Next Page  188 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 188 / 362 Previous Page
Page Background

188

2016 )9(

العدد

يوسف بن عدي

حوارات

أعلنتها عليها الثقافة السائدة من أجل نفي الاختلاف وتثبيت

الأرثوذوكسيّة.

إنّ الحداثة في مفهومها العميق ليست قطعاً مع الماضي ولا مع

التراث، بل هي قطع مع اعتبار الماضي أو التراث نموذجاً يقتدى

به وتُصاغ على شاكلته بالضرورة اختيارات الحاضر والآتي. فما

يجب القطع معه هو نموذجيّة الماضي الواسمة لكلّ فكر سلفيّ،

والمانعة من إخضاعه للنقد والتشريح وإعادة البناء في سبيل

التجديد والإبداع اللذين يمثّلان جوهر التحديث.

)

2015

*صدرلكمؤلفٌ جديدٌ «سياسةالتسامحوالاختلاف»(

- الصادر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود والمركز الثقافي العربي-

هل النص هو قراءة في تداخل الدين والسلطة والثقافة، أم هو

بمثابة نوع من التأريخ للمهمّش والمضطهد والمنفي في الثقافة

العربية الكلاسيكية؟

هو هذا وذاك في الوقت نفسه: لقد سعيتُ في هذا الكتاب إلى

إبراز النتائج المنجرّة عن تداخل الدين والسياسة، وخاصّة عن

توظيف السياسة للدين في غير هدفه الجوهريّ الخيريّ. تجّ هذا

التداخل في تحالف السلطة السياسيّة التي تفتقد إلى مشروعيّة

اجتماعيّة قوامها العدل، مع سلطة دينيّة أصبحت َُأسَسة،

لتفرضا معاً ضرباً من الاستبداد الفكريّ والسياسيّ الذي

يصادر الاختلاف المشروع ويضيّق هامش الإضافة المتأتّية من

الجدل الحقيقيّ بين الاختيارات. وبيّنت في الإطار انتشار ظاهرة

«المتحوّلين» فكريّاً ومذهبيّاً من اختياراتهم الأصليّة إلى اختيارات

السلطة بسبب الاستبداد الذي واجهوه.

إلى جانب ذلك، سعيت إلى الكشف عن تجارب سياسيّة

همّشت حقيقتَها الروايةُ الرسميّة للتاريخ، وشوّهتها القراءاتُ

الموجّهة منذ القديم إلى اليوم، وهي تجارب متسامحة بالمفهوم المتاح

في القديم، وفّرت إطاراً متميّزاً للاختلاف المشروع داخل الدولة

الواحدة وبين مكوّنات المجتمع الواحد. ومنطلقنا في الدراسة

هو التساؤل والمراجعة: «التساؤل عن حقيقة أزمات سياسيّة-

فكريّة أحيطت بالكثير من الغموض والاضطراب فيما يُتداول

حولها، ومراجعة البداهات التي استقرّت حول انعدام التسامح

في سياسات الدولة العربيّة الإسلاميّة، وحول حقيقة بعض

بارزاً طابع الانفراد بالحقيقة، وتنجح في رمْي كلّ اختلافٍ معها

أو مغايَرةٍ في خانة «الخطأ» أو «البدعة» أو «الكفر». بينما الثاني ـ

وهو العقل المعرفيّ- ينتج معرفة متناسبة مع مستوى التطوّر الذي

يبلغه الفكر البشريّ في عصرها ذاك، ولا تدّعي لنفسها امتلاك

الحقيقة النهائيّة، فتعارِضمن خلال التزامها بالنظر العقليّ الثقافة

الرسميّة المسيّجة بجملة من المسلّمات، وتلقى مصيرَ التهميش

والإقصاء والنسيان. ولهذا بقدر ما تحتاج الثقافة السائدة إلى

تفكيك آليّات انتشارها، وإلى الكشف عن تاريخيّتها منظوراً إليها

في ما تثبته وفي ما تنفيه وتتأسس على أنقاضه، يحتاج المهمّش إلى

إعادة تركيب وترميم لرسم منظومته وللاعتراف به وجهاً من

أوجه الثقافة القديمة في تعدّدها الثريّ والمنتج. فربّما احتوى

ما

Humanisme

المهمّش من مؤ ّات العقلانيّة و«الإنسويّة»

لم يحتوه الرسميّ السائد.

* الحقُ، أنّ كتابك: «حفريات في الخطاب الخلدوني، الأصول

) تمكّن من سبر ورصد

2008

السلفية ووهم الحداثة العربية» (

معطيات نظرية وتاريخية دقيقة كدليل على وقوع بعض القراءات

للمنجز الخلدوني في المبالغة النظرية والإيديولوجية...، وبهذا

خلصت إلى ما يلي: «...ولعل هذا ما نهض به الخطاب الخلدوني.

فكان أن مثل ـ ومايزال- الآليات السلفية التقليدية التي ستظل

). أليست هذه الخلاصة

306

منتصبة في وجه الحداثة العربية»(ص

هي إعلانعنمحدودية التراثوأفقه التاريخيوالتأويليونصوصه،

إذ حسبنا أن ندرسه ونفحصه لبيان محدوديته وانسداده؟

المشكل ليسمطروحاً أبداً مع «التراث» هكذا بصيغة التعميم،

بل هو مطروح مع نصوص وخطابات ومنظومات فكريّة

محدّدة، هي بطبيعتها عاجزة عن إنتاج معانٍ حداثيّة طالما تغنّى

بها مفكّرونا الذين يتبنّون قراءات إيديولوجيّة للتراث. وكما قلت

عن الخطاب الخلدوني، فـ«إنّ إكسابَ خطابٍ ما ـ عاجز بنيويّاً

عن إنتاج هذه المعاني ـ قيمةً معرفيّةً تحديثيّةً تتحوّل بحكم الشيوع

وإعادة الإنتاج إلى بداهة، يفضي إلى نتيجة عكسيّة، وهي سهولة

تسّب جملة معانيه السلفيّة والمنافية أصلاً للتحديث، إلى حقل

الفكر العربيّ المعاصر فيزيد في تعميق أزمته». لكنّ خطابات

أخرى في هذا التراث هي فعلاً تعكس اختيارات تحديثيّة

بالمفهوم المتناسب مع كلّ عصر. والإشكال الكبير هو أنّا لقيت

ـ في معظمها ـ كلّ ضروب الإقصاء المنجرّة عن «الحرب» التي