سيكولوجيا الإرهاب: كيف تقود المعتقدات والعواطف إلى القسوة والكراهية؟


فئة :  مقالات

سيكولوجيا الإرهاب: كيف تقود المعتقدات والعواطف إلى القسوة والكراهية؟

"المعتقدات تبني العلاقات المحيطة بالقسوة، وتتحكم في رغبات الفعل لدى مرتكب الجرم، أما العواطف، فإنها تدعم الحافز للفعل، فهي القوة الخلقية وراء كل فعل يتسم بالقسوة" كاثلين تايلور.

ما تزال دراسات علم نفس الإرهاب حائرة في تفسير الإرهاب والكراهية، ولا تملك الثقة التي تظهرها الدراسات والتفسيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، والتي ربطت بين الإرهاب على نحو كمي ومنطقي وبين البيئة المحيطة من الاحتلال والفقر والاستبداد والتهميش، وإن كانت (دراسات علم النفس) تكاد تجمع على أن الإرهابيين يغلب عليهم أنهم أشخاص أسوياء نفسيا (ليسوا مجانين) ولا يقومون بجرائمهم مدفوعين كما يظن للوهلة الأولى بحالات مرضية نفسيا أو عقليا.

يساعدنا دايفد باتريك هوتون أستاذ علم النفسي السياسي في جامعة وسط فلوريدا في الولايات المتحدة الأمريكية في كتابه علم النفس السياسي في استيعاب الدراسات والنظريات التي اشتغلت بعلم نفس الإرهاب، ويشير هوتون إلى مجموعة من الكتب والدراسات التي صدرت في هذا المجال مثل كتاب ريكس هدسون: علم نفس الإرهاب، 1991، وجون هورغان: شخصية الإرهابي،

يقول ريك هدسون: "الذين يدرسون الإرهاب يتناولون الفرد الإرهابي أو الجماعة الإرهابية على مستوى جزئي من الدراسة، ذلك لأن المقاربة النفسية تركز على دراسة الإرهابيين بحد ذاتهم، كيف يتم تجنيدهم، وكيف يتم دمجهم في الجماعات الإرهابية، إضافة إلى أنه يبحث في نوعية شخصياتهم واعتقاداتهم واتجاهاتهم ودوافعهم ومهنتهم كإرهابيين".

وجهة النظر السائدة ترى الإرهاب بالطريقة التي يرى فيها ستانلي ملغرام القتل الجماعي؛ أي كنتاج للظروف البيئية المحيطة بالفرد من حيث الأساس، وليس كنتاج للخصائص الشخصية للإرهابي، آخذا بذلك وجهة نظر موقفية صرفة. ويعتقد معظم المحللين اليوم أن ليس هناك شخصية إرهابية ذات طابع واحد، فضلا عن أن هناك قبولا متزايدا للرأي القائل إن المتطرفين سياسيا "أسوياء" بشكل عام في العديد من الوجوه (ليسوا مجانين) وعلى الرغم من أنهم يظلون من دون شك موجهين بأيديولوجية "تبرر" أفعالهم.

حاول جون هورغان تطوير "نموذج العملية" في فهم الإرهاب محاولا التوفيق بين النظريات السياسية النفسية الموقفية التي ترد الإرهاب إلى البيئة المحيطة والنظريات السياسية النفسية النزوعية التي ترد الإرهاب إلى اتجاهات فردية شخصية لدى الإرهابي مثل النرجسية والميل إلى الاكتئاب والتجارب السيئة التي مر بها الإرهابي في حياته وبخاصة في طفولته، مثل التعرض للاعتداء والإهانة، ويقول هورغان، إن الإرهاب ظاهرة معقدة لا يمكن ردها حصريا إلى عوامل نزوعية أو عوامل موقفية، ويجب أن يأخذ تفسير الظاهرة بدمج كلا النوعين من العوامل.

ويرى هورغان أن الاعتقادات التي يحملها الفرد وتنشئته الاجتماعية وتجاربه الحياتية وإحساسه بعدم الرضا وقدرته على تخيل بدائل أخرى لحياته تؤدي جميعها دور في مشاركته في الإرهاب.

ما يميز الإرهاب عن غيره من أشكال العنف هو أن الإرهاب يتضمن أفعالا ترتكب بطريقة دراماتيكية لجذب الانتباه العام وخلق مناخ من الرعب يتجاوز الضحايا الذين تعرضوا له، وتكون هوية الضحايا ثانوية أو غير مهمة للإرهابيين؛ لأن عنفهم يتجه إلى الناس الذين يشاهدون ذلك العنف. والتفريق بين الضحايا الواقعيين والجمهور المستهدف هو المعلم الرئيس للإرهاب الذي يميزه عن الأشكال الأخرى من النزاع المسلح؛ فالإرهاب مسرح، وفي ذلك يختلف الإرهاب عن القتل الجماعي أو الإبادة الجماعية؛ فالقتل أو الإبادة تهدف إلى قتل جماعة بالكامل، ولكن الإرهاب يقتل عددا من الناس بهدف التأثير على جمهور أوسع.

وهناك نظريتان شائعتان في علم النفس السياسي استخدمتا في تفسير الإرهاب، هما نظرية الإحباط – العدوان، والتي طورها دون دولارد وزملاؤه في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين، ومفادها أن العدوان يحدث عندما تتعرض أهداف الفرد إلى الإحباط أو الإعاقة. فالإرهاب عدوان يتم إحلاله على موضوع آخر غير موضوعه الأصلي، والشخصيات المضطربة للإرهابيين مردها إلى الإحباطات الشخصية في حياتهم الخاصة تقودهم إلى القيام بأفعال عنف متطرفة ضد الآخرين.

والنظرية الثانية هي نظرية النرجسية - العدوان وتنسب إلى ريتشارد بيرلشتاين في كتابه "عقل الإرهابي" ويرى بيرلشتاين أن النرجسية في حالتها المتطرفة يمكن أن تعطي تفسيرا للنشاط الإرهابي، فالشخص الإرهابي وفقا لهذه النظرية يكون على اقتناع تام بأهميته في هذا العالم، لكن العالم لسوء الحظ لا يشاطره هذه القناعة؛ ما يؤدي به إلى الغضب النرجسي ثم إلى العدوان. وفي ذلك ينتج الإرهاب من الضرر الذي يصيب تقدير الذات، والإحساس بالغضب بسبب الفشل، فقد لوحظ أن العديد من الإرهابيين الذين أخضعوا للدراسة واجهوا عقبات شديدة في حياتهم الخاصة كالفشل الدراسي على سبيل المثال.

ويوظف باحثون نظريات فرويد المشهورة في علم النفس؛ إذ يرى فرويد أن البشر كثيرا ما يضمرون دوافع لا يكونون واعين بها بأنفسهم (دوافع لا شعورية) كثيرا ما تنطوي على رغبات مكبوتة؛ لأن تلك الرغبات غير مقبولة اجتماعيا. فكثيرا ما يقوم الإرهاب على أساس مظالم حقيقية أو متخيلة، وتستطيع المنظمات الإرهابية تغيير هوية هذه المظالم أو طبيعتها بمهارة بالغة، لتجعلها تتناسب مع عهودها المعلنة.

الإرهابي الانتحاري

تعرف آمي بيدازر (Ami Pedahzar: Sucide Terrorism. 2005) الإرهاب الانتحاري بأنه يشمل أشكالا متنوعة من الأفعال العنيفة يرتكبها أشخاص يعرفون أن احتمال عودتهم بعد القيم بها قريب من الصفر، وهو إرهاب كما يعرفه عساف مغادام (Assaf Maghadam: The roots of Suicide Terrorism: a Multi-Causal Approach. 2006

الذي يعتمد نجاحه على موت المهاجم، ويؤكد مغادام أن تفسير الإرهاب الانتحاري تفسيرا وافيا يتطلب مقاربة سببية متعددة المستويات من حيث إن أي هجوم انتحاري يكون نتيجة لثلاثة مستويات من المتغيرات: المستوى الفردي، ومستوى المنظمة، ومستوى البيئة. المستوى الأول يمثل العوامل النزوعية والمستوى الثاني يمثل العوامل الموقفية، والمستوى الثالث يمثل القوى الموقفية الأبعد: الاجتماعية الثقافية والاقتصادية والسياسية.

في المستوى الفردي يحمل معظم الانتحاريين عددا من الدوافع لسلوكهم، مثل التعرض للإهانة في الحياة المبكرة، وهناك أيضا دافع الانتقام، ونيل الثواب في الآخرة، وفي الحالات العلمانية يكون الإحساس بالواجب عاملا محركا، ويلاحظ مغادام أن جميع المناطق والأمم التي يمارس فيها التفجير الانتحاري توجد فيها ثقافة الشهادة، والتي تشير إلى منظومة من الأعراف الاجتماعية تسمح أو تشجع قتل الإنسان لنفسه كعمل نبيل أو شجاع أو بطولي على نحو ما. 355

وينفي بيب روبرت (Pape Robert: Dying to win: The strategic logic of Suicide Terrorism.2005 حصر العلاقة بين الإرهاب الانتحاري والأصولية الإسلامية أو أي مذهب ديني في العالم علاقة محدودة، فيقول إن البيانات تشير إلى أن قادة الهجمات الانتحارية هم نمور التأميل في سريلانكا، وهم جماعة ماركسية ينتمي أعضاؤها إلى عائلات هندوسية، ولكنهم معادون للدين، غير أن ما تشترك به الهجمات الانتحارية جميعها هو هدف علماني استراتيجي محدد، ونادرا ما يكون الدين أصل القضية، على الرغم من أنه كثيرا ما يستخدم من جهة المنظمات الإرهابية كأداة لتجنيد الأعضاء، وغير ذلك من الجهود التي تبذلها المنظمات في خدمة أهدافها الاستراتيجية الأوسع.

المصدر الخفي للشرور

في دراستها التي أشرت إليها في مقالة سابقة، تقتبس كاثلين تايلور (القسوة: شرور الإنسان والعقل البشري) عبارة صادمة لكيرت فونجوت في روايته جالد باجوس "ما المصدر الخفي للشرور التي نشاهدها ونسمع عنها ببساطة في كل مكان غير ما لدينا من دارات كهربائية عصبية زائدة التعقيد؟ وأجيبك فأقول: لا يوجد مصدر آخر؛ لقد كان كوكبنا بريئا جدا لولا هذه العقول الكبيرة العظيمة."

إن القسوة بما هي فعل وسلوك إنساني تفهم بمعرفة عمل الأجهزة العصبية في الإنسان؛ فهذه الأجهزة هي الوسيلة التي تتحول بها معلوماتنا عن أجسامنا وتاريخنا الشخصي وبيئاتنا إلى تجارب نحسها وإلى أفكار ومعتقدات وذكريات وعواطف وأمزجة ومؤثرات غير واعية تحكمنا، وإلى المؤشرات الحركية التي نطلق بها حركاتنا، والإقصاء ونبذ الغير والتقمص العاطفي والغضب والشفقة والرغبات والازدراء والنزوع والمجازفة والحاجة إلى ضبط النفس.. وفي هذه المادة العصبية تنشأ الرقة واللطف والقسوة ..

ويعمل الدماغ بطريقة معقدة، أكثر تعقيدا مما نتخيل وبدرجة كبيرة، وتملك عقولنا وسائل تنشأ عنها تراكيب ذهنية مفرطة تفوق ما نحتاجه ونرغبه منها، وأفكارنا ومعتقداتنا ورموزنا وملاحظاتنا هي كقبضة من ضباب، أو هي صلبة مثل حجر من الجرانيت وفي الحالتين نحتاج في تمثلها والتعبير عنها إلى أداء عصبي، وتتناسب قوة هذه الأفكار مع قدرتها على التأثير على حياة الفرد أو صياغتها وفي التغييرات الجسمانية التي تحدثها (انفعالات وعواطف ومشاعر)

أما بالنسبة إلى الوازع الأخلاقي - تقول تايلر - فإن ذلك يعني أنه ما لم تكن الأنماط القامعة نشطة في أثناء كون الحافز في مرحلة الاستعداد "التحضير" فإن هذا الوازع لن يكون له صوت في "اللجان العصبية"؛ ولذلك سوف يفشل في التأثير في قرار الفعل.

وهناك اثنان من المعاني يستحقان الأخذ في الاعتبار:

الإنسان قد يملك كل ما يمكن أن يعطيه له المجتمع من تربية أخلاقية، وقد يبدي تفهما واضحا للمبادئ الأخلاقية الحاكمة لثقافته، وربما يتصرف بحنان وطيبة مع من حوله، ومع ذلك يصبح ممن يعذب الغير أو يكون قاتلا، وقد يتعلم بالفعل كيف يقتل الأطفال الرضع دون التخلي عن أخلاقياته، ولكنه قد يجد من الصعب أن يعدل نفسه ويعود للعيش السوي المألوف فيما بعد؛ فالتعاليم الأخلاقية لا جدوى منها إذا لم تفعّل ويعمل بها وتكون مشاركتها فعالة ونشطة عند اتخاذ قرار الفعل.

إن إقصاء الآخر ولو بشيء من الاعتدال يجهز الناس ويؤهلهم للعدوان، سواء شجعهم هذا السلوك بوضوح أم لم يشجعهم على أن يسلكوا سلوكا عدوانيا، وعند التفكير في فعل قاس، فإن ذلك يعني اتخاذ خطوة في سبيل إقصاء الآخر؛ ما يؤدي إلى السلوك القاسي، وسواء اتخذت الخطة التالية أم لا؛ فذلك يعتمد على الطريقة التي سيكون فيها رد فعل الشخص على فكرة كونه قاسيا، فقد يتقبل الفكرة بلا جدال على أنها فكرته هو بذاته وطبيعته كجزء من دوامة نشاطه الذهني الدائم الذي يشعر بأنه سار، أو لم يعد غير سار؛ كأية عمليات ذهنية يومية، وإن كان الأمر كذلك فستكون هناك "مناقشة" محدودة بين الخلايا العصبية تميل بالاستنباطات العصبية الكامنة تحت الفكر إلى أن تقوى، وعندما تنشط وتثار بعد ذلك سيكون الشخص أكثر استعدادا لأن يعبر "عتبة" هذا التفاعل إلى التعبير اللغوي ..ربما للأصدقاء والمقربين أولا، ثم بصراحة وتوسع أكبر إلى أن ينشرها عبر الشبكة العالمية للمعلومات "الإنترنت" فيمتدحه الآخرون ممن يماثلونه في الفكر على ما فعله.

ومن جهة أخرى، لو كان الفكر يثير مشاعر غير سارة و/أو يحدث تنشيطا مصاحبا لأنماط عصبية "غير ذاتية"، فإن تصارع الخلايا العصبية الناتج عن ذلك سوف يدفع بإشارات مثبطة قامعة من مناطق أخر في المخ كي تعترض سبيل انسياب الفكر حتى يصفى التصارع (والقياس الواقعي لعمل هذه الإشارات المخّية يماثل من يمد قدمه كي يمنع مرو شخص ما) وعملية تصفية الصراع هذه، إما أن تصف الفكر بأنه مقبول للنفس ويتوافق مع الذات وتصدر حكمها بأنه داعم شرعي وقانوني لسلوك الفرد، وإما أن ترفضه باعتباره غير شرعي "وغير ذاتي".

ولأن الأفعال المتقاربة تسببها أنماط ذهنية متداخلة، فإن التنشيط المتكرر لفكرة إقصاء الآخر حتى إن تم باعتدال يطلق السلوك المتهور بشدة مفرطة، ويفسر ذلك سبب الاستعداد السريع للمجرمين الذين تعرضوا لإقصاء الآخر لعدة سنوات دون ارتكابهم أعمال عنف، من أجل القتل مثل "الرجال العاديين" ويفسر ذلك أيضا لماذا يلجأ الناس الذين اعتادوا ثقافات العنف، مثل أعضاء العصابات أو جماعات الخمير الحمر إلى القتل لأسباب بسيطة وتافهة من وجهة نظرنا. إن تقبل المجتمع للعنف ولفكرة إقصاء الآخر هو الذي سهل التعديات المهلكة للقتلة.

الأفعال الطوعية والإرادية يصاحبها اختيار حر من جانب الفاعل، كما لو كان جلس في ركن هادئ وكتب قائمة بما يؤيد أو يعارض فعله قبل أن يقرر الإقدام عليه من عدمه. ويكون التأكيد على هذا الاختيار المنطقي العاقل قويا بصفة خاصة عندما نفكر في مرتكبي جرائم القسوة وقد نقنع أنفسنا بأن أسباب عدم الإقدام على تلك الجرائم كانت أسبابا جبرية وقوية بدرجة تجعل الناس العاقلين يمقتونها ويحجمون عنها، فماذا يجب أن يكون أقوى من التفكير في الدم، الصراخ، التقمص العاطفي أو الشعور بآلام الغير، والرفض الأخلاقي؟ والإجابة على هذا ولسوء حظ الضحايا هي أن كل أنواع الدوافع من الخوف إلى الطمع أو الاضطرار إلى بدء الفعل يمكنها أن تتغلب على موانع الفعل عند شخص ما بصفة مؤقتة إلى حين، إلا أن الاختيارات التي تقود إلى أفعال القسوة مع أنها حرة قد لا تكون دائما واضحة، سواء للفاعل او للآخرين، ويعني ذلك أن الإشارات اللازمة للتحفيز على الفعل ربما لا تكون واضحة بالقدر الكافي، فيما يختص بالخلايا العصبية، حيث يمكن تذكرها وربما يكون قد تم تبريره بشدة سلفا وقبل الفعل، وعندما يكون هذا الشخص واقعا تحت ضغوط قوية مثلما هي الحال غالبا مع المجرمين، ومع المتطلبات السريعة للموقف الذي تمنحه حافزا على الفعل، والتي تسيطر على التحاور بين الخلايا العصبية، فإنه لن يكون لديه الوقت أو الميل للانتباه إلى هذه النوازع المتصارعة خصوصا إذا كان التردد أو الارتياب أو وخز الضمير سوف يجلب السخرية منه أو الغضب الجماعي عليه. وفي هذا المناخ من المواقف الضاغطة كالخوف من عصيان الجماعة يمكن أن يكون التأثير أكبر مما هو معتاد، وأن تكون الدوافع المألوف اعتبارها في الحياة اليومية "أفكارا سيئة" مؤهلة لأن تتعاظم بطريقة تذهل كلا من المجرم والمشاهد.

شبكات المعاني

"شبكات المعاني" التي تمثل نسيج كل المخلوقات البشرية هي شبكات اجتماعية ورمزية تستمد قوتها على "تقييدنا" من حقيقة أنها جزء منا، هي ما نقول أو نفعل، والرموز التي نوقرها، والأدوار التي نلعبها، وكلها تحدد هويتنا باعتبارنا بشرا، فكما تحدد أجسادنا وجودنا المادي، باعتبارنا كائنات حية مستقلة قد توحد أحيانا بالتعاطف أو المحاكاة أو العناق الحاني أو الجنس كذلك، فإن معتقداتنا التي تحتل مشهدنا الإدراكي والمعرفي وطريقة إحساسنا بها تحددنا بصفتنا نظرا من الرأي والتفكير نفسها أو مختلفين، فتوحدنا معا أو تجعل كلا منا منفردا أو بمعزل عن الآخرين، وكلنا متحفز للدفاع عن نفسه في مجابهة التهديدات، سواء كان معنى النفس ماديا أو عمليا. لكن، بينما يكون التهديد المادي واضحا للجميع، فإن التهديد بمعناه الرمزي موجها لنا ولكل من يعنينا أمرهم ونهتم بهم.

وبالطبع، فلا يجوز أخلاقيا أن يفهم الإنسان على أنه تحركه المحفزات والدوافع، فذلك مرفوض أخلاقيا، وإن كان كثير من الحكومات يود لو يفعل ذلك.