Next Page  157 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 157 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

157

2016 )9(

العدد

قام رجال الكنيسة بحملة واسعة في ألمانيا ضد الساحرات بتهمة

ضلوعهن في فساد الجو وإظهار باقي الظواهر الغريبة، واستمرت

هذه الحملة حتى منتصف القرن السادس عشر، ممّا أدى إلى قتل

آلاف الساحرات حرقاً، وأيّد رجال الدين ذلك من الكاثوليك

والبروتستانت على السواء، حتى قال لوثر نفسه:«إّ لأرفض

العطف على هؤلاء الساحرات، وبودي لو أحرقتهن عن بكرة

.

15

أبيهنّ»

، وهو في أيامه

1543

) بجفاء تام وسخرية واستهجان عندما همّ بنشر كتاب له عام

1543

-

1473

وقُوبل «نيكولاس كوبرنيكوس» (

الأخيرة على فراش الموت. كتب فيه أنّ الأرض ليست هي مركز الكون، وأنّ الإنسان إذا نظر من نقطة من الفضاء إلى الأجرام السماوية

بدت له وهي تدور حول الشمس، ولوجدنا كذلك تفسيراً لضوء النجوم وحركة الكواكب، وبالتالي فإنّ الكواكب والنجوم هي التي

تدور حول الشمس، وأنّ الأرضليستمركز الكون كما يسود الاعتقاد. وكلّ هذه الحركة (نجوم وكواكب) بفعل دوران الأرضحول

نفسها وحول الشمس. هذا الكلام أغضب رجال الكنيسة وقوبل بسخرية واستهجان، وا ّم صاحبه بضعف إيمانه بمسيحيته، وكان

جزاؤه أن حُرِمَ من الشهرة ومن ثمار اكتشافاته العلمية، ووضع مؤلَفه في أدراج النسيان، وأضاف إليه رجال الدين عبارة «هذه ما هي

. فلم يكن سهلاً على الكنيسة قبول فكرة أنّ الكرة الأرضية التي تغنت بصنعها وإبداعها

16

إلا مجرد نظرية، لا يجب أخذها في الحسبان»

الكتب المقدّسة على يد «المبدع الكامل» ليست سوى مجرد جرم سماوي معتم يستمدّ الضوء من الشمس ويدور حولها صاغراً لقواها

وجبروتها، وأنّ الإنسان ليس هو المركز الذي خُلق كلّ شيءٍ لأجله. إنّ هذا الانقلاب الكوبرنيكي لا يبدو شيئاً مهًّ للكثيرين اليوم،

ولكنه كان ثورة عظيمة آنذاك من شأنا أن تزعزع المنظومة الفكرية الأرسطية التي قامت عليها الأيديولوجيا الدينية. ولذلك عصف

. ولذلك لم يكن غريباً أن يهاجم مكيافيللي المسيحية

17

القلق بالكنيسة، وتطور فيما بعد إلى خوف استدعى اتخاذ إجراءاتسريعة وحازمة

ذاتها ويتهمها بأنّا في أحسن أحوالها تعلم الناس الفضائل الخاطئة، لأنا تعلمهم: الذل والخضوع والخنوع باسم التواضع، وتورثهم

.

18

التواكل وعدم البحث عن الغبطة والفرح والسعادة، لأنّا لا توجد إلا في الحياة الأخروية بعد الموت

) ما ذهب إليه كوبرنيكوس من عدم مركزية الأرض ودورانا حول نفسها وحول

1600

-

1548

وعندما أيّدَ «جيوردانو برونو»(

الشمس ا ّم بالهرطقة والزندقة والطعن في العقيدة المسيحية والاشتغال بالسحر، والتواصل مع بعض ملوك الدول الأجنبية الذين

يهددون الكنيسة الكاثوليكية بدعوى «الإصلاح الديني». وفي الحقيقة أنّ برونو كان يحلم بدين عالمي يزيل حزازات التعصب بين البشر،

ويضع حدّاً للمذابح والحروب الدينية، فعاد إلى موطنه إيطاليا بعد طول ترحال وطواف بفرنسا وإنجلترا وألمانيا ليبشر بدينه الجديد

17

ويؤيد نظرية كوبرنيكوس الفلكية ويضيف إليها أبعاداً أخرى، فتمّ القبضعليه، ومكثفي السجن أعواماً ثمانية حتى أُحرق حيّاً في

، وذريت مع الريح بقاياه.

19

م

1600

فبراير

.118

- ول ديورانت، المرجع السابق، ص

15

- عبدالفتاح الشامخ، جرائم الكنيسة في حق العلم والعلماء، موقع كتاباتي للكتابة والنشر، على الرابط التالي:

16

http://www.maqalaty.com/9439.html

.77

، ص

2011 ،

- أيوب بوديّه، علماء النهضة الأوربية، بيروت، دار الفارابي، الطبعة الأولى

17

18- Ernesto Landi, Machiavelli in: Western Political philosophers, edited by Maurice Cranston Background Books London,1964, P. 39.

.256

- لويس عوض، ثورة الفكر في عصر النهضة الأوروبية، ص

19

مظاهر الهمجيّة والحضارة في عصر النهضة الأوربيّة

مثّلت المظاهر الهمجيّة المخاض الشديد الذي

سيولد من خلاله عصر التنوير، وسيادة

العلمانية، وبداية الانطلاق لتحقيق النهضة

الأوروبية بمظاهرها الراهنة