219
2016 )9(
العدد
الإمبراطورية، من خلال حديثه عن عمله خلال سنوات الحرب
1940
العالمية الثانية في جهاز المخابرات البريطانية بدءاً من ناية
. فقد قضى سنوات الحرب يقوم بأعمال لا
1941
أو بداية عام
يستطيع، كما يقول و«استناداً إلى قانون السيّة»، أن يتحدث عنها
ليعمل في ما
1941
بالتفصيل في مذكراته. كما أنه نُقِل في ناية عام
، ليقوم بترجمة النصوص
M16
يُسمّى جهاز المخابرات البريطانية
المكتوبة باللغة العربيّة، بصورة أساسية، أو بتلخيصها، وكان
بعضها مكتوباً بالشيفرة. وقد تعاون كما يقول مع أحد المجنّدين
، وكان يتقن الألمانية، في تتبّع عميل سوريّ
M16
في فرع آخر من
للمخابرات الألمانيّة، بمقارنة مصادر لويس العربية بمصادر
المجنّد الآخر الألمانيّة. وكان خلال فترة خدمته في الحرب يقوم
بتحويل المكالمات الهاتفية التي ترصدها المخابرات البريطانية إلى
نصّ مكتوب.
وعلى الرغم من أن تجنّده في واحدة من شعب المخابرات
البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية قد لا يكون بالضرورة
مؤ ّاً على اختياراته السياسية والعملية في المستقبل (إذ إنّ هذا
العمل يندرج في بعض وجوهه ضمن الخدمة الإلزامية خلال
الحرب)، فإنّ علاقات لويس وارتباطاته السياسية، ودائرة
معارفه المستقبليين، وكذلك توظيفه لكتاباته التاريخية، تدلّ
دلالة واضحة على توظيفه التاريخ في خدمة السياسة وصناعة
القرار، سواء في مسقط رأسه بريطانيا أو في بلده الثاني الذي اختار
الرحيل إليه فيما بعد (أمريكا). وهو أمرٌ يخالفُ تماماً ما يشدد عليه
في مذكراته بالقول إنه ليس «من المسموح بالنسبة إلى المؤرّخ أن
يعيد تشكيل النتائج التي يتوصّل إليها لكي تخدم بعض غاياته
السياسية والأيديولوجية. هذه خيانة لروحيّة عمل المؤرّخ».
كما أنّ سيرته العملية والبحثيّة تتنافى مع قوله، في موضع آخر
من مذكراته، إنّ «مسؤولية المؤرّخ وواجبه هي قول الحقيقة كما
يراها، الحقيقة بحذافيرها ولا شيء غير الحقيقة. عليه ألا يسمح
لنفسه أن يكون داعيةً وناشراً للأكاذيب، أو أن يُستخدم من قبل
الدعاة وناشري الأكاذيب. هذا ما يمثّل الإغراء الأكبر والخطر
الأعظم على التاريخ كمهنة وتخصص، لأنّ التاريخ هو القضية
التي يختارها المرء ويُغلّبها على أي غرضسياسي».
تكشفمذكرات لويسعن ثلاثة أمور أساسية تنفي عنه حياده
السياسي والأيديولوجي كمؤرخ، وتؤكد على أنه وظّف المعرفة
في خدمة السلطة وأخضع البحث التاريخيّ للغايات السياسية
ـ الأيديولوجية التي عدّها خيانةً لا تُغتفَر بالنسبة إلى المؤرخ
النزيه المحايد. ويمكن أن نستخلص من تلك المذكرات، التي
تأتي كتتويج لمسيرة عُمرٍ من البحث التاريخي المشوب بأغراض
سياسية، الأمور الأساسية التالية:
. دفاعه عن الإمبراطورية:
1
يعلن لويس بصورة لا لبس فيها عن انتمائه الواضح منذ
الصغر لفكرة الإمبراطورية البريطانية، إذ يقول: «منذ مرحلة
الطفولة التي عشتها في لندن خلال العشرينيّات، كنت أشعر
بالفخر بحقيقة كوني جزءاً ممّا يمكن أن نسمّيه أعظم إمبراطورية
في التاريخ، وبكلّ تأكيد الإمبراطورية الأكبر والأوسع في ذلك
التاريخ، التي تمدّ حكمها ونفوذها المباشر أو غير المباشر إلى ما
يزيد على ثلث مساحة الكرة الأرضيّة، و ُِلّ، في أماكن عديدة
من العالم، الحضارةَ مكان البربريّة، و َلِب إلى أجزاء مختلفة
من الإمبراطورية الحريّةَ والعدل بدلاً من الحكم المستبد أو
السلطويّ». كما أنه يميّز الإمبرياليّة البريطانيّة عن الإمبرياليّات
الأخرى، ممتدحاً الدورَ التنويريَ الحضاريّ لتلك الإمبراطوريّة
التوسعيّة التي يفتخر بالانتماء إليها: «لقد كرّست السلطة
الاستعمارية، في الإمبراطورية البريطانية، على عكس غيرها من
السلطات الاستعمارية، اهتماماً كبيراً بنشر التعليم، وعلى نحو
أكثر وضوحاً بالتعليم الجامعي. كان الهدف أن يكون هناك في كلّ
مستعمرة من المستعمرات البريطانية جامعةٌ واحدةٌ على الأقل،
على أن يُبذل فيها بعض الجهد والوقت لتعليم تاريخ شعبها، أي
تاريخ ذلك البلد بصورة أساسيّة». وعلى هذا الأساس عملت
جامعة لندن كما يذكر لويس على إعداد باحثين في التاريخ المحلي
لكل واحدة من المستعمرات، وساهم هو نفسه، من خلال عمله
أستاذاً في قسم الدراسات الشرقية والإفريقية، في إعداد مقررات
دراسيّة لتُدَرّسفي جامعات المستعمرات.
ويضيف لويس في تحيّز واضح للإمبراطورية والتجربة
الاستعمارية: «إنّ المهاتما غاندي ما كان لينجح في نضاله ضد
الاستعمار البريطاني لولا أنه كان يفعل ذلك في مواجهة عدوّ
ديموقراطي متح ّ، وإنّ نضاله السلميّ ما كان ليدوم أسبوعاً
واحداً لو أنّ عدوّه كان هتلر أو ستالين أو صدام حسين». وهو
في موضع آخر، ولدى حديثه عن طلبته في جامعة لندن الذين
«برنارد لويس» ... يتأمّل تاريخه في قرن من الزمان
مقالات




