182
2016 )9(
العدد
أضحوكة، وهذا بالنسبة إليه عنوان تقدمية في التفكير حتى
في الغرب ذاته، حيث يقول إنّ «المثقف التقدّمي يضحك من
كلمة «عقلانية»، كما غدت كلمة «نزعة إنسانية» في الفكر تعني
بالكاد السخافة لا أكثر»، ليس هذا فقط، بل إنه منذ الثمانينات
أشاد بالثورة الإيرانية، وحديثاً أيضاً أشاد بالإسلاميين، وآخر
أطروحاته هي أنّ الإرهابيين الإسلاميين لهم قضية يدافعون
عنها، أمّا المهاجرون الذين يرمون بأنفسهم في البحر للوصول
إلى أوروبا فهم تعساء مغيّبون، لا قضية لهم ولا مبادئ. وهذا
الأمر مكتوب أبيضعلى أسود في حوار أخير نشر بجريدة العربي
الجديد. أنا لا أدري هل هذا َميلٌ للإرهاب أم تحبيب فيه أم
دعوة للالتحاق بصفوفه؟
* إلى أي حد يمكن الحديث عن فلسفة عربية؟
نعم يمكن التحدث عن فلسفة عربية، وعن فلاسفة عرب
محدثين، ويمكن حتى تصنيف مواردها واستعاراتها: فلاسفة
شمال إفريقيا، بحكم التراكمات التاريخية والثقافية، أغلبهم
ملتصقون بالمدارس الفرنسية (تفكيكية دريدا، أركيولوجيا فوكو،
دولوز، تاريخ الحوليات)، وحتى إن توجّهوا إلى فلاسفة ألمان
(نيتشه، هايدغر، هابرماز) أو إيطاليين (جياني فاتيمو، ماوريسيو
فيراريس، إمبيرتو إيكو) فالأغلب أنّ ذلك يتم من خلال ترجمات
فرنسية وتأويلات فرنسية. لا أقول إنّ الفلاسفة العرب يُردّدون
أطروحات الفلاسفة الغربيين دون تروّ أو نقد، فهذا تجنّ على
أجيال من المفكرين الصاعدين. الفكر الفلسفي لا يعرف حدوداً
ولا قوميات، فهو كّ وشامل، وبالتالي لا نعيب على أيّ مفكر
الالتجاء إلى أنظمة فكرية غربيّة واستمداد موارده ومناهجه سواء
لقراءة نصوص التراث أو لتفعيلها في واقعنا العربي.
* هل تحرّر المثقف العربي مادياً حتى يتحرر فكرياً في النظر إلى
الظاهرة الدينية، وبالتالي إعمال العقل بكل مصداقية؟
أكثر ما يضرّ بالمفكّر، ليس في العالم العربي فقط، بل في كل
ثقافة وفي كل قوميّة، هو ركوبه على الأحداث وانسياقه مع التيار
الجارف سواء لأسباب مصلحية أو سياسية أو إيديولوجية،
بالمعنى الماركسي للكلمة. هذا يعتبر استقالة عن التفكير، بعبارة
لائقة، أمّا بعبارة مباشرة فهو خيانة لدور المثقف المهموم ليس
فقط بإنتاج خطاب عقلاني علمي على المستوى المعرفي البحت،
بل أيضاً على مستوى الواقع الراهن لتنوير الأجيال الجديدة،
والحثّ على التفكير النقدي وعدم الركون إلى المسلمات السائدة.
* ما هي في نظرك الأسباب التي أدّت إلى تفشي السلفية بهذا
الشكل المهول في المجتمعات العربية المعاصرة؟
التيارات الإسلامية عموماً (الإخوان المسلمون؛ السلفية
ومُشتقّاتها) نعرف جيداً تاريخها، وحياة مؤسسيها، ونملك
شهادات قيّمة ممّن كانوا ينشطون داخلها، ولدينا اعترافات
موثقة، آخرها لواحد من مؤسسي تنظيم القاعدة سابقاً، نبيل
نعيم، الذي أثبت بأدلة قاهرة أنّ هذه المنظمة تستقبل أموالاً من
الخارج، وأنا تُقدّم خدمات جليلة للغرب (الكافر في العلن،
ولكنه الصّديق الحميم في السّ). منظمة إرهابية ذات نظرة
قروسطية، ُاتلة، رجعية، إقصائية، ولكن الأخطر من ذلك أنا
عَمِيلة، وتتآمر مع المخابرات الغربية، علناً أو في الخفاء، لديها
مشروع ثابت: تجزئة العالم العربي، تدمير بناه التحتية، تشويه
تركيبته الاجتماعية، خلق نعرات طائفية، والانتهاء بحرب أهلية
طاحنة تأكل الأخضرواليابس. إنا كارثة إنثربولوجية بأتمّ معنى
الكلمة، أينما حلّ الإسلاميون وفي أي بلد، فكن متيقّناً من أنّ
الدمار سيحلّ فيه لا محالة، وأنّ العنف سيستفحل، وسيَستشري
في أوساط المجتمع النفاق والكذب والأمراض النفسية والجنون،
وسيدبّ الانقسام في كلّ مفاصله. ونحن نرى هذا الأمر يعتمل
أمام أعيننا في تونس، البلد المُسالم الجميل الذي ما إن حلّ فيه
الإسلاميون، ودون انتظار طويل ودون مسبّقات، حتى دبّت
فيه البلبلة واشتغلت آلة الخراب: فإذا بالخطاب الاجتماعي تغّ
إلى خطاب عقائدي، وأصبح المجتمع التونسي منقسماً إلى مؤمنين
وكافرين، مصلّين وتاركي الصلاة، صائمين ومفطرين؛ النقاش
المحموم حول إدراج بند الشريعة كمصدر للتشريع في الدستور،
بعد أن كانت تونس دولة علمانية (نسبيّاً)، لا ذكر في دستورها
صراحة للشريعة. الإسلاميون وفي أي بلد دخلوه لا يرضون إلا
بالشريعة، لا يرضون إلا بالجهاد في كل بقاع الأرض، ما عدا في
إسرائيل. وليسمنسبيل المصادفة أنه مع الإسلاميين أُسْدِلَ ستارٌ
سميكعلى الصراع العربي الإسرائيلي، لن تسمع أبداً فيخطاباتهم
كلمة عن الفلسطينيين وعن معاناتهم اليومية تحت نير الاحتلال
الصهيوني. إنّ أكبر خطر يهدد المجتمعات العربية الحالية مصدره
حوارات
المهدي مستقيم




