190
2016 )9(
العدد
*
محمد شوقي الزين
ملخص:
السؤال المؤرّق الذي لا ينفك الفكر الفلسفي يعاود طرحه
بين الأقاليم والأزمنة: هل ثمّة شيء يمكن ابتكاره بعد أفلاطون
وأرسطو؟ لكن يقابله سؤال آخر بشكل عكسي: هل كلّ ما ابتكره
أفلاطون وأرسطو هو تراث مغلق ومصفّد يستحيل معه إبداع
شيء آخر؟ جاءت فلسفات الاختلاف لتحطم وهم الأصول
الذي يعتبر أنّ الفكر هو مجال أثيري وأحادي تغترف من معينه
العبقريات الفلسفية، وأنّ كل ما يتم التفكير فيه أو تدوينه هو
مجرّد نسخة عن أصل سابق ومفارق. تأتي محاولتي لتطرح رهاناً
عسيراً يجمع بين الهويّة والاختلاف تحت عنوان عريض أستعيره
من ابن عربي «هو لا هو»، إنّه إثبات للهويّة ونفي لها، وتحت فكرة
محورية هي «التشاكُل»، على وزن التفاعل، التي تُبرز جانباً من
التماثُل بين أشكال الفكر، وفي الوقت نفسه تُبرز جانباً من التمايُز.
إذا أخذنا أهمّ نموذج وأطروحة في ذلك وهي فكرة «وحدة
الوجود»، نتساءل: ما الأمر الذي يجعل هذه الفكرة الوحدوية
حاضرة في أشكال متعارضة من الفكر (المادية الرواقية وروحانية
أفلوطين)، وفي أشكال متباينة من الانتماء الثقافي والديني (ابن
عربي الإسلامي، نيكولا الكوزي المسيحي، ليسينغ اليهودي)؟
ماهي أدواتهذا التشاكل؟ بأيّ معنى يمكن القول إنّ فكراً يماثل
فكراً آخر ويتميّز عنه في الوقت نفسه؟ هل التشاكُل هو ضرب
من ضروب الجمع بين النقيضين: بين التشابُه والاختلاف؟
يتطلب الأمر وقفة معرفية حصيفة على سؤال التشاكُل الذي لا
أضعه فقط كسمة إبستمولوجية، ولكن أيضاً، وخصوصاً، كقيمة
حضارية في التعارُف والتكامُل. هل التشاكُل هو إجابة ملائمة
عن هذه المنازع بحكم أنه يقرّر بالخصوصية والعالمية (هذا وذاك)
وينفيهما في الوقت نفسه (لا هذا ولا ذاك)؟
وأنظمة الاختلاف
التشاكُل الحضاري
المحتويات:
مقدمة
أولاً: «التشاكل»: الأدوات والصيغ (هو لا هو، اللادونية).
- «هو لا هو»: تشاكل كياسمي
- «اللادونية»: اللغة واللغْوة أو النفي المضاعف
ثانياً: «الباروك» بوصفه برزخاً بين عالمين: الإطار والمرآة
- باروك برزخي: تشاكل دينامي
-سريان أيوني: وحدة الوجود
ثالثاً: التشاكل والمثاقفة: الإمداد والامتداد بين الثقافات
- الطبقة المفكرة ووعاء التفكير: دو شاردان والمجال العقلي
- المجال النصي: «لادونية» النصوتأويلاته
- المجال الثقافي: «لادونية» المثاقفة
خاتمة
*****
«ما منشيء ظهر في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة
تُشاكِل ما ظهر، أي يتقيّد بها، ولولا هي ما ظهر»
)
435
، ص
2
(ابن عربي، الفتوحات المكية، دار صادر، ج
مقدمة
ما الشيء الذي يجمع على صعيدٍ محايد أو مشترك بين مادية
الرواقي وروحانية الأفلوطيني؟ ما الأمر الذي يجعل أنطولوجيا
ابن عربي تقترب في بنيتها وصيغتها من تفكيكية دريدا؟ ما سبب
تشابُه قصة «حي بن يقظان» وقصص «روبنسون» ديفو و«أندرينيو»
غراثيان؟ كيف تتشابه فلسفات أو قصص أو آداب على الرغم
من الاختلاف في اللغات والمعتقدات، أو أنّ اللاحق لم يكن يعرف
بوجود السابق، أو أنّ السابق لم يؤثّر مباشرةً في اللاحق؟ هل يتعلّق
1
) كما ذهب أرنست رينان
noosphère
الأمر بمجال فكري (
1- . Ernest Renan, Dialogues et fragments philosophiques (1876).
مقالات
مفكر وأكاديمي من الجزائر.
*




