Next Page  32 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 32 / 362 Previous Page
Page Background

ملف العدد: الهمجيّة والحضارة

32

2016 )9(

العدد

، لكنّ ذلك الإيواء إلى خيمة واحدة ينفضّ

11

الجميع فجأة أبناء إبراهيم وأنصار التوحيد، كما أعلن ذلك الكردينال كارلو ماريا مارتيني

ويتحوّل إلى وحدة التراث المسيحي اليهودي، ويُبعد عنه ركنه الثالثلأنه غير ملائم. يغدو التباعد هو الأصل والتقارب مناورة اقتضاها

الظرف، مع أنه ومن منظور تاريخي سياسي بحت لا يمكن نفي وحدة التراث المسيحي الإسلامي وأربع عشرة دولة من جملة أربع

. هناك براغماتية في الغرب

12

وثلاثين تشكل الفضاء الجغرافي الأوروبي اليوم، كانتجزئياً أو كليّاً يسيرها مسلمون لفترة لا تقلّ عن قرن

تتحكم بأحلاف الاعتقاد، لعل أبرزها في الراهن حلف الوئام المبرَم مع الدلاي لاما وأتباعه، وهو ما يجعل ائتمان العقل الديني الغربي

على قيم الكون مقامرة لا تقل خطورة عن إيداع الرئة في رقبة القط، كما يقول المثل.

وفي الحضارة الغربية لطالما تحوّل رجل الدين إلى حَكَم فصل في ما هو توحش وما هو تحضر. فمنذ دمج المسيحية في البنثيون الروماني،

، تحولت المسيحية في نسختها المروْمنة إلى وصية على الضمير الخلقي. وقد وجدت في

13

وما أعقب ذلك من استحواذ على مقاليد تسييره

لاهوت الإفريقي المروْمَن القديس أوغسطين سنداً قوياً، بعد أن صاغ في مطلع القرن الخامس الميلادي أطروحته الشهيرة حول «الحرب

العادلة»، التي حوّل فيها فعل الحرب إلى عمل إحسان. حيث استندت الأطروحة فيما استندت إليه إلى تأويل مجحف لبعض آي الإنجيل،

، أنّ سيّداً أقام وليمة

24-16 :14

التي طالما ألهمت الكنيسة في حروبها وصراعاتها. وفحوى تلك الأطروحة المستوحاة من إنجيل لوقا

ودعا صحبه ثم أرسل عبده ليُحضر المدعويين فاعتذر جميعهم عن الحضور والمشاركة، فقال السيد لعبده «اخرجْ سريعاً إلى شوارع المدينة

وأزقتها، وأحضر الفقراء والمعاقين والعرج والعمي إلى هنا»، لكن مع إدخال هؤلاء بقيت أماكن شاغرة. فقال السيد للعبد: «اخرج إلى

الطرق والسياجات وأجبر الناس على الدخول حتى يمتلئ بيتي». تم تأويل ذلك الإكراه بوصفه إلزاماً بالدخول في الدين الحق، وقد

تعللت الكنيسة بذلك في الحروب والتفتيش وما شابهه. هذه الوصاية الروحية والعقلية على الآخر بقيت ملازمة للحضارة الأوروبية

حتى تاريخنا الراهن حيث لم تتخلصمن استعلائها، ولذلك حري البحثفي المخيال الديني الغربي لتشخيصجذور التعالي قبل البحث

في تشظياته.

والواقع أنّ ثمة تراكماً بنيوياً استعلائياً يرمي بجذوره في ثقافة دينية قروسطية لطالما استبطنت «لا خلاص خارج الكنيسة»، فقد

افتقرت الكنيسة إلى منظومة تعايش مع الآخر تواصلت حتى مشارف عصرنا. ولكن بفعل إكراهات الحداثة اقتضت الأمور تحويراً

) في ما يعرف بلاهوت الأديان. فقد وجدتمزاعم

1965

-

1962

طفيفاً، وهو ما جرتمساعٍ لقوننته مع قراراتمجمع الفاتيكان الثاني (

التحضر وتبرير فعل «المتحضر»، أيّاً كان تناقضها مع الأخلاق، سنداً قوياً في المقولات الدينية. كان المرسوم البابوي «أثناء تواجد

) الذي أصدره البابا نيكولاس الخامس واضحاً وصريحاً بهذا الصدد: فالوثيقة الموجّهة

Dum diversas

( )

1452

يونيو

18

الأعداء (

إلى ملك البرتغال ألفونسو الخامس تخوّل له أن «يهاجم ويغزو و ُضع البرابرة الوثنيين وغير المؤمنين الآخرين أعداء المسيح في عبودية

) أقرّ البابا للبرتغال حقّ غزو الأراضيفي إفريقيا،

Romanus pontifex

()

1454

يناير

8

أبدية». ومن خلال مرسوم «الحبر الروماني» (

بالإضافة إلى الغزوات الإقليمية المقررة مستقبلاً، مُشجعاً ضمنياً التطبيق الفعلي لتجارة العبيد. كان الإقرار يتعلق إذن ليس بالأمريكتين

م بالإضافة إلى المنطقة الممتدة على طول السواحل الغربية من رأس

1415

المجهولتين آنذاك، ولكن بسبتة التي احتلها البرتغاليون عام

بوجادور تجاه الجنوبحتى غينيا. أدت الوظيفة الدينية الممنوحة لهذا الإجراء والمناهضة للإسلام إلى أن يقوم الجانب البرتغالي، في أعقاب

.

14

م)

1453

هذا القرار، بمنح المساندة لحربصليبية بابوية ضد الأتراك في أعقابسقوط القسطنطينية (

11. Carlo Maria Martini, Figli di Abramo: Noi e L’Islam, Editrice La Scuola, 2015.

12. Richard W. Bulliet, La civiltà Islamico Cristiana. Una proposta, Editori Laterza, Roma-Bari 2005, p. 9.

م» للمؤرخ بول فاين.

394-312

  ـ راجع مؤلف «حين غدت أوروبا مسيحية

13

Paul Veyne, Quando l`Europa è diventata cristiana (312394-), Garzanti, Italia 2008.

.124-123 :

، ص

2011

  ـ باتريسيا ديلبيانو: العبودية في العصر الحديث، ترجمة: أماني فوزي حبشي، كلمة، أبوظبي

14

عز الدين عناية