Next Page  155 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 155 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

155

2016 )9(

العدد

لجرأتها في إدانة الاضطهاد بسبب الهرطقة، كما مُورس الاعتقال والتعذيب بحق آخرين، ففرّ مئات منهم إلى جنيف، حيث آواهم كلفن.

أمّا الذين بقوا في فرنسا فقد بدأوا يُنَظمون أنفسهم لخوض الحرب الأهلية التي أُرغموا عليها بعد محاولات قام بها «كوليني» لمنعها،

، فلم تجد الملكة بُدّاً من إصدار «مرسوم يوليو» الذي حظر العنف، ودعا إلى احترام

1561

حتى تَفَجّرَ العنففي معظم أرجاء فرنسا عام

عقيدة الهيجونوت البروتستانتية، ولكن تجاهل البروتستانت المرسوم وهاجموا المواكب الكاثوليكية في مختلف المدن، ودخلوا الكنائس

الكاثوليكية وأحرقوا الآثار والرّفات المقدّسة وحطموا التماثيل، وقتلوا الكثير من القساوسة، وشُتِتت الراهبات، ونُصحن بأن يجدن

، حيث

1562

. وغطت مظاهر الهمجية كافة أنحاء فرنسا، وخاصة في العام التالي

8

لأنفسهنّ أزواجاً، وداسوا القربان المقدّس بأقدامهم

استعاد الكاثوليك زمام الأمر بعد الحصول على المعونة من أسبانيا، وفي السادس والعشرين من أكتوبر في العام نفسه اجتاح «جيز»

الكاثوليكي مدينة «روان»، ونب جنده المتعطشون للغنيمة السكان الكاثوليك والبروتستانت على السواء وذبحوهم دون التحيز لأيّ

فريق. الأمر الذي دعا البروتستانت للاستعانة بإنجلترا وألمانيا، وقد أمدّوهم فعلاً بالعون في مقابل الاستقواء الكاثوليكي بالأسبان،

وتزعّم «كونديه» و«كوليني» الحربضدّ دوق جيز.

واستمرّ الحال على هذا الوضع، وفرّخت الهمجيّة فيظلّ المذهبين المتصارعين، وارتُكبتفيظلّ هذا الصراع عشرات بل مئات المذابح،

وسادت الاغتيالات، وتمّ استقدام المرتزقة من كل حَدبٍ وصوب، فاجتاحت جحافلهم البلاد تنهب الكاثوليك والبروتستانت على

. وطُعِن القائد البروتستانتي «كوليني» وهو راكع يصلي ثم قذف به من النافذة وهو حي، وتمّ

9

السواء، وتقتل كلّ من يجرؤ على المقاومة

التمثيل بجثته، فقُطّعت الأيدي والأعضاء التناسلية لعرضها للبيع، وعُلقت بقيته من عرقوبيه، بينما فُصل رأسه وأرسل إلى اللوفر وقيل

إلى روما. وساد القتلُ والذبحُ فذُبِحَ البروتستانت في الشوارع ذبح الأنعام، وانتزعت الأجنة من بطون الأمهات القتيلات، وتناثرت

في أبشع صور الهمجية وغياب تام لروح التسامح. الصورة نفسها سادت

10

الجثث على أرصفة الشوارع، وأخذ الصبية يلعبون فوقها

ألمانيا فيحرب الثلاثين، بل بلغتحداً أكبر من البشاعة والهمجية، فقد أُحرقتمُدن كاملة عن آخرها بعد ذبححاميتها حتى قيل: «لم يعد

هناكشيء إلا الضرب والحرق والسلب والنهب والتعذيب والقتل، وحرص كل فرد من الأعداء بصفة خاصة على الحصول على أكبر

قدر من الغنائم، وتحت التهديد بالضرب أو الرمي بالرصاص أو الذبح أو الشنق، أُرهب الأهالي المساكين وفزعوا، فلو تبقى لديهمشيء

لأخرجوه ولو كان مخبّأ في ألف حرز مكين، وفي حمأة الغضب المسعور اجتاحت ألسنة النيران المدن ...، وعُذّب وأُعدم آلاف الأبرياء

من الرجال والنساء والأطفال وسطضجة رهيبة من صيحات وصرخات تمزق الفؤاد بطريقة وحشية مخزية تقصر أية كلمة عن وصفها

. وقد سادت هذه الصورة الوحشية الهمجيّة أيضاً إنجلترا في حرب السنوات الست ومعظم ربوع أوروبا،

11

وأية دموع عن التوجع بها»

فيما عُرف بعد ذلك بالحروب الدينية.

. محاربة الكنيسة للعلم والعلماء

2

احتكرت الكنيسة العلم في عصر النهضة، وهيمنت على شؤونه، فسارت الجامعاتفي ركابها، وأخذت تتلقى الأوامر والتعليمات من

رجالها، وتعلّم طلابها وتلقي عليهم ما يبيحه هؤلاء، وتحبس عنهم ما َُرّمُونه، ومن هنا نشأت سياسة «التعليم السلمي» التي جرت

عليها الجامعات، وأصبح أساتذة هذه الجامعات لا يعنون بالحقيقة في ذاتها بقدر ما يعنون بموافقتها لرأي الكنيسة أو مخالفتها إياه، فلا

.182 - 175

- انظر المرجع السابق، ص

8

.189

- المرجع السابق، ص

9

.198

- المرجع السابق، ص

10

، ص

2001 ،

، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب

30

- ول ديورانت، قصة الحضارة ـ بداية عصر العقل، ترجمة: محمد علي أبو درة، المجلد الخامس عشر، الجزء

11

.206

مظاهر الهمجيّة والحضارة في عصر النهضة الأوربيّة