289
2016 )9(
العدد
أنّه من الأجدى أن يتمحور مركز الاهتمام في الدّراسات الأدبيّة
المعاصرة على الاعتناء بالبحث في «تلك الخصائص المجرّدة التي
. سواء في الشعر أو في
2
تصنع فرادة الحدث الأدبي أي الأدبيّة»
السد على اختلاف أجناسه وأشكال كتابته.
ّ المنهجي واضحة بالنسبة إلى الغذّامي،
بدت معالم هذا التم
بدءاً بعتبة رسالته العلميّة: «الخطيئة والتكفير»، حيث صدّر
بمقولتين، الأولى لليفي شتراوس، تصوّر كلتاهما جوانب من
التقدّم الذي أنجزته الألسنية باعتبارها نموذجاً «لمنهج يتموقع ما
بين الألسنية والعلوم الطبيعيّة، حقّق قدراً من العلميّة والفاعليّة
في دراسة الظواهر وأشكال الخطاب والتواصل». وهو ما ع ّت
عنه، كذلك، المقولة الثانية لرولان بارت، ونصّها: «تستطيع
الألسنيّة أن تعطي للأدب النموذج التوليدي، الذي هو المبدأ
لكلّ العلوم. لأنّ القضيّة (تكمن) في الاستفادة من قواعد معيّنة
. وقد قاد هذا الإعجاب الغذّامي إلى تبنّي
3
لتفسير نتائج محدّدة»
المفاهيم البنيوية ومبادئ الألسنية الممكن اعتمادها في دراسة
الأدب وقراءة النصوص وتحليلها. ذلك ما يدلّ عليه قوله: إنّ
«النصّ هو محور الأدب الذي هو فعاليّة لغويّة انحرفت عن
مواضعات العادة والتقليد، وتلبّست بروح متمرّدة رفعتها عن
. لعلّ
4
سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصّها ويميّزها»
الغذّامي يستخدم هنا مفاهيم نظريّة الأدب كما نحتتها الكتابات
النظرية للشكلانيين الرّوس، وأسهمت في بناء صرح نظريتها
أعمال الشعريين البنيويين مثل تودوروف وجنيت وكوهين.
ويتجّ ذلك من خلال حضور مصطلحات، في تأليف الغذّامي،
، هو من أهمّ
Ecart
مثل: «انحرفت» و«الانحراف» أو «الانزياح»
المصطلحات المفاتيح التي نظّرت لها الشعريّة بدءاً من جاكبسون
) فالانزياحيحيل إلى العمليّة الإبداعيّة
J. Choen
إلىجون كوهين(
المتمثّلة في تميّز الكلام الأدبي عن الكلام العادي عبر فكرة العدول
واختيار الأسلوب في علاقة بالتخييل الجمالي المولّد لفرادة لغة
الخطاب الأدبي. ذلك ما تشير إليه عبارة الغذّامي: «تلبّست بروح
– تودوروف (تزفيطان)،الشعريّة، ترجمة شكري المبخوت و رجاء بن سلامة،
2
23
، ص
1990 /2
الدّار البيضاء، المغرب، دار توبقال، ط
/1
- الغذّامي (عبد الله)، الخطيئة و التكفير، النادي الثقافي الأدبي- جدّة، ط
3
3
م، ص
1985 /
هـ
1405
6 ،
- المرجع نفسه، ص
4
(....) رفعتها عن سياقها الاصطلاحي إلى سياق جديد يخصّها،
ويميّزها».
وهكذا استمرّ حضور المنهج البنيوي الألسنيومفاهيم الشعريّة
نموذجاً للتحليل وأداة محورية للقراءة ضمن مشروع الغذّامي،
م)،
1992
هـ/
1413
على امتداد نصوص كتبه «ثقافة الأسئلة» (
م)،
1994
م، و صدر
1992
و«القصيدة والنصّ المضادّ» (كتب
م). الذي كانت فاتحته السؤال
1994
و«المشاكلة والاختلاف» (
. وهو السؤال
5
التالي: «كيف يكون النصّ الأدبي نصّاً أدبيّاً»
نفسه الذي قاد مسار البحث في الإشكاليات الناجمة عنه إجابات
. لتبدو
6
وجيهة، إلى «تأسيس علم قائم بذاته هو نظريّة الأدب»
للغذّامي وجاهة التعريفالشعري الألسني للنصّ الأدبي، بوصفه
«شبكة دلاليّة متلاحمة من حيث البنية، ومتفتّحة من حيث إمكان
. وهو ما يعني إقراره بأنّ النصّ الأدبي لا يعدو أن يكون
7
الدلالة»
بنية لغوية ذاتدلالاتوجمالياتمتعدّدة المستوياتوالتجلّيات،
يجسّدها شكل الخطاب الأدبي، الذي هو»نصّ جامع»، يحيل إلى
نسيج لغوي من الرموز والدّلالات ال ّمتناهيّة، يحاول القارئ/
الناقد باستمرار أن يكتشف دلالتها وأبعادها. ومن هنا حاول
الغذّامي أن يشارك فيصياغة مفهوم «النصّ المختلف، وهو الذي
يؤسّس لدلالات إشكاليّة، تنفتح على إمكانات مطلقة من الّلغة
.
8
والتفسير»
ومن ثمّ دلّ هذا التصوّر للنصّ الأدبي، كما سبقت الإشارة إلى
ذلك أعلاه، على مدى تشبّث الغذّامي بالنقد البنيوي ومفاهيم
الألسنية ونظريّة الأدب منهجاً للبحث وممارسة النقد، منذ
إعداده لرسالته «الخطيئة والتكفير»، وإصداره كتاب «الموقف
م)، حيث يقول: «وأمّا الألسنيون، وأنا
1986
من الحداثة» (
واحد منهم، فهم فئة قليلة، دخلت بهم الألسنيّة إلى بلدنا أخيراً،
ولي شرف الانضواء تحت هذه المظلّة الجديدة وعنها وبها كتبت
- الغذّامي، المشاكلة والاختلاف، الدّار البيضاء- بيروت، المركز الثقافي العربي،
5
5
، ص
2994
5
- المرجع نفسه، ص
6
6
- المرجع نفسه، ص
7
6
- المرجع نفسه، ص
8
النقد الثقافي: إشكال المنهج ومأزق النظرية
أدب وفنون: نقد




