علم الروبوتات: مقدمة قصيرة جدًّا آلان وينفيلد
فئة : قراءات في كتب
علم الروبوتات: مقدمة قصيرة جدًّا
آلان وينفيلد
نالَ آلان وينفيلد، درجة الدكتوراه في مجال الهندسة الإلكترونية من جامعة «هال» عام 1974م، وهو أستاذُ «أخلاقياتِ الروبوتات»، والمدير السابق لوحدة التواصل العلمي بجامعة «غرب إنجلترا» في بريستول، وأستاذ زائر بجامعة يورك. شارَك في تأسيس مختبَر بريستول للروبوتات، وتُركِّز أبحاثه على مجال علوم الروبوتات الذكية وهندستها وأخلاقياتها.
فكرة الكتاب
يضعنا الكتاب أمام ثلاثة تعريفات للروبوت، وهي: (1) جهاز اصطناعي يمكنه استشعار بيئته والعمل في تلك البيئة على نحو هادف. (2) الروبوت ذكاء اصطناعي مُتجسِّد. (3) الروبوت آلة يمكنها الاضطلاع بأعمال مفيدة بشكل مستقل.[1]
تبدو هذه التعريفات الثلاثة بسيطة للوهلة الأولى، لكنها تخفي وراءها إشكالات متعددة، وهي تجمع أبرز أبعاد الروبوت؛ فالتعريف الأول يشعرنا بأن الروبوت يعود إلى مجال الصناعة، لكن التعريف الثاني يشعرنا بأن الروبوت لا يتوقف عند جانب الصناعة، فكثيرة هي الأشياء المصنوعة التي ظهرت منذ زمن بعيد، ويستعين الإنسان بها لقضاء مختلف متطلبات وضروريات الحياة، فمثلا تم صناعة القطار والسيار لاختصار المسافات وتمت صناعة الساعات لمعرفة الوقت بدقة، أو لاستشعارنا بوصول وقت وساعة محدد نرغب في وصولها... لكن التعريف الثاني لا يتوقف عند جانب الصناعة التي تتطلب حضور مستوى عال من المعرفة الميكانيكية، بل وضعنا أمام أفق يتعلق بالذكاء الاصطناعي للروبوت، ومفردة الذكاء هذه حتى وقت قريب كانت تقترن بالإنسان فقط، السؤال هنا كيف يمكن للذكاء الروبوت أن يشارك الإنسان في موضوع الذكاء؟ هل هو ذكاء مستقل عن الإنسان؟ أم هو ذكاء متحكم فيه؟ في هذا السياق "يرى علماء الروبوتات أن سلوك الروبوت شيء «ينبثق» من تفاعلات الروبوت مع بيئته التشغيلية. فعلى سبيل المثال، إذا كنا نصنع روبوتًا بإمكانه السير، وكانت لديه الأجهزة الضرورية (مثل الأرجل)، فإن برنامج الروبوت هو الذي سيحدد متى يمشي الروبوت للأمام أو يتوقف أو يستدير ولماذا. لكن السير الفعلي سيكون نتيجة لتفاعل أرجل الروبوت، الخاضعة لسيطرة البرنامج، مع السطح الذي يسير عليه".[2]
أما التعريف الثالث، فهو يضع الروبوت في دائرة الآلة التي يمكنها نتيجة ذكائها الصناعي أن تقوم بأعمال مفيدة بشكل مستقل، وفكرة الاستقلالية هنا، تضعنا أمام إشكال مستقبلي، فهل طبيعة تطور الروبوتات تجعل كاملة الاستقلالية عن الإنسان؟ أم إن استقلاليتها لا يمكن أن تتخطى الإنسان، وهي تقوم بمختلف الأعمال المفيدة؟ الروبوت إذن جهاز صناعي يتصف بنوع من الذكاء وبنوع من الاستقلالية في القيام بمختلف المهام التي صمم من أجلها. لكن مختلف هذه التعريفات ومختلف الأسئلة التي سبق طرحها، قد تبدوا متجاوزة في الزمن القريب، بالنظر لطبيعة التطور الحاصل الآن في عالم الروبوتات الذي تحول إلى علم قائم الذات.
يعدّ "علم الروبوتات" من أبرز التخصصات العلمية في مختلف الجامعات الكبرى عبر العالم، ويرتبط بعلوم الهندسة والتكنولوجيا والرياضيات والميكانيك... وقد شهد تقدّمًا مذهلاً في السنوات الأخيرة، ويعود الفضل في ذلك إلى التطوّر الملحوظ في باقي مجالات العلوم والتكنولوجيا؛ إذ ساهم ظهور علم البيانات الضخمة في تزويد أنظمة الروبوتات بكفاءات عالية لم يكن بالإمكان الوصول إليها في الماضي. كما أن اختراع أنواع حديثة من أجهزة الاستشعار وظهور انترنت الاشياء الذي ربط مختلف الأجهزة في شبكة واحدة قادرة على مراقبة جميع الظروف البيئية المحيطة والاستجابة بناءً على المعلومات التي جمعها، فضلا على تداخل علم الروبوتات مع الذكاء الاصطناعي كلّ هذه الأمور أدّت إلى بناء جيل من الروبوتات أكثر تعقيدًا من أيّ وقت مضى واستخدامها في كافة مجالات الحياة، كالصناعة والصحة والأمن ومساعدة البشر.
موضوعات الكتاب
يُعَد علمُ الروبوتات من التقنيات الأساسية في العالَم الحديث؛ فقد خطَت الروبوتاتُ في الآونة الأخيرة خطواتها الأولى داخل المنازل والمستشفيات، وحقَّقَت نجاحًا كبيرًا في مجال استكشاف الكواكب، وأصبحت جزءًا راسخًا من عدد كبير من عمليات التصنيع وأتمتة المخازن على سبيل المثال، غير أنَّ الروبوتات أخفقَت في الارتقاء إلى مستوى تنبُّؤات الخمسينيات والستينيات، حيث كان يُعتقَد على نطاق واسع أنه بحلول القرن الحادي والعشرين ستكون لدينا روبوتاتٌ ذكية تُستخدَم كمساعِدين أو رفقاء شخصيين أو زملاء في العمل...وعندما نتحدث عن الروبوت، فالأجزاء التي تُشكِّله لها مُكافِئ حيوي؛ فكاميرا الروبوت تُشبِه العينَين، والكمبيوتر الدقيق بالروبوت يُعادِل الدماغ.[3]
وفق هذا السياق، انتظمت مختلف موضوعات الكتاب وأهمها:
ما الروبوت؟ ما تفعله الروبوتات الآن. الروبوتات الحيوية. الروبوتات التي تشبه البشر والروبوتات البشرية. أسراب الروبوتات، والتطور، والتكافل. مستقبل علم الروبوتات.
الروبوت وسؤال الاستقلالية
الحديث عن مفهوم الاستقلالية يرتبط بقيمته حرية الإرادة وبقيمة القدرة على الاختيار بين مختلف القرارات والمواقف وتحمل مسؤولية الفعل من وراء تلك القرارات؛ فالاستقلالية تتعارض مع أيّ تدخل خارجي في تقرير مصير الفعل والحركة. وعندما نتحدث عن الإرادة، فإننا نقصد بذلك الإنسان العاقل ذو البعد الأخلاقي في تحمل المسؤولية من وراء مختلف الأفعال التي أقبل عليها... ووفق هذا المدار الذي يدور فيه مفهوم الاستقلالية من التعسف أن نصف مختلف الآلات بأنها تتصف بالاستقلالية؛ لأنها فاقدة للإرادة وتابعة لإرادة الفاعل وهو الإنسان، لكن طبيعة التحولات والتطورات العلمية، والمرتبطة بالذكاء الاصطناعي تضعنا أمام تحديات جديدة، حول مفهوم الاستقلالية في علاقته بالذكاء الاصطناعي.
العديد من الروبوتات الفعلية، "ليست مستقلة، وإنما يشغلها البشر عن بُعد. ومن الأمثلة على ذلك المَركبات الغواصة المشغَّلة عن بُعد، وهي من الروبوتات المستخدَمة للتنقيب تحت سطح البحر أو صيانة آبار النفط. وتُعرف هذه الروبوتات أيضًا باسم الروبوتات المشغَّلة عن بُعد. لا تحتاج الروبوتات المشغَّلة عن بُعد إلا إلى الحد الأدنى من الذكاء المدمَج فيها؛ لأن «الذكاء» الرئيسي الذي يتحكم في الروبوت هو الإنسان. وتتمتع بعض الروبوتات المشغَّلة عن بُعد بمستوًى عالٍ من الذكاء الداخلي، ولا تستلزم تحكُّم مَن يُشغلها عن بُعد إلا في أوقات معيَّنة. على سبيل المثال، يمكن للطائرات بدون طيار أن تطير وحدها (على نظام الربَّان الآلي) حتى تصل إلى موقع محدَّد مسبقًا، وعندها يتولى الطيار البشري زمام الأمور. وفي بعض الأحيان تُعرف هذه الروبوتات بأنها شبه مستقلة."[4]
وإن سلمنا بنوع من الاستقلالية التي تتصف بها الروبوتات، فهي ليست نفس الاستقلالية كما هي عند الإنسان من جهة الشكل والجوهر؛ لأن الاستقلالية عند الإنسان قائمة على الوعي والعاطفة والاختيار والذوق والإبداع والتفكير النقدي ومراجعة القرار... بينما استقلالية الروبوتات تعتمد على الخوارزميات والبيانات بمعزل عن كل أشكال الوعي والتفكير والمراجعة، مما يجعلها تدور في دائرة تنفيد ما هو مبرمج مسبقا، مع معالجة مختلف البيانات بقدرة فائقة وغير مسبوقة بدقة عالية، لكن دون وعي بمختلف الأبعاد الأخلاقية والمعرفية التي من وراء مختلف تلك البيانات.
عندما "يتحدث علماء الروبوتات عن الروبوتات المستقلة، فإنهم عادةً ما يقصدون الروبوتات التي تقرر ما ينبغي فعله في الخطوة التالية دون أي تدخل أو تحكم بشري على الإطلاق. ولا بد هنا من توخِّي الحذر؛ لأنهم لا يتحدثون عن الاستقلالية الحقيقية، بمعنى أنها قادرة، مثلي ومثلك، على تقرير مصائرها، بل يتحدثون عما يمكن أن أُسميه «استقلالية التحكم». المقصود باستقلالية التحكم أن الروبوت يستطيع أداء وظيفته أو مهمته دون تدخل بشري، لكن الأمر بأداء هذه المهمة أو البرمجة على أدائها قد صدر من البشر على أي حال".[5]
الحديث عن الاستقلالية في مجال الروبوتات والذكاء الاصطناعي، استقلالية تابعة وليست استقلالية حقيقية. إنها استقلالية خاضعة للبرمجة، وبالتالي فهي فاقدة للإرادة للحرية الكاملة في الفعل، فالبرمجة تجعل الروبوت في حالة "ذاتية للحركة" لكن هذه الذاتية تبدوا كأنها نابعة من ذات الروبوت، لكن الروبوت فاقد للذات، فذاتيته تعود إلى البرمجة التي لا يتجاوزها ولا يخرج عنها في جميع الحالات. أما عن "الفرق بين كلمة المستقلة وكلمة ذاتية الحركة. فعلى الرغم من أن الكلمتين لهما معانٍ متشابهة في الواقع، يفضل علماء الروبوتات كلمة المستقلة لأنها أوسع نطاقًا وأكثر ثراءً من ذاتية الحركة، ويعتبر السعي لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية هدفًا مهمًّا في علم الروبوتات. ما نقصده بكلمة ذاتية الحركة هو العمل من خلال سلسلة ثابتة من الإجراءات المبرمَجة مسبقًا"[6] الروبوت إذن ما هو إلا تجسيد لمحاكاة محدودة للذكاء، ويمكن اعتباره ذكيًّا في الوقت ذاته أيضًا داخل نطاق البرمجة.
يرى مؤلف الكتاب بأن الروبوتات اليوم بشتى أنواعها سارت تعمل بشكل منتظم لإنجاز مهمة بعينها، بدل الاعتماد على ربوت واحد، وهو ما يسمى بمجال أنظمة الروبوتات المتعددة، وهي مسألة لم تكن متاحة بشكل كبير إلا في السنوات الأخيرة وخير مثال على ذلك هو نظام روبوتات المخازن «كيفا»، الذي وصفته الشركة بأنه نظام استيفاء الطلبات ونقل البضائع إلى الإنسان.
ومن بين الأفكار التي توقف عندها صاحب الكتاب، هي فكرة "الأذرع الروبوتية" بكونها تقنيةً أساسية في علم الروبوتات. فأهميتها الشديدة لا تقتصر على استخدامها في روبوتات خطوط التجميع الصناعية، بل أصبحت «عنصرًا» أساسيًّا في العديد من مجالات علم الروبوتات. وتوجد تنويعات مختلفة من الأذرع الروبوتية متصلة بمنصات متحركة مثل المركبات الغواصة المشغَّلة عن بُعد أو روبوتات إبطال مفعول القنابل أو مركبات المريخ الجوَّالة، وتُعدّ الأذرع الروبوتية، التي تتمتع بدرجات شديدة التباين من التطور، من السمات الأساسية في الروبوتات التي تشبه البشر، بما في ذلك الأذرع الروبوتية المطواعة[7]، وهذه فكرة تضعنا في خانة طبيه محاكاة تطور الروبوت بالإنسان خاصة إن أضفنا بكون كاميرا الروبوت تُشبِه العينَين، والكمبيوتر الدقيق بالروبوت يُعادِل الدماغ... وهذا يعني بكون التقدم العلمي في عالم الروبوتات يسعى جاهدا لتقوم الروبوتات بمهام صعبة ودقيقة محل الإنسان.
[1] آلان وينفيلد، علم الروبوتات: مقدمة قصيرة جدًّا، ترجمة أسماء عزب مراجعة الزهراء سامي، مؤسسة هنداوي، المملكة المتحدة، ط.1، 2022م، ص. 20
[2] نفسه، ص. 21
[3] نفسه، غلاف الكتاب
[4] نفسه، ص.21 (بتصرف)
[5] نفسه، ص.21
[6] نفسه، ص.23
[7] نفسه، ص. 35