Next Page  31 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 31 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

31

2016 )9(

العدد

لأنا «ثابتة لا تتغير»، ولم يُعترف بفلسفتها لأنا «غير منتظمة وغير

منطقية»، ولا اع ُف بدينها لأنه لا يتفق مع معايير الديانات

.

8

المتوسطية

متاهة أوصياء الدين

الاستعلاءُ المستشري في الغرب يجعل المرءَ ينتابه الشك أحياناً

في مقولات «حوار الحضارات» و«حوار الديانات» و«وحدة

الأديان الإبراهيمية» الصادرة من الشمال، بفعل الأستذة اللاهوتية

التي تمارسها الكنيسة من خلال فرض تصوراتها لفلسفة الحوار.

وليس فقط لأنّ الأطراف المسحوبة إلى هذا المجال قساً غير قادرة

وتعوزها الأدوات، بل لأنّ كنيسة الغرب الموكلة بهذا القطاع، فيها

من الاعتداد ما يجعلها لا تصغي حتى لأصوات الانتقاد الصادرة من مسيحيي الهامش (لاهوت التحرير واللاهوت الأسود واللاهوت

النسوي والكنيسة الوطنية في الصين) بوصفها مهرطقة ضالة، فما بالك بالأصوات الواردة من عوالم الإسلام والهندوسية والكنفشيوسية

والأرثوذوكسية؟ فالحوار ليكون فاعلاً ينبغي الاعتراف فيه بالاختلاف، دون إرساء مسبق أنّ أحد الأطراف يمثّل الصواب والآخر أو

الآخرون ينبغي عليهم التلاؤم، كما هو جار اليوم.

وليس المسلمون وحدهم من يلقون رهقاً مع «الغرب المسيحي»، كما قد ُيّل أحياناً، بل يشاركهم أتباع المسيح من كنائس الهامش.

فمن فرط اندماج الموكّلين بأمر الدين في الغربفي قوى الهيمنة، يتمنّع عليهم الإقرار لأبناء ملّتهم الأباعد بحقهم في الخيار الحرّ. يتجلى

ذلكمليّاً فيحالة لاهوت التحرير فيجنوب القارة الأمريكية، حين نادى بإعادة النظر في مفهوم الإيمان، بوصفه نصرة للمحرومين، لاقى

من المركز في روما صدّاً، وعُدّ هرطوقياً في الدين يستوجب الحرمان. توجّب على ليوناردو بوف، أحد زعماء ذلك الخط اللاهوتي، المثول

. فروما التي

9

أمام محكمة عقائدية في روما ترأسها مفتش العقائد راتسينغر (بنديكتوس السّادسعشر) قبل أن يغدو حبر الكنيسة الأعظم

انضمت إلى جوقة الرسملة العالمية حتى باتت مكوّناً من مكونات الخطيئة البنيوية، كما يسمّيها البرازيلي الفرنسي ميكائيل لوفي، ما عاد

الدين فيها يستوحي تعاليمه من «موعظة الجبل» بل من إملاءات البنك الدولي ومن منظمة التجارة العالمية، وما عاد يعنيه لاهوت الفقراء

بل لاهوت السوق المتمثل في الليبرالية الجديدة وفي «دِين رأس المال»، الذي غدت كنائسه (البنوك)، وإكليروسه (الممولون)، ولاهوته

(الخطط التنموية المملاة). لذلك استوجب على لاهوت التحرير خوضصراع مع الوثنية الجديدة، التي لم تعد وثنية بالمفهوم العقدي،

بل هي مناهضة لأوثان الاستغلال الجديدة المعبودة من قِبل الفراعنة الجدد، والقياصرة الجدد والهيرودسات الجدد، إنهصراع مع وحش

.

10

) «لا تقدروا أن تخدموا الله ومامون [«المال» في الترجمة العربية]»

24 :6

) و(متى

13 :16

«مامون» الأبدي المشار إليه في إنجيليْ (لوقا

وفي فضاء العالم الإسلامي، لم يتحوّل الأفغاني إلى همجي من منظور الغرب إلا بعد استنزافه ضد مملكة الشر، روسيا الشيوعية حينها.

وبالمثل في حيز الحضارة العربية لم يتحول صدّام حسين إلى ليوثان مارد إلا بعد خروجه عّ هو مرسوم له. فمنطق تبدل أحلاف السياسة

ضربت عدواه أحلاف الاعتقاد أيضاً. أحياناً تشعر المسيحية الغربية بحاجة إلى «الأغراب»، ونقصد هنا أتباع النبي الأكرم، فيصبح

.20 :

  ـ المصدر نفسه، ص

8

9. Leonardo Boff, Un papa difficile da amare, Datanews Editrice, Roma 2005.

.188-173 :

، ص

2014

، عُمان شتاء

43

  ـ انظر ميكائيل لوفي: «لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية وعلاقته بالإيمان والعمران»، مجلة «التفاهم»، العدد

10

تكشف الثنائية المانوية للتحضروالتوحش

عن اختزان إسقاطات إيديولوجية تقود إلى

نوع من التبرير، توهم الفاعل أنه بمنأى

ْ

عن أي سقوط حضاري. فهو في زعمه ن

التحضر ينتهي إلى اقترافجرم بحقّ الآخر،

تدمير لهويته، وتهديد لكيانه، وتحوير للسانه،

مصادَرة لماضيه ورهن لمستقبله، بدعوى

استبدال ما هو هابط بما هو أرقى

مراجعاتفي مدوّنة الاستعلاء الغربي