292
2016 )9(
العدد
بذلك على ما يعرف بنقد ما بعد البنيويّة. وهو ـ عندي- نقد
يأخذ من البنيويّة، ومن السيمولوجية، ومن التشريحيّة منظومة
من المفهومات النظريّة والإجرائيّة، تدخل كلّها تحت مظلّة الوعي
. ونجده
31
اللغوي بشروط النصّ وتجلّياته التكوينيّة والدّلاليّة»
يتوسّع في بيان معالم هذا المنحى التركيبي الإشكالي، وذلك
Deconstruc�
عندما حاول بسط أسس التشريحيّة (التفكيّكية
(ت
Derrida
)، التي قال بها الفيلسوف الفرنسي دريدا
tion
م)، ومن أهمّ خصائصها الإيمان بأنّ كلّ نسق فكري أو أدبي
2004
يحمل في ذاته عناصر تقويضه، وأنّ فكرة المدلول التي ظلّت هي
المرتكز، حيث تهيمن على كلّ قراءة للنصّ وكلّ خطاب فلسفي.
ومن ثمّ يبدو من البدهي البحثفي إمكانات تقويضما اصطلح
.
)logocentrec
عليه دريدا بالتمركز المنطقي (
وكيلر
)Leitch
لقد استند الغذّامي على كتابات ليتش (
) في بسط خصائص البنية المعرفيّة للتشريحيّة (فلسفة
Culler
(
. غير أنّه في معرضذلك لم يبقَ منشدّاً إلى طبيعة البناء
32
التفكيك)
النظري لمناويل النقد الأدبي، ولم يرَ إطلاقاً ضرورة في التمسّك
بها. فآثر التحوّل من دائرة المناهج النصيّة والشعريّة وما بعد
البنيويّة إلى مجال الدّراسات الثقافيّة والإنتربولوجيا مع الانفتاح
على فلسفة نقد الأنساق وأشكال الرّمز والقيم السلطويّة الفكريّة.
كذلك الشأن بالنسبة إلى فلسفة النقد والخطاب وأركيولوجيا
م) صاحب
1984
المعرفة، انطلاقاً ممّا نظّر له ميشيل فوكو(ت
كتاب «نظام الخطاب».
ومن ثمّ حاول الغذّامي أن يمتح من مجمل هذه الأنساق
المعرفيّة والأدوات المنهجية، بهدف صياغة معالم نموذج للتّفكير
النقدي يكون بمثابة منوال قراءة ومنهج تحليل اصطلح عليه بـ:
، رآه بديلاً عن النقد الأدبي، وراهن عليه أفقاً
33
«النقد الثقافي»
م، ص،
1992/
هـ
1412 ،
- الغذّامي، ثقافة الأسئلة، النادي الأدبي الثقافي بجدّة
31
10
و ما بعدها.
50 ،
- الغذّامي، الخطيئة و التكفير، ص
32
- بدأت الإرهاصات الأولى لفكرة النقد الثقافي أواخر التسعينات. حيث طرح
33
الغذّامي في تونس والمغرب جذور فكرة النقد الثقافي، باعتباره منهجاً بديلاً عن
أدوات النقد الأدبي الذي أعلن عن موته في ندوة الشعر العربي التي انعقدت
، لتصدر
2000
م. وصدرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب سنة
1997
بتونس سنة
أمثل لقراءة النصّ الأدبي وتفكيك شفرات لغته، ومن ثمّ بيان
أشكال حضور الأنساق المضمرة في مستوى البنية العميقة للنصّ
الأدبي، مع رصد كيفيّة تسّب النسق الثقافي عبر لغة الخطاب
الأدبي (الشعري). وليعيد تبعاً لذلك إنتاج قيم ومعايير تذوّق،
تهيمن وتتخفّى وراء الخطاب، لاسيّما عندما تتّخذ من الجمال
البلاغي وبلاغة المقول الأدبي قنوات وأطراً لها. حيث يساعد
ذلك على اكتشاف الوظيفة الدلالية النسقية المتخفيّة وراء جماليّة
الخطاب والأسلوب التي بها ارتقى الأدب من دائرة الكلام
العادي إلى مستوى الكلام الأدبي الذي ميّزته شعريّة مخصوصة
في بناء الخطاب وبلاغة في الأسلوب، غير أنّ اشتغال منوال النقد
الثقافي يكشف كيف أنّ تلك الجماليّة وذاك الحُسن الشعري الذي
يعجب لسماعه وتلّقيه، ليس إّ مجرّد لعبة، هدفها المحوري إعادة
إنتاج منظومة قيم ثقافيّة وسلطويّة، ظلّت سائدة اجتماعيّاً وثقافيّاً
مثل قيمة «الفحولة».
وهنا ترتسم إحدى أبرز مه ّت النقد الثقافي، وأوّلها نقد
«المتن الثقافي والحيل النسقيّة التي تتوسّل بها الثقافة لتعزيز قيمها
. ومن مظاهر ذلك في نظر الغذّامي، «تغييب العقل
34
الدلاليّة»
وتغليب الوجدان، وهذه أخطر الحيل البلاغيّة الشعريّة (التي)
جرى عبرها تمرير أشياء كثيرة لمصلحة التفكير ال ّعقلاني في
.
35
ثقافتنا، وفي تغليب الجانب الانفعالي العاطفي»
. حدث التحوّل إلى النقد الثقافي
2
لقد كنتشاهداً على ذلك التحوّل المفاجئ الذي قام به عبد الله
الغذّامي من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي، حيث أعلن (الغذّامي)
ذلك أثناء مشاركته في الملتقى الأدبي الدّولي حول الشعر العربي
المعاصرالذي انتظم بمناسبة تظاهرة تونسعاصمة الثقافة العربيّة
م، كما أعلن موت النقد الأدبيفي مقابل بدء زمن النقد
1997
عام
)90(
الثقافي. وقد أجريت معه حواراً أدبيّاً مطوّلاً، صدر بالعدد
) التي تصدرها
1997
من مجلّة «الحياة الثقافيّة» (تونس، ديسمبر
وزارة الثقافة التونسيّة، وجاء نصّ عنوان ذلك الحوار مستوحى
من أبعاد الفكرة الجديدة للنقد الثقافي في حقل الثقافة العربيّة
م.
2008
الطبعة الرابعة، سنة
.82
م، ص
2008 ،
- الغذّامي، النقد الثقافي، الطبعة الرّابعة، المركز الثقافي
34
83 82-.
- الغذّامي، المرجع نفسه، ص
35
محمد الكحلاوي
أدب وفنون: نقد




