Next Page  28 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 28 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

28

2016 )9(

العدد

*

عز الدين عناية

«كلّما تعالت مدينة إلى عنان السماء مثل جبل، عادت كومة خراب».

)

16

/1

نبوءة بابليّة (إيلو شوما، ج

الهيمنة وثنائية التحضّر والتوحّش

شكّلت التطوريّة ضمن السياقين الاجتماعي والأنثروبولوجي عنصر دعم قويّ لطروحات التحضر والتوحّش. وبعد أن غادرت

ّ

النظرية حيزها العلمي الصرف غدتْ أداة طيّعة بحوزة العقل الغربي للفرز الحضاري. فكان أن شاع التنظير لتوحّشِ الآخر وتح

الذات، وانبرى البحث لإيجاد مسوّغات تاريخية واجتماعية لغرض إثبات سموّ المهيمِن. في البدء انحصر الرهان على مثلّث البيولوجيا

والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا لإعطاء سند علمي لذلك الفرز. تحوّلت فيه العلوم إلى رافد لدعم برامج سياسية ودينية تعتمل داخل

العقل الغربي. فاصطبغت نتائج البيولوجيا، علىسبيل المثال، بأحكام بدنية من خلال الربط بين لون البشرة ونوعية مدارك الفرد العقلية،

حيث النّبل مختزَل في الأبيض، في حين الأسمر والأسود والأصفر هي ألوان كاشفة للمخزون الدوني للمرء. وبالمثل مع الأنثروبولوجيا

من خلال قياسات الأعضاء البشرية، باعتبار المقاس الغربي هو المقاس الأمثل، متجلّية ملامحه في التماثيل الإغريقية الرومانية. وفي علم

الاجتماع من خلال اعتبار السلوكات المثلى هي سلوكات الغربي، وأمّا ما دونا فهي مشوبة بالانحطاط، ولم يسلَم من هذا التقسيم

المجحف رواد السوسيولوجيا في الغرب بتوزيع الترابط الاجتماعي داخل التجمعات البشرية علىضربين: «تضامن عضوي» معّ عن

.

1

سمو الفرد وارتقائه، و«تضامن ميكانيكي» غريزي ما يزال رهين الحاجات الأوليّة

وغالباً ما استند القول بالتوحش والتحضر إلى قناعة راسخة مفادها تبرئة الذات من كلّ ما يشين والتماهي مع كلّ ما يزين، وَظّفت

مقولاتواردة من المجالات التي تتناول الآخر مثل الاستشراق والاستعرابوالاستهناد والدراسات الصينية. وبرغم أنّ لعبة التصنيف

تلك قديمة عرفتها حضارات سابقة تحت مسميات شتّى، على غرار ثنائية البرابرة والرومان، وشعب الله المختار والغويم (الأمميين)،

فإنّ الحضارة الغربية الحديثة التي تفخر بحسّها النقدي لم تسلم من هذا الوقوع مجدداً في فخّ النعوت المشينة للآخر طوراً بـ«الأبوريجان»

وتارة بـ«الإنديجان» وأخرى بـ«الأوتوكتون» المؤدية جميعها إلى إقرار الاستعلاء. كان السومري العراقي قبْل أربعة آلاف سنة حذراً من

هذه النعوت التي ترشح بالعنصرية، فكان تعريفه للأغراب مثلاً يدور حول «من ليس له بيت يؤويه أو مدينة يقطنها»، وبالتالي توظيف

الطابع الاستيطانيفي التمايزات المجتمعيّة، حيث فقدان المدينة يعني غياب التعاليم المنظّمة للعيشوما يترتبعليه من انتفاء للقيم الخلقية

.

2

الناظمة لسير الاجتماع، وما كان النعت ذا حمولة عنصرية أو ادعاء علوّ في مقابل انحطاط الآخر

مفكر وأكاديمي من تونس

*

  ـ لإلمام ضاف بدور الدراسات الشرقية في اختلاق مفهوم الشرق كنقيض للغرب، وما رافقه من سعي حثيث لترسيخ جملة الأحكام المسبَقة والقوالب الجاهزة، يمكن

1

الاطلاع على مؤلف الأنثروبولوجي الإيطالي أوغو فابييتي «الشرق الأوسط: إطلالة أنثروبولوجية»:

Ugo Fabietti, Medio Oriente. Uno sguardo antropologico, Raffaello Cortina Editore, Milano 2016, p. 115.

.133 :

، ص

2016

  ـ ماريو ليفِراني: تخيّل بابل. مدينة الشرق القديمة وحصيلة مئتي عام من الأبحاث، ترجمة: عزالدين عناية، كلمة، أبوظبي

2

الاستعلاء الغربي

مراجعات في مدوّنة