183
2016 )9(
العدد
الأول والمباشر هو الإسلاميون، هو برنامجهم القروسطي، هو
ع ََلتهم الواضحة الصريحة، دون أن ننسى تأييدهم ودعمهم
اللامشروط من طرف السياسة الغربية الانتهازية. المفكر العربي
الواعي يجب أن يصارع على جبهتين: جبهة الداخل بفضح عمالة
الإسلاميين ومشروعهم التجهيلي التدميري، وجبهة الخارج،
بتعرية وفضح مكيافلية السياسة الغربية التي ترعى الإرهابيين
الإسلاميين في كل أقطار الأرضوترسل الشبّان العرب، بعد أن
يتمّ غسل أدمغتهم عن طريق الدّعاة الوهابيين وإغرائهم بالنكاح
في الدنيا (جهاد النكاح) والنكاحفي الآخرة (الحور العين)، للقتال
من أجل مشاريعها الإمبريالية. لقد رأينا ذلكفي أفغانستان، حينما
كان قاطعو الرؤوس يُسمّون «محاربين من أجل الحرية»، وفي
الشيشان، وفي يوغسلافيا، وأخيراً في سوريا والعراق.
* يبدو أنّ الفكر العربي ينشطر إلى قسمين: الأول علماني والثاني
إيماني، ألا يمكن أن نتحدث عن فكر تنويري معتدل ذي هويّة
عربية إسلامية؟
المنطقة الوسطى في العلم لا وجود لها: إمّا أن تعلم أو أن تجهل،
كذلك من الجانب الإيديولوجي، إمّا إسلاموية إخوانية أو علمانية
مكتملة واضحة المعالم، صريحة ومباشرة. المبادئ الأولى لا تُقتطع
إرباً إرباً ولا ُزّأ، أو تُوزّع هنا وهناك. أن تكون نصف إسلاموي
ونصف علماني فهذا جنون، هذا تشويه للعقيدة وللعلمانية في
الوقت نفسه. لكن من المؤسف أن ترى الآن بعض المفكرين
ينحون هذا المنحى ويَبثونه في نشرياتهم ومؤلفاتهم وحواراتهم
المكتوبة والمرئية، وهكذا فإنم قد أحدثوا بلبلة في عقول الشباب،
وقوّوا من مواقع الإسلاميين، لأنه معلوم وثابت أنّ الإسلاميين،
بحكم انتهازيّتهم الدائمة، يقتلعون أيّ كلمة أو إشارة من
طرف المفكرين العلمانيين لكي يُوظّفوها لصالحهم. أنا أقول إنّ
هذه الفكرة التي تتردد الآن على مسامعنا، وغالباً ما يستخدمها
الإسلاميون، من أنّ هناك تطرّفاً علمانياً في مقابل تطرّف ديني،
هي فكرة متهافتة، ومموّهة، خاطئة بل مضللة، غايتها تبريرية،
أي المحافظة على الواقع كما هو، أكثر منها وصفاً للواقع. العلمانية
هي التي أتاحت للإسلاميين أن يتحركّوا بحرية في كلّ أصقاع
الأرض، أن يثبّتوا أقدامهم في الدول الغربية التي يعتمد فيها
النظام السياسي مبدأ فصل الدين عن الدولة، أن يَبنوا مساجدهم
في كل ركن، وأن يستقدموا دعاة وهابيين من بلدان الخليج
لدمْغجة الشباب وحثه على الجهاد (في سوريا وليسفي إسرائيل)،
أن يُبرزوا شعاراتهم ومعالمهم الطائفية، والبعضمنهم ذهب أبعد
من ذلك، وأصبح يطالبعلناً بتطبيق الحدود الإسلامية، من قطع
وبتر وجلد في العواصم الغربية التي تحتضنهم. مَن المتطرّف إذن؟
العلماني أو الإسلامي؟ هل سمعتعن علماني فجّر نفسه في سوق
شعبية أو ذبح شخصاً منادياً الله أكبر؟
* حتى الدول العربية التي أعلنت انفتاحها السياسيعلى بعض
مبادئ الحداثة لم تسلم من شرارة الانتفاضات إذ سرعان ما ثارت
عليها شعوبها وأطاحت بها، فهل المشكل في الحداثة أم في الدول
العربية أم في الشعوب؟
أن تثور الشعوب ضد أنظمتها الاستبدادية فهذا أمر عادي في
سيرورة المجتمعات، ونقرأه في كلّ كتب التاريخ. إذا تدهورت
الحالة الاجتماعية وضُيّق الخناق على الحريات الفكرية والسياسية،
وفُقّر المواطنون فإنّ التّململ الاجتماعي غالباً ما يقود إلى ثورة
شعبية، تبغي الحصول بالقوة على حقوقها التي حُرمت منها. لكنّ
ّ قد يستبق الأحداث ويُصلح الأضرار في وقت
الحاكم المتب
سريع وبقرارات جريئة. المشكلة ليست في الحداثة أو في تبنّي
مقولاتها، بل في عدم اكتمال الحداثة سواء من حيث التشريع أو
من جانب الفكر الذي من المفروضأن يساوق تطلّعات المجتمع،
الحداثة تدعو إلىتحرير المرأة، تدعو إلى المساواة بين المواطنين بغض
النظر عن عقيدتهم، الحداثة الفكرية تعني مناصرة العقلانية، هي
نقد الدين (لا التطرّف الديني فحسب) كمنظومة عقائدية وكرؤية
للعالم، متخلّفة رجعية، مُدمرة للعقل وماحقة لإنسانية الإنسان.
أين الحداثة في العالم العربي ولدينا تشريعات دينية تضطهد
المخالفين وتطبّق أحكام شريعة قروسطية، وتترك المجال واسعاً
للإسلاميين كي يبثوا سمومهم في وسائل الإعلام بكل حرية؟
العالم العربي فعلاً قام بثورة، إن صحّ تسميتها هكذا، ابتدأت من
تونس، والسبب الذي خرج من أجله الشباب هو تحقيق مطالب
الحرية والكرامة والتشغيل، لكن ماذا كانت النتيجة؟ هجوم عدد
مهول من الإسلاميين (بعضهم إرهابيون لم يتملّصوا من ماضيهم
الإرهابي) افتكّوا من الجماهير ثورتهم وتلاعبوا بمطالبهم، وإذا
بالمسألة المُلحّة أصبحت الإسلام في خطر، وشريعة يجب تطبيقها
وعلمانية المطلوب العاجل هو القضاء عليها، ثم تقديم خدمة
جليلة للسياسة الإمبريالية الغربية بتسفير أكبر عدد من الشبان
حوارات
حوار مع المفكر التونسيمحمد المزوغي




