189
2016 )9(
العدد
وثانياً، هناك مشروع بحث أعتبره على درجة كبيرة من الأهمّيّة
وهو «التسامح في الثقافة العربيّة: دراسة نقديّة». تبنّته مشكورةً
مؤسّسة «مؤمنون بلا حدود» الداعمة للفكر النقديّ الحرّ
والمؤسّس لقيم الخير وشرعيّة الاختلاف. وسيجمع هذا المشروع
بين مجموعة متميّزة من المفكّرين والباحثين العرب، كلّ منهم
سيدرس الموضوع من زاوية تخصّصه.
حوارات
التجارب التي مثّلت فعلاً نزوعاً متسامحاً حجبته الثقافة السائدة
تاريخيّاً». وهدفنا المعرفيّ هو محاولة ترميم المتشظّي من حقائق
الفكر والممارسة العربيّين الإسلاميّين، والمساهمة في تشريح أصول
اللاتسامح في تيّارات من الثقافة العربيّة الإسلاميّة ما تزال ترمي
بظلالها على جزء هامّ من ثقافتنا.
* هل من مشاريع وجذاذات فكرية مقبلة؟
أوّلاً، هناك كتابتحت الطبع في دار الجنوب بتونس، وسيصدر
خلال أيّام، ومن المفروض أن يكون حاضراً في معرض تونس
. وعنوانه: «زعامة المرأة في الإسلام
2016
الدولي للكتاب مارس
المبكّر، بين الخطاب المكتوبوالخطاب الشفوي». حاولتفي هذا
الكتاب أن أفكّك الخطابات التاريخيّة الرسميّة بهدف الكشف
عّ قام به المؤرّخون من إعادة تشكيل لزعامات نسائيّة عرفها
الإسلام المبكّر، هدفهم من ذلك خدمةُ القيم التي يدافعون عنها
وصياغةُ مفهومٍ للزعامة يختزل تصوّرَهم للسلطة. واعتبرتُ أنّ
البحثفي هذا المفهوم وفي هذه الفترة بالذات: «الإسلام المبكّر»،
يكتسي كلّ أهمّيّته، لأنّه السبيل إلى معرفة المعايير التي اعتُمِدت
في توزيع الأدوار، وفي صدارتها المعيار الجنسويّ الذي قبع في
زوايا التهميش والنسيان رغم تحكّمه العميق في عمليّات إنتاج
المعنى في الخطاب العا ِ. وبيّنتُ كيف كان منتجو هذا الخطاب
-على اختلاف انتماءاتهم المذهبيّة- ذوي خلفيّة ذكوريّة تحرِصُ
على احتكار السلطة، وتحصر مفهوم «المرأة النموذجيّة» في
ملازمة الخدور، شعارُهم في ذلك «ما أفلح قومٌ ولّوْا أمرَهم
امرأة». وبيّنت أيضاً كيف ظهرت المعاني التي سعوا إلى حجْبِها
أو إلى تشويهها، في الخطابات التاريخيّة «الشعبيّة» غيرِ الخاضعة
لضوابط الثقافة الرسميّة. هي واجهة الثقافة الشفويّة المتداولة في
مجالس القصّ والمنتديات، تلك التي وجدت طريقاً إلى التدوين
في كتابات تاريخيّة غير معترف بها رسميّاً، ومصنّفة ـ وفق معايير
«العلماء»ـ ضمن «غير العلميّ» والموضوع أو المكذوب، وضمن
ما ُذّر من الاطّلاع عليه. انطلاقاً من هذا الخطاب التاريخيّ
«المهمّش»، وانطلاقاً من تفكيك أبنية الخطابات التاريخيّة السائدة،
أمكن لنا ـ إلى حدّ ما- أن نعيد تركيب الصورة الحقيقيّة لظاهرة
أزعجت العاِ «مثقّف السلطة» الدينيّة والسياسيّة، وهي زعامة
المرأة في الإسلام المبكّر، الفترة التي أسندَ إليها حجّيّة مرجعيّة في
تحديده للصائب من الممارسات والمواقف.
حوار مع الدكتورة ناجية الوريمي بوعجيلة




