ملف العدد: الهمجيّة والحضارة
22
2016 )9(
العدد
*
سعيد بنكراد
إلى إلغاء كلمة «عرق» من دستورهم، ذلك
2012
سارع الاشتراكيون الفرنسيون الفائزون في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية سنة
أنّ العرق الوحيد الممكن على الأرضفي تصورهم هو «العرق الإنساني»، أمّا ما عداه فطبيعة صامتة لا يمكن أن ُاسب على أفعالها.
وكانوا بذلك يعترفون بما سبق أن أثْبتَه في المخابر المختصون في الطب والبيولوجيا، وما أكده الكثير من الأنتروبولوجيين قبلهم بالمعاينة
الميدانية. فلا وجود في تصور هؤلاء جميعاً لتفاوتات بين الناس قائمة على أصل بيولوجي يُميز ويفاضل بينهم. وهيصيغة أخرى للقول،
إنّ الإنسان لا يعيش إنسانيته ضمن إكراهاتعرقية سابقة على وجوده في الثقافة، كما لايحقق طبيعته ضمن «إنسانية مجردة، إنّه يفعل ذلك
.
1
دائماً استناداً إلى ثقافاتلا تستطيع ثورات التغيير أن تنال منها بشكل كلي»
وهذا هو الحد الفاصل بين «الهمجيّة» عند الإنسان باعتبارها اختياراً «حرّاً»، وبين «الوحشيّة» عند الكائنات الأخرى، فالتوحش
ليس إرثاً، بل هو نمط «بَري» في الوجود من طبيعة قَسْية. ذلك أنّ الحيوانات، على عكس الإنسان، تجهل كلشيء عن التطور والنمو
ومراكمة المعارف والخِبرات؛ وكل ما يصدر عنها موجود بشكل سابق في طبيعة لا حول ولا قوة لها أمامها. ودلالة ذلك أنّ «حياة»
الحيوان ُتصر في تدبير ظرفي لانفعالات عارضة تستوعبها ردود فعل مودعة في تركيبة «بيولوجية» بشكل سابق على كل أشكال
) الذي يكتفي بمعالجة ما خُزّن في ذاكرته خارج تأثيرات ما يأتيه من التعاقب في الزمان. إنّ
logiciel
الوجود، إنّا شبيهة بالبرماج (
الحيوان ليس واحداً تُشكل الغيرية جوهر كينونته، بل يستمد هويته من قطيع لا تتغير أفعاله أبداً. إنّه كائن «ظرفي»، لا تمايز بينه وبين
نظرائه في انتقاء ما يأكل، ولاشيء يميزه عنهم في اللغة وفي واجهات الجسد.
لا وجود إذن لإنسان يعيشخارج «حد أدنى» من الثقافة، ولا وجود لحيوان يرسم مشروعاً لحياته وفق نموذج ثقافي مسبق، فالزمنية
مِلْك للإنسان وحده. لذلك سيكون من الخطأ رد الهمجية إلى انتماء عرقي «وضيع» هو ما يُصنف عادة ضمن «التوحش»، وهو سلوك
افتراضييحيل على عالم حيواني يجهل كلشيء عن الأخلاق والقيم والقوانين. فالحيوانات التي تعيشحياة البراري وتقتل وتُدمر وتعيث
فساداً لا تفعل ذلك عن «قصد» و«سبق إصرار» ولا تنتشي بما تفعل، إنّا لا تستمد سلوكها ذاك من جينات عرقية أو رغبة في الانتقام
من خصم أو عدو، وليست خارجة على ما سُنّ في العُرْف، كما لا تخرق معياراً أخلاقياً، إنّا لم تكتسب في وجودها على الأرضسلوكاً
عدوانياً، ولم تختر نمطاً في الحياة، إنّا تكتفي، في عمرها الافتراضيكله، بتنفيذ ما بُرمجت للقيام به بشكل «طبيعي»، فذاك منتهى وجودها
وتلك هي الغاية منه.
وليس ذاك هو قدَر الإنسان، فهو لا يتمتع بطبيعة أصلية هي هويته ومداه المطلق، ذلك أنّ «الوجود عنده سابق على الجوهر»، كما
يقول سارتر، بل إنّ «إرادته أقوى من الطبيعة» ذاتها، في تصور جان جاك روسو. إنّه حر و«الحرية هي الطابع المميز للإرادة الإنسانية
وغاياتها» بتعبير كلود ليفي شتراوس. وهو ما يعني أنّ سلوكه هو حاصل اختيارات إرادة حرة في الحياة، وليس نتيجة نُمُوٍ غُفل
مفكر وأكاديمي من المغرب
*
1. Claude Levi-Strauss: Anthropologie structurale deux, édtion Plon, 1973, p.385.
بين المدنيّة والتوحش
«النحن»




