Next Page  291 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 291 / 362 Previous Page
Page Background

291

2016 )9(

العدد

في هذا المضمار بقول كريستيفيا: «إنّ كلّ نصّ هو عبارة عن

لوحة فسيفسائيّة من الاقتباسات، وكلّ نصّ هو تشرّب وتحويل

.

22

لنصوص أخرى»

وهكذا تحت تأثير شعريّة جاكبسون، ونصيّة بارت: «فارس

النصّ الذي لم يحظ أحد بالتربّع فوق سنام نظريات النقد مثلما

، واستناداً إلى فكرة التناص لدى كرستيفيا في علاقتها

23

حظي»

، أقدم

24

بالتشريحيّة كما نظّر لها ليتش انطلاقاً من تفكيكيّة دريدا

مؤلّف «الخطيئة والتفكير» على قراءة متون الشعر العربي القديم

والمعاصر، مشدّداً على فكرة بارت القائلة: «إنّ الطلائعيّة ليست

، وفي ضوء مقولة التناص استنتج

25

سوى شكل مطوّر للماضي»

كيف أنّ «المتنبّي مخبوء في شوقي، وأبو تمّام في السيّاب، وعمر

. واستناداً إلى هذا التركيب لمنوال في

26

بن أبي ربيعة في نزار قبّاني»

النقد والقراءة تشكّل نسق اشتغال الغذّامي على المدوّنة الشعريّة

لحمزة شحاته. غير أنّه لم يلتزم فحسب استخدام أدوات ومفاهيم

مستقاة من الشعريّة والمناهج النصيّة (التناص) كما نظّرت لها

كريستيفيا وبارت ليعمل على تأويل مادّة الكلام الأدبي في

ضوئها، بل انفتح على نظريّة مدرسة جماليّة التلقي التي أعادت

الاعتبار لدور القارئ، وأبرز مدى فاعليّة دورها في إنتاج المعنى

وإبراز الخصائص الفنيّة للنصّ الأدبي وفق نظرة جماليّة، تستخدم

فلسفة التأويل، وتسعى إلى تجاوز محدوديّة قراءة مناهج تاريخ

الأدب للنصّ، تلك التي تقوم على التحقيب، وحصر دلالة

الخطاب ضمن بعد واحد، مع اعتبار الأثر الأدبي وثيقة تعكس

حياة المجتمع وشخصيّة المؤلّف في فترة مجالها زمن كتابة النصّ.

يقول الغذّامي، رفضاً منه لهذا الطرح: «ومادامت هذه هي وظيفة

القراءة، وذاك غرضها الجمالي، فإنّه لا مكان إذاً للظنّ بأنّ النصّ

الأدبي يحمل معنى محدّداً، أو أنّه ذو معنى على الإطلاق. إنّ النصّ

في حقيقته كينونة من الإشارات ليس لها إّ أن تشير، والقارئ

. ولعلّ ذلك من أبرز شروط تجدّد حياة النصّ ومن

27

يفسّ...»

- المرجع نفسه، ص، ن

22

64 ،

- المرجع نفسه، ص

23

و ما بعده.

13 ،

- المرجع نفسه، ص

24

10 ،

- المرجع نفسه، ص

25

- المرجع نفسه، ص، ن

26

142 ،

- المرجع نفسه، ص

27

وجوه إبداعيته، لاسيّما أنّه «بمقدار ما تستطيع إشارات النصّ

الانعتاق من قيد المعنى المحدّد تكون طاقاتها على الإبداع والتنوّع،

.

28

ولكن حسب أبنيتها الكلّية، داخل أعرافجنسها وسياقاتها»

وهكذا كان تأثير مدرسة جماليات التلقي الألمانيّة واضحاً في

قراءة الغذّامي لأوجه التلقّي الجمالي لدى النقّاد والشعراء العرب

القدامى، فنراه يذهب إلى القول إنّ «القارئ الشاعر قد يطرب

لسماع إشارات قصيدة لشاعر سواه طرباً يتجاوز كلّ أنواع

الاستقبال ودرجاتها عند غيره من المتلقين، وذلك لفرط حاسّته

الّلغويّة ودقّة إدراكه لطاقة الإشارة وانعتاقها. ويعلّل قائلاً: نحن

نعرف قصّة الفرزدق حينما سجد مبهوراً عند سماعه بيت شعر

للبيد في وصف الطلل:

وجـلا السيول عن الطلول كأ ّا

29

زبـر تجدُ متو َا أقلامُهـا

وهنا يظهر وجه آخر لتأثير نظريّة جماليات التلقّي في الغذّامي

حيث يفسّ ذلك بقوله: «وهذا بسبب تفاوت أحوال القرّاء في

. ومن المعلوم أنّ الانفعال والتحوّل في

30

انفعالهم مع النصّ»

الاستجابة و«أفق الانتظار»، كلّها من مفاهيم التلّقي الجمالي

للنصّ الأدبي التي تشتغل بحسب الثقافة والمرجعيّة الفكريّة،

وانطلاقاً من اشتغال نسق التطوّر التاريخي في التعاطي مع لغة

النصّ. وقد أعيد تشكيل هذه المفاهيمضمن النسق المعرفي لنظريّة

جماليات التلقي الذي يلتقي على نحو ما أدوات مناهج ما بعد

البنيوية.

وهكذا استطاع الغذّامي رسم ملامح البناء النظري لمنوال

منهجه ضمن هذا السياق، ويبدو ذلك على الأخصّ عند بيانه

لطبيعة الإطار الفكري النقدي الذي أفرز كتابه «ثقافة الأسئلة»،

حيث قال: «جاءت هذه المقالات استجابة لأسئلة تتوارد عليّ

منذ صار مشروعي الثقافي مرتبطاً بمنهجيّة نقديّة واضحة المعالم،

وتقوم هذه المنهجيّة على النقد الألسني أو النصوصيّة، معتمداً

110

- الغذّامي، الموقف من الحداثة، ص

28

109 ،

- المرجع نفسه، ص

29

- المرجع نفسه، ص، ن

30

النقد الثقافي: إشكال المنهج ومأزق النظرية

أدب وفنون: نقد