Next Page  288 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 288 / 362 Previous Page
Page Background

288

2016 )9(

العدد

*

محمّد الكحلاوي

قد يتساءل الباحث عن العوامل الرئيسة والأسباب الجوهريّة

التي دفعت بالناقد والباحث السعودي د. عبد الله الغذّامي إلى

التحوّل من سياق النقد الأدبي إلى دائرة النقد الثقافي، الذي ارتآه

أفقاً أمثل لقراءة النصّ، وأداة بحث تساعد على فكّ شفراته،

ومن ثمّ رصد دلالاته البعيدة، التي يمكن اكتشفاها انطلاقاً من

إدراك مكوّنات الأنساق المضمرة الكامنة داخل الخطاب الأدبي

والمتحكّمّة في سياق إنتاج المعنى. وهو ما مثّل أبرز مدار اهتمام

تمحورتحوله مؤلّفات الغذّامي المتأخّرة.

ّ الغذّامي بمنوال النقد الثقافي بديلاً عن مناهج النقد

ب

الأدبي الذي انتهى في نظره كلّ دور له وما علينا إّ إعلان

موته. ذلك ما مثّلصيحة خطاب لم تكن منتظرة، علّها فاجأت

المنشغلين بقضايا المجال الثقافي الأدبي العربي المعاصر، وأسالت

حبراً كثيراً بين المتحمّسين لإجرائها على النصوص الأدبيّة

والرّافضين لها، انتهى إلى جدل في قضيّة المنهج وأدوات قراءة

النصّ الأدبي، وقد ظلّ صدى هذا الجدل مستمرّاً في المجال

الأكاديميّ (العلمي الجامعي)، كذلك ضمن فضاءات الفعل

الثقافي والإبداعي.

يجد الناظر في مشروع النقد الثقافي أنّ صاحبه قد سعى إلى

محاولة هزّ أركان بنيان النقد الأدبي، والحدّ من جدوى الدّراسة

الأدبيّة وفوائدها المعرفيّة والجماليّة، إذ رأى ضرورة إحداث

قطيعة جذريّة ضمن مسار التكوّن المنهجي لخطاب النقد الأدبي

وأشكال قراءة النصّ في ضوء المناهج النقديّة الأدبيّة. ومن ثمّ

تحقيق فصل بين مرحلة النقد المحكوم بالبحث عن الأدبيّة أو

الجماليّة من ناحيّة، وطور الدّراسة الثقافيّة للعمل الأدبي والأثر

الإبداعي الفنّي عموماً، بحثاً عن النسق الثقافي المضمر المتحكّمفي

إشكال المنهج ومأزق النظرية

النقد الثقافي:

إنتاج الإبداع وتوجيه الوظيفة من ناحيّة ثانية، وهو ما كان محور

الإشكالية المركزية لكتابه: «النقد الثقافي».

لكن كيف كان حدث انتقال الغذّامي من النقد الأدبي إلى النقد

الثقافي؟ وما الأدوات المعرفيّة التي استند إليها النقد الثقافي،

ومثّلت عماد تأسيس منواله النظري؟ وإلى أيّ حد يمكن اعتبار

فاعليّة النقد الثقافي قد تجاوزتصرامة مناهج النقد الأدبي، وتعدّد

آفاق اشتغالها على النصّ، لتحوّله إلى مجرّد رافد من روافده؟

. تحت راية النقد الأدبي (البنيويّة والألسنيّة)

1

بدأ الغذّامي مساره العلمي باحثاً ناقداً أدبيّاً متأصّلاً في مرجعيّته

الفكريّة الحضاريّة، آثر في بحثه الأكاديمي المنجز حول ديوان

)، استخدام المناهج

1972

-

1910

الشاعر السعودي حمزة شحاته (

النصّية وأدوات الألسنيّة المعاصرة، كما تجسّدت في التحليل

البنيوي، واستناداً إلى ما استلهمته من مفاهيم «نظرية الأدب»

(الشعريّة)، التي من أهمّها توكيد ضرورة الاشتغال على بنية

العمل الأدبي أي الشكل الفنّي للخطاب ونسيج الّلغة الشعريّة،

إذ اللغة مظهر الجمالية ومادّة الخطاب والفن. وهو ما يعني مدى

أهميّة تجاوز دراسة الأدب انطلاقاً من تصوّرات ورؤى تشكّلت

خارج الأثر محورها المجتمع والتاريخ وشخصيّة الكاتب إلى

الأدبيّة ذاتها التي تتجّ من خلال الّلغة الشعريّة المجسّمة لأدبيّة

م)، كما تقدّمت

1982

النصّ. وهو ما عّ عنه جاكبسون (ت

الإشارة إلى ذلك، بقوله: «إنّ موضوع الشعريّة هو، قبل كلّ شيء،

الإجابة عن السؤال التالي: ما الذي يجعل من رسالة لفظيّة أثراً

. والمقصود بذلك تلك الخصائص الفنيّة المجرّدة للخطاب

1

فنيّاً»

الأدبي كما جسّمتها الّلغة الشعريّة. ومن ثمّ رأى أكثر علماء الأدب

– جاكبسون (رومان)، قضايا الشعريّة، ترجمة محّمد الولي ومبارك حنون، الدّار

1

24

، ص

1988 /1

البيضاء، المغرب، دار توبقال للنشر، ط

أدب وفنون: نقد

أكاديمي من تونس.

*