Next Page  218 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 218 / 362 Previous Page
Page Background

218

2016 )9(

العدد

*

فخريصالح

في سيرته الذاتية التي كتبها بالتعاون مع بنتزي إليس

، يشير المستشرق البريطاني ـ الأمريكي برنارد لويس

1

تشيرتشل

إلى اهتمامه المبكّر بالعالمين العربي والإسلامي، قائلاً في الصفحة

الأولى من الكتاب: «على مدار حياتي المديدة كنت مهتًّ بصورة

أساسيّة بدراسة الشرق الأوسط. بدأ هذا الاهتمام عندما كنت

طالباً صغيراً في المدرسة، وتعاظم منذ ذلك الوقت، وأصبح

هوايةً في البداية، ثمّ نوعاً من الهوس، وأخيراً مهنةً. لقد حاولت

منذ اللحظات الأولى أن أفهم المجتمعات من الداخل، من خلال

تعلّم لغاتها، وقراءة الكتابات [التي أنجزتفي تلك المجتمعات]،

والارتحال إلى بلدان هذه المجتمعات، والإصغاء إلى أهلها وتبادل

الأحاديث معهم».

يؤكّد الكلام السابق شغف لويس بالشرق، وسعيه منذ صباه

إلى فهم الشرق وتفكيك أسطورته من خلال القراءة التاريخية.

ولعلّ ذلك الشغف، وهذا الانشغال المستمر بالشرق على مدار

ما يقارب تسعة عقود من الزمن، هو الذي وجّهه لدراسة تاريخ

الشرق الأدنى في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في جامعة

لندن، حيث قام بتحضير رسالته عن الطائفة الإسماعيلية مع

المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون في باريس، بعد أن أخبره

أستاذه في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية المستشرق

البريطاني هاملتون غِب أنه ليس مؤهّلاً للإشراف عليه في

الموضوع الذي اختاره، ونصحه بالتوجه إلى باريس. وكان الاثنان

غِب وماسينيون، حسب لويس، مستشرقين بالمعنى الكلاسيكيّ

* كاتب وناقد من الأردن.

1. Bernard Lewis (With Buntzie Ellis Churchill), Notes on A

Century: Reflections of A Middle East Historian, Viking Penguin

(New York), 2012.

«برنارد لويس»

يتأمّل تاريخه في قرن من الزمان

للكلمة، إذ إنّ اهتماماتهما لغويّة، وأدبيّة، وثقافية، ودينيّة. كلاهما

أنجز دراسات في التاريخ، من حين إلى آخر، لكن وصف المؤرخ

.

2

لا يصدق عليهما تماماً

اللافت للانتباه أنّ لويس يخلص من دراسته عن الحشاشين

(الذين انبثقوا من بين غُلاة الشيعة، واتخذوا لأنفسهم مظهراً

متطرفاً عنيفاً، مركّزين على قتل المسلمين، خصوصاً الحكّام

والملوك والأمراء وقادة الجيوشورجال الدين)، يخلصإلى القول

إنم يمّثلون انحرافاً عن الإسلام السائد. «فالإسلام، مثله، مثل

المسيحية أو اليهودية، دينٌ ينطوي على رسالة أخلاقية، والجريمة

والابتزاز ليس لهما موضعٌ في معتقداته أو ممارساته». والاستنتاج

السابق يتماشى مع كثير ممّا كتبه لويسعن الإسلام في كتبه وأعماله

الموسوعية، وهي وجهة نظر سيتحّول عنها المؤرخ البريطاني

عندما يبدأ في توظيفمعرفته لخدمة السلطة وتوفير خلفيّة تاريخية

للمشروع الأمريكي الذي سعى المحافظون الجدد من خلاله إلى

تفتيت العالم العربي وإعادة تشكيله على أسس عرقية ـ قومية

ودينية ـ مذهبية. لكنّنا نعثر في مذكرات لويسعلى ما يبدو مؤشراً

ضمنيّاً، سابقاً في الزمن، على انشغالاته السياسية، وانحيازاته

الأيديولوجية، وإيمانه بتوظيف المعرفة في خدمة السلطة وغايات

ـ ينقل لويس عن أستاذه هاملتون غِب قوله له، إنه (أي لويس) «كان أوّلَ

2

مؤرّخ متخصص في تدريس تاريخ العرب ودراسته في إنجلترا كلّها». البقيّة الباقية

ممن يعملون في الدراسات العربية كانوا مستعربين يهتمون باللغة والأدب،

وفي بعض الأحيان بعلم اللاهوت. كما أنّ من يدرّسون تاريخ الشرق الأوسط

والشرق الأدنى، في جامعة لندن، قبل تعيين لويس في مدرسة الدراسات الشرقية

والإفريقيّة، كانوا أساتذة للعربيّة أو الفارسيّة أو التركيّة. وبعد عودته إلى

التدريس في الجامعة، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، يقول لويس: «إنّ الحرب

قذفته إلى قلب الشرق الأوسط المعاصر، وإلى الانخراط في شؤون هذه المنطقة».

مقالات