كيف تقرأ داروين مارك ريدلي


فئة :  قراءات في كتب

كيف تقرأ داروين مارك ريدلي

كيف تقرأ داروين

مارك ريدلي

ترجمة نهى صلاح مراجعة هبة عبد العزيز غانم

ارتبطت نظرية التطور ارتباطًا وثيقًا بالعالِم "تشارلز روبرت داروين" (1809م/1882م)، وقد انتشرت صيغة "الداروينية" نسبةً إلى داروين، وهي صيغة تدور في سياقات أيديولوجية مع مقولة التطور أو ضدها. يفصلنا عن الزمن الذي عاش فيه داروين ما يقرب من قرن ونصف. في الزمن الحاضر، بلغ العلم درجة متقدمة في مختلف مجالات المعرفة، وبالأخص تلك التي تعنى بمجال تخصص علم الأحياء. فمثلًا، يبحث العلم اليوم في مجال الخلايا الجذعية، وهي نوع خاص من الخلايا له صفتان مهمتان: الأولى أنها قادرة على إنتاج مزيد من النسخ المطابقة لها، أي أنها متجددة ذاتيًا، والثانية أنها تستطيع التحوُّل إلى أنواع أخرى من الخلايا تؤدي وظائف مختلفة، وذلك من خلال عملية تُسمى "التمايز". ويمكن للخلايا الجذعية أن تتطور إلى أنسجة مختلفة، وذلك حسب الموقع الذي توجد فيه. فعلى سبيل المثال، توجد الخلايا الجذعية المُكوِّنة للدم في نخاع العظم، ويمكنها إنتاج جميع الخلايا النشطة في الدم. ومن الممكن أيضًا أن تتحول الخلايا الجذعية إلى خلايا دماغية أو خلايا في عضلات القلب أو خلايا عظمية أو غير ذلك من أنواع الخلايا.

الفكرة الأساسية التي قال بها داروين تعود إلى الأرضية المعرفية للزمن الذي عاشه، وقد افترض أن جميع الكائنات الحية منذ بدء الخليقة حتى الآن تتشارك أسلافًا مشتركة. وقد واجه هذا الطرح نقدًا ورفضًا شديدًا من لدن المرجعيات الدينية خاصة، بينما الموضوع ما هو إلا مجرد فرضية، والعلم كفيل بالحفر في مختلف جوانبها. ولا شك أن نظرية داروين تم توظيفها في سياق الذين يستهويهم التفكير من خلال افتراض صراع الثنائيات؛ فتم افتراضها من قبيل ثنائية العلم والدين، صراع الغني والفقير، أي الذي يملك والذي لا يملك، صراع الأجيال... إن فكرة الصراع وتقديم فكر داروين بوصفه العلم الذي يصارع الدين ويقضي عليه، ساهمت في التشويش على الأبعاد العلمية فيما قال به داروين، ولا يزال هذا التشويش ساري المفعول حتى اللحظة الراهنة.

السؤال اليوم، أمام طبيعة مختلف التحولات والثورات التي عرفتها حقول المعرفة، هو: كيف بإمكاننا اليوم قراءة داروين قراءة علمية وموضوعية وبمعزل عن مختلف الاتجاهات والقراءات الأيديولوجية؟ وهذا هو السؤال الذي يجيب عليه الكتاب الذي بين أيدينا.

موضوعات الكتاب

كيف يمكننا قراءة داروين؟ هذا السؤال هو المحور الرئيس الذي حاول الكتاب أن يجيب عليه. ومن المعروف أن داروين كان شخصية تاريخية أحدثت ثورة في علم الأحياء، كما تردَّد صدى تأثيره في جميع جنبات الثقافة الحديثة، ولم يقتصر على علم الأحياء، بل امتد ليشمل الفلسفة والعلوم الإنسانية واللاهوت وهندسة البرمجيات والأدب والفنون التشكيلية. لذا، من المنطقي أن نتناول العلاقة بين ما كتبه داروين وبين الموضوعات المهمة في الفكر الإنساني.

كان داروين أيضًا صاحبَ عقلٍ فذ، لذا فمن الرائع أن نقرأه بصرف النظر عن تأثيره التاريخي. يمكنك قراءته وكأنك تُجري معه محادثةً خاصة. لقد كان يتسم بسعة الأفق، وكان لديه طوال الوقت تقريبًا أشياء مبتكرة وملهمة يقولها. إنه لمن دواعي سرور المرء أن يتواصل مع عقلية كهذه. وسرعان ما تتعرف على الطريقة التي كان يفكر بها؛ فقد كان يحب جمع كل الحقائق التي يستطيع جمعها، من مجموعة مذهلة من المصادر، وكان يحب وضع نظرية عامَّة مجرَّدة تفهم معنى الجوانب الأساسية للموضوع الذي يتناوله، كما كان يتعامل مع جميع الصعوبات بأمانة فكرية منقطعة النظير.

يُعَد داروين كاتبًا غزير الإنتاج؛ فهو لم يكتب واحدًا من أكثر الكتب تأثيرًا في كل العصور، ألا وهو «أصل الأنواع»، فحسب، بل كتب أيضًا مجموعة كبيرة من الكتب الأخرى حول موضوعات متنوعة، مثل الشعاب المرجانية ومحار البرنقيل وديدان الأرض وزهور الأوركيد، بالإضافة إلى كتاب رحلات يستند إلى رحلته على متن سفينة البيجل، وأيضًا سيرته الذاتية.

لقد خصصتُ معظم المساحة هنا لكتاب «أصل الأنواع»، ومن ثَم أعطيت اهتمامًا أقل مما كنت أتمنى لبقية أعماله. وناقشتُ أيضًا ما يُعَد على الأرجح ثانيَ أشهر كتاب له، وهو كتاب «نشأة الإنسان»، كما أخذت عينة من كتاب «التعبير عن الانفعالات» لأُبيِّن فكرته الأساسية.

هل يتعين علينا قراءة مؤلفاته من وجهة نظر تاريخية أم علمية؟ من الناحية العلمية، كان داروين مصدر إلهام لعدد هائل من الأبحاث، وكان تأثيره يفوق أي شخص آخر، وقد أضاف العلم الحديث كثيرًا من الاكتشافات اللاحقة إلى أصغر ملاحظة من ملاحظات داروين. أظن أن القراء سيرغبون في فهم أفكار داروين استنادًا إلى السياق الزمني الذي كُتبت فيه، ومعرفة ما إذا كانت نظرياته تُعتبر صحيحة بعد 150 عامًا من الدراسات اللاحقة.

وفق هذا السياق العام، جاءت موضوعات الكتاب كما يلي: الانتخاب الطبيعي / إشكاليات في النظرية / التهجين والتنوع الحيوي / التعاقب الجيولوجي / الدليل المؤيد للتطور / الملكات الاجتماعية والأخلاقية / الانتخاب الطبيعي وتأثيره على الأمم المتحضرة / الانتخاب الجنسي / التعبير عن الانفعالات / التسلسل الزمني / قراءات إضافية.

ما بين الخلق والتطور

التفكير بعقلية الصراع التي تفترض أن الدين والعلم دائرتان متعارضتان، فما يصدق على أحدهما لا يصدق على الآخر، وبأن طريقهما في اتجاهات معكوسة، هذا التفكير يجعل أصحابه في هذا الطرف أو ذاك، في حالة تيه عن معرفة روح الدين وروح العلم، طبعا الدين ليس مجال للعلم بمعناه التفصيلي الذي يفترض تتبع مختلف الأجزاء وتحولاتها وتغيراتها في علاقة بعضها مع بعض، الدين يدعوا إلى العلم ويحث عليه، ولا دخل له في نتائجه المتحولة عبر التجارب والقابلة للتكشف كل وقت وحين. مهمة الدين أنه يضعنا في دائرة مداخل معرفية عامة وشاملة من قبيل "الخلق" لكن الدين لم يعطينا إجابة كافية عن كيفية حدوث الخلق، وقد دفعنا لمعرفة ذلك بأنفسنا قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)﴾(العنكبوت)، وكيف ننظر ونقترب من معرفة كيفية بداية الخلق، فهذا يحدث من خلال مسيرة العلم ومن هنا تأتي أهمية جود داروين الذي لم ينكر وجود الله، بقدر ما ارتبط عمله بالبحث في كيفية نشوء الخلق.

قال داروين ذات مرة عن كتابه «أصل الأنواع» "إنه عبارة عن «حجة واحدة ممتدة»، ولكننا نستطيع تقسيمه إلى جزأين يَسهل التحكم فيهما. يدرس أحدهما ما إذا كانت أشكال الحياة الحديثة قد نشأت عن طريق التطور أم عن طريق الخلق المنفصل. طرح داروين قضية التطور. (ومع ذلك، فقد استخدم داروين نفسه تعبير «التحدر مع التعديل» بدلًا من «التطور». بدأ مصطلح «التطور» يُستخدم بعد نشر كتاب داروين عام 1859 بقليل.) وفقًا لنظرية التطور، تنحدر جميع أشكال الحياة المختلفة على الأرض، كالأشجار والورود والديدان والحيتان، من أسلاف مشتركة. بدا هؤلاء الأسلاف مختلفين تمامًا عن أحفادهم المعاصرين. وتتمثل وجهة النظر المناهضة لنظرية التطور، والتي عارَضها داروين، في نظرية الخلق المنفصل أو نظرية الخلقوية. وفقًا لنظرية الخلق المنفصل، ثَمة تشابه كبير بين أشكال الحياة الحديثة وأسلافها، كما أن الأشكال المختلفة للحياة الحديثة لها أصول منفصلة وليست مشتركة. يؤكد التناول الديني لنظرية الخلق المنفصل أيضًا على أن كل شكل من أشكال الحياة قد خلقه الله بطريقة خارقة للطبيعة. عارَض داروين نظرية الخلق المنفصل، ولكنه لم يعارض الدين؛ إذ نفى أن الأنواع لها أصول منفصلة ولم ينفِ وجود الله."[1]

داروين ليس بالضرورة أن تكون افتراضاته وطروحاته ضد الفكرة الدينية، وإنما هو عالم كبير من علماء الأحياء فهو ينظر ويقدم ويؤخر داخل على المشيئة الذي تتشيأ فيه الأشياء وتتحول وتتبدل وتتطور من حال إلى حال، صحيح ان مختلف التحولات داخل على المشيئة ليست عبثية فهي محكومة بقوانين وغاية وهدف وقدر ومقدار قال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2) (الفرقان)، فمفهوم الخلق لا يمكن أن نحيط به وأن ممسك به، فالخلق يتحقق أمام أعيننا كل لحظة في حالة خفاء، وقد ندرك ذلك من خلال البحث في عالم الأشياء؛ بمعنى موضوع الخَلق يكمن داخل الأشياء وحركتها فالله هو الخلاق العليم، بمعنى العلم هو الذي يكشف لنا عن الخَلق. قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) (القمر) قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (86) (الحجر) هذا البعد التركيبي الذي يجمع ما بين عالم الخلق وعالم المشيئة فوت على الكثير من الناس الكثير من الفهم المنهجي سواء محسوبين على عالم الدين أو عالم العلم.

ونتيجة الفراغ المنهي والاعراض عن الفكر الذي يأخذ بمبدأ التركين ما بين عالم الخلق وعالم الأشياء لا تزال الإشكاليات التي ناقشها داروين "تستغل من قِبل النُّقَّاد المؤيدين لنظرية الخلق. فكيف يمكن لنظرية داروين تفسير «الأعضاء التي تكون في منتهى الكمال والتعقيد» كالعين التي تُعَد المثال القياسي عليها؟ شكلت العين مشكلة عامة لأي نظرية في علم الأحياء في زمن داروين، كما مثَّلت مشكلة محددة لنظرية داروين. كان داروين مدركًا للمشكلتين، وكانتا أساسًا لمناقشته.

تمثلت المشكلة العامة في «حجة التصميم»، وهي حجة تعتمد على الملاحظة لتأييد وجود الله. تعود هذه الحجة إلى زمن أفلاطون، وقد صيغت وأعيدت صياغتها لعدد لا حصر له من المرات على يد الفلاسفة المسيحيين في العصور الوسطى. وقد كانت معروفة جيدًا في زمن داروين بالصيغة التي قدَّمها الفيلسوف اللاهوتي البريطاني ويليام بيلي (–1805). كانت كتب بيلي من المقررات الدراسية في جامعة كامبريدج، حيث درس داروين، وقد قُدمت حجة التصميم من منظور بيلي على النحو الآتي. إذا وجدنا آلة معقَّدة مثل الساعة، فيمكننا أن نستنتج أن شخصًا ما؛ أي صانع ساعات، صمَّمها بالتأكيد وصنعها. ومن غير المرجَّح أن تتكون الساعة من تلقاء نفسها بشكلٍ طبيعي؛ فهي لم تكن لتأتي إلى الوجود بشكل عفوي من خلال قُوى الطبيعة العادية التي تؤثر على عناصر الطبيعة. وبالنظر إلى أجزائها، يمكنك معرفة أنها صُنعت لغرض، بالفعل يمكنك معرفة ذلك من ترتيب التروس والزنبركات، حتى لو كنت لا تعرف ما الغرض المحدد منها. ومثلما يمكننا استنتاج وجود مصمِّم من وجود الآلات المعقدة، يمكننا أيضًا استنتاج وجود الإله من وجود الكائنات الحية المعقدة في الطبيعة."[2]

لا شك أن داروين قد عارض مفهوم الخلق كما تتصوره الفكرة الدينية كما هي في المسيحية واليهودية؛ لأن الله جل وعلا قد خلق كل نوع على حدة، ولم يلحق أي نوع أي تحول كيفما كان، والحقيقة أن هذا فهم معين لموضوع الخلق، وإلى الآن نحن في حاجة لأبحاث لمعرفة موضوع ورؤية القرآن للخَلق، بدل الوقوف عند ما جاءت به التفاسير، وهي في مجملها تكرر مضمون التراث الكتابي اليهودي والمسيحي، فمشكلة المسلمين اليوم أنهم لم يقرؤوا القرآن قراءة معرفية، فليس بالضرورة أن يكون القرآن ضد مقولة التطور جملة وتفصيلا، وهذا موضوع للبحث وقد ورد في القرآن الكريم قال تعالى: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) (نوح) نحن هنا أمام مدخل معرفي يعود إلى نبات الإنسان من الأرض والخلق أطوار وهذه قضايا لم تحظى بالبحث الكافي بعد.

لقد ركز داروين في كتابه «أصل الأنواع» عن الدفاع عن التطور. "لكنه في هذه الحالة، بدلًا من أن يدافع عن الانتخاب الطبيعي بوصفه من آليات التطور، عارَض نظرية الخلقوية التي تفيد أن كل نوع له أصل منفصل عن الأنواع الأخرى، ويظل شكله ثابتًا منذ نشأته. كانت نظرية الخلقوية مستوحاة بشكلٍ أساسي من الدين. يعتقد معظم مؤيدي نظرية الخلقوية أن الله قد خلق كل نوع على حِدة ولم يتغير منذ ذلك الحين. لكن داروين عمد إلى جعل الله خارج المعادلة [فالله في عالم متخفي لا يمكن أن نحيط به وقد ندركه من خلال آياته في الوجود وفي عالم الأشياء]. فقد تعامل مع مفهوم الخلق بوصفه فرضية علمية تشير إلى أن كل نوع له أصل مستقل. هذه الفكرة المحتملة لا تعتمد على ما إذا كان المنشأ ينتج عن آليات طبيعية أو خارقة. في المناقشات العلمية، عادةً ما يكون استحضار مفهوم الله في الفرضية أمرًا عديم الفائدة، فمجرد القول إن «الله فعل هذا» لا يضيف سوى النذر اليسير للمناقشة. توضح الأجزاء القليلة التي أثار فيها داروين هذه المسألة أنه كان يعتقد أنه من غير المجدي الإشارة إلى الله بشكلٍ مباشر (أو استخدام بعض الكلمات غير المباشرة للإشارة للذات الإلهية) في حجة علمية.

تختلف نظرية التطور عن نظرية الخلقوية من ناحيتين؛ إحداهما هي أنه وفقًا لنظرية التطور، تتغير الأنواع بمرور الزمن. فمثلًا سنجد أن سلف أحد الأنواع الحديثة يختلف عن الشكل الحديث للنوع إذا اقتفينا أثره بما يكفي. والأخرى هي أنه وفقًا لنظرية التطور، تتحدر الأنواع الحديثة من أسلاف مشتركين في الماضي. تركز حجة داروين المؤيدة لنظرية التطور على هذه النقطة الثانية. في هذا الصدد، تختلف حجته عن العديد من الحجج الحديثة التي تؤيد نظرية التطور. فعادةً ما يشير علماء الأحياء المعاصرون إلى أمثلة على التغير التطوري الملحوظ على المدى القصير، بالإضافة إلى التشابهات الملحوظة بين الأنواع التي ناقشها داروين والتي توحي بوجود سلف مشترك. على سبيل المثال، يمكننا ملاحظة تطوُّر مقاومة الأدوية في فيروس نقص المناعة المكتسبة (الفيروس المسبب لمرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)) من يومين إلى ثلاثة أيام لدى مرضى الإيدز. لم يكن لدى داروين دليل كهذا. لم يُكتشف الدليل على التطور المستمر حتى نحو عشرينيات القرن العشرين، وتراكمت الأدلة منذ ذلك الحين. عادةً ما يكون التطور بطيئًا جدًّا، حيث لا يمكن ملاحظته، ولكن في حالات استثنائية (مثل مجموعة من الفيروسات تُسحق باستخدام أدوية مصممة لقتلها) يمكن أن يكون سريعًا بشكل لافت للنظر. علاوةً على ذلك، أصبح لدينا الآن أمثلة على التغير التطوري في سلسلة من التجمعات الأحفورية مع مرور الوقت. الأمثلة نادرة؛ لأنه من غير المعتاد إيجاد سلسلة من المجموعات السكانية محفوظة في السجل الأحفوري، إلا أنها موجودة، وثَمة أدلة واضحة على التطور. لا شك أن داروين كان سيَسعد لو حصل على هذين النوعين من الأدلة التي تشير لحدوث تغيرات للأحياء المعاصرة والتجمعات الأحفورية، لكنه في غيابهما ركَّز على أدلة السلف المشترك.[3]

[1] نفسه، ص. 12

[2] نفسه، ص.35

[3] نفسه، ص.62