Next Page  143 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 143 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

143

2016 )9(

العدد

درجات، وهو ما يؤهّل بعضهم إلى التحكّم في البعض الآخر، في

حين نتطرق في العنصر الثالث إلى أهم العوائق التي حالت دون

نجاح المحاولات التي رامت انتشال الثقافة الغربية من مستنقع

الخطاب الاستعماري المشرّع لاستغلال الآخرين واستعبادهم.

وفي هذه العناصر تتجلى لنا مختلف الصيغ التي أعطاها الغرب

لتلك الثنائية الأثيرة: الهمجي والمتحضر، والتي تعددت أسماؤها

واختلفت، ولكنّ محتواها ظلّ ثابتاً، وإنْ تغ ّت الأزمنة والعصور

والحكّام والمنظّرون والفاعلونفي الشأن السياسيوالمعرفيوالثقافي.

: الأنثربولوجيا التطوّرية والتشريع للاستعمار

1

عرّف الأنثربولوجيون الهمجي بالمتوحش وغير المتمدن، أيْ ذلك الذي يعوّل في حياته على منطق الغريزة، وما يجعله صنواً للحيوان

احتكامه إلى منطق الغاب، ونحن إذا ما بحثنا عن أصل هذا التعريفوجدناه ضارباً في القدم، له جذور في الحضارة الإغريقية والحضارة

الرومانية. ففي أثينا اعتبر كلّ امرئ لا يعرف قواعد اللغة الإغريقية بربرياً، ونعت الرومان خصومهم في قرطاج بالبربر، وحفظت

ق م ـ

247

نعوتاً عديدة كان فيها جنود حنبعل (

3

ق م)-

202

ق م -

218

الروايات الموثقة للحروب البونية -لا سيما الحرب الثانية :(

ق

216

متوحّشين فقدوا الإحساس بآلام الناس، وقد وجد مؤرّخو روما في ما أوقعه حنبعل بهم في واقعة كاناي (

Hannibal

ق م)

183

خير مثال لتصوير بشائع البربرية القرطاجية.

Cannes

م)

لقد نسبت مدوّنات المنتصرين إلى قرطاج المهزومة أبشع الصفات والنعوت، ولكنّ قرطاج بمعايير المؤرخين المعاصرين والباحثين

في حضارات البحر الأبيض المتوسط دولة دافعت عن وجودها ومصالحها، ذلك ما يكشف عنه السؤال التالي: ما الصفات التي كان

المؤرّخون سيطلقونا على قرطاج لو انتصرتفي حربها على روما؟

وهو سؤال يحتويفي باطنه على جواب واضح، فالمنتصرهو من يفرض الصفات والنعوت وهو من يمارسسلطة الرقابة على التدوين

ّ من هذا المنظور سمات تخفي مطامع أصحاب النصوص.

ويشرف عليها، فالبربرية والتح

موقف ثابت تتساوى فيه الحضارات القديمة والحديثة، وآية ذلك أنّ أفكار الأنوار التي نادت بتحرير الإنسان إبّان الثورة الفرنسية

والثورة الصناعية أنجبت فكراً استعمارياً يتطلب بقاؤه بقاء التصنيفات الحضارية القديمة. فالمستكشفون والمغامرون الذين مهّدوا

للأبحاث الأنثربولوجية رسموا حدوداً فاصلة بين ثقافتهم وثقافة الآخرين، واعتقدوا أنّ التمدّن أفضل من البدائية. وانطلاقاً من ذلك

إلى القول إنّ

Edward Tylor

نسبوا إلى الآخر صفات تقلّل من شأنه، وهو تصوّر طوّق القراءات اللاحقة، فقد ذهب إدوارد تايلور

الإنسان المتمدّن أقدر من المتوحّش على التصرففي الأشياء، وهو ما يجعله أسعد منه (المتوحش).

- إلى تصنيف البشر إلى ثلاثة أصناف: وهي (المتوحش، والبربري، والمتح ّ)،

L.Morgan

وهو ما دفعه - وكذلك لويس مورغان

وهي أصناف تراتبية تأخذ بعين الاعتبار حظّ كلّ واحد من العقل والأخلاق والتمدّن، فتلك الأصناف تعّ عن أحوال الفكر،

فالمتوحش فاقد للتطور يخضع بالأساس لصوت الشهوة الحيوانية، وفي المقابل يكون البربري في منزلة بين المنزلتين، بين التوحش

ق م).

146 -

ق م

149(

ق م) وصولاً إلى الحرب الثالثة

241 -

ق م

264(

  ـ عرف الصراع بين روما وقرطاج ثلاث حروب امتدت أكثر من قرن، بداية من الحرب الأولى

3

ّ والتّشريع للمدّ الاستعماري

ثنائيّة الهمجي والمتح

عرّف الأنثربولوجيون الهمجي بالمتوحش

وغير المتمدن، أيْ ذلك الذي يعوّل في حياته

على منطق الغريزة، وما يجعله صنواً للحيوان

احتكامه إلى منطق الغاب، ونحن إذا ما

بحثنا عن أصل هذا التعريف وجدناه ضارباً

في القدم، له جذور في الحضارة الإغريقية

والحضارة الرومانية