ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
147
2016 )9(
العدد
قام خطاب ما بعد الحداثة في أوروبا على أسس عديدة، منها
تقويض مفهوم المركزية، ونقد خطاب العقل الذي حطّم إنسانية
الإنسان انطلاقاً من أوهام القوّة والمعرفة والسلطة. وذلك قصد
تحريره من قيود المؤسسات السياسية، وهو ما انتهى بالفكر الغربي
إلى إقرار مبدأ الانفتاح بما هو سبيل للتفاعل والتفاهم والتعايش
والتسامح.
. محاولات الفكر الغربي المعاصر الخروج من نفق التمييز
3
العنصري والثقافي: الثوابت والعوائق
أفق مسدود هو ذلك الذي وصلت إليه أوروبا الأنوار والحداثة،
فالدعوة إلىتحرير الإنسان منسطوة اللاهوتتحوّلت إلى دعوة إلى
استعمار الإنسان للإنسان باسم الحداثة والتمدّن والتقدّم. وقد مثّل هذا الطرح مصدر قلق للفكر المستنير الذي ما فتئ يقدّم مراجعات
مُؤسس المدرسة الأمريكية التي عُرفت بالمدرسة الانتشارية
Franz Boas
قيّمة بدءاً من محاولات أنثربولوجيين أفذاذ أمثال فرانس بواس
وكلود ليفي شتراوس رائد الأنثربولوجيا البنيوية.
Anthropolo�
16
و«الأنثربولوجيا والحياة الحديثة»
The Mind of Primitive Man
15
فالأول أكّد في كتابيه «عقل الإنسان البدائي»
أنّ القيمة الرئيسة للإنسان ماثلة في الأعمال التي ينجزها، ولا قيمة للعرق، مميّزاً في ذلك بين بعدين مهمّين، وهما
gy and Modern Life
البعد الفيزيقي والبعد النفسي، وهو ما أتاح له الفصل بين الجانب الطبيعي (الفيزيائي) للإنسان والجانب الثقافي.
وانطلاقاً من تلك المقدّمات المنهجية بنى نظريته التي خلصت إلى حقيقة واضحة تتمثل في أنّ التمييز بين البشر باعتماد الأعراق
والألوان (البيض/ السود) هو في الأصل تمييز عنصري، وهو ما يفسّ العنف الشديد الذي جابهت به الأنظمة القمعية بواس وأتباعه،
في ألمانيا أتلف كتب بواس وحظر نشرها، وحُوكم متبنّي نظريته. وفي المقابل كان بواس أيقونة الزنوج في أمريكا الذين
17
فالنظام النازي
.
18
استمدوا من كتبه المبادئ التي نادوا بها من أجل كسبحقوقهم المدنية والسياسية
من الواضح أنّ مؤلّفات بواس قد حطّمت كبرياء الإنسان الأبيض وسفّهت حقائقه بأنْ بيّنت أنّا أوهام وأضغاث أحلام، فقد آمن
15- Boas (Franz) :The Mind of Primitive Man The Macmillan company , 4 ed, New York: USA, 1944, Ch 3 «The composition of human
races» PP 35 - 51 and Ch 11 «The Mind of Prmitive Mand The progress of culture», PP 197 - 225.
16- Boas (Franz): Anthropology and Modern Life, Introduction by Ruth Bunzel, Columbia University, USA; 1962, Ch II «The problem of
race».
ـ من المهم الإشارة إلى أنّ فرانس بواس هو من أصل ألماني، وفي ألمانيا بدأ مساره البحثي (الجغرافيا، الفيزياء)، على أنّ انتقاله إلى الولايات المتحدة الأمريكية ساهم في
17
سطوع نجمه، فقد أصبح المؤسس الحقيقي للأنثربولوجيا الأمريكية. راجع:
National Academy of sciences of the United States of America, «Franz Boas», Volume XXIV, PP 301 - 322 (By Robert H. Lowie) New York,
1947.
ـدد، المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب،
349
ـ كوبر (آدم): الثقافة، التفسير الأنثربولوجي، ترجمة تراجي فتحي، مراجعة ليلى الموسوي، سلسلة عالم المعرفة عــ
18
وما بعدها.
29
. ص
2008 ،
الكويت
ّ والتّشريع للمدّ الاستعماري
ثنائيّة الهمجي والمتح
قام خطاب ما بعد الحداثة في أوروبا على
أسس عديدة، منها تقويضمفهوم المركزية،
ونقد خطاب العقل الذي حطّم إنسانية
الإنسان انطلاقاً من أوهام القوّة والمعرفة
والسلطة. وذلك قصد تحريره من قيود
المؤسسات السياسية، وهو ما انتهى بالفكر
الغربي إلى إقرار مبدأ الانفتاح بما هو سبيل
للتفاعل والتفاهم والتعايش والتسامح




