"محمّد الطالبي وقضايا تجديد الفكر الإسلامي" لمحمّد النوّي


فئة :  قراءات في كتب

"محمّد الطالبي وقضايا تجديد الفكر الإسلامي" لمحمّد النوّي

شغلت مسألة تجديد الفكر الإسلامي المفكّرين مسمسمسالمفكّرين العرب والمسلمين منذ بداية ما يعرف بعصر النّهضة، واختلفوا فيها اختلافًا شديدًا، وتراوحت مواقفهم بين إقرار الحاجة إلى التجديد وبين الدّعوة إلى الاكتفاء بما أبدعه السّلف الصّالح. لقد عاش العرب والمسلمون سنوات طويلة وهم يعتقدون أنّهم خير أمّة، ثم استفاقوا على حقيقة مفادها أنّ الدول الغربيّة حقّقت تقدّمًا كبيرًا في الميدان العلمي والصّناعي وصارت على درجة هامّة من القوّة والتّطور، واجتاحت الجيوش الغربية العالم الإسلامي، وخسرت الخلافة العثمانية معظم الولايات التابعة لها، ودخلت في حالة من الضعف والانحسار انتهت بإعلان نهايتها سنة 1924 وقيام الجمهورية التركية الحديثة.

ومكّن انتشار التّعليم العصري وشيوع وسائل الثقافة والاتّصال الحديثة وظهور الجمعيات والنّقابات والأحزاب المدنيّة من ظهور وعي جديد في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة من أبرز سماته تراجع العامل الدّيني، إذ لم يعد الدّين هو المفسّر الوحيد للظواهر الطبيعيّة والاجتماعيّة، فازدادت بذلك الحاجة إلى تجديد الفكر الإسلامي ليتلاءم مع التغيّرات التي مافتئت تتعاظم وتشمل ميادين جديدة مثل الزّواج والميراث والمعاملات المالية...، واستفادت حركات التّحرّر الوطني في العالم العربي والإسلامي من الفكر التنويري الذي نشأ في الغرب وأنتج مبادئ حقوق الإنسان وقيم الحريّة والمساواة والمواطنة للمطالبة بالحقوق الوطنيّة وحق الشّعوب في تقرير مصيرها.

لقد أدّى الاستعمار إلى تراجع طرق الإنتاج التقليديّة في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة، فتدهورت العلاقات الاجتماعيّة الموروثة، وظهر وعي جديد من أبرز سماته عمق الانتماء إلى الدّولة القطريّة القائمة ضمن حدود جغرافيّة واضحة، وسيشتدّ الولاء لهذه الدّولة مع تصاعد حركات التّحرّر الوطني والنّضال ضد الاستعمار، وستظهر الأحزاب الوطنيّة ذات المرجعيات الليبراليّة واليساريّة.

وتراجع حضور الدّين في المجتمعات العربيّة والإسلاميّة بعيد الاستقلال، وانتشرت مظاهر العلمنة المتمثّلة في القوانين الوضعيّة والتعليم العصري والفنون الحديثة وتزايدت قدرة الأحزاب القومية والماركسيّة على استقطاب النّاس وتحريكهم، وسعى عدد من المفكّرين العرب والمسلمين إلى تجديد الفكر الإسلامي ليتلاءم مع المعطيات الجديدة التي أفرزتها ظهور الدّولة القطريّة الحديثة ولإبراز جانبه الثوري والتقدّمي لنفي تهمة الرّجعيّة والتخلّف عنه.

وما يلاحظ هو فشل دولة ما بعد الاستقلال في تحقيق ما وعدت به، وغرقت في الفساد والاستبداد، وخسرت حروبها ضد الكيان الصهيوني، وكانت هزيمة سنة 1967 بداية مرحلة جديدة في العالم العربي والإسلامي من أبرز سماتها العودة القويّة إلى الدّين، إذ تكاثرت الأحزاب والحركات الدّينيّة، وتصاعدت قوّتها وقدرتها على استقطاب النّاس، وتتّفق معظم هذه الأحزاب والحركات على رفض أنظمة الحكم القائمة والدّعوة إلى قيام نظام حكم إسلامي وتطبيق الشّريعة في مختلف مجالات الحياة، وكان قيام جمهورية إيران الإسلاميّة بزعامة الولي الفقيه سنة 1979 من أبرز أحداث هذه الفترة من تاريخ العرب والمسلمين.

فقد دخلت الحركات والأحزاب الدّينيّة في صراع متعدّد المستويات ضد معظم الأنظمة الحاكمة في الدّول العربيّة والإسلاميّة، ولأسباب عديدة من أهمّها الغزو الخارجي وتوظيف بعض الدّول الكبرى للحركات الدّينيّة لخدمة مصالحها تضخّمت قوّة الحركات الجهاديّة العابرة للبلدان وزاد عدد منتسبيها، وأصبحت بعد ثورات الرّبيع العربي تتحكّم في مساحات واسعة من الأرض وتتصرّف في موارد ماليّة هامّة وتشكّل خطرًا كبيرًا على المجتمعات العربيّة والإسلاميّة لما تحمله من غلوّ وقدرة كبيرة على القتل والتدمير.

ومثّلت تجربة الإسلام السياسي والجهادي في زمننا الحاضر، بما فيها من نجاحات وإخفاقات، عاملاً مهمًّا في دعوة عدد من المفكرين إلى تجديد الفكر الإسلامي ليتصالح المسلمون مع مجتمعاتهم وقيم عصرهم وتتجدّد ثقتهم في الحياة، ولا شكّ أنّ دراسة أعمال أولئك المجدّدين وتقييمها للوقوف على ما تحمله من تصوّرات جديدة على مستوى المنهج والمضمون هو عمل على غاية من الأهمّية، وهذا ما قام به محمّد النوّي الكاتب التّونسي والأستاذ الجامعي بكليّة الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيروان والباحث في قضايا الفكر الدّيني في كتابه "محمّد الطالبي وقضايا تجديد الفكر الإسلامي" الصادر عن مكتبة علاء الدين (تونس) في بداية سنة 2016، وهو يتضمّن 227 صفحة من الحجم المتوسّط، ومحمّد الطالبي هو مفكّر تونسي معاصر ولد سنة 1921، وزاول تعليمه في المدارس التونسيّة (التقليديّة والحديثة) والجامعة الفرنسيّة. كتب مقالات وكتبًا عديدة بالعربيّة والفرنسية والإنجليزيّة اهتمّ في أغلبها بقضايا تجديد الفكر الإسلامي، [1] وشارك بعد الثورة التونسيّة في الجدل الدّائر حول نظام الحكم وعلاقة الدّيمقراطية بالهويّة...، وحضر في برامج تلفزيّة، وعرض أفكارًا لم يألفها عموم النّاس مثل عدم تحريم الإسلام الخمرة والبغاء...

لاشكّ في أنّ كتاب محمّد النوّي قد جاء في زمن مناسب ليقدّم تقييمًا علميًّا لمحاولة محمّد الطالبي تجديد الفكر الإسلامي وليقطع مع المواقف الانفعاليّة العفويّة المتراوحة بين الإدانة والتمجيد، وقد قسّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب، اهتم في الباب الأوّل بالتّيارات التّجديديّة (ص ص 29-78)، واهتم في الباب الثاني بإشكاليات التّجديد في فكر محمّد الطالبي (ص ص 79-167)، واهتمّ في الباب الثالث بتاريخيّة التّجديد (ص ص 169-200). وضمّ الكتاب بالإضافة إلى هذه الأبواب الثلاثة أربعة أقسام صغرى، إذ استهلّ المؤلّف كتابه بمقدّمة (ص ص 09-16) وتقديم للمدوّنة (ص ص 17-27)، وختمه بقسم صغير سمّاه نتائج البحث (ص ص 208-210) وحوار أجراه مع محمّد الطالبي (ص ص 211-218).

خصّص المؤلّف المقدّمة لتحديد موضوع كتابه ولعرض المؤلّفات التي سبق لها أن تناولت موضوع التجديد في الفكر الإسلامي، وخصّص قسم تقديم المدوّنة لعرض المصادر التي سيشتغل عليها.

يرى الكاتب أنّ الفكر الإسلامي الحديث عرف ثلاثة تيارات تجديديّة: التيار السّلفي والتيّار العقلاني التاريخي والتيّار المعتدل، يقوم التيّار السّلفي على تمجيد الإسلام مبدأً شاملاً في الحياة وتبنّي المسلّمات التقليديّة الموروثة، [2] ويكمن تجديد هذا التيار في تبنّيه بعض المقالات التي لم يعرفها القدامى مثل الإعجاز العلمي للقرآن[3] واحتواء الإسلام على بعض القيم الحديثة مثل الديمقراطية والحرية[4]. ويقوم التيار العقلاني التاريخي على الإيمان بالعقل باعتباره مرجعًا وحيدًا للحقيقة وبقدرة الإنسان على الإبداع في مختلف مجالات الحياة، [5] ويكمن تجديد هذا التيار في نقاط كثيرة من أبرزها اعتماد المناهج الحديثة في دراسة الإسلام في مختلف مكوّناته والدعوة إلى العلمانيّة بتخليص قطاعات الثقافة والمجتمع من سيطرة الدّين، [6] ويقوم التيار المعتدل على محاولة التوفيق بين متطلبات الحداثة والفكر الإسلامي عبر تجديد الاعتقاد وتطوير الشّريعة بالاستفادة من مكتسبات العلوم الحديثة والفلسفة.[7]

أراد الكاتب من خلال تصنيفه للتيّارات التجديديّة في الفكر الإسلامي ضبط السّياق التّاريخي الذي تتنزّل فيه أعمال محمّد الطالبي لمعرفة مدى الإضافة التي تحملها، والرّأي عندنا أنّ التّصنيف الذي قدّمه يطرح إشكاليّات عديدة، إذ لم يميّز بين الفكر الذي يشتغل على الإسلام وبين الفكر الذي يمثّل الإسلام وينطق باسمه، وهذا ما جعل ميدان التجديد عنده يتّسع ليشمل تقريبًا كل الأعمال التي درست الإسلام بقطع النظر عن المقدّمات التي انطلقت منها والنتائج التي وصلت إليها. وعدم التّمييز بين الفكر المشتغل على الإسلام والفكر الممثل للإسلام هو الذي أفضى بالكاتب إلى عدم اعتماد معيار واحد في ضبط التيّارات التجديديّة، فالتيّار العقلاني التّاريخي عُرّف بالمنهج الذي يعتمده، والتيار المعتدل عُرّف بالنتائج التي وصل إليها.

لا شكّ أنّ تصنيف التيّار السّلفي ضمن التيارات التّجديدية يثير إشكاليات عديدة من أبرزها التساؤل عن مدى كفاية مفهوم التّجديد لضبط التطوّر الذي عرفه الفكر الإسلامي المعاصر وتقييمه، فالتجديد مفهوم محايد يخصّ علاقة الأشياء بما سبقها، وهو مفتوح على احتمالات عديدة، إذ يمكن أن يكون ممارسة شكليّة قائمة على التوهّم وقد يفضي إلى الغلوّ والتشدّد مثلما هو الحال في تجربة قسم من الإسلام السّياسي، وقد تنبّه الكاتب إلى عدم نجاعة مفهوم التجديد، ودعا في خاتمة كتابه إلى اعتماد ثنائية تحديث / تقليد عوضًا عن ثنائية تجديد / تقليد.

اهتمّ الكاتب في الباب الثاني بإشكاليات التّجديد في فكر محمّد الطالبي من جهة المنهج والتطبيق، وانتهى إلى أنّ صاحب عيال الله على وعي تامّ بضرورة تجديد الفكر الإسلامي ليتجاوز أزمته المتمثلة في تردّي واقع المسلمين وانتشار قيم الحداثة الغربيّة مثل الحريّة والعلمانيّة، ومن أجل أن لا يفقد التّجديد انتماءه إلى الإسلام دعا محمّد الطالبي إلى الالتزام بقيود عديدة من أهمّها الإيمان بصدق الإسلام وقداسة النّص القرآني ومراعاة الواقع التّاريخي.

إنّ القيود التي ألزم بها صاحب "عيال الله" نفسه هي التي ستحدّد المنهج الذي يقترحه لتجديد الفكر الإسلامي والمتمثّل في القراءة المقاصديّة التي ترى أنّ دلالات النّص تكمن في ما يريد تحقيقه وما يهفو إليه لا في ما يعلنه بصريح اللفظ، وتستدعي هذه القراءة دراسة ظرف التنزيل بكل أبعاده ودراسة غاية الشّرع من تنزيل النّص.[8]

وظف محمّد الطالبي القراءة المقاصديّة لتجديد التفكير الإسلامي عند دراسته لعدد من القضايا الحارقة التي تشغل المسلمين اليوم مثل حقوق المرأة وحكم المرتدّ والعلاقة بالآخر...، وانتهى إلى مخالفة الكثير من المسلّمات الموروثة عن الماضي، فالإسلام في تصوّره دين لائكي لا يفرض نظام حكم معيّن، ويحترم حريّة الإنسان ولا يقول بقتل المرتدّ ولا يبيح ضرب المرأة ولا يعارض منع تعدّد الزوجات ويحثّ على محاورة كل الناس مهما كانت معتقداتهم والإحسان إليهم.[9]

بالإضافة إلى التشريع والقيم اهتمّ محمّد طالبي بعلاقة الإسلام بالعلم، وانتهى إلى أنّ النّص القرآني لا يقول بثبات الأنواع ولا يرفض نظريّة النّشوء والارتقاء، وقد احتوى على حقائق علميّة حول التّلوث والنّمل والعنكبوت والنّحل وهجرة الأسماك... ويرى محمد النوّي أنّ ما أنجزه صاحب "عيال الله" في التفسير العلمي للقرآن هو عمل إيديولوجي عقيم يقوم على الخلط بين مجالين متمايزين منهجًا وموضوعًا ومصدرًا ولغةً وغايةً.[10] والرأي عندنا أنّ علاقة الدّين بالعلم ليست قضية زائفة لا معنى لها، فالدّين ككلّ الظواهر التاريخيّة يتأثّر بشكل صريح أو مضمر بالمعارف العلمية السّائدة زمن ظهوره، فما هو معروف اليوم أنّ نصوص العهد القديم بنيت على أساس تصوّر كوسمولوجي يقوم على مركزية الأرض في الكون (حادثة إيقاف يوشع للشمس عن الحركة في العهد القديم مثلاً)، ولهذا رأت الكنيسة في مقالات كوبرنيكوس القائمة على مركزية الشّمس ضرباً من الكفر.

اهتمّ محمّد النوّي في الباب الثّالث من كتابه بتقييم جهد محمّد الطالبي في تجديد الفكر الإسلامي في موضوعين متّصلين بقيمة الحريّة هما حقوق المرأة وحكم المرتدّ، وانتهى الكاتب إلى أنّ صاحب عيال الله لم يستطع تقديم إضافة في موضوع المرأة واكتفى بتكرار ما دعا إليه بعض السّابقين له من ضرورة تغيير بعض الأحكام المتعلّقة بها ولم يسع إلى تحقيق المساواة بين الجنسين في مسائل كثيرة من أهمّها الميراث والزّواج من غير أهل الملّة، أمّا في موضوع حكم المرتدّ فقد بيّن صاحب عيال الله أنّ الإسلام يقرّ حريّة المعتقد ولا ينصّ على أيّ عقوبة دنيويّة على من ينسلخ عن الإسلام، والانسلاخ عن الإسلام ظاهرة منتشرة في المجتمعات الإسلاميّة وتشمل عامة النّاس والمفكّرين، ففريق من الدّارسين للإسلام من ذوي النشأة الإسلاميّة قد انسلخوا عنه لأنّهم قالوا بما يخالف ثوابته، إذ ادّعوا ضياع جزء من القرآن، وأسندوا إلى البشر دورًا في تكوينه.[11]

يرى محمّد النوّي أنّ صاحب عيال الله بنى حكمه بانسلاخ عبد المجيد الشّرفي عن الإسلام على جملة من المغالطات، إذ نسب إليه جملة من المقالات التي لم يقلها مثل صرع النّبي محمّد وظهور أجزاء من القرآن في القرن الثاني والثالث للهجرة، وأساء فهم بعض أفكاره، ففهم حديثه عن ضياع خصائص الخطاب الشفوي للقرآن عند تدوينه على أنّه قول بضياع القرآن، ووصل الأمر بمحمد الطالبي إلى تفتيش ضمير عبد المجيد الشرفي ومحاكمة نواياه باتّهامه بالخديعة والتأسيس للشذوذ والإباحيّة.[12]

ويرى محمّد النوّي أنّ صاحب عيال الله في حديثه عن الانسلاخسلامية قد نقض مقالته في الحريّة الدّينيّة ومقالته في الردّة، وأبان عن عقل ديني تقليدي يكفّر النّاس ويقسّم المعرفة إلى معرفة مؤمنة ومعرفة غير مؤمنة، والرّأي عندنا أنّ مسألة التكفير في الإسلام وفي غيره من الأديان وبقطع النظر عن وجاهة الأدلة التي اعتمدها محمّد الطالبي في تكفيره لعدد من المفكّرين تطرح إشكاليات عديدة من أهمّها إشكاليّة الحريّة في معناها العام، فالدّين مؤسّسة اجتماعية يحرص أتباعها على حمايتها عبر إعادة إنتاج مسلّماتها بآليات عديدة منها التكفير، إذ لا وجود لإيمان حقيقي دون وجود كفر، وقد دافع محمّد الطالبي في مختلف كتاباته عن حق الناس في الكفر ومارس هو حقّه في حماية دينه بتكفير من يخرج عن ثوابته، ولا يوجد تناقض بين الموقفين.

انتهى محمّد النوّي في دراسته لقضايا تجديد الفكر الإسلامي عند محمّد الطالبي إلى جملة من النّتائج التي تهمّ الفكر الإسلامي الحديث، إذ يتّفق ممثّلوه في الدّعوة إلى التّجديد، وقد انصبّ اهتمامهم على قضيّة المعاملات في التشريع لما لها من علاقة مباشرة بالحياة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وركّزوا نظرهم على النّص القرآني دون سائر النّصوص الناشئة على تخومه، وغلّب أتباع التيّار السّلفي والتيّار المعتدل الإيديولوجية في دراستهم للإسلام، ولم يفصلوا بين البعد الإيماني والبعد المعرفي في مقاربته، وكان أتباع التيّار العقلاني التاريخي أوفياء لمقتضيات المعرفة العلميّة في دراستهم للإسلام، ورفضوا القول بوجود مسلّمات لا تقبل المراجعة، وهذا ما جعل مقالاتهم هي الأقرب إلى التّحديث، والسؤال الذي يطرح هل التحديث الذي أنجزه أتباع التيّار العقلاني كان لصالح الإسلام أم على حسابه؟ وهل يجوز لما هو عقلاني أن يبحث عن تبرير له في الدّين؟

يمثّل كتاب محمّد النوّي في رأينا إضافة جيّدة في دراسة الفكر الإسلامي الحديث، لما فيه من معرفة واسعة بمقالاته، واطّلاع جيّد على المصادر الكثيرة، وتمثّل للفكر الغربي في أبرز منتجاته، وقد اختار الكاتب دراسة الفكر الإسلامي من زاوية قضايا التّجديد ليتمكّن من رصد قدرة هذا الفكر على مراجعة نفسه لمجاراة تغيّر أحوال العمران وللاقتراب من المشترك الكوني، واختار الكاتب فكر محمّد الطالبي لاختلاف النّاس فيه وكثرة مؤلّفاته وعمق تكوينه، فعرض مقالاته، وبيّن المسلّمات والآليات التي قامت عليها والظروف التاريخيّة التي نشأت فيها وحجم الإضافة التي تحملها، وحاوره في عدّة مسائل طارحًا عليه أسئلة عديدة، فكان عمله دعوة إلى إعادة التفكير في كثير من القضايا من أجل تحقيق مصالحة بين الإسلام والحداثة.


[1] محمّد النوّي: محمّد الطالبي وقضايا تجديد الفكر الإسلامي، مكتبة علاء الدّين، صفاقس تونس 2016

[2] ص ص 81-86. تضمّ مدوّنة محمّد الطالبي قائمة طويلة من الكتب والمقالات والحوارات، نذكر منها في قسم الكتب: عيال الله (1992) أمّة الوسط: الإسلام وتحدّيات العصر (1996) ليطمئنّ قلبي: قضيّة الإيمان وتحدّيات الانسلاخسلاميّة ومسيحية قداسة البابا بنوان 16 (2007) Islam et Dialogue (1972) Réflexions sur le Coran بالاشتراك مع موريس بوكاي (1989) Respect têtu (1989) Goulag et Démocratie (2011)

[3] نفسه، ص ص 33-34

[4] نفسه، ص 36-37

[5] نفسه، ص 44

[6] نفسه، ص 52-53

[7] نفسه، ص ص 63-75

[8] نفسه، ص ص 93-104

[9] نفسه، ص ص 105-155

[10] نفسه، ص 162

[11] نفسه، ص 188

[12] نفسه، ص 192