Next Page  202 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 202 / 362 Previous Page
Page Background

202

2016 )9(

العدد

والسامية (تبتغي السماء). من جذوة هذه الشجرة الإنسانية يمكن

استخلاص نيران فكرية وأنوار عقلية هي ذخائر بشرية مشتركة.

إنّ المنطق اللادوني، الذي يجعل الأجزاء لا تقوم دون الاستناد إلى

بعضها بعضاً، يجعل كلّ منظومة ثقافية أو حضارية ممكناً. فمثلما

أنّ الماء يَنتُج من اجتماع ذرتي هيدروجين وذرة أوكسجين، كذلك

لا يمكن للذرات البشرية أن تنتج محيطاً فكرياً وإيكولوجياً فاعلاً

إذا لم تجتمع حول مبادئ مشتركة تأخذ بالسمة الإنسانية الجامعة.

المجال النصي: «لا دونيّة» النص وتأويلاته

قبل الانعطاف على المجال الثقافي لتبيان كيف يشتغل المنطق

اللادوني من أجل مثاقفة متحقّقة يتمّ بموجبها تمفصُل الثقافات، من

الأجدى النظر كيف يشتغل المجال النصيداخل كل ثقافة، بحكم أنّ

. إنّ

29

النص يشكّل ظاهرة ثقافية بامتياز، أيّاً كانت طبيعة هذا النص

النصيحقّق لذاته ما أسميه «الاستدارة التأويلية» وهي أنّ المعنى الذي

يختزنه أو الكينونة التي يبديها يفلتان من كل احتكار يستأثر به تأويل

من التأويلات أو إرادة من الإرادات. تقول هذه الاستدارة التأويلية

إنّ المعنى الكامن في النصلا يمكن اختزاله في دلالة يقوم كل تأويل

بتشكيلهاحول النص. إذا كان النصلايقوم دون تأويلاته تبعاً للمنطق

اللادوني الذي أحبكه هنا، فإنّ التأويلات لا تقوم أيضاً دون النص

تبعاً للمنطق اللادوني الذي أحكيه هنا؛ فالنص يتيح التأويلات مثلما

التأويلات تصنع الواقعة النصية من زواياها المختلفة. يضع ميشال دو

)، جامعة بين النقائض،

oxymoron

سارتو مثلاً مفردة «أكسيمورية» (

30

)

interdit

وتشير إلى هذه الاستدارة التأويلية وهي «الحظر» (

. الطابع الأكسيموري في هذه المقولة يكمن في أنّا «تبيح» أو «تتيح»

جرحاً لذيذاً أو جمالاً قبيحاً. فمتى كان الحظر إذن عبارة عن إباحة أو

إتاحة؟ هل ينتمي إلى المقولات الأكسيمورية التي كان لها في التاريخ

الفلسفي استعمال نقدي أو جدلي (مثلاً: «الفارماكون» الأفلاطوني في

القراءة الدريدية، «الأوفيبونغ» الهيغليفي القراءة الهايدغرية،... إلخ)؟

لفهم هذه الخاصية الأكسيمورية، التي تنتمي إلى المعجم التشاكلي

الذي وضعتُ بعض صيغه وأدواته هنا (هو لا هو، لا دونية،

- طالع مثلاً: نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص: دراسة في علوم القرآن، الهيئة

29

.1990 ،

المصرية العامة للكتاب، القاهرة

30- Michel de Certeau, La faiblesse de croire, texte établi et

présenté par Luce Giard, Paris, Seuil, 1987, p. 214.

باروكية، كياسمية،... إلخ)، فإنّ الحظر الذييفيد الإباحة غيرممكن

إذا لم نقم بشق المقولة إلى اثنين (أو «تفجير» بالمعنى الذي نجده عند

ابن عربي) ونقول إنّ الحظر الذي يفيد الإباحة هو: «عبر-القول»

) أو «تقاوُل» (على وزن تفاعُل). تفيد هذه المقولة قيمة

inter-dit

(

«لا دونية» وهي أنّ النص يمنع أن تُبرز التأويلات دلالات أخرى

غير المعنى الذي يختزنه على سبيل النسخ أو المحاكاة، لكن، تبعاً

للاستدارة التأويلية لا تُبرز التأويلاتسوى الدلالات التي تضعُها

كشرط نظري لما فهمته من النص. معكوس ذلك، أنّ التأويلات

تسعىلأن تكون دلالاتها هي [الـ]دلالة الواحدة والوحيدة الممكن

استخلاصها من النص، والنصيحظر أن يكون المعنى الذي يختزنه

هو المعنى الواحد والوحيد الممكن تداوله كحقيقة في التاريخ. إنّ

الحظر أو الممنوع في النص هو استحالة المعنى بالدلالة اللادونية

استحالة نفي بانتفاء الإمكان:

1- :»

التي أمنحها للكلمة «استحالة

يستحيل أن يكون المعنى الذي يختزنه النص هو الدلالات التي

استحالة إيجاب بتحوّل الإمكان: يتحوّل

2- ؛

تنتجها التأويلات

المعنى في مجموع التأويلات التي تقول إنّا قبضت عليه، فيما هي

تنتج دلالاتها الخاصة، في سياقها وتبعاً لشروطها ونظام رؤيتها،

بشأن النص المقروء. تصبح الاستدارة التأويلية عبارة عن دائرة

تحويلية: تدبير عملية تحوّل المعنى عبر التأويلات، أو تحويل المعنى

كرأسمال إلى صفقات دلالية جارية.

ما يستحيل في النص من المعنى هو ما يستحيل من المعنى

في التأويلات. الاستحالة هنا هي أيضاً معجم تشاكلي، لأنّا

أكسيمورية ولادونية؛ تفيد المنع والعطاء، تقول استحالة القبض

على المعنى في التأويلات، أساساً لأنّ المعنى يتحوّل في هذه

التأويلات، يحلّ فيها ليرحل عنها، يجري على سطوحها دون

درايتها، يسي منها سريان الهواء في الأجواء؛ وفي الوقت نفسه،

تحوّل المعنى بين التأويلات في ارتحال لا ينقطع. بأي معنى إذن

الحظر يفيد الإباحة. هل بالمعنى الأنثروبولوجي (مثلاً: مارسيل

غوشيه، ميشال فوكو) في أنّ الممنوعات هي دعوة لا شعورية إلى

اختراقها (ما معنى هيبة القانون إذا لم يكن هنالك وعي يخترقه

ويبرّر عقوبته بسجنه أو حرمانه؟)؟ هل بالمعنى الأنطولوجي في

استحالة المناسبة بين الألوهية والإنسانية هي استحالة الألوهية

في الإنسانية، تبعاً للوحدة الوجودية؟ ليس من السهل ضبط هذا

الأكسيمور سوى بتفجيره كما فعل دو سارتو، وهو أنّ الحظر يفيد

الإباحة بحكم الاستدارة التأويلية التي هي دائرة تحويلية، يتحوّل

محمد شوقي الزين

مقالات