298
2016 )9(
العدد
من التنظيرات والمفاهيم والاصطلاحات والتصوّرات. لكن
تشييدها وسبكها في نموذج نظري متماسك العناصر ومترابط
منطقيّاً لم يبلغ أشدّه، فضلاً عن فكرة التجاوز في التأسيس النظري
لقواعد المنهج التي تمثّل شرط تحقيق الانفصال والخصوصيّة
المعرفيّة المميّزة لكلّ منهج. وهو ما سهّل إمكان وضع أمر هذا
المنهج موضع مساءلة نقديّة، انتهت إلى ردّه إلى أصوله، وربطه
بمظانّه التي انبثق عنها، ولم يفارقها، وهو ما لاحظه صالح بن
رمضان حين قال: إنّ «اللّهج بالنقد الثقافي وبالنسقيّة وبغيرهما
ممّا يحلو للخطاب النقدي ترديده على مسامع المتعطشّين إلى لغة
الشهوة «العقليّة» و«فتنة القول»، هو في الحقيقة صياغة جديدة في
. ويعلّلصاحبهذا الطرح
67
لغة خ ّبة لمضامين منهجيّة قديمة»
رأيه قائلاً: «إنّ عامّة المناهج التي اهتمّت بمضامين الأدب،
كالمنهج التاريخي والاجتماعي والانعكاسي، لم تقتصر على تناول
الجوانب الأدبيّة، بل جاوزت ذلك إلى الحفر في الأبنيّة الثقافيّة
والاجتماعيّة والمعرفية التي أنتجت مختلف الأنظمة الأدبيّة بما في
ذلك الشعر الغنائي القديم، وحكايات الفروسيّة والبطولات
.
68
والسير المخلّدة للعظماء»
وإن أعرضنا عن منحى «نقد النّقد» هذا، وتجاوزنا مشكل
نظريّة المنهج - لكونه مازال في طور التأسيس، ونظرنا إلى
الجوانب الطريفة فيه التي قد تضيء مواضع وفراغات في النصّ
ظلّت معتّمة، حيث أهملتها القراءات السابقة - فإنّنا سنصطدم
بمشكل النموذج والنتائج الناجمة عن المقاصد البعيدة لمشروع
النقد الثقافي، ومن يهتزّ لطبيعة الصورة التي يرسمها للنصوص
الأدبيّة العربيّة ذات القيمة الرّمزيّة المرجعيّة، ذلك ما عاناه د.
سعيد علّوش، حين قال: «إنّ المشكلة في مثل هذا المشروع ليست
في المنهجلأنّ الكاتب يرتكز على تأسيس نظريمحكم، يبعث آفاقاً
جديدة في نقد الخطاب. ولكن تكمن المشكلة في النموذج الذي
حاول من خلاله أن يهدم البناء بأكمله...، وهو الشاعر، (إنّه)
يمكّن لميثيولوجيا الشاعر من التحكّم في تفسير معضلات ذات
خطورة. وربّما كان من أخطرها أنّ هذا النموذج يسوّغ للسلطة
بمفهومها التراثي (...) المتخلّف مواقفها الجامدة، ويخوّلها أن
- بن رمضان (صالح)، الخطاب الأدبي وتحدّيات المنهج، السعودية، نادي أبها
67
13 ،
م، ص
2010 /
هـ
1431 ،
الأدبي
- المرجع نفسه، ص، ن
68
تجد ذرائع قويّة، تتحصّن من خلالها لمواجهة مشروع الحداثة
. ويحتجّ لذلك قائلاً: «خاصّة وأنّ تأويل د. الغذّامي
69
بأكمله»
قد أمعن في أحكام نائيّة سلطويّة على رموز الحداثة ومنجزاتها،
وبلغة ربّما كانت أشدّ ضراوة من الأصولية الدينية، وإذا كان مثل
.
70
ذلك يقوّض نسقاً، فإنّه يبني نسقاً على أنقاضه دون شكّ»
لعلّ ذلك التضعيف يعود إلى طبيعة منهج النقد الثقافي ذاته
الذي مازال يبحث عن هويّة تبدو مفقودة، وتعريف يكاد يكون
زئبقيّاً لا يقفعلى ماهيّة محدّدة المعالم والأسس، وهو ما يمكن أن
نستنتجه مثلاً من التعريف الذي يعتبر «النقد الثقافي أعمّ من النقد
السياسي»، إذ النقد الثقافي يتمثّل في «تحليل التصوّرات للعالم، أي
الثقافة السياسية التي تقوم عليها الممارسة السياسية، (و) هو نقد
التصوّرات الهرمية للعالم التي هي أساس التصوّرات الدكتاتورية
، نلاحظ إذاً كيفتمّ استبعاد
71
وتوزيع النّاسبين الأعلىوالأدنى»
مقوّمات الأدبية ودراسة الجوانب الفنيّة والعناصر الجماليّة وكلّ
ما له صلة بشعريّة العمل الأدبي وقضايا دلالة نسيج اللغة على
المعنى أو مقوّمات الجمال، من مجال اهتمام فعل النقد، تلك التي
من المفترض أن تشكّل قوام ممارسة النقد ومدار فعل القراءة
والتحليل، ليتمركز الهمّ حول السياق الخارجي والاجتماعي
الحضاري العامّ، ذلك أنّ مجال اهتمام «النقد الثقافي»، في هذه
الأطروحة، «يندرج ضمن نقد أعمّ وهو النقد الحضاري، (إذ)
للنقدين معاً، النقد
Cultural
في اللغات الأجنبية يستعمل لفظ
الحضاري هو النقد الثقافي من منظور أعمّ، فالثقافة وعي تاريخي
تراكم من الماضي في الحاضر، هي رؤى للعالم تعّ عن ثقافات
. هكذا يبدو الميل أشدّ إلى إدماج معالجة النصّ الأدبي
72
الشعوب»
ضمن أفق فكري حضاري عامّ أشبه بالمقاربة الأنتربولوجية
أو سوسيولجيا الثقافة، أو في أدقّ معنى سوسيولوجيا الأدب.
حيث تنظر «الدّراسات الثقافية إلى أنواع مختلفة من النصوص
ضمن إطار الممارسة الثقافيّة، أي العمل والإنتاج وتجلّيات الحياة
اليوميّة للكائن البشري التي تتأثّر بأبعاد اقتصاديّة وبالطبقة
94
- علّوش، نقد ثقافي أم حداثة سلفيّة، ص
69
95
- المرجع نفسه، ص
70
- حنفي (حسن)، من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي، القاهرة، مجلّة فصول،
71
22
، ص
80
الهيئة المصرية العامّة للكتاب، العدد
- المرجع نفسه، ص، ن
72
محمد الكحلاوي
أدب وفنون: نقد




