Next Page  305 / 362 Previous Page
Information
Show Menu
Next Page 305 / 362 Previous Page
Page Background

305

2016 )9(

العدد

إلى المُرسل على الأقل، والمعرفة سابقة للسّؤال. وبالتالي فإنّ هذا

الاستفهام لا يعدو أنْ يكون مجرّد استفهام إنكاريّ، وما هو في

هذه الحالة إلا وسيلة تأطيريّة، فهو يضطلع بوظيفة تقديم الحوار

بين الطّرَف ْ. ولعلّ هذه الإجابة الحصرية التي يملكها المُرسل

للّغز تخوّله، في اعتقادنا، ترأّس العلاقة التي تجمعه بالمُتقبّل في هذا

المقام. فهي كالشكل التّالي:

دائرة الاختبار

إنّ ما يُمكن أن نستشفّه من خلال هذا الرسم أنّ العلاقة بين

مُرسل اللّغز ومُتلقيّه، أوالسّائل والمسؤول، على نحو ما يُسميّهما

يتطلّب اللّغزُ مهاراتفي الإلقاء، فهو يتطلّبمهاراتفي الإصغاء

كذلك، ومن ثمّة يعمد هذا المتقبّل إلى حَشْدِ كلّ قُدراته الذّهنية

والثقافية، قبل أن يمضيقُدماً ويلجّ في طلب الإجابة حتى يتمكّن

منها. وبالسّؤال كذلك يعمد المُرسل إلى اختبار قُدرات المتقبّل

وثقافته المعرفية واستثارة حماسه، عن طريق حشْد ما استطاع

من ألفاظ متناقضة وحِيَلٍ يجمعها داخل اللّغز الواحد منها، من

قبيل: «خلط ما يحتاج إليه بما لايحتاج إليه إمعاناً في التّمويه وصرفاً

. لذلك يجب

13

للذّهن عن النتيجة، وإخفاءً للنّافع في غير النّافع»

أنْ يكون المُتقبّل على استعداد لما يأتي به السّائلُ، ولما قد يحمله

اللّغزُ من مُتضادّات والتواءات هي في الغالب مُغْرضة، قد توقع

به وتعوقه عن الاهتداء إلى الإجابة، وبالتالي أنْ يكون ُيّزاً بين

العناصر التمويهيّة، والعناصر المقدّمة حقيقة في اللّغز نفسه، وعلى

قدر ما يكون اللّغزُ أكثر تعقيداً وغرابةً، تقلّ نسبةُ الاهتداء إلى

حلّه، وهو ما سيزيد من تحدّي المتقبّل وتحفيزِه و«تحميشه»، إن

صحّت العبارة، من أجل فكّ نواميس هذا اللّغز.

إنّ القيمة الحقيقيّة للّغز وأهميّته لا تكمنان في ذاته إنّما في الإجابة

عنه، وفي ما يستتبع ذلك من إمكانات تأويل بالنسبة إلى المُتقبّل

خاصّة، وما يترتّبعليه من تشغيل للذّاكرة وللملكة العقليّة التي

تُصبح كلّ الطّرُق لديها مشروعة ومُتاحة من أجل الظفر بالإجابة

الصّحيحة. وما الإجابة عن اللّغز إلا محاولة للتفكير والتذكّر،

، وما «الذّاكرة إلا

14

وما التفكيرُ «إلا نوع من أنواع الذّاكرة»

. يتحوّل بذلك اللّغزُ إلى مصدر «لذّة» وإمتاع،

15

شرط للمعرفة»

إن جاز التعبير، بالنسبة إلى الباثّ، مُرسل اللّغز، لأنّه يجعله في

مقام العَارِفِ المُسيطر على دائرة الاختبار أو الامتحان. إنّ مُرسل

- عبد الله البهلول، الحجاج الجدلي، خصائصه الفنيّة وتشكّلاته الأجناسية في

13

.121

، ص

2013 ،1

نماذج من التراث اليوناني والعربي، قرطاج للنشر والتوزيع، ط

- جان كلود فيو، الذّاكرة، سلسلة ماذا أعرف؟ ترجمة جورج يونس، بيروت،

14

. وفي مفهوم الذاكرة ووظائفها، انظر:

32

، ص

1973

- هوارد فيلب، الذّاكرة، ترجمة محمود عبد المنعم مراد، الناشر المصري، القاهرة،

.1947 ،1

ط

- الحبيب العوّادي، الإبداع والإبداعيّةُ في الشّعر العربي القديم، مطبعة فن

.51-45 ،

، ص ص

2010 ،1

الطّباعة، نهج المختار عطيّة، تونس، ط

- فريديريك لوبيز، الدروس الأولى في الفلسفة، ترجمة، علي بو ملحم، كلمة،

15

.120

، ص

2009 ،

، الإمارات

1

المؤسسّة الجامعيّة للدّراسات والنشر والتوزيع، ط

، هي إذن علاقة عموديّة

11

أبو نصر الفارابي في «كتاب الحروف»

تُعطي أفضلية نسبيّة للمُرسل باعتباره المالك الوحيد للإجابة عن

هذا اللّغز، أي المسؤول عنه. فهو المُتكفّل بافتتاح الكلام بداية،

عكس المُتلقّي الذي يكتفي باستقبال اللّغز في مرحلة أولى، ضمن

طقس من طقوس الإرسال، والتلقّي، والانفعال، الذي تلعب

فيه العواملُ المقاميّةُ والحسيّةُ دوراً مُه ًّ، وذلك عن طريق حاسّة

السّمع، أي «الأذن»، التي هي الوسيط الأساسي بين مُرسل اللّغز

ومُتقبّله. هذا يعني أنّ اللّغز قد نشأ، في أوّل الأمر، في محاضن

شفاهيّة بالأساس، ومفاتيح فهم اللّغز تبدأ بالسّماع بداية، ذلك

أنّ السّماع آلية من آليات الفهم، لذلك عُدّ السّماعُ مُشاركة في

، ومثلما

12

الفعل، وعُدّ السّامعُ «مُشاركاً إيجابيّاً في مقام التواصل»

- أبو نصر الفارابي، كتاب الحروف، حقّقه وقدّم له وعلّق عليه محسن مهدي،

11

.170

، ص

1970 ،

دار المشرق، بيروت، لبنان

،1997 ،1

- سعيد يقطين، الكلام والخبر، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، ط

12

.151 ،

ص

المُرسل

سؤال اللّغز

المُتلقّي

مرحلة ثانية (الإجابة عن اللّغز)

سؤال

إجابة

اللّغز (مرحلة أولى)

قراءةٌ في بنية الألغاز الأدبيّة ودلالاتها

أدب وفنون: نقد