

الأوَّل: قسم نظريٌّ اهتمَّ بالرُّؤى الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة للواقعة الدِّينيَّة. كما طرح تساؤلات ابستمولوجيَّة ذات خاصِّيَّة ميتودولوجيَّة، وكانت الموضوعات المعالَجة كالآتي:

- الموضوع الأوَّل هو سيكولوجيَّة الدِّين في مرآة السِّيكولوجيا الثَّقافيَّة خاصَّةً ما وراء الأطلنطيِّ. وفرضيَّته الأساس، هي: أنَّ الدِّين لا يمكن انتزاعه من سياقه الثَّقافيِّ.

ما تنبغي ملاحظته هو أنَّ هرفي كاريي أشار إلى شيء أشبه بهذا لَمَّا افترض أنَّ اختلاف المرجعيَّة الدِّينيَّة يؤدِّي إلى اختلاف مواقف الأفراد من الموضوعات الدِّينيَّة محلَّ الاعتقاد؛ لأنَّهم يتبعون لجماعاتهم الدِّينيَّة. وهذا يظهر مثلاً عند سؤال الكاثوليكيِّ عن وجود إله واحد، وسؤال اليهوديِّ عن وجود إله مؤلَّف من ثلاثة آلهة (ولقد سبق ونبَّهنا إلى عدم ذِكر كاريي للإسلام والمسلمين فيما سبق).

- الموضوع الثَّاني اهتمَّ بتحديد التَّصوُّر التَّجريبيِّ لسيكوسوسيولوجيَّة الدِّين، وروافدها الَّتي تتيحها الأبحاث الإمبريقيَّة، والكوابح الَّتي تمنع تطوُّر الدِّراسة التَّجريبيَّة للفعل الدِّينيِّ. وكما ألمعْنا إلى ذلك، كانت دراسة ستاربك عن التَّحوُّل الدِّينيِّ فاتحة التَّناول الإمبريقيِّ، لكنَّ الانتكاسات الَّتي عانت منها سيكولوجيَّة وسيكو سوسيولوجيَّة الدِّين في الفترات التَّاريخيَّة الَّتي سطَّرتها مقدِّمة هذا الملفِّ، كانت وراء الكوابح المانعة من التَّطوُّر، علاوة على تداخل الذَّاتيِّ والموضوعيِّ في هذه الدِّراسة؛ نظراً لصعوبة التَّخلُّص من الاعتقاد الدِّينيِّ الخاصِّ بصاحب الدِّراسة؛ فالكاثوليكيُّ لا يدرس واقعة دينيَّة بروتستانتيَّة بحياد، واليهوديُّ لا يدرس واقعة دينيَّة مسيحيَّة ببرودة... إلخ.

الثَّاني: قسم تطبيقيٌّ هو عبارة عن دراسات إمبريقيَّة للوقائع الدِّينيَّة، وعددها ثلاث:

- الدِّراسة الأولى: تطرَّقت إلى موضوعين اجتماعيَّين أثارا كثيراً من السِّجال، وخاصَّةً في الغرب الأوروبيِّ هما: زواج المثليِّين بفرنسا، وإحراق الموتَى la crémation باليونان؛ من خلال تحليل لمراسلات ولموادَّ صحافيَّة، والوقوف على التَّمثُّلات الاجتماعية في هذا المضمار.

ولا تفوتنا الفرصة هنا لإثارة الانتباه إلى التَّناقضات الوجوديَّة والحقوقيَّة للزَّواج المِثليِّ بفرنسا مؤخَّراً، وقبلها بدول غربيَّة أوروبيَّة وأمريكيَّة، والَّتي أُرْغِمَتْ حكومات ودول على إقراره والتَّرخيص له في برلماناتها تحت ضغوط وتظاهرات جمعيَّات المِثليِّين بدعوى الحقوق الفرديَّة، واحترام الاختلاف...مع المطالبة بمباركة هذا الزَّواج، والإعلان عنه، والاحتفال به على طريقة الزَّواج الدِّينيِّ بالكنائس، والمدنيِّ بالبلديَّات، إلَّا أنَّ تناقضَه يتجلَّى بشكل صارخ فيما يطرحه من تمزُّقات نفسيَّة، وتهديدات لنظام المجتمع واستمراره؛ ما فرض دخول سيكو سوسيولوجيَّة الدِّين والتَّديُّن إلى الميدان لتجلية هذا التَّناقض[52].

أمَّا إحراق الموتى، فلم يبقَ حِكراً على أهل المعتقدات الآسيويَّة فقط، الَّتي تحتفل رسميَّاً، عند وفاة زعمائها -كما في الهند وغيرها- بحضور المراسيم أمام المحرقة الجنائزيَّة لجثمان الميِّت، وذَرِّ رماده في نهر أو على قمَّة جبل، أو الاحتفاظ به للذِّكرى في علبة خاصَّة، بل مارسته شعوب ومجتمعات غربيَّة صناعيَّة مُتقدِّمة تقنيَّاً وعلميَّاً؛ كالولايات المتَّحدة وفرنسا[53]. ولا شكَّ في أنَّ هذا الفعل الطُّقوسيَّ قد يعتبره معتنقو ديانات أخرى إهانة وتعذيباً للميِّت إن مُورِسَ عليه، في حين يدخل في تقاليد جنائزيَّة لمعتنقِي ديانات غيرها. ولا شك في أن هذا الاختلاف في التَّمثُّلات الاجتماعيَّة للحرِّيَّات الجنسانيَّة والتعامل مع الموتى يوفِّر ميداناً خصباً لم تنتبِه إليه السِّيكولوجيا والسُّوسيولوجيا في دول الجنوب، ولم تستثمر فيه بعد علميَّاً.

- الدِّراسة الثَّانية مدارُها على فوائد الاعتقاد، وقدَّمت نتائج بحثٍ استقصائيٍّ بَيَّنَ أثر المعتقدات الدِّينيَّة والرُّوحيَّة على الصِّحَّة، سواء كانت فعليَّة أو متصوَّرة، بما في ذلك الاكتئاب. والجديد أنَّ الدِّراسة طُبِّقَت على عيِّنات فرنسيَّة، علماً بأنّ هذا النَّوع من الدِّراسة كان مُوضة في سيكولوجيَّة الدِّين الأنجلو- ساكسونيَّة.

والملاحظة الَّتي نتقدَّم بها نحن هنا هي اتِّساع الآفاق الَّتي فتحَتها سيكولوجيَّة الِّدين في علاج الاضطرابات النَّفسيَّة - بل والعقليَّة -، والمشاكل الصِّحِّيَّة الجسديَّة، وخاصَّةً في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، إلى درجة أنْ خُصِّصَت لها قنوات تلفزيَّة وإذاعيَّة ومواقع إلكترونيَّة ومنشورات وجمعيَّات، وبرزَ فيها سيكولوجيُّون متمرِّسون، ومفوَّهون مالكون لناصية البيان؛ ما جعلهم يملؤون فضاء السِّيكولوجيا الرُّوحيَّة، ويُحقِّقون مبيعات لكتبهم تجاوزت الملايين[54]. هذا في الوقت الَّذي لا يقلُّ فيه التُّراث الرُّوحيُّ والدِّينيُّ الإسلاميُّ عن التُّراث الرُّوحيِّ والدِّينيِّ المسيحيِّ واليهوديِّ والبوذيِّ اكتساحاً للقنوات والمواقع والمطبوعات، بمبادرات مؤسَّساتيَّة، أو مبادرات فرديَّة[55]، مثلما نجد لدى كاتب وداعية إسلاميٍّ معاصر هو عائض القرني. ولا يسمح لنا المقام هنا لمناقشة مساهمة طبيب عربيٍّ وإسلاميٍّ معاصر كتب في العلاج النَّفسيِّ في القرآن، انطلاقا من تجربة ذاتيَّة، دعمها بالعلم[56]، هو الدُّكتور عدنان الشَّريف.

- الدِّراسة الثَّالثة - وهي الأخيرة- تناولت إدراك الخطورة الطَّائفيَّة sectaire، متوسِّلة في ذلك بالاستبيان لمعرفة المعايير الَّتي يستعملها الأفراد من أجل ذلك الإدراك، وتوصَّلت إلى أنَّ درجة كبيرة من الخطورة المدركة يتحكَّم فيها اتِّجاهان لدى الأفراد، هما تقدير الأمن في مقابل تقدير الاستقلاليَّة. كما أنَّ إدراك الطَّوائف sects وخطوراتها يخضع لمنطق متعدِّد: عدم إقامة الوزن لِمَن هم خارجون عن الجماعات الإيديولوجيَّة، واستتباب النِّظام الاجتماعيِّ، وحماية الأفراد الضِّعاف.

هذا ما انتهت إليه هذه الدِّراسة في الملفِّ المخصَّص لسيكولوجيَّة الدِّين، ورؤاها السِّيكو سوسيولوجيَّة.

أمَّا ما انتهت إليه ملاحظتنا، فهو أنَّ هذا الفرع العلميَّ القديم / الجديد والَّذي يعود إلى بدايات تأسيس علم النَّفس العلميِّ في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة من لدن تلاميذ فلهلم فوندت، لم يتمّ الاهتمام به من لدن الدَّارسين العرب والمسلمين حتَّى في تعريفهم بالرُّوَّاد؛ أمثال وليم جيمس وستانلي هول وجيمس هنري لوبا وإدوين ستاربك بالولايات المتَّحدة، وفرويد بالنِّمسا، وفلورنوا ويونغ بسويسرا، ناهيك عن التَّابعين من أمثال غوردون ألبورت، وكارل روجرز، وإريك فروم، وغيرهم.

وعلى الرّغم من تطوُّر هذه الدِّراسات في مختلف بلدان المعمور المتقدِّمة، ولاسيَّما الأنغلو ساكسونيَّة، وظهور مفاهيم جديدة في سيكولوجيَّة الدِّين، ومتغيِّرات جديدة في سيكو سوسيولوجيَّة الدِّين، والمستفادة من تطوُّر الأبحاث في هذين العِلمين، إلا أنه ما زالت الكتب والمصنَّفات والأبحاث في الوطن العربيِّ والإسلاميِّ بعيدة عن الانخراط العلميِّ فيها، ومازال همّهم هو التَّأصيل لهذا العلم من القرآن والحديث تارة، ومن كتب الفلاسفة المسلمين الأقدمين تارة أخرى. أمَّا ما يجري في ميدان الدِّراسات بالعالم، فشِبه مغيَّب.

ولا ننكر أنَّ باحثين عرباً في مجال المعرفة التِّقنيَّة والإعلاميَّات تنبَّهوا إلى ذلك الغياب، وتلك الضَّرورة، منهم الباحث نبيل علي؛ إذ يقول: «لقد غاب عن ساحتنا الأكاديميَّة 'علم نفس الدِّين'، الَّذي يجمع، بصفة أساسيَّة، بين فرعَي علم النَّفس السُّلوكيِّ والمعرفيِّ. ومن دونه -أي علم نفس الدِّين- تتعذَّر إماطة اللِّثام عن المعرفة اللَّاواعية الكامنة وراء مظاهر السُّلوك الدِّينيِّ؛ وذلك التَّأثير الذِّهنيِّ والوُجدانيِّ الَّذي تُحدثه الرِّسالة الإيمانيَّة في المتلقِّي، وهو التَّأثير الَّذي بات يدرس بأحدث المعالجات النَّظريَّة، والوسائل التِّكنولوجيَّة المتقدِّمة، الَّتي تشمل، على سبيل المثال، راسمات المخِّ الوظيفيَّة باستخدام الرَّنين المغناطيسيِّ F-MRI، الَّتي يُمكن من خلالها رصد انعكاسات هذا التَّأثير على مخِّ المتلقِّي بصورة ديناميَّة»[57].

ولعلَّ من ضمن الأسباب، حسب الباحث المذكور، هو جهلنا بالجوانب النَّفسيَّة للدِّين، والصُّعوبات الَّتي تعترضنا في استيعاب حقيقة الدِّين «كنسق رمزيٍّ يرسِّخ لدى الإنسان حالات وجدانيَّة ودوافع قويَّة؛ من خلال تشكيل رؤيته الكلِّيَّة عن الوجود، وتعميق فهمه للعالم والكون وعلاقته بذاته والآخرين»[58].

ومن الجدير التَّنبيه إلى أنَّ البحث في العلوم الإنسانيَّة عامَّةً، وفي الدِّين خاصَّةً، داخل أوروبا، قبل خمسين سنة تقريباً، كان يدور في فلك الأنثروبولوجيا، وفي فلك السُّوسيولوجيا الماركسيَّة والسِّيكولوجيا الفرويديَّة - دون نسيان الدِّراسات الدِّينيَّة التَّقليديَّة-. ولقد تبعهم في ذلك الباحثون في البلدان الأُخرى، الَّذين كانت تصلهم أصداء ما ينتجه الغربيُّون باسم الالتزام الثَّقافيِّ تارةً، وباسم الحداثة تارةً أُخرى، قبل أن ينخرط البحث السِّيكولوجيُّ والسِّيكوسيولوجيِّ في موضوعات الاتِّجاهات الدِّينيَّة والسلوكيات التَّديُّنيَّة في المناهج العلميَّة الاستقصائيَّة والإحصائيَّة. وسيكون من المنطق التَّاريخيِّ، ومن الأمانة العلميَّة، أن نقفَ عند تينك الرُّؤيتين المادِّيَّة التَّاريخيَّة والتَّحليل نفسيَّة، في موطنهما الأصليِّ، حتَّى يتأتَّى لنا فحص أثرهما غداةَ انتقالهما إلى العالم العربيِّ والإسلاميِّ.

[1] - فصل مقتطف من كتاب سيكولوجية الدين، لعبد الرحيم تمحري، الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود للنشر والتوزيع.

[2] - نشير إلى أنّ هناك اختلافاً بين الطَّريقة والمنهج؛ فالطَّريقة هي المميِّز الأساسيّ للصلة بين فعل المعرفة وفاعلها، والمنهج هو المميّز الأساسيّ بين فعل المعرفة وموضوعها. انظر: المرزوقي، أبو يعرب، فلسفة الدِّين من منظور الفكر الإسلامي، دار الهادي للطِّباعة والنَّشر والتَّوزيع، بيروت، 2006، ص288

[3] - وإن كُنَّا نأخذ على لوبا إغفاله الدِّراسة الميدانيَّة لستاربك في التَّحوُّل الدِّينيِّ بخطواتها العلميَّة، ومعطياتها الإحصائيَّة، وقد أشار إليها وليم جيمس في كتابه: تنويعات التجرة الدينية، ترجمة إسلام سعد وعلي رضا، مركز نهوض للدراسات والنشر، الكويت- بيروت، 2020، ص ص246- 247

[4] - L.D.Arnett, The Soul - A study of past and present beliefs, American Journal of Psychology, April- July 1904, in: James Henry Leuba, la psychologie religieuse,op. cit.

[5] - M.Müller, Eigenartdasreligiosen Lebens, Arch.f.Sys. Philos. in: James Henry Leuba, la psychologie religieuse,op. cit.

[6] - Bernier De Montmorand, Ascétisme et Mysticisme: Etude psychologique, Revue Philosophique, mars 1904, pp 242- 262. (Toutes ces références sont citées dans James Leuba, opt.cit., p.486).

[7]- Jean de la Croix¬ Sainte Thérèse, Loyola, Saint François de Sales. 60

[8] - لمزيد من المعلومات فيما يخص البحث عن التَّضحية والآلام والرَّغبة فيها، انظر كلّاً من: إبراهيم، زكريَّا، مشكلة الحبِّ، الفجالة، مكتبة مصر، (د.ت)، ط4، وخاصة الفصل السَّادس، ص110 وما بعدها (العبادة أو حب الإنسان لله). وكذلك: Jean Wahl, Etudes Kierkegaardiennes, Vrin, Paris,1949.

[9] - في هذا الصدد (التطهير الأخلاقي)، نورد هنا مثال كتاب أبي بكر محمَّد بن زكريَّا الرَّازي، «كتاب الطِّبِّ الرُّوحانيِّ»، ضمن كتابه: رسائل فلسفيَّة، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط4، 1980، الَّذي يستحقُّ المقارنة مع كتاب ديكارت «أهواء النَّفس». كما يمكن إيراد أمثلة كتب الغزالي الأخلاقيَّة، والجيلاني الزُّهديَّة.

[10]- James Henry Leuba¬ Opt.cit, p.487

[11] - James Henri Leuba, Les tendances religieuses chez les Mystiques chrétiens, Revue philosophique, Juillet 1902, pp.1- 36, et novembre 1902, pp.442- 487

[12] - M. Murisier, Les maladies du sentiment religieux, p.23, p.43 et p.68 (sans citer la référence).

[13]- Pierre Janet, Une Extatique, Bulletin de l'institut de psychologie internationale, Juin- sept, 1901, pp.239- 240. Pierre Janet, Les obsessions et la psychasthénie. (sans citer les données bibliographiques)

[14]- Pierre Janet, Une Extatique, Bulletin de l'institut de psychologie internationale, Juin- sept., 1901, pp 239- 240

[15] - نحن آثرنا ترجمة Extase بـ «الوجد» اتِّفاقاً مع جميل صليبا في: المعجم الفلسفيِّ، دار الكتاب اللُّبنانيِّ، بيروت، 1982، ص284 (مادَّة التَّصوُّف، ص282)؛ واختلافاً مع خليل أحمد خليل وأحمد عويدات في ترجمتهما لموسوعة لالاند الفلسفيَّة، منشورات عويدات، بيروت- باريس، ص556، واللَّذين يقترحان كلمة «التَّواجد».

[16]- James Henri Leuba, Les tendances religieuses chez les Mystiques chrétiens, Revue philosophique, Juillet 1902, pp.1- 36, et novembre 1902, pp.442- 487

[17] - تنبغي الإشارة، في هذا الصَّدد، إلى أنَّ هناك متصوِّفة مسلمين عانوا المعاناة نفسها الَّتي يصفها لوبا، وكانوا أساتذة ومفكِّرين؛ مثل أبي حامد الغزالي. كما أنَّ هناك متصوِّفة من أديان أخرى، سماويَّة كاليهود، أو غير سماويَّة كالبوذيَّة... فالأمر لا يقتصر إذاً على المتصوِّفة المسيحيِّين فقط.

[18] - James Henri Leuba, Ibid, p.492. والجدير بالملاحظة هنا هو ربط عالِم آخر مؤسِّس لسيكولوجية الدين، هو وليم جيمس، للتصوف بالقداسة، في مؤلَّفه «أصناف التجربة الدينية» - الذي يترجمه البعض (إسلام سعد وعلي رضا) بــ «تنويعات التجربة الدينية»-، مركز نهوض للدراسات والنشر، الكويت- بيروت، 2020، فصل التصوف، ص 426- 474

[19] - James Henri Leuba, Ibid, même page.

[20] - Dr.Binet- Sanglé, Annales médico psychologiques, 61 année, n° 2, 1903

[21] - Relation de la profession religieuse avec les signes de dégénérescence, revue de l'hypnotisme, septembre, 1903, cité in: James Henri Leuba, Ibid, mêmes données.

[22] - ويلسون، كولن، أصول الدَّافع الجنسيِّ، ترجمة يوسف شرورو وسمير كتّاب، منشورات دار الآداب، بيروت، ط2، 1972، ص275

[23] - Robert W.Grapps, An Introduction to Psychology of Religion, Mercier University Press, Macom, Georgia (Reprint 1995), American Bible Society, 1966, 1971, 1976.

[24] - من الجدير بالذِّكر أنَّ عدداً من الباحثين الغربيِّين في سيكولوجيَّة الدِّين هم من أهل الدِّين، وكمثال على ذلك أنطون فركوت القسُّ والمحلِّل النَّفسيُّ الَّذي أشرنا إليه في القسم الأوَّل من الدِّراسة، وهرفي كاريي القسُّ والأستاذ في الجامعة الجريجوريَّة بروما، وهو عالم نفس اجتماعيٍّ كما سنرى في هذا القسم.

[25] - لم نفهم السِّرَّ في عدم ذكر رائد آخَر هو كارل روجرز، مع أنَّه استحضر الدِّين في دراساته في سيكولوجيَّته اللَّاتوجيهيَّة، مثلما تلقَّى تكويناً دينيَّاً في بداية شبابه ليكون قسَّاً قبل أن يدرس الزِّراعة، ثمَّ الطِّبَّ؛ فيصبح أستاذاً ومعالجاً نفسيَّاً. انظر: C.Rogers, le développement de la personne; traduction française, Duno, Paris, 1970, pp.5- 7. وكذلك مؤلَّفنا: تمحري عبد الرّحيم، مدخل إلى تاريخ علم النَّفس المعاصر- رؤية فينومينولوجية تاريخيَّة، منشورات مجلة علوم التَّربيَّة، الرِّباط، 2011، ص133 وما بعدها.

[26] - الحق أنَّنا لا نفهم لماذا قفز غرابس على مرحلة المراهقة، مع أنَّها مرحلة مفصليَّة، إضافة إلى أنَّه ينتمي إلى البلد الَّذي أسَّسَ علم المراهقة؛ أي أمريكا، بلد ستانلي هول!.

[27] - Nicolas Roussiau (dir), Psychologie sociale de la religion, Presses Universitaires de Rennes, 2009, p.14.

[28] - الحق أنَّنا لا نفهم لماذا قفز غرابس على مرحلة المراهقة، مع أنَّها مرحلة مفصليَّة، إضافة إلى أنَّه ينتمي إلى البلد الَّذي أسَّسَ علم المراهقة؛ أي أمريكا، بلد ستانلي هول!. Hervé Carrier, Psychosociologie de l'appartenance religieuse, Rome, presses de l'université, 1966, 3 e ed (collection: studia sociala, n4).

[29] - إنَّ العلاقة بين العلم والدِّين كانت حاضرة في الكتابات الغربيَّة، ولم تخرج من اهتمام علماء النَّفس الدِّيني، هذا في الوقت الَّذي سينتقدها بشدَّة باحثون عرب منغمسون في العلمانيَّة الفرنسيَّة؛ مثل فتحي بن سلامة، في مؤلَّفه: الإسلام والتَّحليل النَّفسيُّ، ترجمة رجاء بن سلامة، دار السَّاقي، بالاشتراك مع رابطة العقلانيِّين العرب، بيروت، 2002، ص86 وما بعدها، وسنقف عند هذه المسألة في حينها.

[30]- Hervé Carrier, Ibid., p.17

[31]- Ibid., p.18

[32]- Hervé Carrier, Ibid., p.20

[33] - يُؤاخِذ كاريي على منشنغ، مثلاً، أنَّه ما يزال يرجع إلى سيكولوجيَّة غوستاف لوبون كما لو كانت نظريَّة سائدة، وهذا في عامي 1947 و1951. والحال أنَّ فرويد نفسه رجع إلى لوبون، بل وكتب كتاب «علم النَّفس الجماهير وتحليل الأنا»، كردٍّ على لوبون، أو تكملة لمؤلَّفه. انظره في ترجمة وتقديم جورج طرابيشي، دار الطَّليعة، ورابطة العقلانيِّين العرب، بيروت، 2006

[34]- Hervé Carrier, p.20

[35]- Hervé Carrier, p.21. بالنِّسبة لغابرييل لوبرا، يذكر كتابه «دراسات في السُّوسيولوجيا الدِّينيَّة». Cf. Gabriel Le Bras, Etudes de sociologie religieuse, Paris, PUF, 1956

[36]- Hervé Carrier, opt.cit., p.21

[37]- يحدِّد معجم روبير السِّيكو سوسيولوجيا بأنَّها الدِّراسة السِّيكولوجية للوقائع الاجتماعيَّة. وكذلك تفعل القواميس والموسوعة الكونيَّة، وقاموس رايمون بودون Boudhon، وقاموس علم النَّفس لسيلامي .Sillamy Cf: Le Petit Robert, Paris, Le Robert, 1984, p.1563. ويعرِّفها معجم علم النَّفس لنوربير سيلامي بأنَّها العلم الَّذي يدرس السُّلوكات الفرديَّة كما هي ملاحَظة في الحقل الاجتماعيِّ. Cf;Robert Sillamy, Dictionnaire de la psychologie, Larousse, 1981, Paris, p.278. ويرى قاموس السُّوسيولوجيا لرايمون بودون أنَّها ميدان التَّبادل بامتياز بين السُّوسيولوجيا والسِّيكولوجيا. Cf.Raymond Boudhon et al., Dictionnaire de sociologie, Larousse- Bordas et France- Loisirs, Paris, 2001, p.188

[38]- Hervé Carrier, opt.cit., p.22

[39]- Ibid, pp.24- 25

[40]- Ibid, p.22

[41]- Dr.Jean du Buy, Stages of Religions Developement, in: James Henry Leuba, la psychologie religieuse, op.cit, pp.483- 484

[42] - شخصيَّاً، نحن لا نوافق على ترجمة cognition «معرفة» لأنَّ المعرفة تترجم بــ connaissance، ونقترح كبديل لها كلمة «التعرّف». وممّا يؤيد مقترحنا هذا ما وجدناه لدى جميل صليبا في قاموسه «المعجم الفلسفيِّ» بالألفاظ العربيَّة والفرنسيَّة والإنكليزيَّة واللّاتينيَّة، دار الكتاب اللُّبنانيِّ، 1982، ص303

[43]- المعرفة الدِّينيَّة هنا ترجمة لــــ la congnition religieuse، وهي لا تفي بالغرض؛ إذ يفهم منها معنى connaissance

[44] - Dargentas Magdalini, Roussiau Nicolas, Bulletin de psychologie, Dossier: Psychologie de la religion, perspectives psychosociales, Introduction, Bulletin de psychologie 2/2011 (Numéro 5.12), p.99- 101.URL: www.cairn.info/revue- bulletin- de- psychologie- 2011- 2- page- 99.htm.DOI: 10.3917/ 512.0099

[45] - والحال ماذا يمكن قوله عن هذه الدِّراسات في العالم العربيِّ- الإسلاميِّ، الَّتي لم تجد لها مكاناً في الكلِّيَّات الجامعيَّة كمحاضن لتخرُّج المفكِّرين والباحثين؟

[46]- Gordon W.Allport, The person in psychology - Selected Essays (2 nd ed), Beacon Press, Boston, 1969

[47] - إنّنا نقف موقف التحفّظ من هذه الانتقادات في هذه الفترة؛ لأنّها شهدت هي أيضاً ظهور عدّة دراسات في سيكولوجيَّة الدِّين؛ كدراسة هرفي كاريي وغيره.

[48]- Benjamin Beit- Hallahmi and Michael Argyle, Religious Behavior Belief and experience, Routledge, London, 1997

[49]- Bulletin de psychologie, opt.cit, pp.99- 101

[50]- Bulletin de psychologie, opt.cit, pp.99- 101

[51]- على الرّغم من أنَّ هذه المجلَّة لن تنحصر في فرنسا وحدها، بل يمكن أن يقرأها غير الفرنسيِّين، سواء مباشرة كنصٍّ ورقيٍّ أو افتراضيَّاً كنصٍّ رقميٍّ؛ فيمكن أن نلمس هنا حبَّاً لفرنسا، وتشيُّعاً لها ! Francophile

[52] - ممَّا لا يفهم في دول الجنوب، ومن ضمنها الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة، هذا التَّقاعس الَّذي تعاني منه العلوم الإنسانيَّة (السِّيكولوجيا والسُّوسيولوجيا وغيرها)عن مقاربة هذا الموضوع (موضوع المِثليِّين)، إلَّا في النَّادر، - وكمثال على ذلك كتاب الباحثة التونسيَّة ألفة يوسف، «حيرة مسلمة في الميراث والزَّواج والجنسيَّة المثليّة»، دار سَحر للنَّشر ومنتدى العقلانيين العرب، تونس- بيروت، ط3، 2008-، وهذا على الرّغم من حضوره في مجتمعاتها بين الذُّكور وبين الإناث. فقط، تغازله بعض الصُّحف والمجلَّات والقنوات الإعلاميَّة بحذر، بينما توارت الجامعات إلى الخلف، وتوارى الجامعيُّون إلى الظِّلِّ، ولم يبقَ إلَّا بعض المشتغلين بالدِّين مِمَّن يقدحون ويلعنون، ولكنَّهم لا يدرسون ولا يُحلِّلون ولا يعالجون ! أو بعض الروائيين الذين بدأوا يقاربون الموضوع، مع جلب الاستنكار والاحتجاج من لدن العامة والمنتمين إلى التَّيار الدِّينيّ المتشدِّد، مثلما حصل لرواية الكاتبة المغربيَّة: فاطمة أمزكار، «مذكِّرات مِثلية»، أكورا للنشر والتوزيع، طنجة، ط1، 2021

[53] - من ضمن الشَّخصيَّات السِّياسيَّة الَّتي أوصت مؤخَّراً بحرق جثمانها الوزير الاشتراكيُّ المعروف في فرنسا ميشيل روكار.

[54] - لا نريد أن نفصِّل القول في هذا الموضوع كثيراً؛ فهو واسع يمكن تلمُّس جوانب منه في قنوات وإذاعات التَّبشير المسيحيِّ الَّتي لها برامج عن المعجزات في الشِّفاء بالإيمان، لكن نضرب مثلاً بكتابات جويس ماير Joyce Meyer: «لا ترهب» و«ساعدني أنا أشعر بالوحدة» وغيرهما، ترجمة إيمان أسعد، طبعة دي.سي. سنتر، 2000 و2003. وهي كتابات تتوجَّه إلى مشاعر الحياة لدى الأفراد في حالة فقدان عزيز أو الطَّلاق... وهي شبيهة بكتب «العلاج النَّفسيِّ».

[55] - المثال الواضح الَّذي يحضرنا هنا هو مؤلَّف عائض القرني من السُّعوديَّة بعنوان: «لا تحزن»، الَّذي يحكي عن تجارب شفائيَّة بالإيمان، بل وتحدٍّ للمعوِّقات والصُّعوبات بفضل الإيمان. وهو أيضاً بِيع منه مليون نسخة وأكثر. والجدير بالملاحظة أنَّ الدُّول العربيَّة والإسلاميَّة سادت فيها قنوات إذاعيَّة وتلفزيَّة للرُّقية والعلاج الرُّوحيِّ والدِّينيِّ، دون أن تشكِّل موضوعاً من موضوعات سيكولوجيَّة الدِّين.

[56] - هو الدُّكتور عدنان الشَّريف في كتابه: من علم النَّفس القرآنيِّ، دار العلم للملايين، بيروت، ط4، 2004، ط1، 1987. ونظراً لطابعه العلاجيِّ، فقد نعود إليه في دراسة في غير هذا الكتاب.

[57] - علي، نبيل، العقل العربي ومجتمع المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ج1، 2009، ص85

[58] - المرجع نفسه، ص84