ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
152
2016 )9(
العدد
*
غيضان السيد علي
مقدّمة
َّ جاوزت حالة
الهَمَجيةُ والحَضَارةُ حالتان جدليتان َّرُ بهما المُجتمعات والأمم، فإذا ما أخذت الأمّةُ بِسُبِل التقدم والنهضة والتَح
َّ من إصلاحٍ ونضةٍ وتنويرٍ انتكست ووقعت في الهمجيّة.
الهَمَجيّة إلى حالةِ الحَضَارة، أمّا إذا فرّطت الأمّةُ وأهملت كلّ مظاهر التَح
َّ ليست أبدية، فكم من أُمّةٍ بلغت قمة الحضارة، ثم استقرتفي قاع التخلف، وانتشرت فيها كلّ مظاهر
كما أنّ أحوال الهمجيّة والتح
الهمجيّة!
والهَمجيّة في اللغة أصلها الهَمَجُ، والهَمَجُ هم: «الرّعاعُ من الناس، وقيل هُم الأخلاط، وقيل هم الهَمَلُ الذين لا نِظَامَ لهم، وكلّ شيء
ترك بعضه يَموجُ في بعضفهو هامجٌ...، ويُقال للرّعاع من الناس الحَمْقى إِنما هم ََجٌ هامِج، وقول أَبي ُْرِز المُحارِبي قد هلكتجارتنا
من الهَمَج، قالوا سُوءُ التدبير في المعاش. وفي حديث عليّ، عليه السلام،: وسائرُ الناسِ ََجٌ رَعاعٌ، شَبّه عليّ، عليه السلام، رَعاعَ الناس
. وعليه فإنّ
1
بالبعوض، والهَمَجُ رُذالُ الناس، ويقال لأُشابَة الناس الذين لا عقول لهم ولا مُرُوءَةَ ََجٌ هامج وقومٌ ََجٌ لا خير فيه»
الهَمَجيّةَ هي سوءُ تدبير معاش الفرد والعجز عن تسييس أمور المجتمع، وسيادة حالة الفوضى، مع غياب المعقولية والمروءة والعدالة. في
حين أنّ الحَضَارةَ في اللغة لفظةٌ تشتمل على كافة مظاهر الرقيّ العلميّ والفنّي والاجتماعيّ، وهي مُرتبطة بالجهد المُنَظّم والإبداع الذي
يخدم هذا الجهد ويجعله مُفيداً، وهي ضدّ البداوة.
ويقول أحدُ الباحثين مفرّقاً بين الهمجيّة والحَضَارة: إنّ «الهمجية حالة حيوانيّة أو قريبة من الحيوانيّة، يعيشها الأفراد وتعيشها
المُجتمعات، وتتميز بالبساطة والعفويّة، والخضوع التام للغرائز الطبيعيّة البدائيّة للنفس البشريّة، فتطبع سلوك الهمجيّ بطابعها في كلّ ما
يفعل ويدع. وبالمقابل الحضارة حالة من التقدم والرقي يعيشها الأفراد وتعيشها المجتمعات، وهي حالة متقدّمة في المسيرة البشرية تتميز
َِ بتقاليد وأساليب ت ََّفٍ تَتَميزُ بضبط الغرائز، وترقية السلوك، ورقي الاهتمامات، والسمو
بالتعقيد، فتطبع سلوكَ الشخص المُتَح
.
2
بالنوازع الغرائزية وتصريفطاقاتها في أنماط من السلوك أكثر رقيّاً وتهذيباً»
أمّا مُصطلح عصر النهضة فإنّه يُستخدم عادةً لوصف الحركة الثقافية التي بدأتفي إيطاليا في منتصف القرن الرابع عشر، ثم انتشرت
في سائر أنحاء أوروبا، وعلى الرغم من الاختلافات الكثيرة بين المؤرخينفي تحديده بدقة، إلا أنّنا يمكن أن نطلقه، بشيء من الاطمئنان،
على تلك الفترة التي بدأت من منتصف القرن الرابع عشر حتى مطلع القرن الثامن عشر، أي الفترة التي تتوسط بين عصر الإصلاح
الديني وعصر التنوير.
*أكاديمي مصري.
(باب همج). وانظر أيضاً المعجم الوجيز، مجمع اللغة العربية، القاهرة،
392
- ابن منظور، لسان العرب، الجزء الثاني، بيروت، دار صادر، الطبعة الأولى، د.ت، ص
1
.652
، ص
2005 ،
طبعة خاصة بوزارة التربية والتعليم
http://marebpress.net/articles.php?id=10666:
- أحمد صالح الفقيه، الهمجية والحضارة، على الموقع الإلكتروني
2
عصر النهضة الأوربيّة
مظاهر الهمجيّة والحضارة في




