ماكيافيل وخصوبة الشّر


فئة :  ترجمات

ماكيافيل وخصوبة الشّر

ماكيافيل وخصوبة الشّر[1]

تمهيد:

لن نغالي إن وصفنا "التّصوّر السّيّاسي" للمفكر الإيطالي نيكولا ماكيافيل بأنّه أحد أكثر التّصوّرات السّيّاسيّة إثارة للجدل في تاريخ الفكر السّيّاسي؛ لأنّه شكّلَ لحظة فاصلة بين السّابق واللاحق، فما بعده ليس ما قبله. لقد نقل الكتابة الفلسفيّة في مجال الفكر السّيّاسي من التّنظير المجرد إلى "الوصف الواقعي"، فاتحا بذلك المجال أمام قول فلسفيّ قوامه "النّظر في ما هو كائن وقائم في الواقع"، لا التّنظير لــ"ما ينبغي أن يكون"، وواضعا بذلك خطّا فاصلا بين القول "الأخلاقي" والقول "السّيّاسي" اللّذين كانا قولا واحدا عند القدماء. لقد اعتبر ماكيافيل أنّ النّظر الفلسفي القديم في المسألة السّيّاسيّة لم يجد طريقه إلى التّطبيق الفعلي في الواقع؛ لأنّه تكلّم عن مدن متخيّلَة يسعى أهلها وراء الفضائل الخلقيّة، ويطلبون السّعادة، لكنّه تجاهل واقعة قائمة مفادها أنّ الطّبع البشري تحرّكه نوازع الطّبيعة ورغباتها المادّيّة، وليس العقل والحكمة والفضيلة، والحال أنّ النّظريّة السّيّاسيّة التي يمكن أن تحلّ المشكلات السّيّاسيّة الواقعية فعلا، هي التي تنطلق من واقع النّاس وتراهم "كما هم في الواقع" لا "كما يجب أن يكونوا". إنّ دفاعه عن هذا الموقف هو ما يفسّر وصف أفكاره "بالواقعيّة السّيّاسيّة". وعلى الرّغم من أنّ "الماكيافيليّة" اعتُبرت في الغالب فكرا أفرغ الفعل السّيّاسي من القيم، وجعله تدافعا همّه المصالح الضّيّقة للحاكم، وتبريرا للاستبداد والطّغيان بمبرّر فساد طبائع النّاس، إلاّ أنّ نظريّة ماكيافيل حوَتْ بين طيّاتها- في الآن ذاته- تبشيرا بـ"الدّيمقراطيّة"، ونبّهت النّاس إلى الأساليب التي ينتهجها الطّغاة لتبرير تسلّطهم وشططهم، وهذا بالذّات ما أكده الفيلسوف روسو لاحقا. يحمل نصّ هذه المقالة وجها من أوجه مفارقات فكر ماكيافيل؛ إذ يشرح هنا أهمّيّة "الشّرّ/العنف" وخصوبته، باعتباره آليّة لا بدّ منها لإنشاء دولة/مدينة حسنة التّكوين؛ فالعنف في ظاهره لا يمكن أن يكون محمودا، لكنّ الوصول إلى السّلم وتثمينه لا يصدر إلاّ عمّن جرّب ويلات العنف وآثاره، هذا هو الدّرس الماكيافيلي الذي تلقّفه الفيلسوف توماس هوبز من بعده، وطوّره ليجعل منه علاجا لحالة حرب الكلّ ضدّ الكلّ التي كانت وضعا أصليّا يُفتَرَض أنّ النّاس قد مرّوا منه قبل أن يؤسّسوا الدّولة.

نص المقال:

لنذكّر بنقطة انطلاق حكايتنا: لقد خضعت أوروبا لحتميّة الخلاص؛ أي الخلاص المسيحي. لم يكن من السّهولة الإفلات من قبضة هذا التأثير الذي ليس قوّة خارجيّة تفرضها مؤسّسة مستبدّة بشكل متعمّد، وإنّما كان أيضا وقبل كلّ شيء قناعة روحانيّة راسخة، يمكننا أن نتمرّد ضدّ هذه السّلطة العظيمة التي أذِن بها المسيح، ولكن، كيف يفكر المرء فيما يريده بغموض؟ كيف نتصور حقوق "الطبيعة" الدّنيويّة التي تتعارض مع الكنيسة؟

إن كان ذلك يبدو لنا اليوم سهلا، فلأنّ المغامرة قد انتصرت، لكنّه لم يكن كذلك إبّان القرنين الثّالث عشر أو الخامس عشر. حصلت أوّل محاولة كبرى لتحرير الطّبيعة، وعلى رأسها الطّبيعة السّيّاسيّة للإنسان -من أجل إثبات سلامتها التّامّة- في إيطاليا خلال سنة 1300 تقريبا. شهدت هذه الحقبة إعادة اكتشاف الغرب اللّاتيني أعمال أرسطو بشكل تامّ بفضل ترجمتها إلى اللّاتينيّة. كان هذا الحدث الثّقافي الكبير في الوقت ذاته حدثا سيّاسيّا؛ ذلك أنّه وحتّى تلك اللّحظة، لم يكن الفكر القديم معروفا في العالم المسيحي الغربي إلاّ من خلال مقاطع محفوظة بواسطة آباء الكنيسة، خاصّة منهم القدّيس أوغسطين الذي أشار إليها في أعماله ناقدا لها أو موافقا عليها؛ إذ كان يستعملها من أجل غايات غريبة عنها.

منذ هذه اللّحظة، سيكون قادرا على الحديث بنفسه من خلال كلماته الخاصّة، أو على الأقل من خلال ترجمات مقبولة وأحيانا وفيّة للأصل بشكل ملحوظ. دلّ هذا على أنّ العالم الطّبيعي، أو الدّنيوي، أو العلماني سيجد في نفسه احتمال الانعتاق من فئات المجتمع المسيحي، ومن ثمّة سيصبح قادرا على التّعرّف على نفسه وإثبات صلابته وثقله، وهو الأمر الذي كان إيذانا بنهاية الهيمنة الفكرية للكنيسة من دون منازع؛ وخلال هذه الحقبة بالذّات، ستجد معارضة السّلطة البابويّة في إيطاليا -للأسباب التي سبق ذكرها- تعبيراتها الكلاسيكيّة في أعمال دانتي أليغري ومارسيل البادوفي؛[2] ومن هذا المكان، وفي هذا التّوقيت بالذّات سيدخل الفكر الأوروبي مرحلة انسجام مع الوضعيّة السّيّاسيّة.

ينبغي أن نشير فورا إلى أنّ هذه المجهود الأول كان قصير الأمد، وأنّ تطوّر السّياسة الأوروبيّة لم يجرِ وفقا للمبادئ الذي اقترحها دانتي والبادوفي. هناك سبب لهذا الأمور قد يوصف بأنّه ظرفي، مؤدّاه أنّ المفكّرين المذكورين (دانتي والبادوفي) قد وضعا رجاءهما السّياسي في السّعي إلى إحياء الإمبراطوريّة، وهو حلّ رأينا سابقا أنّه لم يكن قابلا للتّطبيق، ويرجع هذا الفشل في مقاربتي البادوفي ودانتي إلى وجود سبب عقليّ يكمن في استنادهما نظريّا إلى الفلسفة الأرسطيّة؛ فإذا كانا قد استطاعا بفضل الأرسطيّة التّأكيد على سموّ العالم الطّبيعيّ وأهمّيته وثقله، وعلى رأسه العالم السّيّاسي في المقام الأوّل، فإنّها مع ذلك لم تسمح لهما إطلاقا بإثبات استقلال العالم السياسي في مقابل ادّعاءات الكنيسة. لماذا؟ نحن هنا في حضرة مشكل مهيب إن جاز لي القول. لماذا لم تجد محاولة تحرير العالم الدّنيوي من التّبعيّة للكنيسة طريقها إلى التحقّق الفعلي في الواقع، أو على الأقل أن تستمر طالما أنّها استندت منذ البداية إلى مبادئ الفكر القديم الذي تمّ اكتشافه (الفلسفة الأرسطيّة)؟ لماذا لم تكن "الحداثة" السّيّاسيّة مجرّد نهضة ضخمة أو ممتدّة؟ لماذا كانت قطيعة مع أرسطو وشيشرون ومن ارتبط بهما من القدماء، وكذلك مع الكنيسة؟

إنّ الحقيقة أنّ مبادئ الفكر القديم لم تكن صالحة للفوز باستقلال العالم الدّنيوي وعدم تبعيّته للكنيسة. لقد قام التّصوّر الأرسطي للحياة البشريّة على فهم هرميّ لمفهومي الخيرات والغايات. وبفضل تعاليمه أمكن لدانتي والبادوفي أن يصفا بنية الحياة الدّنيويّة بكثير من الحُسن، ويبرزا مكانتها وجمالها، لكنّهما في الآن نفسه قدّما الحياة الإنسانيّة، باعتبارها قائمة على هرميّة فيما يخصّ الخيرات والغايات، وهو ما جعل دعواهما من الأساس سهلة السّقوط أمام ادّعاءات الكنيسة أو المزايدات المسيحيّة إن أمكن القول؛ ذلك أنّ الخير الذي حملته الكنيسة، والغاية التي دعت إليها، كانا أسمى وأكبر من كلّ غاية أو خير طبيعيّين. من هنا ظهر أنّ الفلسفة الأرسطيّة يمكن أن تكون إطارا تستخدمه الكنيسة للمطالبة بالسّيادة الدّنيويّة على نحو ما تصلح كإطار لمطالبة العالم الدّنيوي باستقلاله عن الكنيسة.

يبدو هذا صحيحا، إذا علمنا أنّ "الأرسطيّ" الأكبر بعد أرسطو نفسه كان ملفانا وقدّيسا في الكنيسة، وهو القديس طوما الأكويني. اعتبر هذا الأخير، أن فلسفة أرسطو حَوَت كلّ ما يمكن أن يوصل إليه العقل الطّبيعي. أمّا الوحي المسيحي، فقد أضاف إلى حقائق العقل الطّبيعيّة حقائق أخرى أكثر سموّا، لكنّها لا تنفي الأولى: "فالنّعمة الإلهيّة تكمّل الطّبيعة، ولا تقوّضها"[3]. هكذا نرى أنّ فلسفة أرسطو يمكن أن تُوظّفَ في استعمالين متناقضين: يمكن أن تُوظّف لمعارضة الكنيسة، وأيضا من أجل مناصرتها. ولعلّ قابليّتها للتّوظيف في استعمالين متناقضين كان كافيا للتأكيد أنّها لا يمكن أن تكون أساسا لبناء تحديد سيّاسيّ جديد للعلاقات بين المدينة الدّنيويّة والكنيسة.

لقد كانت الأرسطيّة سلاحا ثقيلا جدا سقط بشكل طبيعيّ من يدي ذلك الذي كان يستعمله في يدي خصمه. وقد أدركت الكنيسة في النهاية ما هو الأفضل لها ووظّفته لصالحها عندما كرّست الأكويني، باعتباره مِلفانها الكبير، غير أنّ العقيدة الطّوماويّة لم تسمح بالإجابة عن المسألة السّيّاسيّة المستعجلة: لأنّه قَبِل بأن يكون للطّبيعة صلاحها الخاص، وبأنّ للنّعمة الإلهيّة طيبتها الخاصّة، وبالرّغم من أنّ للثّانية السّموّ على الأولى، إلا أنّهما ليستا متناقضتين، كما وافق على أنّ للإنسان غايتين متفاوتتين من حيث المكانة، وإن كانت لهما المشروعيّة ذاتها، لكنّ المشكلة تنبع من أنّ الطّبيعي وما يفوق الطّبيعة ليسا منسجمين دائما، فلمن تجب الطّاعة عندما يحصل التّناقض بين أوامر السّلطة الدّينيّة والسّلطة الدّنيويّة؟ تجيب الكنيسة مستندة إلى تعاليم الأكويني بأنّ الواجب يقتضي مراعاة البصيرة التي يعضّدها الإيمان.

غير أنّ هذه الإجابة لم تكن كافية لإرضاء أولئك الذين كانوا يريدون التّأكيد على استقلال العالم الدّنيوي أو الطّبيعي بطريقة واضحة لا تقبل الجدال. إنّ التّأويل الذي قُدّم لأرسطو على يد الأكويني أو دانتي أو البادوفي لم يكن قادرا على حلّ مشكلتنا حول اللّاهوت-السياسي. إنّني لا أعرف ما إن كان قد جرى حلّ هذه المشكلة أم إنّ ذلك لم يحصل، لكن، في جميع الأحوال، لقد تمّت معالجته في القرنين المواليين في إيطاليا على يد ماكيافيل. وإذا كنت قد قلت سابقا بأنّ الفكر السّيّاسي الأوروبي دخل في مرحلة انسجام مع الوضع السّيّاسي، فمن الواجب القول إنّ هذا الفكر مع ماكيافيل صار جزءا من الوضعيّة السّيّاسيّة. من هنا بات من المستحيل فهم التّاريخ السّيّاسي من دون فهم الخطوط الكبرى لتاريخ الفكر السّياسي أوّلا.

وحتّى لو اعتبرنا - كما فعل دانتي والبادوفي من قبل- بأنّ صلاحيّة الفكر الأرسطي كونيّة وما تزال سارية المفعول، إلاّ أنّه من الواجب أن نقبل أيضا بأنّ هذا الفكر قد وُلِد في ظلّ تجربة سيّاسيّة مختلفة جذريّا، فالمدينة الإغريقيّة مختلفة عن المدينة الإيطاليّة، من حيث إنّها لم تواجه الادّعاء السّيّاسي للكنيسة العالمية، لذلك وجب علينا أن نعترف بأنّ لهذا الفكر صلاحيّة كونيّة من جهة، وأن نُخضِعه لتعديلات كبرى من جهة أخرى. لقد وثّقنا من بين هذه التّعديلات أكثرها أهمّيّة، ويكمن في أنّ أرسطيّة البادوفي وبشكل أكبر دانتي اتُّخذَت حجّة لصالح الإمبراطوريّة التي اعتبرها أرسطو شكلا سيّاسيّا بربريّا أقلّ شأنا من المدينة.

مثّل ماكيافيل مرحلة التّجربة الحديثة - يقول ماكيافيل في إهداء كتابه الأمير[4] إنّه يملك خبرة طويلة في الأشياء الحديثة- التي وجدت تعبيرها الخاصّ، أو بالأحرى لاقت تفسيرا لنفسها، حيث سيتقرّر وفقا له توجّه الرّوح الأوروبيّة، وتبعا لذلك توجّه التّاريخ السّيّاسي الأوروبّي حتّى اليوم.

إنّ إثباتا من هذا النّوع لا يمكن إلاّ أن يثير الشّكّ: ألا يبدو تعسّفا إلى حدّ المبالغة أن نعزو مثل هذه السّلطة إلى شخص ما؟ وحده عرض تامّ لتطوّر الفكر والسّيّاسة الحديثين بعد ماكيافيل، يمكنه أن يبرّر مدى أحقّيّة ماكيافيل بهذا الدّور المؤسِّس. ولكن، يمكننا القول على وجه التّحديد إنّ الأمر لا يتعلق هنا بأنّنا نعزو إلى إنسان ما قدرة "فوق-إنسانية"؛ ذلك أنّ التّأويل الذي صاغه ماكيافيل للتّجربة الحديثة أضاء بشكل جليّ وخاص بعض المظاهر الأساسية. ومثلما لو أنّه (ماكيافيل) كان في خدمة مشروع سيّاسي ينتشر على نطاق واسع – يستهدف تجريد الادّعاءات السّيّاسيّة للكنيسة من مصداقيّتها بشكل جذري-، فإنّ العديد من الأشخاص الذين رعوا هذا المشروع، استندوا من دون توقّف إلى هذا التأويل من أجل توجيه فكرهم وفعلهم. وعلى أساس فكره، سوف يحوّلون العالم السّياسي من مجرّد تأويل بسيط أو موقف ذي صبغة "نظريّة" ليصير جزءا من الحياة "الواقعيّة"، بل وسيفرض نفسه على أولئك الذين لم يشاركوا في المشروع الأصلي.

ليست المسألة هنا مسألة تحليل مفصّل لفكر ماكيافيل، بداية، لأنّ ذلك لا يُعَدّ جزءا من التّيمة الرّئيسة لهذه المحاولة، وأيضا لأنّه وبشكل خاصّ حاذق، حيث لا يمكن شرحه في عرض مقتضب. سألتزم من حيث الأساس بفكرة مفادها أنّ الجميع بمن فيهم الذين لم يقرؤوا شيئا عن ماكيافيل يصبحون ماكيافيليين؛ وسأحرص على الالتصاق "بمقدّمة" عمله؛ لأنّه التزم بالتّصرّف وفقا لهذه المقدّمة في نظره إلى روح النّاس، وأيضا لأنّ المقدّمة بالنّسبة إلى مؤلِّف من طينته تحتوي على العمق فعلا[5].

كان ماكيافيل فلورنسيّا، وكانت "خبرته بالأشياء الحديثة" نابعة من خبرته بالحياة السّيّاسيّة في مدينته. لقد رأينا بأنّ المدينة بشكل خاصّ لم تكن على وفاق فيما خصّ علاقتها مع الكنيسة، وفي الوقت ذاته كانت ضعيفة أمامها. وكان من الطّبيعي أن يؤدّي هذا الوضع من العداء العاجز إلى مشروع استبعاد الدّين من المدينة جذريّا، ومن ثمّة العمل على إغلاق المدينة كلّيّا في وجه التّأثير الدّيني. ومع ذلك يرى بعض المؤرّخين أنّ ماكيافيل والذين اتّبعوه أو أطالوا أمده لم يُعادوا الدّين باعتباره كذلك، بل أعادوا فقط ما فيه من مظاهر المغالاة والمفاسد، لكنّ الطّريقة الوحيدة للاحتماء من مساوئ الدّين ومفاسده كانت تمرّ عبر استبعاد أيّ تأثير له - سواء كان حسنا أو سيّئا- باعتباره دينا على الحياة المدنية.

ما الذي نعرفه عن ماكيافيل عندما لا نعرف شيئا؟ إنّنا نعرف أنّه علّم الإنسان كيفيّة فعل الشّر؛ أي كيفيّة الوصول إلى السّلطة أو المحافظة عليها عن طريق الحيلة والقوّة، وأيضا كيف يتأتّى للمرء أن يحقّق غاية طيّبة عن طريق مؤامرة. كما نبّه إلى أنّه لا ينبغي تهديد العدوّ أو إهانته أو إلحاق الضّرر به. أمّا عندما تُتَاح إمكانيّة قتله، فمن الواجب الإقدام على ذلك. نتحدّث نحن المُحدَثون الذين نحبّ الكلمات المجرّدة ذات الامتداد غير المحدود بسهولة عن "واقعيّة" ماكيافيل؛ ومن الصّحيح تماما أنّنا نجد في "الواقع" السّيّاسي الكثير من جرائم القتل والمؤامرات والانقلابات؛ لكنّ هناك أيضا مراحل وأنظمة حكم سيّاسي قامت من دون هذه المفاسد الأخيرة؛ ذلك أنّ غياب هذه الأعمال السّيّئة أمر "واقعيّ" إن جاز القول. إنّ الحديث عن "واقعيّة" ماكيافيل، يقود إلى القبول بوجهة نظره التي مؤدّاها أنّ "الشّرّ" منظورا إليه من النّاحيّة السّيّاسيّة أكثر أهمّيّة وضروريّة وواقعيّة من "الخير".

تحفل الحياة السّيّاسيّة بالكثير من الكلمات والأفعال العنيفة ومظاهر الخبث والقسوة، خاصّة عند تأسيس المدن أو تغيير النّظم السّيّاسيّة، ولم يكن ماكيافيل هو من علّم النّاس ذلك، بل كانوا على علم بذلك دائما، فكيف نتجاهل ما هو واضح؟ وبالرّغم من ذلك فمن المؤكّد أنّ الكتّاب الأكثر سلطة في مجال الشيء السّيّاسي لم يشيروا إلى هذه النّقطة؛ إذ اهتمّوا بداية بالخيرات التي يحتويها الشيء السّيّاسي. لقد أشرت بالفعل سابقا إلى وجهة نظر أرسطو بهذا الخصوص، والذي اعتبر أنّ النّظر في المدينة وفقا للمنظور الدّقيق يستدعي النّظر إليها بحسب غايتها، وهو ما يتمثّل في أنّ المدينة تُعتبَر الإطار الوحيد الذي يمكن للإنسان فيه أن يحقّق طبيعته، باعتباره حيوانا عاقلا؛ وذلك من خلال ممارسة الفضائل الأخلاقيّة والمدنيّة اللّتين لا تقبلان الانفصال، الشّيء الذي يتيح له إظهار فضيلته. لقد كان أرسطو على دراية عميقة بأنّ للحياة السّيّاسيّة عِللُها وانقلاباتها وتغيّراتها التي تلحق بأنظمتها السّيّاسيّة، والتي غالبا ما تكون مصحوبة بالعنف – كرّس لهذه المسألة الكتاب الخامس من مؤلفه السّيّاسات-، لكنّه لم يثر اهتمام النّاس للتّركيز بشكل استثنائي على هذه الظّواهر؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يؤدّي إلى إفقادهم الاهتمام بغايتهم الخاصّة، وغاية المدينة أيضا.

على عكس المعلّم الأوّل الذي أراد صرف انتباه النّاس عن هذه الظّواهر، كان ماكيافيل حريصا على إقناعنا بأن نركزّ انتباهنا بشكل حصريّ تقريبا عليها، لقد أراد منا أن نتخلّى عن "براءتنا"؛ أي أرادنا أن نحاول –بعد قراءة عمله- التخلّي طواعيّة واقتناعا عن "براءتنا القديمة"؛ أي "بلاهتنا القديمة". هذا ما يجعل من ماكيافيل المعلّم الأوّل للارتياب.

نتحدّث اليوم –أو نتحدث سابقا- عن طيب خاطر حول ماركس ونيتشه وفرويد باعتبارهم يشكّلون ثلاثيّ "سادة الارتياب". يقوم هذا التّوصيف الجوهري على الاعتقاد في أنّ هؤلاء المؤلّفين الثّلاثة قد دعونا إلى التّشكيك في أفضل دوافعنا. لكن الحقيقة أنّ ماكيافيل كان أوّل من مارس الشّكّ على الحياة الإنسانيّة نفسها، وعلى عيش النّاس المشترك وحياتهم السّيّاسيّة. وليس هناك من ريب في أنّه ومنذ ذلك الحين لم يتركنا ذلك الشّكّ. فلننصت إلى هذا المقطع الذي يرسم صورة النّفس المصابة بمرض الشّكّ: "إنّ هذا الضعف في الوازع الأخلاقي، إضافة إلى العجز الدّائم في الانطباعات، لا يُلاحَظان في العلاقات القلبيّة فحسب، بل إنّ كلّ ذلك يعود إلى الطّبيعة؛ فالوفاء في الحبّ ليس إلاّ قوّة لا تختلف في شيء عن الاعتقاد الدّيني، والتّحمّس للحريّة. لكن، لم تعد لنا أيّ قوّة، لأنّنا لم نعد نعرف كيف نحب، ولا كيف نفكّر، ولا ماذا نريد، فكلّ واحد يشكّ في حقيقة ما يقوله، ويضحك بحدّة ممّا يؤكّده ويتوقّع نهايته"[6].

من المؤكّد تماما أنّ إحدى السّمات الأكثر تجذّرا في الرّوح الحديثة كانت الشّكّ في مفهوم الخير بابتسامة وسخريّة مصحوبة بعاطفة الإنكار. إنّ فهم انطلاق السّيّاسة الحديثة وتطوّرها، يقتضي الانتباه في البداية إلى ما ينبغي تسميته بتفخيم وضعيّة الخير.

كيف سعى ماكيافيل جاهدا إلى إقناعنا بالسّمة الأساسيّة أو "الجوهريّة" للشّرّ في الشّيء السّيّاسي؟ إنّ ما نميل إلى دراسته بإيثار يكمن فيما ندعوه "الأحوال الاستثنائيّة" التي تحصل عند تأسيس المدن، أو تغيير نظم الحكم السّيّاسي، أو المؤامرات السّيّاسيّة؛ فعلى خلاف أرسطو نقول بأنّه يصف الحياة السّيّاسيّة من منظور يركّز على أصولها أو بدايات تكوّنها –التي غالبا ما يطغى عليها العنف والظّلم-، وليس من منظور يهتمّ بغايتها. إنّه لم ينكر إطلاقا بأنّ ظروف الحياة المدنيّة في الأحوال العاديّة يمكن أن تكون أكثر أمنا، بل وخاضعة بدرجة ملحوظة لِما يدعوه النّاس العدالة. لنقل ببساطة، إنّ ماكيافيل اقترح بألف طريقة ما مؤدّاه أنّ الأخلاقية "المألوفة" تظلّ متوقّفة –أو مشروطة- بفجور "غير مألوف"؛ فالخير لا ينشأ ولا يمكن الحفاظ عليه إلاّ عن طريق الشّر. يبدو أنّ المفكّر الإيطالي لم يمح التّمييز بين الخير والشّر، بل عكس ذلك احتفظ به، وكان واجبا أن يفعل ذلك طالما أنّه أراد تأسيس فرضيّته المشينة القائلة إنّ "الخير" يرتكز على أساس "الشّر". هكذا ندرك على الفور النّتائج التي تترتّب عن هذا المنظور فيما يخصّ تعريف المدينة وعلاقاتها مع الدّين؛ من الآن فصاعدا اعتُبرت المدينة جزيرة اصطناعيّة تتكوّن بواسطة وسائل عنيفة، وليست منفتحة على أيّ شيء يتجاوزها هي نفسها، ولا يمكن فهمها إلا بالنّظر إليه في علاقته مع علّته. وهو ما يعني القول إنّ تحقيق "خير" المدينة أو "تحسينه" عن طريق خيرٍ "أسمى" منه على غرار ذلك الذي يُستمَدّ من الدّين قول مضلّل وباطل. إنّ مثل هذا الفهم من شأنه أن يؤدّي إلى تعطيل السّير "الطّبيعي" للمدينة، كما يوضّح ذلك المثال الآتي. لقد خلقت المسيحيّة نوعا من اللّيونة في القيم، وقد ترتّبت عن ذلك نتيجة سيّاسيّة مؤدّاها أنّه عندما يتمّ الاستيلاء على مدينة ما بالقوّة، يغدو قتل رجالها، واستعباد نسائها وأطفالها أمرين غير مقبولين. قد يجد المتهوّر في هذا الفعل مدعاة للابتهاج، لكنّ ماكيافيل أظهر أنّه ومنذ ذلك الحين صارت المطابقة بين غريزة البقاء لدى المواطن ورغبته في المحافظة على المدينة ممتنعة، حيث إنّ دافع الحياة والأخلاق المدنيتين مرتخيا لا محالة؛ ومن ثمّة فإنّ الخير العام لم يعد إلاّ نتيجة لمفعول قوّة العنف المفرط والخوف.

لنركّز على إخضاع المدينة بالعنف، أو على توضيح الكلمات السّيّاسيّة التي خلقها دخول المسيحيّة إلى الحياة المدنيّة، وسنجد أنّنا نقول الشّيء نفسه؛ أي إنّ النّظام السّيّاسي دائرة مغلقة على نفسها، أو بالأحرى تجد أساسها في ذاتها. إنّ التّأكيد على ضرورة الشّرّ وخصوبته، يعكس في الآن نفسه التّأكيد أنّ النّظام السّيّاسي الدّنيوي أو الأرضي يكفي نفسه بنفسه.

لقد اقتصرت هنا على التّذكير بلون فكر ماكيافيل أكثر من التّركيز على هذا الفكر نفسه. دعونا نجازف قليلا بالخوض في كُنْه ما كان يقصده في الفقرة العاشرة من كتابه الأمير. تعرف المدينة تقسيما أساسيّا بين عامّة الشّعب وعلية القوم، لكلّ واحدة من الفئتين سمتها التي تميّزها، والتي يسمّيها مفكّرنا "الأمزجة المتنوّعة"؛ فالشّعب لا يريد أن يكون مُضطَهَدا، بينما يريد وجهاء المدينة اضطهاده. إنّنا نرى أنّ لا واحدة من الطّائفتين امتلكت غاية إيجابيّة وطيّبة؛ أي إنّ كلتيهما لم تسعيا وراء أيّ خير؛ فالاضطهاد الذي يمارسه الوجهاء، وإن بدا أنّه غاية إيجابيّة بالنّسبة إليهم، إلاّ أنّ ذلك لا ينفي ما هم عليه من خبث. أمّا الشّعب فليست له غاية إيجابيّة قطعا، بل إنّ له غاية سلبيّة فقط؛ أي ألاّ يكون مُضطَهَدا. إنّ "أمزجة" المدينة لا تشير إطلاقا إلى أيّ خير إيجابيّ يخصّ المدينة. وببساطة، يرى ماكيافيل أنّ الأمير الذي سوف يستند إلى دعم الشّعب لمواجهة عِلية القوم من دون أن يخلط بين مصلحته ولا وجهة نظره مع مصلحة الشّعب، ستكون لديه الفرصة لتأسيس نظام مستقر[7].

دعونا نقترب أكثر من الفقرة التّاسعة من الأمير، والكتاب الثّالث من سياسات أرسطو، وسنجد أنّ الموضوع هو نفسه، حيث إنّ القسم الثّالث من السّيّاسات يتّخذ هيئة حوار بين الشّعب ووجهاء المدينة؛ أي بين الديمقراطيّة والأوليغارشيّة. إنّ ما يعنينا هنا ليس منظور أرسطو، وإنّما مقاربته. إنّه يُظهِرُ أنّ مطالبة الدّيمقراطي والأوليغارشيّ بالحكم تتضمّن حججا جيّدة تعزّزها، وأنّ ذلك إن حصل في مدينة حسنة التّنظيم، سيستدعي الموافقة على طموحهما معا، كما يوضّح أيضا أنّ المقاربتين معا لا تحقّقان العدالة ما لم تتعرّضا للتّعديل والإضافة. فإلى جانب أنّه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار الحريّة والمساواة والثّروة أيضا، لابدّ من إضافة الفضيلة والسّعادة. وبعبارة أخرى، إنه يُظهر كيف أنّ كلّ مطالبة بالحكم من الجسم السّيّاسي، وبغضّ النّظر عن انحيازها إلى نفسها، تشير إلى العدالة أو الخير، باعتبارهما غايتي الجسم السّيّاسي، أو جزءا منها.

ينطوي توصيف ماكيافيل لعناصر المدينة على أنّ كلّ عنصر منها مغلق على "مزاجه"؛ بينما نجد عند أرسطو أنّ كلّ "مزاج" يحتفظ بنقطة ما تُبقيه مشدودا إلى الخير. ومع ذلك، فإنّ لأحد عناصر المدينة الماكيافيليّة مزاج ربّما نقول بمعنى محدد إنه "طيّب"، وهو الشّعب. تتميّز رغبة هذا الأخير في النّهاية بالبراءة؛ إذ لا يريد أكثر من ألاّ يكون مُضطَهَدا. لقد وصل ماكيافيل إلى حدّ تمجيد "استقامة" الشّعب، أو على الأقلّ رغبته (أو غايته) التي تبقى أكثر نبلا من رغبة وجهاء المدينة، بالرّغم من أنّ الأمر يتعلّق هنا بصلاحٍ سلبيّ أو غير فعّال. إنّ الخير في مدينة ماكيافيل لا يوجد إلا في الشّكل المشوّه لبراءة الشّعب. إنّ إصرار ماكيافيل على تجريد ادّعاء وجهاء المدينة من أيّ فضيلة، ودفاعه عن أنّ "الاستقامة" لا توجد في أيٍّ من عناصر المدينة باستثناء الشّعب، يجعل من ماكيافيل أوّل مفكّر ديمقراطي.

لنمسك بالرّابط بين التّركيز على الشّرّ في السّيّاسة من جهة، والتّأكيد على طيبة الشّعب أو استقامته. فإن لم يكن الفعل السّيّاسي موجّها إلى تحقيق خير ما، أو لنقل بعبارة أكثر عموميّة ودقّة، إن لم يكن لأيّ فعل بشري غرض طيب محايث له، فإنّ طيبة العالم كلّها ستُختَزَل إلى السّلبيّة البريئة لأولئك الذين لا فعاليّة لهم؛ أي الشّعب بتعبير سيّاسيّ. لقد أشار ليو ستراوس بشدّة إلى أنّ المنظور الماكيافيلي يعلن هنا عن التّمييز الرّوسوي (نسبة إلى روسو) بين الفضيلة –التي دائما ما تكون مُؤذية، وفي الغالب مرائيّة أو مرتابة، الشّيء الذي يتذرّع به وجهاء المدينة والمستفيدون من "اللّامساواة"- والطّيبة –البراءة السّلبيّة لحبّ الذّات التي لها مُستَقَرّ اجتماعي هو الشّعب إن جاز لي القول. ندرك الآن في هذا المستوى من التّحليل الماكيافيلّي انطلاقة آليّة روحيّة كان لها الأثر القويّ على تطوّر السّيّاسة، وبشكل عامّ تطوّر الحساسيّة الحديثة التي شهدت تهاوي فكرة الخير تزامنا مع تنامي فرضيّة فكرة الشّعب.

هنالك شيء آخر يتبقّى أن نتحدّث عنه فيما يتعلّق بموقف ماكيافيل من السّيّاسة. لقد سجّلنا سابقا بأنّ أرسطو يبدأ بتبنّي وجهة نظر المواطن؛ إذ إنّه يأخذ على محمل الجدّ كلّ الادّعاءات الأساسيّة التي تنبثق من الجسم السّيّاسي. هكذا كان يقبل إلى حدّ ما أن يرى كلّ واحد من مكوّنات الجسم السّيّاسي نفسه، باعتباره العدل كلّه، وفي الوت ذاته يصحّح هذا الإفراط من خلال الإشارة إلى أنّ كلّ واحد يمثّل جزءا من العدل. وفي الوقت ذاته، فإنّ أرسطو الذي هو خارج المدينة وأسمى منها لم يفتأ يؤكّد على حقوق الفضيلة التي لا يُرَجّح أن تحظى بالثّناء أو يُستَمَع إليها في اللّعبة المألوفة للحياة السّيّاسيّة المنقسمة بين الشّعب ووجهاء المدينة، أو الدّيمقراطيّين والأوليغارشيّين. وبدوره يستند موقف الخارجيّة والسّموّ هذا على شكل معيّن من الاجتماع بين الفيلسوف والمدينة، فالخير الذي تنشده المدينة وتستطيع الوصول إليه في ظلّ الظّروف المواتية، يشير إلى خير أسمى منه وأقصى، ووحده الفيلسوف من يستطيع تضمينه في تأمّلاته. وبكلمة واحدة، إنّ فكرة الخير، وهرميّة الخيرات وتفاضلها هي ما سمح للفيلسوف بأن يكون أسمى من المدينة، وأن يفهمها على نحوٍ أفضل ممّا تفهمه عن نفسها؛ إذ يظلّ قادرا على أن يفهمها من الدّاخل كما لو أنّها تفهم نفسها.

إنّ واسطة الاتّصال التي كانت تربط بين الفيلسوف والمدينة والخير قد اختفت مع ماكيافيل. لقد صار الفيلسوف خارج المدينة بشكل كامل. إنّه يفهمها أفضل ممّا تفهم نفسها، ويكشف عن "الحقيقة الفعليّة"، لكنّه لا يفهمها أكثر ممّا تفهم نفسها؛ فالوجهاء لا يتعرّفون على دوافعهم وطموحاتهم إلا في الرّغبة في الاضطهاد، والشّيء ذاته بالنّسبة إلى الشّعب الذي يرى في مطالبه هدفا أكثر فاعليّة من مجرّد غياب الاضطهاد.

[1]. يمثّل هذا المقال جزءا من كتاب "التّاريخ الفكري لليبرالية" للمفكر الفرنسي "بطرس منان"، وهذه إحالة الكتاب:

Manent, Pierre, Histoire intellectuelle du libéralisme, Libraire Arthème Fayard/Pluriel, 2012

[2]. بالنّسبة إلى دانتي أليغري، فإنّ تاريخ ميلاده غير مؤكّد، وربّما حصل ذلك حوالي 1312. أمّا بالنّسبة إلى مارسيل البادوفي، فنشير إلى عمله "المدافع عن السّلام" الذي صدر سنة 1324

[3]. لم يمرّ هذا التّصوّر الذي قدّمه طوما الأكويني من دون أن يثير القلق العميق في بعض أقسام الكنيسة التي تساءلت: ألا يتوافق كثيرا مع الطّبيعة؟ ألا يربط بشكل وثيق بين العقيدة والفلسفة التي تبقى مجرّد فكر إنساني؟ ألا يثق بشكل أكثر ممّا يلزم في العقل؟

[4]. كتب سنة 1513

[5]. كان هذا القول الأخير أثيرا عند ليو ستراوس. فالصّفحات التي تلته مدينة بالكثير ل Thoughts on Machiavelli(1958). [Trad. Franc. Pensée sur Machiavel, Payot, 1982.].

[6]. بنجامان كونسطان، مسودّة مقدّمة للنّشرة الثانية من: d’adolphe. Cité par tzvetan todoron, benjamin constant , politique et amour (poétique, 56, novembre 1983, Seuil).

[7]. يتبنّى كلود ليفورغ منظورا مختلفا للغاية عن هذا الذي نتبنّاه هنا، يكرّسه لبعض الأطروحات الغنيّة التي طوّرها في كتابه عمل العمل. ماكيافيل، (غاليمارد، 1972). انظر الجزء الخامس على وجه الخصوص.