ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
154
2016 )9(
العدد
. الصراع الدموي بين الكاثوليك والبروتستانت
1
َِاع الكاثوليكوالبروتستانت أهم مظهر من مظاهر الهمجيّة في عصرالنهضة، وخاصة في القرن السادسعشر. والكاثوليكية
شَكّل
مصطلح واسع يصفمجموعة من المسيحيين الذين يدينون بالولاء لمجموعة محددة من المؤسسات والعقائد واللاهوت والقُدّاسوالقيم
الروحيّة للكنيسة الرومانيّة الكاثوليكيّة، ويمكن إطلاقها بصورة عامة على جميع الكنائس التي تقرّ بسيادة البابا والتي تجمعها شراكة مع
الكرسي الرسولي، وهي من أكبر الطوائف الدينية المسيحية. وهي التي عانى منها الفكر العلمي، وحكمت بإعدام مخالفيها، وقضت
بحرمان الكثيرين، وهي التي أقامت محاكم التفتيش، وكانت تصدر صكوك الغفران، وعَادت الملوك والممالك كلما َدَد سلطانا على
عامة الناس، وزعمت أنّ للبابا السلطة الدنيوية والأخروية، اعتقاداً بأنّ البابا خليفة المسيح على الأرضونائبه فيها، وحصرت الكنيسة
الكاثوليكية لنفسها الحق في فهم الكتب المقدّسة، واستبدّت بتفسيرها، وعارضت العقل، وأغمضت أمور الدين، وألزمت المسيحيين
، الأمر الذيضَجِرَ منه الناس.
5
بتأويلاتها
ولذلك كانت البروتستانتية بمثابة رد فعل عنيف ضدّ الكاثوليكية، وتعود أصول البروتستانتية إلى الحركة الإصلاحية التي قامت
في القرن السادس عشر، هدفها إصلاح الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا الغربية. وقد انشق مارتن لوثر عن الكنيسة الكاثوليكية، وعلّق
احتجاجه المشهور على بابها، وأعلن أنّ المسيحي لا يخضع إلا للأناجيل وحدها، ولا يعترف بسلطان لغير الكتاب المقدّس، ويرفض
رئاسة البابا وغيره، وأنّ الكنيسة لا سلطان لها على محو الذنوب، وأنّ الإنسان يُدان بعمله، ورفض الصلاة باللغة اللاتينية غير المفهومة،
فالصلاة دُعاء من القلب يتوجه به المصّ إلى الله، وأنكر استحالة الخبز إلى جسد المسيح، والخمر إلى دمه، وأنكر لزوم الرهبنة، ومنع اتخاذ
.
6
الصور والتماثيل في الكنائس والسجود لها
)، وتبعتها ألمانيا فيما عُرِف بحرب
1594
-
1562
وكانت فرنسا أول من عانى وأول من أفاق؛ فقد نشب الصراع بين الفريقين ما بين (
). وقد بدأ الصراع في فرنسا
1648
-
1642
)، ثم إنجلترا التي دام الصراع فيها قرابة ستسنوات، ما بين (
1648
-
1618
الثلاثين ما بين (
بالذات قبل غيرها نظراً إلى هيمنة الكنيسة الكاثوليكية بشكل مستفز على ثروات فرنسا، حتى «لقد كان ثُلث ثروة فرنسا، وقيل ثُلثاها،
. الأمر الذي جعل انتشار المذهب البروتستانتي سهلاً ميسوراً، حيث كان يجسّد صوت المقهورين والفقراء ضدّ مفاسد
7
ملكاً للكنيسة»
الكنيسة واستبداد الأخوين «جيز» بالسلطة.
) بأن يحكموا
1559
وقد عانى البروتستانتيون كثيراً من وطأة الاضطهاد، وخاصة بعد أن أمر «هنري الثاني» القضاة الفرنسيينفي عام (
بالإعدام على كلّ البروتستانت المتشبثين بعقيدتهم، ثم جدّد «فرنسيس الثاني» هذا الأمر بتحريضمن الأخوين «جيز»، وأضاف إليه أمراً
بإعدام الأشخاص وحتى الأقرباء الذين يؤوون مُهَرطِقاً محكوماً عليه، أو يق ّون في إبلاغ الحكام عنه، وفي الشهور الخمسة الأخيرة
أحرق ثمانية عشرشخصاً أحياء لرفضهم حضور القُدّاس، أو تناول القُربان الكاثوليكي، كما أُحرقت البرلمانية «آن دبور»
1559
من عام
.675
، ص
2000 ،3
- عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، القاهرة، مكتبة مدبولي، ط
5
. اختلف المذهب البروتستانتي عن المذهب الكاثوليكي في نقاط خمس جوهرية، وهي: أولاً: أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو
155
- المرجع السابق، ص
6
نعمة من الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح مُخَلِصاً، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو صالح. وثانياً: رفض «السلطة التعليمية» في
الكنيسة الكاثوليكية والتي تُنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدّس؛ معتبراً أنّ لكل امرئ الحق في التفسير. وثالثاً: أنّ الكتاب المقدّس هو المصدر
الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان. ورابعاً: عارض سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أنّ جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدّسة. وخامساً: سمح للقساوسة
بالزواج. وقد نشأ اللاهوت البروتستانتي على يد مارتن لوثر، ويمكن رد جميع البروتستانت في العالم إلى أفكاره.
.171
، ص
2001 ،
، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب
29
- ول ديورانت، قصة الحضارة ـ بداية عصر العقل، ترجمة فؤاد أندراوس، المجلد الخامس عشر، الجزء
7
غيضان السيد علي




