ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
146
2016 )9(
العدد
من هذا المنظور فإنّ المواقف من الإسلام والمسلمين والأفارقة واحدة، أكانوا مقيمينفي أوروبا منذ عقود أو لاجئين إليها، وليسحال
أبناء الجيل الثالث والرابع (العرب المولودون في أوروبا) بأفضل من حال بقية العرب، فالمسألة تتعلّق بالانتماء العرقي أي بالأصول،
وكأنّنا بأوروبا لم تتخلّصمن النزعة الاستعمارية التي كانت تتعامل بها مع شعوبجنوب المتوسط، والتي تؤكّد على أنّا لم تتأهّل للحياة
المتح ّة، وعليها أنْ تقطع الطريق التي قطعتها أوروبا للوصول لطور التمدّن والتح ّ. وهو ما ولّد فكراً عنصرياً يرى في مظاهر
الاختلاف تخلّفاً.
وفي هذا الإطار نشير إلى أنّ العديد من مفكّري الغرب قد حرّضوا -وبشدّة- على إعادة فهم بنية الدولة اللائكية وتجديد أسسها،
وذلك انطلاقاً من تصوّرات ما بعد الحداثة. التي بيّنت أنّ لكل مجتمع وثقافة خصوصياتها، وفي ذلك تقويض لفكرة المركزية الثقافية
والتصنيف العنصري بين المجتمعات (المتوحّشة/ المتمدّنة)، فالتنوّع الثقافي وحقّ الاختلاف حقيقة تؤكّد أنّ الكونية لا تعني التطابق
وأنّ المقارنة بين الحضارات والثقافات مسألة ضرورية كي يتحقّق فهم الذات لذاتها. وفي ذلك اعتراف واضح بأنّ لكلّ
l`identique
ثقافة خصوصياتها، وهو ما مثّل تجاوزاً للمركزية الثقافية والتصنيف العنصري بين المجتمعات والشّعوب.
إنّ هذا التصوّر الذي ميّز خطاب «ما بعد الحداثة» فتح باب الحوار بين الحضارات من خلال الاعتراف بالخصوصية الثقافية، إذ
أصبحت المقارنة بين الحضارات والثقافاتضرورة كي يتحقّق فهم الذات لذاتها من خلال تبّ ما يصلها بالآخر وما يفصلها عنه.
ولا يفوتنا في هذا المجال التذكير بأنّ خطاب ما بعد الحداثة، وإنْ استطاع تخطّي العوائق الاجتماعية التي فرضتها الأنظمة التقليدية على
الفرد والمجتمع، فإنّه ظلّ فيما يتعلق بمسألة التعددية الفكرية والثقافية عاجزاً عن التأثير في بنية العقل الأوروبي الذي عجز عن استيعاب
إلى ذلك عندما كشفا عن عجز المنظومة
11
وريجيس دوبريه
10
Baubérot Jean
الاختلاف وفهم متطلّباته. فقد أشار كلّ من جان بوبيرو
الاجتماعي في
l`intégration
الفكرية القديمة عن تمثّل الواقع المعيش لأوروبا، وما يفرضه من أسئلة تتصل بهويّتها وقضايا الاندماج
ظلّ التنوّع الثقافي والتعددية الدينية التي ميّزت مجتمعات أوروبا المعاصرة.
لا يبحثفي علاقة
Vers un nouveau pacte laïque
وفي ظلّ هذه التحوّلات فإنّ أوروبا مطالبة بالاتجاه «نحو ميثاق لائكي جديد»
، بقدر ما يهدف إلى فهم الاختلاف الديني والثقافي واعتماده منطلقاً في بناء المجتمع، فقد
12
الدين بالدولة ومنزلة الدين في ضمائر الناس
كشفسبر للآراء أنّ ثلثي الفرنسيين موافقون على تدريس تاريخ الأديان، وقد بّ ريجيسدوبريه في التوصيات التيضمّها تقريره لوزير
. إذا ما أرادت فرنسا التخفيف من وطأة النزاعات
13
التربية الوطنية بفرنسا أنّ تدريس الأديان في مؤسسات التعليم بات مسألةضرورية
.
14
الاجتماعية وبناء ثقافة جديدة يجد فيها كلّ أفراد المجتمع الفرنسي (المسلمون وغيرهم) ذواتهم
10- Baubérot (Jean) : Vers un nouveau pacte laïque? Édition Seuil, Collection Religion, Paris, 1990.
11. Debray (Régis): L’Enseignement du fait religieux dans l’école laïque. Rapport au ministre de l’Éducation, préface Jake Lang, Ed Odile
Jacob,Collection OJ.SC.Humaines, Paris, 2015.
، دار محمّد علي للنشر، (صفاقس تونس) ودار الانتشار العربي (بيروت لبنان)، ودار توبقال (الدار
1
ـ تودوروف (تزفيتان): روح الأنوار، تعريب حافظ قويعة، ط
12
وما بعدها
91
، ص
2007 ،)
البيضاء المغرب)، ودار الشروق (ع ّن الأردن)، ودار ثالة (الأبيار الجزائر
13- Debray (Régis): L’Enseignement du fait religieux dans l’école laïque. Rapport au ministre de l’Éducation, (op cit).
Idriss (Mohamed
من مقال «اللائكية والتعددية» للباحث التونسي محمّد يوسف إدريس
Régis Debray
و
Baubérot Jean
ـ استفدنا في تبّ تصورات كلّ من
14
Youssef) : Laïcité et multiculturalisme, ABC, N0 9, Genève, 2015
البشير الحاجي




