وسائل الإعلام الاجتماعي، وسائل للتحرر أم التحكم؟


فئة :  قراءات في كتب

وسائل الإعلام الاجتماعي، وسائل للتحرر أم التحكم؟

وسائل الإعلام الاجتماعي، وسائل للتحرر أم التحكم؟

(تقديم لكتاب "تكنولوجيا التحرر: وسائل الإعلام والكفاح في سبيل الديمقراطية" لـ"لاري دايموند" و"مارك بلاتنر")


 كتاب "تكنولوجيا التحرر: وسائل الإعلام الاجتماعي والكفاح في سبيل الديمقراطية"، تحرير "لاري دايموند" و"مارك بلاتنر"، ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2013، عدد الصفحات 320.

كتاب "تكنولوجيا التحرر: وسائل الإعلام الاجتماعي والكفاح في سبيل الديمقراطية"، الصادر باللغة الإنجليزية سنة 2012 بتنسيق "لاري دايموند" و"مارك بلاتنر" يستمد فكرته الرئيسية الأصلية من مؤتمر علمي عقد بجامعة ستانفورد في أكتوبر 2010، تحت عنوان "تكنولوجيا التحرر في الأنظمة التسلطية".

(Liberation Technology in Authoritarian Regimes).

بحيث، إنّ ثمانية فصول من أصل أحد عشر فصلاً تضمنها الكتاب قدمت خلال هذا المؤتمر العلمي، قبل أن يطور ويخرج في صورته النهائية، بعد تطعيم تدخلات المؤتمر بدراسات نشرت في مجلة "جورنال أوف ديمقراسي" (Journal Of Democracy).

أولاً - أهمية الكتاب:

إذا كان عدد مستخدمي موقع فيسبوك يزيد عن المليار فرد، وعدد التغريدات في موقع تويتر تزيد عن 200 مليون تغريدة في سنة 2011، ورقم مشاهدات مقاطع الفيديو على موقع يوتيوب يوميًّا يزيد عن ثلاثة مليارات مشاهدة، وعدد المدونات يزيد عن 181 مليون في السنة نفسها، أمكن التسليم بحجم تأثيرات الطفرة المعلوماتية في المجتمعات الحديثة.

وأبلغ هذه التأثيرات، تواري الحدود الفاصلة بين القارئ والمرسل، والخبر والرأي، والمعلومة والإجراء، وتحولات جمة في الانتخابات والجدل السياسي، والدفاع عن الحقوق المدنية وتعزيز المجتمع المدني، وتوسيع دائرة التعددية، وإسقاط بعض الأنظمة، وفضح ممارساتها، ومراقبتها، بشكل أدى إلى اعتبار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بـ "تكنولوجيا التحرر" (LiberationTechnology).

وتبعًا لذلك، تأتي أهمية هذا الكتاب المترجم عن الإنجليزية، الذي يناقش العديد من الأمثلة والنماذج الواقعية في هذا الإطار، إذ لا يكتفي بعرض الطروحات النظرية، بل يضيف دراسة الممارسة في مختلف بقاع العالم، لطرح الفرضيات وتقديم الخلاصات، بما فيها الدول العربية والشرق الأوسط، كما لا يقتصر على الأطراف الرسمية، بل يدرس الديناميات غير الرسمية، من شركات ومنظمات غير حكومية، وأفراد. وهو ما يجعل المؤلف غنيًّا بالأمثلة الواقعية؛ الدولية والعالمية، لاسيما أنّ المؤلف شارك فيه مجموعة من الباحثين المرموقين المنتمين إلى دول عدة، كالولايات المتحدة الأمريكية وكندا والصين ومصر واليمن وإيران، والمتخصصين في مجال المعلوميات ووسائل الاتصال الحديثة، حيث أصدر أغلبهم مؤلفات ودراسات في هذا المجال، ومنهم من يشرف على إدارة مواقع إلكترونية واسعة الانتشار.

ثانيًا - وسائل التكنولوجيا الحديثة والأنظمة التسلطية: التوظيف والتحدي

إحدى الإشكاليات الرئيسية التي يتناولها الكتاب، والتي تخترق عدة فصول، إشكالية تدخل الحكومات للتحكم في الفضاء الإلكتروني، خاصة الحكومات التسلطية. فأمام تزايد عدد المستخدمين لوسائل التكنولوجية الحديثة للتواصل؛ الإنترنت، الهاتف المحمول، الفيسبوك، تويتر، اليوتيوب، وتعاظم دورها في مختلف المجتمعات، بشكل يتجاوز وسائل الرقابة التقليدية التي اعتمدتها الأنظمة التسلطية لفترات طويلة للتحكم في تدفق المعلومات، ويهدد عروشها ومواقعها، لجأت هذه الأنظمة إلى التدخل في الفضاء الإلكتروني من أجل التحكم فيه تحت مبررات متعددة، لا تكون دائمًا قانونية.

في هذا الإطار يستعرض عدد من المشاركين في تأليف الكتاب، "كرونالد ديبرن" و"رفال وهوزيسكي"، و"يفجيني موروزوف"، و"ريبكا ماكينون"، جملة من آليات التحكم، يمكن تقسيمها إلى آليات على المستوى الوطني، وأخرى على المستوى الدولي.

فعلى المستوى الأول، تتمثل هذه الآليات، في ما يلي:

- إجراءات قانونية: بداية، تدخلت الحكومات لتنظيم الفضاء الإلكتروني لحماية حقوق النشر، ومنع عمليات التشهير والقذف، غير أنّ الممارسات اللاحقة في العديد من الدول، لاسيما التسلطية، وظفت التدخل القانوني لتبرير أعمال الرقابة على الإنترنت، ومنع المواقع، وحذف المعلومات، والروابط المتعارضة مع معتقداتها وأهدافها.

- طلبات غير رسمية: توجهها الحكومات إلى الشركات الخاصة المزودة لخدمة الإنترنت، قصد حذف الإعلانات المزعجة أو المعلومات بدعوى تهديدها للأمن القومي، أو إثارتها لحساسية ثقافية، وامتد ذلك إلى الشركات المديرة للبنية التحتية، وشركات الهواتف المحمولة.

- تعهد الرقابة إلى الشركات الخاصة: فلكون هذه الأخيرة هي التي تدير الفضاء الإلكتروني، فإنّ الممارسة في العديد من الدول كالصين والدول العربية وبلاروسيا.. أثبتت وجود تواطؤ بين هذه الشركات والحكومات؛ تواطؤ يمكن أن يتخذ في بعض الأحيان أشكالاً غير قانونية، حيث يتم تكليف الشركات الخاصة بمهام الرقابة والرصد للفضاء الإلكتروني.

- الحجب في الوقت المطلوب: في زمن الانتخابات والتظاهرات الشعبية، يصبح تعطيل أو مهاجمة الموجودات المعلوماتية ذا أهمية كبيرة للحكام للتأثير في النتائج السياسية، لاسيما في العالم النامي، حيث البنى التحتية المعلوماتية هشة وسهلة التعطيل.

- القرصنة بدافع الحس الوطني: والتي يقوم بها الأفراد الذين يمتلكون المهارات الفنية في المجال الإلكتروني والمنتمون إلى دول معينة ضد الانتقادات الموجهة لحكامهم، بالرغم من أنّ هذه الأخيرة قد تكون فاقدة للمشروعية. وهذه القرصنة يمكن أن تكون تلقائية، كما يمكن أن تكون مخدومة بتشجيع من الحكام، كما نجد في الصين (أصحاب الخمسين سنتًا)، وإيران (الجيش الإلكتروني الإيراني).

وتترك هجمات القرصنة آثارًا مكلفة على أصحاب المواقع والمستخدمين، ومنتجي المحتويات، والشركات المستضيفة للمواقع المستهدفة.

- التجسس الموجه وهجمات البرمجات الاجتماعية الحقيقية: حيث يتم تكريس جهود جبارة للتجسس الموجه، لاسيما من طرف الأجهزة الاستخباراتية للحكومات.

- تقليص متعمد في رأس المال الاجتماعي للمجتمعات الإلكترونية: وذلك من خلال دفع المواقع المستهدفة إلى صرف تكاليف إضافية لتأمين خدماتها ضد الهجمات الفيروسية، وكذلك من خلال تأجير مستخدمين للدفاع عن الحكومات التسلطية بهدف خلق انقسام داخل الديناميات الثقافية للمجتمعات الإلكترونية. فعلى سبيل المثال، توظف الحكومة الصينية أكثر من 50 ألف من شرطة الإنترنت لحذف أي محتوى ضار، وأكثر من ربع مليون من قراصنة الإنترنت لإرسال تعليقات مدافعة عن النظام السياسي.

- تأميم الفضاء الإلكتروني: في عدد من الدول، كالصين وإيران وروسيا وتركيا، أصبحت تتنامى لديها نزعة "السيادة المعلوماتية"، وتسعى إلى تحرير اقتصاداتها الرقمية من التبعية لمزودي الخدمة الأجانب، حيث تدعم مشروعات الإنترنت المحلية، وتخلق محركات بحث وطنية، ونظام بريد إلكتروني وطني.

إنّ تنامي وسائل التحكم في الإنترنت، جعل الرقابة لا تقتصر على مراقبة ما نقوم به ونحن متصلون بالإنترنت، بل تكون حتى عندما لا نكون متصلين به، وهو ما دفع الباحثة "ريبيكا ماكينون" في دراستها لآليات التحكم في الإنترنت التي يعتمدها الحزب الشيوعي في الصين إلى الإقرار بسيادة ما تسميه بـ "التسلطية عبر الشبكات"، التي تظهر في شكل وجود مراقبة الحكومة لشعبها، وحذف النقاشات والتلاعب فيها، واعتقال أولئك الذين ترى أنّهم يشكلون تهديدًا لمصالحها.

أما الآليات الدولية للتحكم في الفضاء، فتنقسم بدورها إلى آليات وديناميات رسمية، وأخرى غير رسمية؛ تتمثل الرسمية منها في ما يلي:

- المؤسسات الدولية:

تمثل المنتديات الرئيسية لحوكمة الإنترنت، أهم المؤسسات الدولية الفاعلة في مجال التحكم في الفضاء الإلكتروني، فـ "المؤسسة الدولية للأسماء والأرقام المخصصة" (ILANN)، و"الاتحاد الدولي للاتصالات"(ITU)، و"منتدى حوكمة الإنترنت" (IGF)، أصبحت تلعب دورًا مهمًّا في هذا المجال من خلال شراكاتها مع الدول، وكذا من خلال دعمها لعدد من الدول في الإجراءات التي اتخذتها لمراقبة وسائل الاتصال التكنولوجية الحديثة؛ كدعم "الاتحاد العالمي للاتصالات" للهند وإندونيسيا والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى ضمن إطار ضغطها على بعض الشركات، كشركة "ريسيرشن إن موتش" (Researchin Motion Rim)، وكذا من خلال مشاركة حكومات الدول في هذه المنظمات التي تسعى جاهدة إلى إضفاء الشرعية على آليات التحكم، ومع تزايد تسييس هذه المنظمات، تزايد تأثيرها في التحكم في الفضاء الإلكتروني.

- تنسيق السياقات من خلال المنظمات الإقليمية: التحالفات بين الدول ذات التوجهات المتشابهة إزاء الإنترنت أصبحت تتزايد من خلال المنظمات الإقليمية: مثل منظمة "شنجهاي للتعاون" (SCO)، التي تضم الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجكستان أعضاء، والهند وإيران ومنغوليا وباكستان أعضاء مراقبين، وبيلاروسيا وسريلانكا بوصفهما شريكتين في الحوار. وهدف المنظمة تبادل المعلومات وتنسيق السياسات حول جملة واسعة من القضايا الثقافية والاقتصادية، والهواجس الأمنية، على رأسها سياسات الفضاء الإلكتروني، ومن أشهر ما أصدرته المنظمة بيان حول "الإرهاب المعلوماتي" سنة 2010.

- التعاون الثنائي:

من خلال العلاقات الثنائية بين الدول، يمكن أن تنتشر آليات التحكم في الإنترنت عبر تبادل المعلومات والخبرات في هذا المجال، والتي تتخذ في الغالب طابعًا سريًّا.

- الآليات غير الرسمية:

إنّ أعراف التحكم في الفضاء الإلكتروني يمكن أن تنتشر في العالم من خلال عدة قنوات غير رسمية كالمنظمات الدولية غير الحكومية والشركات الخاصة العاملة في المجال التكنولوجي والمعلوماتي، وكذا من خلال التقليد والتعلم، والإعلام الاجتماعي، والمنافسة، فهذه القنوات والآليات غير الرسمية، أصبحت تلعب دورًا متزايدًا في نقل الأفكار، والتقاليد والطرق والمهارات والتكنولوجيات الخاصة بالتحكم في الفضاء الإلكتروني.

إضافة إلى ذلك يتطرق الكتاب إلى الفراغات الدولية في مجال تنظيم الإنترنيت ودورها في نشر أعراف التحكم في الفضاء الإلكتروني، فغياب القيود وإجراءات الحماية على المستوى الدولي يساهم في تنامي التحكم في الفضاء الإلكتروني عبر التجسس، ونشر الأعراف السيئة، والجريمة الإلكترونية، والفيروسات التي تكون وراءها الحكومات في الكثير من الأحيان.

ثالثًا - التكنولوجيا الحديثة للتواصل: وسيلة للمقاومة والتحرر

بالرغم من وسائل الرقابة المتعددة على الإنترنت التي تفرضها الأنظمة التسلطية، إلا أنّه في الكثير من الأحداث والمواقع، أثبتت نجاعة وسائل التكنولوجية الحديثة للتواصل في مقاومة الاستبداد، وتسلط الحكومات. ويستعرض الكتاب جملة من النماذج الدالة في هذا الإطار يمكن التشديد من بينها على ما يلي:

- ماليزيا: "ماليزياكيني" صحيفة إلكترونية من أجل التحرر

تزايد عدد مستخدمي الإنترنت وانتشاره، وارتفاع معدلات التعليم وصعود نجم صحفيين مستقلين، وتأسيس الصحيفة الإلكترونية "ماليزياكيني" (Malaysiaakini)، جعل الإنترنت أداة للتحرر من احتكار الحكومة، وهيمنتها على وسائل الإعلام. حيث ساهمت هذه الصحيفة الإلكترونية في فضح تجاوزات النظام؛ من فساد، وانتهاكات لحقوق الإنسان، وتمييز عنصري، ووحشية الشرطة، وسوء الإدارة المالية المستمر في "بنك إسلام ماليزيا"، كما ساهمت في تأدية عدد من الوظائف الديمقراطية، أهمها نقل الأخبار بعيدًا عن الرقابة وصور حية عن الواقع الماليزي، وتوسيع دائرة الرأي العام، وفسح المجال العام أمام المعارضة للتعبير والتثقيف السياسي الماليزي.

- الصين: تغيير قواعد اللعبة بين الدول والمجتمع

يعتبر الصين أنموذجًا عن أهمية الإنترنت في تشجيع حرية التعبير والمشاركة السياسية والتعبير الاجتماعي في ظل نظام يسيطر عليه الحزب الواحد التسلطي.

فوسائل التكنولوجيا الحديثة ساهمت بشكل كبير في تهيئ الساحة للخطاب العام وتشكل الرأي العام، وفي تغيير قواعد اللعبة بين الدولة والمجتمع، نظرًا لتزايد عدد المستخدمين لهذه الوسائل، ونمو سبل الوصول إلى الإنترنت، وسرعة تبادل المعلومات بين الملايين من الناس، بشكل جعل من هذه الشبكة وسيلة هامة للتغذية العكسية، ومساءلة سياسة الحزب الواحد الحاكم وطنيًّا ومحليًّا، ولتعبئة المواطنين، بحيث تمكنت الجماهير في العديد من الحالات من إسماع صوتها وإرغام الحكام على تعديل قراراتهم، وذلك بالرغم من وجود رقابة الحكومة، وجهود متواصلة من طرفها للسيطرة على الفضاء الإلكتروني، وتكيف الحزب الشيوعي مع الإنترنت.

- "أوشاهيدي": تجربة إفريقية تنتشر في العالم

"أوشاهيدي" شركة تكنولوجيا غير ربحية، أسست بكينيا بعد بضعة أشهر من الانتخابات في يناير 2008، من أجل توثيق حالات العنف والقتل وانتهاكات حقوق الإنسان، وتسجيلها. وجرى تطبيق هذا البرنامج في أكثر من 40 بلدًا، لرصد العديد من القضايا وتوثيقها، كرصد عمليات الانتخابات، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتضامن في حالة الكوارث، والمقاومة المدنية، والإبلاغ عن الأضرار البيئية.

فهذا البرنامج المجاني الخاص برسم خرائط، والمفتوح أمام أي شخص لإنشاء خريطة وسائط إعلامية متعددة حية وغنية بالمعلومات لأي حدث من الأحداث أو وضع من الأوضاع، والذي يسمح بإرسال المواد باستخدام نوافذ إلكترونية متعددة، كالرسائل النصية القصيرة، وتويتر والبريد الإلكتروني والبريد الصوتي وفيسبوك، عرف انتشارًا واسعًا، ومكن تطبيقه في بعض الدول كمصر (أنت شاهد)، من تعزيز المساءلة السياسية، من خلال تسليط الضوء على عملية تزوير الانتخابات، وتعزيز المراقبة المدنية عليها.

- "الربيع العربي": الإنترنت يسقط الحاكم

خلال مختلف مراحل الربيع العربي، ظهرت الأهمية الكبيرة لوسائل الإعلام الرقمية؛ ففي التحضير، وإطلاق شرارة الاحتجاجات، وفي أثناء الاحتجاجات في الشوارع، وانتشار إشعاع التظاهرات على المستوى الدولي، وفي فترة الذروة، والتأثير في مسار الأحداث المستقبلية ظهرت أهمية التكنولوجيا الحديثة: الإنترنت والهواتف المحمولة، ووسائل الإعلام الاجتماعي والمدونات الإلكترونية.. في التغيير السياسي، حيث مكنت المهتمين بالديمقراطية من إنشاء شبكات واسعة، وتنظيم عمل سياسي بسرعة، كما مكنت الحركات الاحتجاجية من التعبئة، وفضح قمع السلطة ووحشيتها، وتكوين ساحات افتراضية للنقاشات السياسية، سواء في تونس ومصر، حيث أدت الاحتجاجات إلى رحيل رئيسين من أقدم الحكام الاستبداديين في المنطقة العربية، أو في العديد من الدول العربية الأخرى كالمغرب والجزائر واليمن وسلطنة عمان، حيث كانت دافعًا للتغيير الدستوري والسياسي.

- إيران: "الحركة الخضراء" وفضح التزوير

إثر الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها في يونيو 2009، استطاعت "الحركة الخضراء" التي ظهرت حينها، التفوق على رقابة الحكومة على الفضاء الإلكتروني، وتوظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة، مثل الهواتف المحمولة والمواقع الإلكترونية، والقنوات التلفزيونية الفضائية للتعبئة ضد السلطة الحاكمة، وكشف قمعها وانتهاكاتها لحقوق الإنسان، وفضح تزويرها للانتخابات الرئاسية.

ففي هذه الدول وغيرها مثلت وسائل التكنولوجيا الحديثة للتواصل بالفعل "تكنولوجيا التحرر"، حيث شكلت رعبًا حقيقيًّا للأنظمة التسلطية، لما تتيحه من سرعة التواصل وانتشار الأفكار والتنسيق بين أفراد الشعب من أجل اتخاذ مواقف وتعبيرات معارضة للحكم، بلغت حد الإطاحة بعدد من رؤساء الدول، كان أولهم الرئيس الفلبيني "جوزيف إسترادا"، بعد الاحتجاج في مانيلا، وقد لعبت فيه وسائل تكنولوجيا التحرر الدور التعبوي الحاسم، وكذا في الإطاحة بالنظام الأوكراني عن طريق الاحتجاجات الشعبية في دجنبر 2004.

رابعًا - تحديات أمام وسائل التكنولوجيا الحديثة للتواصل

تمثل الطرق المستخدمة من طرف المجرمين الإلكترونيين لقرصنة المعلومات الشخصية، وتوجيه المستخدمين إلى مواقع معينة، وضعف عقلانية المستخدمين، وإثارة الأحقاد والإرهاب والحروب الإلكترونية والتجسس الإلكتروني، لاسيما على المواقع السياسية كوزارات الخارجية، والسفارات والمنظمات الدولية، والمنافذ الإعلامية والمؤسسات المالية.. أكبر التحديات التي تواجه الرؤية الليبرالية لتكنولوجيا التحرر.

وإذا كانت هذه الممارسات تأتي في الغالب من "المواطنين الرقميين" المنتمين إلى الدول النامية والدول المستقلة ما بعد الحقبة الشيوعية والذين يعتبرون التحايل، وتلويث الحواسيب، ونشر الفيروسات وبرمجيات خبيثة، وتوظيف الإنترنت لنشر الأفكار الإرهابية ... بمثابة تحرر من الظلم السياسي، والظلم الاقتصادي، فإنّ مسؤولية الدول الكبرى لا تغيب في هذا المجال.

فبالرغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تبذل جهودًا كبرى لتعزيز حرية الإنترنت من خلال تخصيص موارد كبيرة لمواجهة القيود المفروضة على الفضاء المعلوماتي، وبذل الجهود الدبلوماسية، وتسخير سبل التكنولوجيا اللازمة لذلك لتعزيز هذه الأهداف، حيث - على سبيل المثال- أنفقت الخارجية الأمريكية 50 مليون دولار أمريكي بين عام 2008 و2012 على مجموعة من برامج حرية الإنترنت. وبالرغم من أنّ الدول الأوروبية اتخذت في 2010 عدة مبادرات لدعم حرية الإنترنت، من بينها، شروع بعض الدول الأوربية في تطبيق برامج لدعم المدونين والمعارضين على الإنترنيت الذين يتعرضون للتهديد، وزيادة التمويل الذي يقدمه الاتحاد الأوربي لبرامج حرية الإنترنت، إلا أنّ سياسات الدول الديمقراطية في هذا المجال تبقى محدودة، حيث تسجل عليها جملة من الملاحظات، منها على الخصوص:

- تعاون هذه الدول مع بعض الأنظمة الاستبدادية في مكافحة الإرهاب وغيرها من القضايا، وفي الوقت نفسه تقديم الدعم للمواطنين الذين تقمعهم هذه الأنظمة، فهي تقوم بإطعام السجان والسجين معًا.

- غياب رد فعل متناسق في مواجهة قوانين الحكومات التسلطية وسياساتها الموجهة لتقييد حرية الإنترنت.

- إضافة إلى تزايد المخاوف الأمنية التي تحتم على الدول الكبرى اتخاذ إجراءات تقيد بطريقة غير مباشرة حرية الإنترنت.

بالرغم من الأهمية القصوى للكتاب، إلا أنّه لا يخلو من بعض الهفوات أبرزها تكرار المعلومات في بعض الدراسات؛ كتكرار آليات التحكم في الإنترنت التي تعتمدها الأنظمة التسلطية في عدد من الفصول، ولعل الأمر يعود إلى أنّ الكتاب جماعي، ولم يكن هناك تنسيق مسبق بين الباحثين لإنجاز كتاب مشترك. ومن ثم، فالمسؤولية في هذا الإطار يتحملها منسقا الكتاب.