Next Page  33 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 33 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

33

2016 )9(

العدد

وبالمثل وجدَ تبرير استرقاق الشعوب سنداً في المقولات

الكنسية. فقد تساءلت الثقافة الكاثوليكية حول الشرعية

الأخلاقية للعبودية، وكانت الإجابات المعروضة غالباً ما تميل

إلى تسويغ موقفها متبعة مساراً مزدوجاً. من جهة، كانت تلجأ

إلى التسويغ من خلال الشرعية التي جاءت في الكتب المقدّسة

وإلى التعاليم المؤسسة على حق «الحرب العادلة»: وهذا هو الرأي

الذي عّ عنه جاك-بنين بوسُوي، على سبيل المثال، في مقالاته

م). ومن جهة أخرى،

1691

-

1689

«تحذيرات إلى البروتستانت» (

كان يتمّ اللجوء إلى ما يُطلق عليه الإفتاء في قضايا الضمير، الاتجاه

الذي يشير في اللاهوت الكاثوليكي إلى تحليل تلك الحالات التي

ينتاب فيها الفرد المسيحي الشك بشأنا في ما يتعلق بالمبادئ التي

.

15

ينبغي اتباعها في السلوك الخاص

إذ قلة من فلاسفة الحضارة الغربيينممّن تناولوا موضوع الحضارة واللاحضارة، تحاشوا التوصيفات العنصرية أو الاستعلائية، بوصف

ذلك التحول خاصية إنسانية تتعلق بمسار التطور البشري بأسره. البريطاني فيري جوردون تشايلد، في حديثه عن الثورة الحضارية التي

شهدتها البشرية وإن شايع التوجّهات العامة للرؤى التطوّرية التي فشت في القرن التاسع عشر، إلا أنه تطرّق للأمر من زاوية كونية

شاملة، عبر مقترَح مفهوم «ثورة العصر الحجري الحديث»، الذي يطبع المرور من طور التوحّش إلى طور البربرية، ومفهوم «الثورة

.

16

الحضارية» الذي يطبع العبور من البربرية إلى الحضارة

وهو ما يتناقض مع ذلك التضييق الذي حدّده أرنست رينان والمتمثل في رؤية تصوّره بشكل متتابع ظهور الأجناس البشرية في ضوء

التاريخ، وتقترحُ تصنيفاً ثلاثياً: حضرت في البداية «أجناس منحطّة، تفتقر إلى المآثر، وُجِدت على سطح الأرض منذ القدم، ويبقى من

مهام الجيولوجي تحديد أزمنتها»، وهي أجناس ما تزال حاضرة في الأوقيانوس وجنوب إفريقيا وشمال آسيا. لنشهد مع فجر الألف

الرابعة قبل الميلاد ظهور «أول الأجناس المتح ّة»: الصينيون والكوشيون والحاميون (الذين ينضوي تحتهم المصريون والآشوريون

والبابليون)، ويطبع هؤلاء الأقوام طابع مادي صرف ما يزال حاضراً في الصين. وفي النهاية، ظهرت نحو الألف الثانية قبل الميلاد

. هذه التكتلات الثلاثة غير متمازجة: «ولا أي فرع من فروع الجنسين الهندي-

17

«الأجناس الراقية الكبرى»: الآريون والساميون

الأوروبي أو السامي انحط إلى طور الهمجية [...] وبالمقابل لا يُعرَف أيّ من تلك الشعوب الهمجية ارتقى إلى مصاف التح ّ. ينبغي

. فقد أطلّت هذه

18

أن نفترض كون الأجناس المتحضرة لم تمر بطور الهمجيّة، بل حملت في كيانا منذ البدء بذرة التطورات المستقبلية»

الأجناس على مسح التاريخ بما يشبه الظهور من خلف الركح، يُستخلَص ذلك من خلال العديد من الفقرات، فقد لاح الساميون من

الصحراء، التي خلّفت أثراً عميقاً في طباعهم وعوائدهم بشكل راسخ، ومن جملة ذلك عقيدة التوحيد، وبرز الآريون من الغابة المعتدلة

الأوروبية بنتائج مماثلة لكن بأثر نقيض.

.141 :

  ـ المصدر نفسه، ص

15

.20 :

  ـ ماريو ليفِراني: أوروك. أولى المدن على وجه البسيطة، ص

16

17. E. Renan, Histoire générale et système comparé des langues sémitiques, Paris 1855, pp. 501503-.

18. Ivi, p. 468.

ينبغي أن نقرّ بأنّ الغرب، أثناء وصمه الآخر

بالهمجية أو تهميشه بعد أن حلّ بدياره، لم

يخلُ ممّن يسفهون زعمه أو ينتقدون مسلكه،

من داخله ومن أبناء جلدته. فالغرب ليس

كياناً مفارقاً موحداً، بل يستبطن داخله قوى

ومصالح متنافرة وعقلاً مركّباً. وهو لا يفقد

إنسانيته حتى في لحظات السقوط

مراجعاتفي مدوّنة الاستعلاء الغربي