303
2016 )9(
العدد
، إنّما هي تدخل ضِمْن
4
باحثٌ تونسيّ «بـالأجناس الوجيزة»
الملْك الثقافيّ المُشترك والمتعارف عليه، فهي إذن مبذورة هنا
وهناك في أخبار القدماء، وهي منثورة في نوادرهم، ومن العبث
.
5
محاولة حصرها في مصدر بعينه
. في تعريف اللّغز
1
يعرّف صاحب اللّسان اللّغز: «لغز، ألغز الكلام فيه: عَمّى
مُرَادَه وأضْمَرَهُ على خلاف ما أظهرهُ. واللّغزُ: ما أُلْغز من الكلام
فشُبّه معناه، واللّغْزُ الكَلامُ المُلبّسُ. وقد ألْغَزَ في كلامهِ يُلْغِزُ إلغَازاً
. وكان «قُدامة بن
6
إذا ورّى فيه وعَرّض ليخفى والجمْعُ ألغازٌ»
هـ) قد جعل في كتابه «نقد النثر» من اللّغز
337
هـ ـ
276
جعفر»(
جنساً فرعيّاً ينضوي تحت جنس عامّ هو جنس «النثر» الذي
يشترك مع جنس «الشّعر» في كونما «جنس ْ» عامّْ ينضويان
بدورهما تحت «الكلام»، أو«القول»، أو «الحديث، الذي هو في
هذا المستوى بمثابة «جنس الأجناس» عامّة، منه تنحدر جميعُ
الأجناس والأنواعُ والأشكالُ، وإليه تعود، يقول «قدامة»، في
«باب اللّغز»: «اللّغزُ من ألْغَزَ ال َْبُوعُ ولَغَزَ إذا حَفَرَ لنفسه مُستقيماً
. وحديثاً، تُعتبر
7
ثمّ أخذ يَمْنَةً ويَسَْةً ليُعمّى بذلك على طالبه»
هـ)»
1068
هـ -
1017
محاولة المؤرّخ العثماني «حاجّي خليفة (
في تصنيفه للعلوم محاولة مُهمّة في هذا الصّدد، لأنّا تحمل في
طيّاتها تصنيفاً مُعيّناً للألغاز، فهو يجعله عِلماً خاصّاً قائماً برأسه
ينضوي تحت علم أعمّ منه هو «عِلْمُ البيان»، وهو علمٌ لهُ قواعده
و ُوطه التي يختصّ بها دون غيره من العلوم. يقول المؤلّف في
كتابه «كشف الظّنون في أسامي الكُتب والفنون»: «اللّغز هو
.
8
الكلام إذا عمي مُراده»
- جميل بن علي، الأجناس الوجيزة في النثر العربي القديم، مشروع قراءة، كليّة
4
2013 ،
الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة، تونس
) انظر مث ً:
5
.1871 ،
جلال الديّن السّيوطي، الكنز المدفون والفلك المشحون، (د. ت)، القاهرة
شهاب الدين النويري،: نهاية الأَرَبِ في فنونِ الأدبِ، ، تحقيق حسن نور الدّين،
، (د.ت).
1
دار الكتب العلمية، لبنان، ط
.506
، ص
1997 ،1
، ط
5
- ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، ج
6
- قُدامة بن جعفر، نقد النثر، تحقيق طه حسين وعبد الحميد العبادي،
7
75
، ص
1941 ،
المطبعة الأميرية، القاهرة
- حاجيّ خليفة، كشف الظنون عن أسامي الكُتب والفنون، دار الفكر، بيروت،
8
يُمكن أن نُلاحظ، من خلال هذه التعريفات المُخصّصة للّغز،
أنّا تشترك جميعها في جعلها الغموض والغرابة هدفْ أساسيّْ
للّغز، فهما عماده وركيزته، وهما سبب بقائه وديمومته، ومتى كان
اللّغز أكثر إيغالاً في الغموضوإغراقاً في الغرابة، كان بذلك أكثر
تعجيزاً، وقلّت نسبة فكّ نواميسه، ومن ثمّة، قلّت نسبة فهمه.
ولعلّ ذلكسبب نجاحه وامتداده في الزمان.
. من مقوّمات الخطاب الألغازي
2
قد ُيّل إلى المتلقّي السّامع بأنّ اللّغز، بحكم إطلاقتيّه في الزمان
والمكان، هو غير مُقيّد بشروط وضوابط، ولا يحتوي على بنية
ُدّدة، والواقع إنّ للّغز نظاماً، ولهشروطه وقواعده التي تضبطه،
وتميّزه عن غيره من أجناس الكلام، فهو مُرتبط بصيغ وأساليبَ
ُدّدة ومخصوصة - لعلّ أهمّها السّد والحوار- ولا يستقيم من
دونا، فهي التي تنهض به بداية، وهي التي تضمن له ـ وصوله
إلى ذهن المُستمع ـ أي المُتلقي، في مرحلة ثانية، وهي التي تُظهر
ُللقارئ في مرحلة أخيرة دلالاته المتنوّعة.
. السّرد
1
.
2
يُستعمل السّد في الألغاز ليدلّ على أحداث مضت وانقضت
في الزمن الماضي ولكنّها غدت، بُحكم تواترها واستحضارها في
مناسباتمُعيّنة، أشبه بالحكاية التردّدية، ففي القول المُلغز: «ما هو
La
الشيء الذي كلّما زاد نقص؟» تظهر قيمة السّد الاسترجاعي (
) باعتباره الأسلوب القصصي الأكثر
narration ultérieure
قُدرة على استحضار نصّ هذا اللّغز ومكوّناته، روايات كانت
أم قصصاً أم أمثالاً، وإعادة تحيينها وترتيبها في الحاضر لبسْطها
للمتقبّل بهدف التواصل معه، فلا مناص للمُتكلّم - مُرسل اللّغز
وسارده- إذا ما رام إرسال لغزه، كي يصل إلى المتقبّل- أي المتلقّي
والمسود له- من التوسّل بالسّد. فالسد في هذا المستوى إنّما هو
الأقدر على ضمان عمليّة إنتاج الكلام المُلْغز.
يُرادُ بالسد في هذا المستوى المحافظة على هذه الألغاز
وصيانتها، وضمان استمرارها، وذلك بتبليغها إلى المُرسل إليه،
وبالسّد يتحوّل اللّغز من الوجود المفترض إلى الوجود الفعلي،
أي من الوجود بالإمكان إلى الوجود بالقوّة. فالسد بهذا المعنى
.171
، ص
1
، ج
1994
قراءةٌ في بنية الألغاز الأدبيّة ودلالاتها
أدب وفنون: نقد




